الفصل الثالث :
يبقي للعشق قواعد لا يدركها و يحصيها سوى العاشقون ..
عن اى قواعد أتحدث ..
فالحب السهم النافذ يأتى من اللا مكان ليصيب ...
أهم مكان بالجسد و الروح ...
القلب ...
طوال طريقها بالسيارة كانت رغم ألمها هناك ضحكة لامعة لا تفارق شفتاها و ملامحه الخلابة لا تفارق عيناها ... افاقت من شرودها و أخرجت هاتفها من حقيبة يدها وإتصلت بوالدتها .
_ السلام عليكم .
قالتها " سلمى" بإنهاك .. فأجابتها والدتها بتذمر :
_ وعليكم السلام إتأخرتى قوى يا حبيبتى إنتى فين.
عدلت "سلمى" من حجابها و قالت بحذر :
_ أنا هقولك حاجة بس ما تقلقيش .
إنتفضت " كريمة " بجلستها و سألتها بقلق :
_ إستر يا رب مالك فيكى إيه .
اجابتها مسرعة :
_ إهدى بس أنا عملت حادثة وخبطتنى عربية بس أنا كويسة رجلى هى اللى وجعانى شوية .
و فجأة تعالا صراخ " كريمة " و هز أجاء المنزل و هى تصيح قائلة :
_ يا الله يعنى إنتى كويسة ،ورجلك مالها ،إلحقنى يا أحمد !
خرج زوجها مسرعا من غرفته على صراخها قائلا بتعجب :
_ فى أيه !! إيه الصويت ده .
كانت تصرخ وترتجف دون توقف و هو لم يفهم منها شئ فأخذ منها الهاتف .. و قال بصياح قلق :
_ سلمى مالك يا حبيبتى ؟!
مسدت " سلمى " جبهتها التى آلامتها نتيجة صراخ والدتها و اجبته قائلة :
_ أنا كويسة يا بابا بس رجلى هى اللى وجعانى هو إيهاب فى البيت .
هز رأسه نافيا و قال بإيجاز :
_ لاء إنتى فين .
_ أنا فى طريقى للبيت بالتاكسى .
اطمأن قلبه قليلا عليها وقال بهدوء :
_ تمام تعالى بيه وأنا هستناكى تحت البيت وهركب معاكى ونروح المستشفى .
سحبت فسا طويلا تهدأ به أعصابها و هى تقول :
_ حاضر بس طمن ماما أرجوك .
رد عليها قائلا بالايجاب :
_ حاضر ... خلى بالك إنتى من نفسك وهستناكى .
أغلقت الهاتف و اعادته لحقيبتها و عادت بعينيها للطريق و تلك الإبتسامة تعود تدريجيا لوجهها البرئ ... إقتربت من منزلها فصف السائق السيارة حتى ركب معها والدها وإنطلقا إلى المشفى .
تمت معاينتها وقامت بعمل الاشعة فطمأنها الطبيب أنها مجرد كدمة قوية تحتاج فقط إلى الراحة لبضع أيام ....
وعادوا إلى المنزل ،قابلتها والدتها والدموع تملأ عينيها خوفا عليها ... و احتضنتها قائلة :
_ سلمى حبيبتى حمد الله على سلامتك .
فابتسمت لتطمئنها و هى تقول بإرهاق :
_ أنا كويسة يا ماما ليه الدموع دى بس دى مجرد كدمة محتاجة لراحة .
ربتت والدتها على ذراعها و قالت براحة :
_ ألف حمد وشكر ليك يا رب .
خرج "أحمد" الصغير من غرفته على صوتها و ركض ناحيتها مسرعا و احتضن ساقيها قائلا بدموعه بينما هى تتألم من وجع قدمها :
_ مالك يا ماما انتى كويسة .
رفعت رأسه ناحيتها وقالت بلوم :
_ فى رجالة بتعيط ... ما تخافش يا روح ماما أنا بخير وكويسة .
كفف دموعه و قال بعبوس :
_ أنا خفت عليكى يا ماما.
احتضنت وجه بين كفيها و قالت بحنو :
_ إهدا أنا قدامك أهه ما فيش حاجة حصلت .إنت إتغديت ؟؛
_ لاء مستنيكى .
