𝚂𝚊𝚟𝚎 𝙼𝚎 | أنقذوني

By faridaboubekeur

212K 9.9K 2.4K

"جسدكِ دافئ.." أغلقت عيني هذه المرة، لا أستطيع التحمل أكثر.. سحقا! لما ورط نفسه وورطني معه في موقف مثل هذا؟... More

♪ تمهيد ♪
الباب الأول: "ثانية قبل الغروب". «لماذا تسأل؟» الفصل الأول.
«ما رأيكِ في كوب قهوة؟» الفصل الثاني
«انزلي، أنا أمام الباب» الفصل الثالث.
«أنا معك لَاتُويَا» الفصل الرابع
«ما الذي تخفينه؟» الفصل الخامس
«إشتقت إليك» الفصل السادس
«أعدك، صغيرتي!» الفصل السابع.
«لم يكن يوما لك» الفصل الثامن.
«أقسم أني سأتناسى!» الفصل التاسع.
«العميل'D'» الفصل العاشر
«ريبانزل» الفصل الحادي عشر
«أبعديني..» الفصل الثاني عشر.
«أحتاجك، أمي!» الفصل الثالث عشر
«والآن، حرّري غضبك» الفصل الرابع عشر
«وقت التدريب سيبدأ» الفصل الخامس عشر
«أخت المجرم» الفصل السادس عشر.
«الليلة سأعيشها كلَاتُويَا» الفصل السابع عشر
«عدنا للواقع، آنسة دِي رَاشِيلْ»الفصل الثامن عشر.
«العميل 'D'..دِلِير!» الفصل التاسع عشر
«هذا تذكاري الأخير لك» الفصل العشرين.
الباب الثاني: "الغروب"... «إنها العميلة 'L'»الفصل الواحد والعشرين
«أنت تخصني» الفصل الثاني والعشرين
«أنتِ لا أحد» الفصل الثالث والعشرين
«أنا بشر أيضا» الفصل الرابع والعشرين
«أنا أحبك» الفصل الخامس والعشرين
«وقت المواجهة» الفصل السادس والعشرين
"هل تغارين؟" الفصل السابع والعشرين
«جسدكِ دافئ»..الفصل الثامن والعشرين
«أيّ الألمين أَهوَنُ؟» الفصل التاسع والعشرين.
«إنّها مجرّد صديقة» الفصل الثلاثين.
«فلننتقم معا» الفصل الواحد والثلاثين.
«لا تنس أمانتك» الفصل الثاني والثلاثين.
«عناق لن يكفي» الفصل الثالث والثلاثون
«هل سأموت مجددا؟» الفصل الرابع والثلاثون.
«نحن معا» الفصل الخامس والثلاثون.
«مرت سنين لَاتِي..» الفصل السادس والثلاثون
«هنا.. انا ابكي مجددا..» الفصل السابع والثلاثون.
«سلميني نفسك» الفصل الثامن والثلاثون
«سآتي..» الفصل التاسع والثلاثون
«كلنا مرتبطين» الفصل الاربعون..
«وانتهى كل شيء هناك! » الفصل الواحد والاربعون
«فلتغفري .. اختي» الفصل الثاني والاربعون
«أطلبي المساعدة..» الفصل الثالث والاربعون.
«لا تفقد الامل فيها!»الفصل الرابع والاربعون.
«هل كنت بطلتك في هذه الحياة؟» الفصل الخامس والاربعون.

الباب الاخير: "الشروق". « أنقذوني » الفصل الثامن والاربعين.

4.5K 252 154
By faridaboubekeur

وَصَلنَا اِلى النِّهايَة وَشَيء مَا لَازَالَ لَم يُقَل
————
الفصل الاخير

ضواحي العاصمة لندن
٠٣:٣٠ صباحا
————

"الى اين نحن ذاهبون تحديدا؟" سألت لَاتُويَا لازارو الذي كان ساكتا منذ انطلقوا بالسيارة.

بعد آخر ما حدث في ذلك المكان اين توفيت أنجلينا، قام لَازارو بأمر رجاله بتقييد كل من لَاتُويَا وألكساندرو، وطالما ان كل ما كان يشغل بال لَاتُويَا هو سلامة صديقتها التي لازالت خلف تلك الصخرة، اشارت لألكساندرو ان يرضى بما يحدث دون ان يقوموا بأي حركة يمكنها ان تقوم بتهديد سلامة نورسين.

لم تعجب الكساندرو تلك الفكرة حقا.. لكنها العميلة 'L' بعد كل شيء!

وهاهما الان في هذه السيارة الرباعية دون ان يعلما تحديدا اين يخطط لَازارو ان يأخذهم!..

"الى نهايتنا.. ستسعدك النهاية.." قال بهدوء..
هناك شيء مختلف في لازارو.. منذ مقتل أنجلينا وشيء فيه مختلف!
انه هادئ للغاية وكأنه لم يفقد لتوه شخصا مميزا في حياته!

رغم انه لَازارو الذي لا يمكن التنبؤ بردود افعاله، الا ان رد فعله هذا غريب بحد ذاته! .. اليس هذا هدوءا يسبق العاصفة؟

"ليس لدي مشكلة في النهايات! منذ ست سنوات تخليت عن حب التمسك بالبدايات.. لم اعد اتمسك حتى بحياتي.." ردت عليه لّاتُويَا بنفس هدوئه!
همهم لازارو دليل على انه يصغي الى كلامها رغم ان لا شيء فيه يظهر أنه  يركز فيما حوله..

صمتا بعدها وكل يفكر في نفسه..
لَازارو كان هادئا بغرابة، اما لَاتُويَا فقد ظلت تنظر اليه وتفكر في شيء لم يكن وقته تماما.. او بالاحرى، كان عليها التفكير في هذا منذ سنوات مضت..
حسنا، انه لَازارو دِيفايو.. الرجل الذي اعتاد عقلها على ان يراه شيطان لدرجة انها نسيت انه انسان بعد كل شيء..
في تلك اللحظة تحديدا،
بعد مدة من الصمت، قررت لَاتُويَا ان تكسره بسؤالها:"لما كانوا يعطونك الادوية في طفولتك؟"
بعد سؤالها هذا، قال لازارو بالالتفات اليها بهدوء وكانها قد اثارت فضوله اخيرا... حسنا، اوليست الان تفتح ملفات حياة طواها الزمان لحد ان تنسى؟

بشكل غير متوقع، وبدل تجاهل السؤال، قام لازارو بالتفكير قليل في قولها ليقول بعدها بشيء من السخرية: "ربما لانني كنت طفلا صغيرا يحب الصخب!"
تعجبت لَاتُويَا من كلامه لكنها انتظرته ان يكمل..

تنهد لَازارو ليكمل بعدها بقليل من الحزن الظاهر رغم سخرية ابتسامته: "لقد كنت مشاغبا في طفولتي.. كنت صاخبا ككل الاطفال بمثل عمري، لكنياهلي لم يتحملوني وكل ما كان يهمهم هو عملهم وسياسة هذه الدولة. لذا، وفي حين انه كان من المفترض ان العب مع اصدقائي كأي احد في عمري، صرت انام طيلة الوقت بسبب المهدئات و المنومات التي كانوا يقدمونها لي.. ولم تمر اشهر حتى احسست ان ذلك الطفل الحيوي قد ذهب... كل ما تبقى منه هو جسد صار مدمنا على تلك العناصر الاصطناعية التي صارت طريدته!"

هل يستحق الشفقة؟ من كان يتوقع ان من ظنت لَاتُويَا انه شيطان بالفطرة ظهر انه كان ضحية شياطين اكبر...
لكنه لايزال شيطان دمر حيوات لا تحصى بعد كل شيء.. والشيطان ما له الا الاحتراق كما احرق أفئدة من عاشروه..

"لكني لست الومهم الان!.." اكمل لَازارو وهو ينظر الى الفراغ.. "لست الومهم على ما فعلوه بي لان لولاهم ما كنت الذي صرت عليه اليوم!.. وللحقيقة، انا فخور بنفسي وماهيتي!"

"وفخور انك كنت سببا غير مباشر بمقتلها؟" سألت لَاتُويَا هذه المرة بقليل من الغضب الظاهر... بان لها كمن لازال، وبعد كل ما حدث، يظن انه الشخص الصائب بين الجميع!

نظر اليها بعدما فهم ما تشير اليه.. فهم ويا ليته لم يفهم!
ان يحس بعد كل هذه السنوات بشعور قوي كشعور الفقدان، شيء اقتحم قلبه وزاده تألما.. كان طوال الطريق منزعج من شيء ما، لكنه لم يعلم ما الامر.. حسنا وان ماتت؟ مجرد فتاة كغيرها.. هذا ما ظنه هو!

لكنها لم تكن مجرد فتاة! كانت بطلة في حياته..

والان، بينما لَاتُويَا تذكره ما حدث، بدأ احساس الالم يجتاحه ما جعله يضع يده على قلبه وهو مكشر لوجهه!
احس بالالم في تلك اللحظة.. احس بالالم بعد سنين من الجفاف!

كانت، وعكس غيرها، متمسكة به! كانت متأملة لآخر لحظة لنه سيتغير من اجلها.. كانت متأملة لآخر انفاسها ان داخل الشيطان لازارو، تكمن روح انسان لم تكتشف بعد!

"ماذا هناك؟ يؤلمك قلبك انك من قتلت انجلينا بيديك؟ آه.. تلك الروح استحقت الراحة.. لقد استحقت الخلاص منك! " اكملت لَاتُويَا بقسوة عليه وكأنها لم تتقبل موتها كذلك!..

"ريبانزل.. يكفي" قال ألكساندرو المقيد في مكانه معاتبا لها ومشيرا بعينيه الى لَازارو الذي بانت قطرات العرق على جبينه..
"ماذا هناك ألكس عزيزي؟ هل تشفق عليه؟ .. لا تعرف اي الكائنات الحثالة هو لذا رجاءا لا تتدخل!"

"وان يكن.. لقد فقد لتوه شخصا .. وان قالوا عنه شيطان، لكنه بشر في النهاية!.. وانت اكثر من ستتفهمين" اكمل الكس معاتبتها بهدوء..
كان الكس دوما من النوع المتفهم والمراعي، وقطعا لم يكن ليغير نفسه ليستثني لازارو!

بعدما جعلت كلمات الكس لَاتُويَا تسكت وتبدا في التفكير مليا في صحة كلامه، حمحم لازارو بينما رسم ابتسامة على وجهه، لا يظهر منها غير الالم!

"عليك اعادة الحسابات عندما يتعلق الامر معي يا فتى!.. الشياطين لا انسانية لها، وقطعا لا يشرفني الانتماء الى صنف البشر.." رغم محاولة لازارو ان تخرج كلماته متناسبة مع معناها، الى ان صوته المرتجف لم يساعده!

انه بشر في النهاية!

"ورغم شيطانيتي.." اكمل حديثه هذه المرة بحزن لم يحاول اخفاءه.. نظر الى يديه واسترسل: "رغم كل ما ارتكبته هاتين اليدين من جرائم.. وحدها هي من وقفت يوما تشاهدني اتلذذ بقتلي لأحدهم.. ووحدها هي من اتت الي تقول 'يوم آخر وانت لم تشفى بعد.. لا يهم، لازال الوقت امامنا!'.. اخبرتها الا امل فيني ولا امل في ان يكون شيء بين شيطان مثلي وملاك مثلها، لكن كل ما اخبرتني به 'سوف اصبح شيطانا مثلك.. سوف اصبح مثلك حتى تتعب.. وعندها تأتي الي وتخبرني انك تريد مرافقتي الى عالم الملائكة للراحة.. وعندها سنرتاح معا!'.. وها هي ذا تذهب هناك وحدها دون انتظاري.. ماذا كانت ستخسر لو انها انتظرت يوما بعد؟ يوم واحد وكنت.. وكنت سأتعب!.."

سالت دموع الكس على خدية وهو يفكر في مدى نقاء قلب تلك الفتاة.. ما كانت تستحق هذا!
اما لَاتُويَا فقد اشاحت بوجهها بغضب، بعيدا وهي تكبح دموعها! فترة صغيرة تعايشتها مع آنجي، لكنها كانت كفيلة لتدرك مدى نقاء قلبها..

اي حب كانت تملكه لتؤمن ان لازارو سيتغير؟ اي ايمان كان يحتويها لتنتظر ان هذا الشيطان سيتعب في النهاية؟...
لكنه تعب.. في النهاية تعب!
لكنهما لم يحضيا بنفس النهاية!..

وسكت الجميع لفترة، كل لا يحتمل فكرة ان الحياة اصبحت غير قابلة للعيش..

"لقد وصلنا سيد دِيفايو.." قال سائق السيارة موجها كلامه للازارو..
لقد توقفت السيارة امام مبنى ما، لم تستطع لَاتُويَا لمحه بسبب انها ما كانت تحتمل لا نفسها ولا الشيطان الذي يتنفس نفس هوائها..

تدري ان مثل تلك القيود ما كانت لتقيدها حقا! لقد تعلمت كيف تفك ما اكثر من هذا! تحلمت كيف تفك نفسها وتحرر روحها من قيود الحياة بذاتها! لكنها فضلت الخشوع له لعلها تفهم ما يدور بباله.. اليس هو لازارو المختل بعد كل شيء؟

"عندما يتعلق الامر بالانتقام، فاجملها عندما تفعل بهم مثلما فعلوا بك!.. ما رأيك انت؟" سأل لازارو بشيء من الفراغ العاطفي في كلماته.
"ماذا؟ تريد ان يفعل بك مثل ما فعلت قبلا؟ آه.. يا حسرتاه على لازارو الذي لا يملك اكثر من روحا كي يذوق كل ما ذوّقه للبشرية" ردت عليه ساخرة.