بدأت قدمها تؤلما فإستندت على ذراع والدتها و قالت بتثاقل :
_ تمام هغير هدومى وأجى آكل معاك.
حاول مساعدتها قائلا :
_ حاضر أجى معاكى أساعدك .
_ شكرا يا حبيبى .
ساعدتها والدتها للدخول لغرفتها وتبديل ملابسها حتى رأت الكدمة على ساقها فصرخت من قلقها ولكن "سلمى" هدأتها من أجل أحمد فساعدتها و مددتها فى فراشها كى ترتاح وأتت لها بالطعام لتأكل هى وصغيرها فى فراشها .
صعد "إيهاب" الدرج مسرعا وأخذ يدق جرس الباب و يطرق بيده الاخرى حتى فتح له والده الباب قائلا بضيق :
_ الباب هيتكسر يا ابنى فى ايه.
فسأله لاهثا :
_ سلمى كويسة يا بابا .
فقال له " والده "بنفاذ صبر :
_ هى أمك قلقتك برضه .
دلف للشقة و اغلق ورائه الباب و ساله بعبوس :
_ مالها سلمى يا بابا .
ربت على ذراعه قائلا بهدوء :
_ كويسة بس فى كدمة بسيطة فى رجلها .
اتسعت عيني "ايهاب" بذعر و هو يصيح قائلا :
_ يعنى بجد حادثة عربية .
أومأ له برأسه مؤكدا :
_ اه بس هى كويسة إدخلها .
أسرع إيهاب متوجها إلى غرفتها و طرق الباب و ولج للداخل لاكضا نحوها متسائلا بأهتمام :
_ سلمى إنتى كويسة ولا لاء .
إعتدلت فى جلستها و قالت لطمأنته :
_ والله كويسة الحمد لله .
جلس بجوارها على فراشها و هو يهدر بعصبيه :
_ مين اللى عمل فيكى كده ،عرفتى رقم عربيته .
اجابته بهدوء متزن :
_ على فكرة هو حاول يساعدنى وأنا رفضت لاء وإيه مسحت بكرامته الارض .
نظر "إيهاب "لها نظرة تعجب و هو يقول :
_ إنتى مسحتى بكرامته الارض ، ده إنتى بتخافى من خيالك .
ضحكت ضحكة عالية و اجابته بإنتشاء :
_لا ما شوفتنيش عملت إيه مع إنه بصراحة أنا اللى غلطانة أنا اللى كنت ماشية بسرعة وما شوفتش الطريق قبل ما أعدى .
ضيق ما يين عينيه و قال لائما :
_ بس برضه كنتى أخدتى رقم عربيته .
تطلعت لسقف الغرفة بملل و قالت بوهن :
_قولتلك حاول يساعدنى كتير يعنى بجد كان محترم جدا .
ملس على ذراعها و هو يقول براحة :
_ المهم إنتى كويسة .
اجابته بهدوء :
_ الحمد لله قدر ولطف .
✳ ✳. ✳. ✳. ✳
عاد "وليد" إلى مكتبه ولم يذهب لمقابلة رشا و إكتفى بالاتصال بها ليعتذر لهاعن عدم حضوره ويعلمها بأنه سوف يرسل لها مدير مكتبه وصديقة المهندس "هشام" فى الغد لينهى الصفقة وأنهى مكالمته معها .
جلس منفردا بمكتبه و نظراتها الشرسة و كلماتها المضحكة و حالتها المذرية لا تفارق عقله حتى انصارفها المؤلم ما زال يشعره بالضيق .. حتى دخل عليه "هشام" الذى قال متعجبا :
_ إنت ما روحتش مشوارك ولا إيه .
خرج من شروده على صوته قائلا :
_ لاء ما روحتش .
وقف " هشام " امامه و ساله باندهاش :
_ ليه حصل إيه .
تنهد "وليد" مطولا وصمت قليلا وشرد فيما حدث معه وفى هذه العيون العسلية التى شغلته .. يريد اخراجها من رأسه و لكن .. هيهات ...