"لا تتحسري علي يا فتاة.. فقط ارغب التحسر على زوجك! آه.. لكم اريد ان ارى نظرته وهو يفقدك امام عينيه!" ..

رغم ان كلمات لازارو كان فيها شيء من التهديد الواضح، الا ان لَاتُويَا لم تستشعر بالخوف او التردد قط! ارادت اكمال الامر حتى النهاية! بحلول الان، متأكدة هي ان لورين قد قضت على الوزير! وان لم تفعل، فيفضل التخلي عن منصبها لم سيفعل!

"لعلك لم تفهم ان علاقتي بالحياة ليس احسن ما يكون! دِلِير يعلم ما انا عليه، ويعلم لأي درجة يمكنني التخلي عن هذه الحياة! لَازارو.. انا احقق ما اطمح عليه، وادري اني لو سأكمل في هذه الحياة فحتما سأصل الى جميع اهدافي.. اليس هذا مملا؟ ان تعيش وانت تعلم النهاية؟ .. لقد نجحت في الجامعة بتشريف هذه المرة، اذن التخرج بين يدي اليس كذلك؟.. لقد وصلت الى مبتغاي لازارو، وان فقدت هذه الروح الان فلن يشكل الامر فارقا!"

"علاقة بائسة مع القدر!.."
"القدر تخلى عني عندما جعلني اعيش طوال هذه السنين في ذكراها.. ولست اتمسك باليد التي تخلت عن يدي بالفعل"

"على سبيل الذكرى.. جميل ان يعود بنا الزمن الى نفس المكان الذي فقدنا فيها الذكرى" قال لازارو هذه المرة بشيء من الخبث.
كانت الفتاة سترد عليه غير انها بدأت تفهم ما يشير اليه..

لمحت المكان الذي هم فيه من نافذة السيارة فبدأت يداها بالارتعاش لا اراديا.. وكأن جسدها يستجيب ضعفا امام قوة الذكرى التي يحملها هذا المكان في داخلها..
باصابع مرتجفة، رفعت يدها نحو باب السيارة وقامت بفتحه..

اليس غريبا احساس ان نقف مجددا امام مكان ترك في ارواحنا ندوبا لم يقدر الزمان على علاجها..
مبنى ذو هيبة تاريخية يحكي بعضا من تاريخ المملكة البريطانية، ذو بوابة حديدية تبعث فيك احساس الرعب خاصة في مثل هذا الوقت.. ولافتة لم تعد كأي لافتة عند لَاتُويَا..

اقترب لازارو من مكان وقوف لَاتُويَا وظل يناظر المبنى بتمعن معها..

"جامعة بريطانية الاهلية... اليست نفس الجامعة اين انتحرت عزيزتنا تولين؟"

—————

دِلِير أرسَلَان:

"لا تتهور دِلِير! نعلم كم تتوق كي تقضي عليه، وادري ان ما يكنه قلبك ضده شيء لن اكون انا بقادرة على تحمله!.. لكن عليك التأني! انه في الجهة الاخرى الان، ونحن لسنا بعيدين حتى نصل اليه" قالت لورين بشيء من الحكمة رغم انني ادري كل ما تقوله.

بقدر ما يشغلني الان امر القضاء على  الوزير في هذه اللحظة واتمام المهمة اخيرا، الا ان شيء مني يحس بتأنيب الضمير بعدما اتذكر امر الفتاة التي راحت ضحية قتالنا.. انجلينا.. تلك الفتاة لم تكن تستحق الامر، كانت تستحق ميتة اشرف من ان تكون في سبيل انقاذ ذاك اللعين الاخر!

ماذا يفعل الان؟ ما احوالها هي معه؟ لطالما كانت قوية تلك الفتاة! لقد رأيت قوتها في عينيها وهي تتقدم نحو لازارو..

"هل تفكر في لَاتُويَا ؟" سألت لورين بهدوء، وبسؤالها اعادتني الى تلك السيارة التي تقود بنا الى الجهة الاخرى من المبنى الارضي!

"لا ادري ما الامر معها.. لا ادري كيف هي ولا كيف تتعامل مع هذا الوضع" بتعب ظاهر قلت جملتي الاخيرة وكأنني اشكي لها.. وهل تحق لي الشكوى؟ لازلت لا اتقبل فكرة ان زوجتي تتعرض للخطر يوميا.. لكن اوليست تلك ما هيتها؟ من انا كي اغير ما صنعته الطبيعة بيديها؟

"ستكون بخير.. لطالما وجدت طريقة كي تكون بخير! انها عميلة المنظمة بعد كل شيء. ولعلمك، ان فالنتينو متوجه الى موقعهم! حمدا لله ان الكساندرو كان معهم، وحتما جهاز التعقب لازال لديه.. وهل ستقلق بوجود فالنتينو!" حاولت طمأنتي بكلماتها غير انني لم استطع الاطمئنان كليا! كيف سأفعل وذلك المختل معها هناك؟

توقفت السيارة بعد مدة امام احد بيبان المبنى، ومجموعة من رجال المنظمة يحيط به.
وضعت يدي خلف ضهري وقمت باخذ المسدس من هناك كي اهيئه! ما نحن على وشك فعله الان شيء كثيرا ما انتظرته، كل المنظمة انتظرته!..

"اكمل مهمتك يا عميل.. وعش بعدها هنيئا!" تمتمت لورين بشيء من الحزن..
"سوف افعل.. من اجلي ومن اجلها" واحكمت المسدس بقوة في يدي ثم خرجت من السيارة.. لا يهمني ما سيحدث، كل ما افكر به الان هو مقتله على يداي بعد طول هذه السنين..

دخلت نحو المبنى الذي يستهل بادراج نحو الاسفل.. مثلما فهمت من الرجال، فان هذا اقصر طريق نحو مكان تواجد الوزير. امرت بعض العملاء بان يركزوا على ايجاد نورسين وضمان سلامتها، اما جماعة اخرى فأمرتهم بالمجيء معي.. اريد الامر ان يكون سريعا!

"من هناك.. انهم في تلك الغرفة" احد الرجال قال.

بحلول الان، فنحن نقف في مكان مفتوح سوى من البيبان في الجوانب، وقد كانت الاشارة نحو غرفة زجاجية، كنا نستطيع رؤية من كان داخلها.. الوزير، ابنته، بعض الحراس ونورسين بينهم..

كانت نورسين خائفة بينهم ويبدو على ملامحها الرعب والذعر.. لا تقلقي يا فتاة، ستعودين الى صديقتك وهذا وعد مني!

"حاصروا المكان، لا تؤذوا احد حتى اعطي لكم الاشارة.. انطلقوا" امرت الرجال الذين هموا مباشرة بتنفيذ اوامري..

بعدما تأكدت ان الجميع في مكانه، اقتربت من تلك الغرفة وانتصبت بضهري اتأمل الذين في الداخل.. "مرحبا وزير.."
التفت الجميع نحوي ما ان سمعوا صوتي، هناك من تغيرت ملامحهم نحو الفرح، اما البقية فضلوا يتأملوني بقليل من الانزعاج والخوف..

الخوف من سيم الرجال بعد كل شيء..

"دِلِير.. ما كل ما يحدث؟ لما وصلنا الى هذا الحد؟" سأل وليام بشيء من التأنيب..
"لقد وصلنا الى المكان المناسب.. هذه كانت الاخرة التي توقعناها منذ البداية.."
"اي اخرة هذه؟ ... لم يتوقع اي منا هذا! اردنا توحيد عائلتينا بذاك الزواج، لكن لا نصيب جمعكما.. اي آخرة هذه التي توقعتها؟"

ابتسمت بسخرية.. من يهتم؟ لن اهتم ان عادت مشاعري تلتهمني.. سوف اسمح لكل ما حدث لي منذ صغري ان يعمي عيناي فلا افرق بين ظالم و مظلوم.. سآخذ حقي هذه المرة.. سوف انتقم اخيرا فلا داعي للتمثيل الان!

"عائلتينا كُتب لها العداء منذ البداية.. هل نسيت؟"

ظهر على ملامحه بعض الاستغراب ما جعلني استرسل كلامي ساخرا: "العائلة التي هدمتها بيديك ما كانت لتتوحد معك مجددا! ليس لي عائلة.. وكان هذا بسبب سياسي متهور همه الوحيد سلطته!"

"عما تتكلم يا دِلِير ؟ لا شيء من كلامك استطيع فهمه!" اعاد سؤاله باستغراب اكبر.
"انا اتكلم عن دَافنِي و آسِر اللذان قتلتهما امام عيني ابنهما.. هل تتذكر الان؟" قلتها وانا راص على اسناني بغيض مكتوم..

لقد تجاوزت الامر لمدة، لكن اشعر الان ان كل الشرارة قد عادت تلتهمني وانا ارى ردة فعله وهو يفتح عينيه متفاجئا من هذا الخبر الذي لم ينتظره..
"ماذا هناك يا وليام.. اكل القط لسانك؟ هيا يا رجل! قم بالدفاع عن نفسك بقول انك لم تقصد! آه.. لقد قصدت! ولازلت تتفاخر بما فعلته ولا ندم يعتريك.."

"هل انت ولد آسر؟.." سأل بعدم تصديق..
"حسنا.. تشرفنا!" قلتها بسخرية..

"من آسر يا ابي.. ما علاقة دِلِير بالامر!" وجهت كاثرين سؤالها لأبيها وعلامات الاستفهام ظاهرة في نبرتها!
"انه.. لقد كان زميل عمل!" اجاب بهمس..
"لقد كان منافس عمل شريف، لم يرض بالظلم مثلما كنت تتنفسه انت! كان احسن منك في كل شيء! كان لديه عائلة لم تمتلكها انت، كان لديه حب العالم اجمع، اما انت فما امتلكت سوى الحقد بين عينيك! كان هذا هو الاختلاف بينكما! لم يكن نجاحه ما سبب لك الذعر، بل حقدك وغيرتك على ما امتلكه ما دفعك لقتله.. وقتلنا جميعا معا!" صححت كلامه!

ظل الوزير اللعين متعجبا ومتفاجئا مما يسمعه كمن يواجه حقيقة هرب منها لسنوات.. ماذا؟ هل يشعر بتأنيب الضمير الان؟ طبعا لا! ليس له ضمير كي يشعر بتأنيبه..

"والان.." قلت هذه للمرة بجدية.. "فلنترك النساء خارج موضوعنا، لذا ما رأيك لو تسمح للفتاتين بالخروج من هذا الجحيم؟ اترك رجلا من رجالك يوصلهما الى الخارج، اما نحن، فلدينا دين علينا سداده!.."

لم يقل شيئا لفترة.. ظل يفكر في كلامي لما يقارب الخمس دقائق، وكل ما قاله بعدها: "سام.. رافقهما الى الخارج.."
"لكن أبي.." قالت كاثرين بقلق لكن قاطعها وليام بقوله: "اسمعي كلامي كاثرين.. كل شيء سيكون على ما يرام.."

ولم تضف كلمة بعدها! كل ما فعلته انها استجابت لامر والدها وانصاعت له. خرجا الفتاتان من تلك الغرفة واول ما فعلته نورسين انها جرت الي بخوف. لا ادري لما احسست بالمسؤولية اتجاهها في تلك اللحظة!
انها صديقة زوجتي وحبيبة صديقي.. الا يجعلها هذا في مقام اخت لي؟

"دِلِير.. كيف هي لَاتُويَا ؟ لقد أخذها لازارو معه.." قالت بذعر..
ادري انها ضعيفة، لطالما شكت لي لَاتُويَا عن مدى كرهها لضعفها..
رفعت يدي ووضعته على شعرها اربت عليه.. ابتسمت لها بلطف وقلت: "كل شيء سيكون بخير هذه المرة.. انت اخرجي من هنا وكل شيء سيعود الى مجراه، حسنا؟"

رأيت الدموع تتجمع في عينيها لكن كل ما فعلته انها اومأت موافقة ثم ذهبت مع واحد من رجالي  الذي اشرت اليه.
وما ان تأكدت انها خرجت سالمة حتى احسست بهيئة تقترب مني بخطى متثاقلة..
"هل كل شيء كان كذبة؟ هل كان هدفك الانتقام منذ البداية؟.." سألتني وهي تنظر امامها دون الالتفات نحوي قط..

لا يؤلمني الامر.. هذه الفتاة ليست ملاكا! وانا لست بملاك ايضا.. لذا، لا يهم!

"اجل.. كنت وسيلة فقط كل اصل الى والدك!" قلت بدون مراعاة.
التفتت هي نحوي، لكنني لم اقم بالمثل! عيناي مازالت متربعة على الوزير امامي.. ورغم هذا، فلازلت استطيع الشعور ببكائها..

ذهبت بعدها.. ذهبت تاركة لي كي اواجه ماضيّ!
ماذا سأفعل به الان؟ سوف نمرح على ما يبدو..

لا ادري كيف ولا متى امر رجاله، لكن ما ان خرجت كاثرين حتى بدؤوا يشنون هجوما من داخل الغرفة ما جعل من الزجاج ينكسر كليا اثر الرصاص..

اللعنة على خبيثين مثله!
قمت بتفادي طلقاتهم على مضض، وامرت الرجال برد الهجوم من جهتنا كذلك!
واقف انا الان خلف جدار واطلق على اي واحد تراه عيناي..
الكثير اصبح على الارض بحلول الان، لكن هدفي في هذه اللحظة ليس ما يحدث هنا، بل ذلك المعتوه الذي بدأ بالتسلل مع احد رجاله خفية..

غبي!..

جريت بنفس اتجاه الوزير متفاديا ما امكن من الطلقات ومحاولا عدم لفت انتباه اي احد! اريد الاختلاء به دون اي ازعاجات!.. هذه المرة سيكون هو لعبتي!