جلس "هشام" امامه و هو يتابع شروده بتوجس و قال قاطعا تلك الحالة :
_ هاى ! أنا هنا إنت نستنى ولا إيه .سرحان فى ايه .؟!
فأجابه بهدوء و كأنه لم يفعل شئ :
_ خبطت واحدة بالعربية .
اتسعت عيني " هشام " بذعر و قال ببديهية :
_ وماتت !
اشاح " وليد " بيده فى وجهه و قال بغضب :
_ بعد الشر يا أخى لأ إتخطبطت فى رجلها .
تنفس " هشام " الصعداء و قال براحة :
_ الحمد لله أمال مالك .
فضحك ضحكة انارت وجهه إستغرب لها "هشام" فقال متعجبا :
_ هى إيه الحكاية بالظبط .
رفع "وليد "حاجبيه وقال بتعحب :
_ حكاية إيه خليتها حكاية .
غمز بعينه قائلا بمداعبة :
_ مش مرتاحلك يا معلم .
فقال له "وليد "بتلقائية :
_ بنت غريبة قوى عمرى ما قابلت بنت زيها فى حياتى .
ابتسم " هشام " ابتسامة جانبية و قال بمكر عابث :
_ أوبا إنت وقعت ولا الهوى اللى رماك .
إكفهر وج " وليد " مجددا و قال بعبوس :
_ إيه وقعت دى أنا مش بقع وإنت عارف .
_ فقال" هشام "غامزا بعينيه مجددا :
_ هى حلوة قوى كده .
تنهد تنهيدة مطولة و هو يجيبه بتلقائية :
_ مش بس فكرة حلوة بس عليها عيون خلتنى واقف قدامها زى الكتكوت المبلول ،وهى عمالة تزعقلى وأنا واقف كأنها أمى وبتعاقبنى علشان غلطت .
لوى " هشام " ثغره كاتما ضحكته و قال مغيرا الموضوع :
_ الله الله دى عايزة قاعدة ، آه صحيح عملت إيه فى مشوارك.
_ إنت اللى هتروح تخلصه بكرة .
صاح به "هشام" بدهشة :
_ ايه !!!! أنا اللى هروح أخلص مع الصاروخ .
استدار " وليد " بكرسيه و اولاه ضهره قائلا :
_ اه إبقى روح للصاروخ بتاعك ده وسبنى أنا مع نفسى شوية.
وقف " هشام " و استعد للانصراف و لكنه التفت اليه قائلا :
_ آه صحيح نسيت أقولك محمد عازمنا على العشا النهاردة ،وحشته قعدتنا مع بعض .
وقف "وليد" وبدأ يلملم حاجته وإستعد للخروج قائلا بحزم :
_ تمام أشوفكم بالليل.
فساله بتعجب :
_على فين بدرى كده .
وخزه " وليد " فى ذراعه بمشاغبة و قال :
_ سبنى بقامش هنتقابل بالليل ، سلام .
_ سلام ما تتأخرش.
تركه وليد و انصرف وصعد سيارته وما زال " أسامة " السائق على حالته كما هو متوترا من الحادثة .
وصل "وليد" إلى منزله و استقل المصعد وهو يصفر على غير عادته ودلف لمنزله وهو سعيد أيضا على غير عادته ... صائحا بابتسامة :
_ ماما سامية إنتى فين .
اتاه صوتها قائلا :
_ أنا هنا يا وليد تعالى .
كانت مشغولة فى التراس ... تنظف اوراق نباتتها و تعتنى بها .. اقترب منها قائلا بحب :
_ بتعملى إيه كده يا ست الكل .
أجابته بسعادة :
_ بزرع ورد و بنضف اوراقه ايه رأيك .
جلس بجوارها وهو يقول بحماس :
_ الله ورد ،حلوة قوى الفكرة دى ، وحشتينى .
ثم قبلها وضمها لصدره فقالت بتعجب :
_ ما تشوفش وحش ، فى إيه مالك مش آخده على دلعك ده .
شدد فى ضمته اليها و هو يقول :
_ ما فيش ، كل ده علشان وحشتينى ،طب يا ستى أنا غلطان .
ربتت بيدها الحنونة على ظهره قائلة :
_ خلاص يا إبنى ربنا يسعد أيامك بس..... .