دخلت من نفس الباب الذي دخلا منه، ولم تمر مدة طويلة حتى وصلت الى الفأران المتسللان. قمت بلوي يد الرجل الذي كان يوجه سلاحه نحوي! قمت بضربه على رأسه بالسلاح في يدي ما جعله يفقد الوعي ساقطا على الارض..

"ها نحن ذا..." قلت بمرح..
"دِلِير اسمعني بني.. فلننس ما حدث.. لقد كانت ايام غفلة بالنسبة لي! لم اكن واعيا في شبابي.. اطلب المغفرة يا بني" كان يترجاني بينما يعود للوراء بشيء من الرعب.
"المغفرة؟ مني؟ ماذا فعلت كي تطلب المغفرة؟ ضربتني؟ صفعتني؟ صرخت علي؟ لقد قتلت والداي امام عيناي يا هذا! لقد شاهدت عيناي مفارقة روح والدي لجسديهما! تتوقع من مغفرة لعينة ان تجعلني اسامحك؟ غباء.."

رفعت يدي، بحركة سريعة وجهت مسدسي نحو رأسه! لا مجال للتراجع الان.. سوف يموت، ولا قدر سيستطيع انقاذه!
"لمعلوماتك.. انا عميل في منظمة المهمات الخاصة!"

اقتحم التفاجؤ عينيه مجددا وهو يستمع لكلماتي.. علم في تلك اللحظة ان لامفر الان! كل شيء يقف ضده! نحن في غرفة ذات اربعة جدران، عميل منتقم يوجه بمسدسه الى بين عينيه.. اي نهاية اجمل..

الوزير الاول لبريطانيا.. حقير السياسة الذي لا اخلاق تنصفه! وليام ديفايو مرتكب ابشع الجرائم ما ظهر منها وما ستر.. انه الان يدفع ثمن جرائمه!

فلترقد بسلام في الجحيم يا وزير!

"هل انتهينا؟ هل اتممنا المهمة؟" سألت لورين وانا جالس الى جانبها في السيارة!
"لقد دخلنا منزل الوزير الاول، عرفنا اهم مخططاته، اتينا بكامل ملفاته التي تهمنا، وها نحن ذا ندفنه دون ان يشك احد!.. الا يعني هذا انتصارا؟" اجابت لورين وهي تنظر من النافذة نحو المبنى الارضي الذي كان يحترق ثم استرسلت: "لا احسن من النيران في دفن الماضي.. وليام ديفايو اصبح من الماضي الان!"

"انتهت المهمة.. ومهمتي بدأت الان! هناك زوجة تنتظرني"
"هناك زوجة، ابنة، صديقة والاهم..عميلة!.. انها تنتظرنا جميعا! كل المنظمة بخدمتها الان! فلننقذها، ولتنعموا بالحرية التي لطالما ضحيتم من اجلها! تستحقون الراحة بعد كل هذه الحرب.. انني اقدم لكما حريتكما المطلقة، باسمي وباسم كامل المنظمة! انتم احرار" قالت لورين بشيء من الراحة... راحة من لقي السلام اخيرا..

"حريتي في سجن حبها.. هناك شيء ارغب بالاعتراف به، فرجاءا لنسرع"

—————

لَاتُويَا دِي رَاشِيل:

وماذا في الامر لو عدت بعد سنين الى المكان الذي فقدتها فيه؟
وماذا ان عدت الى نفس المكان الذي فقدت تعلقي بالحياة يوما بسبب شعور تأنيب الضمير الذي لطالما اعتراني!
لقد كان هذا المكان بداية رغبتي في التخلي عن الحياة..

في كل مهمة وضعت نفس وجه التحدي لرغبتي الشديدة في الارتياح.. لكن الحياة تمسكت بي فلم ارد خذلانها كما خذلتني هي!

دون شعور مني.. قمت بالدخول الى تلك الجامعة في الليل الدامس الذي يحفزك على الموت.. وما اجمله من موت ان اموت في نفس المكان الذي ماتت هي فيه.. اليست هذه افضل نهاية؟

مررت بالاروقة التي حملت فيني مشاعر الحنين والخذلان..
"تولين ال*****" "تولين ال*****" ... كلمات الطلاب التي كانت ترتاد الجامعة بعدما كانت تولين ضحية حيوانات بشرية! احيانا اقول انها عملت صالحا بانتحارها.. لكنها حرمت على نفسها النعيم في الاخرة! .. تمنيت لو انها حاربت، تمنيت لو انها تمسكت بيدي اكثر وآمنت بي! تمنيت لو رأت الامل الذي كان بين عيني، فلعلها كانت معنا الان.. كانت تنعم بهدوء لطالما تمنته!

وها انا ذا اقف على السطح الذي شهد نهايتها، ونهايتي معها!
كان النسيم باردا، تماما كنسيم انجلترا ذلك اليوم! اغلقت عيناي وتنفست بعمق.. كنت اتنفس ذكريات كنت اخاف مواجهتها! وها انا الان اواجه خوفي بعد هذه السنين... لقد تغير شيء فيني.. اصبحت اقوى رغم ضعفي!

"المكان جميل اليس كذلك؟.. احب الاماكن التي شهدت على آخر الانفاس! احسها تحمل تاريخا في اركانها" قال لازارو وهي يتقدم نحوي.

احسست ببعض الرجال يقفون في الوراء، لذا التفتت نحوهم لأجد ألكس بينهم جاثيا على ركبتيه بينما مازال مقيدا.. ابتسمت له وكأنني اهدئه..
ابتسم لي هو الاخر، ابتسامته المعتادة التي لطالما بعثت في نفسي احساس الامان والراحة.. كل شيء سيكون على ما يرام! لن يحدث معه شيء وسيخرج من هنا سالما..

"احب النهايات.. احب نهايات البشر التي تشعرني انني عدت الى بدايتي" اكمل لازارو كلامه بهدوء.. "لكن نهايتها ذهبت بي الى النهاية.. وللمرة الاولى، احس بطعم النهاية المر"
"علينا تذوق جميع الاطعمة لنفرق بينها! .. النهاية او البداية، انها مجرد مراحل في الحياة! والمرحلة التي انت فيها هي النهاية الان!" قلت له بنفس هدوئه..

"اتدري لازارو.. طوال الست سنوات الماضية، كنت الشخصية الوحيدة التي لطالما رغبت في القضاء عليها حقا! لطالما كنت في عقلي لدرجة انني صرت مثلك! في كل شيء كنت اسأل نفسي 'لو كان لازارو في مثل هذا الموقف ماذا كان ليفعل؟' فأجد نفسي افعل شيئا كنت انت ستفعله!.. وفي هذه اللحظة سؤالي هو 'لو كان لازارو مكاني، يقف امامه من اراد القضاء عليه منذ زمن، ماذا كان ليفعل؟'.. والاجابة واضحة اليس كذلك؟"

"خطأ.." اجاب بابتسامة .. "لازارو ماكان ليكون في محل كهذا، لقد كان ليقتله منذ اول مرة اراد ذلك! انه رجل اللحظة، لا يؤجل الامور.. لذا لا تأجلي اليوم ان استطعتي"

احسست انه اصبح يشبهني ايضا! احسسته يريدني بشكل ما ان احرره من هذا السجن وكأنه لم يعد يتعلق بالحياة ولا بالقدر..

كنت سأسخر بشكل ما منه، الا ان صوت قدوم سيارات قد شدني، فنظرت لأسفل المبنى اشاهد موكب السيارات القادم..
المنظمة.. هذه سيارات المنظمة..

"لدينا حفلة على ما اعتقد!.. سوف اعود، لذا انتظريني" وذهب من جانبي..
لا ادري ان كنت سأنتظرك.. احساس الهدوء الذي يعتليني ليس مجرد احساس بسيط! اود الاستقرار!

"ريبانزل... ابتعدي من هناك، سوف تسقطين ان واصلت الاقتراب"
التفتت الى الكساندرو الذي كان يصرخ محذرا.. للحظة احسست كمن كانت تجره قوى لم يفهم مصدرها.. اردت الشعور بها! اريد التوقف عند هذه اللحظة!

"وان سقطت ماذا سيحدث؟" سألت بابتسامة ممازحة.. بشكل جدي!
"سنحزن يا بلهاء! انا، المعلم، العميل دِلِير وأصدقائك.. كلنا سنحزن! ما بك اليوم يا فتاة؟ لا تنسي ان ريبانزل لم تنتحر! بل قتلت تلك الشمطاء من اجل حريتها!"

ابتسمت هذه المرة .. من قلبي صدقا!
اي روح طفولية لازالت في قلب هذا الفتى؟..

اقتربت اكثر نحو الحافة ونظرت الى الاسفل.. رغم الظلام الحالك، الا ان الاجواء اصبحت منيرة بسبب الرصاص الذي كانوا يطلقوه.. من بين عملاء المنظمة، كان هناك من دربتهم شخصيا.. وبينهم ايضا، لمحت اسدا يحارب الجميع ببسالة.. املت برأسي وابتسمت!
لطالما كان للمعلم رونقا بين تلاميذه!..

في تلك اللحظة اردت التخلي عن كل شيء.. اردت الشعور بالهدوء بعد سنين..
لم يحدث شيء حقا! سوى انني عدت الى هذا المكان..

آه.. هناك شيء اخير!

رسالة لم اجرؤ على فتحها ولا قراءتها.. آخر رسالة من الذي فقد روحه هنا!
وضعت يدي المقيدة في جيبي وقمت باخراجها.. رأيت الغلاف الخارجي فنزلت دموعي لا اراديا مني.. انها تولين قطعا! لديها هذا الذوق في الرسائل ولكم اعتز بها..

فتحتها بأيدي مرتجفة محاولة التشجع.. ان اقرأ كلمات كتبتها يديها، ان احس انني اتواصل معها بعد كل هذه السنين شيء لم اكن مستعدة له.. لكن اليوم، او ابدا!

'عزيزتي رفيقة بؤسي.. مرحبا!
لا ادري كم من يوم مر على غيابي الان.. يوم؟ يومين؟ اسبوع؟ ربما اربعين يوما.. ادري انك الان مازلت غاضبة مني لمغادرتي بهذا الشكل.. لم اودعك حتى! كيف انت؟ وكيف هي احوالك؟ اتمنى انك اعتدتي غيابي فيما يخص اشغال البيت.. لا تنسي ان تطبخي لنفسك وفلتعديني انك ستفعلين!
لماذا ارسل رسالة؟ حسنا.. لانك اليوم، وبعد يوم طويل وانت تحاولين فيه احياء روحي الميتة، نائمة انت الان على السرير بينما اراقبك بصمت وهدوء.. هل اخبرتك من قبل ان شعرك جميل؟ احب كيف انك صاخبة طوال النهار، وما ان تغفين حتى تصبحين ملاكا بشعر حريري اغار منك عليه.. لا ادري من ذا الذي يغار على اخته، لكن لا يهم! .. انك الان هادئة، لكن عقلي ليس هادئا البتة! منذ فترة الان وانا احس بشيء لم يكن علي الاحساس به! احس انني فقدت احساسي وسط ما حدث! اراك تتحلين بالامل، تناضلين من اجلي وتضيعين مستقبلك أملا فيني بينما كل ما افعله انني افقد الامل يوما بعد يوم! لكن وسط كل هذا اليأس، احساس ان هناك روح تناضل من اجلي، احساس ان هناك من يرى تولين اكثر من كونها مجرد تولين.. هذا الإحساس وحده جعلني اتمسك الى هذا اليوم.. لكن، ليس بعد اليوم على ما اعتقد..
'سوف نسمو عاليا ونرتقي.. سوف نكون في الاعلى هناك لدرجة ان لا احد سوف يرانا.. انتظريني فقط يا تولين، وسترين كيف انني سأصبح هناك في الاعلى'.. تتذكرين صحيح؟ وها انت، بسببي، تجثين على ركبتيك طالبة المساعدة... هل كنت اختا غير صالحة لهذه الدرجة؟ ..
انت تقرئين رسالتي الان وكلي يقين ان دموعك ما كفت عن الانهمار.. لكن مواجهة الحقيقة امر محتوم!
لَاتُويَا.. لم اتخلى عنك يوما قط! لقد تخليت عن نفسي منذ زمن الان، لكن لم اتخلى عنك.. الا ان روحي انتهت صلاحيتها الان! ولا اريد ان تنتهي انت معي! اجل لقد توفيت الان.. لكن فلتحيي من اجلي! واصلي نضالك نحو الاعلى من اجل اختك وفلتجعليه هدفا لك في حياتك! انسي تلك العائلة كما نسيتها الان! املئي روحك املا وحبا حتى تنسيها كما جعلتني انساها بحبك! وان مت فانا مازلت اراقبك، وان كنت تحبينني كما افعل انا ففضلا اجعليني ابتسم كلما رأيت تقدمك.. لا تعلقي في الماضي فهذا يحرق فؤادا لا تريدين احراقه! لقد كنت لي افضل اخت رزقتني بها الحياة.. لقد كنت السلام الذي انعمني الله به! لذا من فضلك واصلي حياتك، اصعدي الى الاعلى حيث تستطيعين لمسي مجددا! حاربي وكانني داخلك الان ولا تجعليهم هدفك..
ورغم غيابي، فانت لست وحيدة الان! بدل روح، صرت تحملين روحين داخلك! وبدل عبء، صرت تحملين عبئين على اكتافك! حققي احلامنا معا، ويومها فقط ستشعرين بالسلام الذي لطالما تمنيه، ويومها سأجد سلامي اخيرا..
فلتعيشي وكأنك تعيشين من اجلي، عيشي كمن ادى واجبه تجاه اخته الى آخر لحظة.. اتعلمين معنى اسم 'لَاتُويَا' ؟ المنتصر الذي لا تسهل هزيمته.. لذا عيشي كلَاتُويَا..