قاطعها قائلا و هو يبتعد عنها :
_ هى جورى فين .
أشارت له برأسها قائلة :
_ فى أوضتها .
_ طب أنا داخل لها .
ذهب لابنته وبعد دقائق تعالت ضحكاتهم فزاد تعجب "سامية "من "وليد" و من تصرفاته .
ولاول مرة أيضا يجلس "وليد" معهم لتناول العشاء مع إبنته و"سامية" وهما ينظران لبعضهما نظرات تعجب من حاله ومن هذه الابتسامة التى لا تفارقه ... و انطلاقه بالحديث و مزحاته المريبة .
فسألته " سامية" بقلق :
- وليد يا حبيبى إنت كويس.
ابتلع مافى فمه و قال ببساطة :
- أيوة كويس فى حاجة.
تركت ملعقتها جانبا و قالت بشك :
- مش عارفة بس فى حد خبطك على دماغك ولا إنت كده لوحدك.
تعالت ضحكاته على سخرية "سامية" له وحرك رأسه تعجبا يمينا ويسارا قائلا بلوم :
- هو إنتوا ولا كده عاجبكوا ولا كده عاجبكوا.
كورت قبضتها و وضعتها اسفل وجنتها و استندت بمرفقها على الطاولة قائلة بتمنى :
- لا عاجبنى، بس مش عارفة حاسة ان الموضوع ده وراه واحدة.
فقال غامزا:
- يا ماما يا جامدة.
فقالت بلهفة :
- إيه ده بجد إحلف والله لتحلف.
تعالت ضحكته مجددا و هو يقول بلهاث :
- إهدى إهدى بهزر .
فسالته برجاء
- مين هى ها قولى يالا بقا.
وجدهم ينظران إليه بنظرة ترقب فقال بتوتر :
- مالكم بتبصولى كده ليه.
فقالت له " جورى " برجاء طفولي :
- قول بقا يا بابى.
قرصها بوجنتها بمداعبة و هو يقول :
- أقول إيه يا روح بابى، و بعدين قومى يالا على أوضتك ذاكرى شوية قبل ما تنامى يالا .
قامت الصغيرة و تركت المائدة و هى غاضبة فقالت له "سامية" على الفور و هى تطالعه بترقب :
- سربتها علشان تحكيلى صح.
مسح فمه بمحرمة قائلا بهدوء :
- على فكرة إنتى مكبرة الموضوع ما فيش حاجة.
عبست قليلا بعينيها قائلة بفقدان صبر :
- لاء فيه ده أنا حفظاك يالا بقا إحكيلى.
كتف ذراعيه امام صدره قائلا :
- بصى يا ستى أنا خبطت واحدة بالعربية.
صفعت صدرها وهى تقول بذعر :
- يا لهوى وجرى لها ايه؟!
فقال لها مطمئنا :
- الحمد لله كويسة رجلها تعبتها شوية بس.
ارتاحت ملامحها قليلا و سالته بترقب :
- ربنا ستر إنت تعرفها.
- لاء، بس حسيت بحاجة غريبة نحييتها.
وأخرج عقدها من جيبه وأخذ يتلمسه بأصابعه وتتقاذفه الافكار يمينا ويسارا عن تلك الهدية الصغيرة التى تركها القدر له ....
- طب إنت عرفت هى مين.
خرج من شروده قائلا بحزن :
- لاء بس خايف ما أشوفهاش تانى.
رجع لجملته الاخيرة وتذكر أن ما يتحدث عنها إمرأة كأى إمرأة لا تستحق إهتمامه و انشغاله لهذه الدرجة ... تجهم وجهه و وضع العقد بجيبه وقام يعلو وجهه الوجوم، دلف غرفته بدل ملابسه وخرج يعاتب نفسه. كيف يأمن لإمرأة، كيف يسمح لقلبه ان يفتح أبوابه مرة أخرى، و بهذا اليسر المبغض خرج من المنزل وذهب لمقابلة أصدقائه عله يهدأ و يخرج تلك الغازية لكيانه من رأسه .....
✳ ✳. ✳. ✳. ✳