اختك
تولين'

لحظات مرت بها حياتي..

"لَاتُويَا.."
"ريبانزل.."
"صغيرتي.."
...

والمزيد من الاصوات المألوفة التي كانت تناديني.. اصوات اعلم من مصدرها.. اعلم تماما انها عائلتي الان!

دقائق طوال وانا عالقة في تلك الرسالة.. كان لازارو الى جانبي، الكساندرو بقيده وبعض من الحراس.. التفتت الى الوراء، تحديدا نحو الباب الذي يؤدي الى الاسفل، فوجدت تحديدا من رغبت برؤيتهم..

فالنتينو، لورين .. ودِلِير..
ابتسمت لهم.. ابتسامة وسط دموعي التي ملأت خداي! ظهر عليهم القلق بسبب وجهي الا انني متأكدة ان ضحكتي اكدت لهم ان كل شيء بخير..
انني بخير الان! لم اعد ارغب في التخرج لتشريف امي.. ارغب الان بالتخرج من اجل نفسي! اريد العيش من اجل نفسي الان..

"فال.." قلت والدموع لازالت تنهمر على خداي وكأنها لا تعرف معنى التوقف..
"ابنتي.." اجاب فالنتينو بشيء من القلق.
"كل شيء سيكون على ما يرام الان.. اريد المواصلة في هذا! اريد تحقيق بعض الامور في هذه الحياة.. ودِلِير.." والتفتت اليه مبتسمة "سوف نعيش الان، كما اردنا من قبل! انني احس بأن علي مواصلة تنفس هذه الحياة.. معك! اريد ان اقول لك امورا كان علي الاعتراف بها منذ زمن.. سوف نعيش مجددا بعيدا عن هذا العالم صحيح؟"

ابتسم لي دِلِير تلك الابتسامة.. وكم احبها تلك الابتسامة!
احسست بقلبي يدق متسارعا بسببها.. هل كان وسيما الى هذه الدرجة من قبل؟ وكأنها المرة الاولى التي اراه فيها.. انه وسيم وهو زوجي..

"علي اخبارك بشيء ايضا.. انتهت المهمة الان، وكل ما تبقى هو ان تواصلي انتقامك، فنرتاح اجمع.."

ابتسمت له اكثر وانا احس بأمل لم  احسه من قبل..
"لن انتقم.. لم ترغب في كل هذا! لو قرأت تلك الرسالة بعد اربعين يوما لما ضيعت ست سنين من حياتي.. اريد العيش الان، بعيدا عن كل هذا، تماما مثلما رغبت.. لست اندم على رحلتي حتى الان فلولاها ما تعرفت على اشخاص اصبحوا عائلتي الان.. لكن يكفي! فلنتوقف انتقاما ولنمتلإ حبا في النهاية.. لذا من فضلكم الان.."

ونظرت اليهم جميعا ثم قلت:
"انقذوني.."

ظلوا ينظرون الي جميعا ثم ابتسموا من كلمتي وهيئوا اسلحتهم..
منذ البداية، كانت هذه هي البداية لا النهاية..
"لازارو.. لم تسامحك تولين.. لكن نيابة عنها فأنا اسامحك!" قلت بعدما التفتت اليه.. "فلتجد سلامك ايضا.. فلتجد ضالتك ولترتح الى الابد!"..

ظل ينظر الي بنظرات لم افهمها.. للحظات رأيت فيهما الفرح! رأيت شعاعا من الامل.. كلنا بشر في النهاية!

لكن.. هل يعدل الشيطان عن كفره؟

بحركة سريعة، قام بدفعي الى الوراء لدرجة انني ظننتني سأقع لولا انني توازنت في النهاية. وقف هو امامي وكانه يمنعني من الهرب بينما قام برمي الكساندرو على الارض بقوة..
اللعنة على قيده واللعنة على قيدي كذلك!..

صوب لازارو المسدس نحو رأس الكساندرو وصرخ: "ودع هذه الحياة، وريبانزل خاصتك ستكون التالية"..

في تلك اللحظة ادركت ما هو قادم! ادركت السرعة التي كانت في كلماته وافعاله.. علمت تحديدا انه لن يكفينا الوقت للتكلم او الفكير في خطة! لن يمديني الوقت حتى كي اقوم بفك قيدي..

ماذا ستفعلين يا لَاتُويَا ؟
اي حركة مني كانت لتودي بي.. انني على الحافة..
لكن..

هنالك يجثو شخص كان اكثر من مجرد صديق.. الكساندرو!
كان حراس لازارو يصوبون سلاحهم نحو الجميع وكل هذا في ثواني معدودات..

ثانية اخرى.. وسوف اتخذ القرار..
ان امسكت به سوف يطلق الحراس.. ماذا سأفعل!..

نظرت مجددا نحو الكساندرو وركزت فيه.. هذا الشاب لازال يملك الكثير في هذه الحياة.. سوف يعتني به القدر!

"لازارو.." همست بجانب اذنه، وبحركة سريعة قمت بالاحكام على رقبته بالقيد الذي كان على يداي..
كان الحراس على وشك الاطلاق.. وادري ان لا شيء سيوقفهم الا مفاجأة غير متوقعة.. هل اخبرتكم انني احب المفاجآت؟

رفعت عيني، والتقت عيناي بعينيه.. في تلك اللحظة ابتسمت، وهمست له مدركة انه سيفهم
"شكرا.."

واملت بثقلي الى الوراء.. سامحة للهواء ان يضرب فيني..
سمعت صرخاتهم جميعا.. لكن لم اشعر بالندم حقا! .. اردت العيش في هذه اللحظة.. اردت العودة اليهم ومعانقتهم جميعا!
لكن.. اردتهم جميعا دون فقدان احد..

لم اكن لاتحمل فقدان احد اخر..

ها انا اطير نحو الاسفل.. ولازارو الى جانبي، كان مغلقا عينيه وكأنه تقبل الوضع.
لكانت مجرد ثواني للرائي لكنني احسست انها حياة بأكملها!
نظرت بعينان شبه مغمضة وابتسامة هادئة نحو الشرق.. كانت الشمس تسدل اولى خيوطها البرتقالية والوردية الصباحية..

ما اجمل هذا التوديع يا حياة..

——————
دِلِير أرسَلَان:

"احبك.."

قلتها لعزيزتي مثل عادتي الصباحية!
وان لم تعطني الحياة فرصة كي اقولها قبلا، فها انا اقولها يوميا لها بعدما اخذها الموت مني...

مرت ثلاث سنوات الان منذ فقدت روحي، ومرت ثلاث سنين الان وانا ازور قبرها كي اخبرها انني احبها تعويضا عن كل صباح ضيعته دون اخباري لها..

'لَاتُويَا دِي رَاشِيل، ابنة، زوجة، صديقة وعميلة'

هل نسوا ان يكتبوا 'ملاكا' .. لوحة كهذه ما كانت لتكفي كي نكتب عنها! لكن لا احد يحتاج لهذه اللوحة..
لازالت قصتها محفورة في كل قلب زارته.. لازالت ذكراها داخل كل من شاركها لحظة في هذه الحياة..

لم تقم المنظمة بتشييد موت احدهم قبلا، لكن وحدها لَاتُويَا من جعلتهم يخصصون لها مكان عند المدخل ليعلم الجميع اي العملاء كانت..
ولحد الان، ان سألت عن لَاتُويَا هناك فسيخبروك 'كانت شيطانا ضحت من اجل المنظمة.. انها قدوة'

لقد كانت شيطانا لمن خاصمها.. لكن لا ملاك غيرها قد رأته عيناي..

حتى في الجامعة لم يمر فقدانها مرور الكرام!..
لقد كانت علاماتها الافضل، وفقدان عقل مثلها لم يكن بالشيء الهين على الجميع.. فقدان صديقة مثلها لم يتقبله الجميع..
الجميع تذوق طرفا من هذا الالم الذي اعيشه.. الجميع عاش القليل مما ذقته..

لقد اخبرت والدتها.. سافرت اليها تحديدا واتيت بها الى هنا. اريتها اي عظيمة كانت ابنتها، اي مقاتلة قد انجبت!
اخبرتها بكل شيء وليس كل شيء!
ولعل تلك الوالدة ذاقت ما لا استطيع تخيله، لكنها والدة مؤمنة.. ادركت انه القدر ولا احد يقف امام القدر. لقد عاشت ابنتها حياة ابطال ورغم موتها فهي لازالت حية في قلوب الكثير..

لقد عرفتها بفالنتينو، وكان ذلك افضل تعارف!
لقد عرفها فالنتينو اكثر من امها، لكن تلك الوالدة حملت رائحتها! .. اشتقنا لها!

"اشتقنا لك.. العمل لن يدوم طويلا اليوم لذا لن اتأخر كي اعود" ..

"دِلِير.." سمعت صوتها الملائكي ينادي باسمي من بعيد..
التفتت اليها فوجدتها تجري نحوي وبعض الازهار في يديها.. جميلة!

"نعم لَاتُويَا الصغيرة.." قلت بعدما وصلت الي..
رفعت يدها الصغيرة نحوي وقامت بالاشارة نحو الازهار في يدها قائلة بخيبة: "لم اجد الازهار الحمراء التي تحبها لَاتُويَا الكبيرة، هل ستقبل بالصفراء؟"

ابتسمت لها ثم انحنيت اليها مربتا على شعرها: "لَاتُويَا الكبيرة لشدة جمالها، كانت تحب كل شيء جميل.. انها جميلة، فمتأكد انها ستعجبها"
ابتسمت وهمت تضع الازهار على قبرها مثلما اعتادت ان تفعل كلما اتيت بها الى هذا المكان.

"ماما لازالت تخبرني انها تتمنى ان اصبح مثل لَاتُويَا الكبيرة.. هل سأصبح يوما عظيمة مثلها؟" سألت الفتاة الصغيرة وهي تنظر نحو قبرها..
ضحكت من كلماتها المعتادة ثم حملتها بين يداي عائدا بها الى السيارة..

"اصلا انا عظيمة!.. بما انني احمل اسمها فانا عظيمة منذ الان! انها قدوتي، لذا علي الدراسة جيدا!.."

وعليك القتال اذن!

ابتسمت من هذه الفكرة ونفيتها من رأسي..
انها بنت نورسين وجاكسون، وكما هو ظاهر فانا متعلق بها كما لو كنت عما حقيقيا لها!
ليست فقط لانها تحمل اسمها، بل لأن هناك شيئا فيها يذكرني بها.. براءتها ربما..

حسنا.. الامر لازال مؤلما كما السابق، لقد فقدت عائلتي مرتين.. لكن هذه المرة لم احس بما احسسته المرة الاولى!
كنت مليئا بروح الانتقام، اما الان، فكل ما احسه هو السلام..

انها معي في الارجاء!
في ذلك المنزل الذي لم يعد كما كان حقا! لكنها معي! احس بها ولعلي لهذا اعتدت التحدث مع خيال لا يسكن الا مخيلتي.. ومن يهتم؟ حتى الاطفال لهم صديقهم الخيالي.. فما العيب!

انني اشتاق لها..
واحبها..

تمنيت لو اخبرتها قبلا..
لهذا احبك، وسأظل اقولها حتى يتعب احد فينا..

—————————————————————————
من الكاتبة:

مرحبا جميعا🤍
لعلها اخر مرة اكتب هذا الجزء من الفصل، والامر يجعلني متأثرة! لكن لكل شيء نهاية!

بدل كيف كان الفصل، فلنقل الان كيف كانت الرواية بشكل عام؟

ما الذي اعجبكم وما الذي لم يعجبكم؟

ماذا تمنيتم لو حدث وماذا تمنيتم لو لم يحدث؟

وهنا عبروا عن الفصل كما شئتم

تقديم:
بدأت كتابة الرواية منذ سنين الان، ولكم كانت الحياة مختلفة وقتها..
اقدم الرواية لمن عني كل الحياة لي وقتها، للذي كان ولم يعد الان!
سنلتقي، ربما ليس في هذه الحياة، لكن سنلتقي يوما، سنلتقي في حياة لا فراق فيها!
اشتقاق لك اكثر مما يشتاق دِلِير للَاتُويَا بعد هذه السنوات، فهل هذا منصف؟

شكر:
اشكر اختي اولا لكونها اول متابعيني، اشكر للواتي كن في البداية وبقين او لم تبق! كانت هذه اول رواية لي، واولى الاشياء تعني الكثير بالنسبة لنا.
شكر خالص مني لكم جميعا🤍

Continue Reading

You'll Also Like

107K 3.9K 16
تلمع عيناه بشكل خبيث وهو يبتسم في وجهي "من الواضح انك لا تعرفين من انا" حقًا هو يتوقع مني ان اعرفه؟ ضحكت بشده لأمسح دموعي "من الواضح انك لست مهمًا بم...
380K 21.8K 27
" لم تقولي لي بعد ،، ما اللذي يخيفك ؟! " قال هاري لها و هو يحاصرها فوق سطح المبني و على وشك القائها منه ،، " انت ، انت تخيفني ! "
557K 32.6K 59
قصه من أرض الواقع.. بقلمي أنا آيات علي ها أنا قد خلقتُ من الظُلم و العذاب الذي جار علي من وحش جبار فہ لقد وقعت بيد من لا يعرف معنى الرحمه و انهُ ذو...
168K 5.2K 31
الحب طريق مدبب وان اردت المشي فيه فعليك تحمل الالم بصمت والا مزق قلبك يخاف يجن يتحول الى وحش من فكرة أن يسرقها احدهم ، أنها له حياته وروحه جنته وجح...