بسم الله الرحمن الرحيم
حدث بالخطأ
سلسلة "حينما يتمرد القدر"
بقلم "دينا العدوي
البارت الرابع والعشرون
والاخير من الجزء الاول
🌺🌺
لطالما سرتْ على اشواك الحياة، وجرحت بقسوة وصحتُ بأنين مكتوم، ولم يسمعني احد، قاومتُ بقليل من الامل
أن يأتي يومًا وتندمل جروحي ويغزوني الفرح، إلا أن السدم اعتمر قلبي وبدأ يقتات من الأمل الذي أحياه قربك
حينما أحرقني جمر تجاهلك، حتى استنزفه بداخلي
ونثر اليأس غباره على ملامحي، وتبلدت الغيوم في سمائي
وأظلمت دنياي أمامي، قاومت صراخ الانين بداخلي، وشيطانًا رجيم يريني أسوء مخاوفي، وأنا وحدي بلا معين
في دروب التيهه، وخلفي كان عذابًا أليم وموتًا بطيء فأسلمت له وخطوت نحو نهايتي، إلا أنك عدتُ ألي مجددًا
فهل تستطيع احياء رميم قلبي أم أنك ستنهيه بخذلانه مجددًا...
**
بدأت تدارك ما اوشكت على فعله من أثم، لولا عودته ك سراجًا منير انتشاها من ظلامها، ودحر سيطرة الشيطان الرجيم على عقلها، لا تستعب انها كادت ان تزهق روحها وتكون نهايتها كافرة، انخرطت ببكاء مرير وآسف وابتهال ومناجاه للرحمن ان يغفر لها ذنبها..
وكان هذا قبل ان تشعر بالإعياء ويداهمها الدوار مجددًا وتسمح لتلك الفجوة المظلمة ان تبتلعها،..
داهمه القلق فور انتباهه لسكونها المريب هذا ، ابعد وجهها عنه يطالع ما بها، فذوى القلق بداخله وقد أدرك فقدانها للوعي بين يديه ، فأسرع بالنهوض حاملًا اياها رغم استمرار رجفة جسده، وهبط بها الدرج ألى الاسفل، يستدعي الطبيب ويوجهُ ألى غرفه اخرى..
بينما بدأ الطبيب بفحصها، فأستغل هو هذا وهاتف محمد يخبره بأن يأتي لأخذ الممرضة واستجوابها والبحث عن المجرمان اللذان تأمروا معها، ثم اغلق معه وعلم من احد الاطباء انهم قد عثروا على الحقير محسن نازفًا وتم اسعافه ونقله الى غرفة الجراحة لسوء حالته، تجهمت ملامحه عند ذكره واطلقت عيناه شرارات الغضب والوعيد له إذا نجا من براثن الموت المحاصر له..
ظلا لدقائق الغضب قد ارتسم على ملامحه، حتى خرج الطبيب فتوجه إليه بقلق، لكنه طمأنه عليها، وشرع بالحديث معه، يسرد له ما مرت به، فأكد الطبيب عليه بحاجتها للمتابعة مع طبيب نفسيًا مؤكدًا بعد أن تفيق ويتدارك وضعها الصحي، فأماء له ركان بحسره تتراقص امام محياه عليها وعلى ما آل إليه حالها بسببه هو، ثم غادر الطبيب تاركًا اياه، يبقى لثوانٍ معدودة، قبل ان يلج الى الغرفة ويغلق بابها،..
وقف على مقربه منها يطالعها بنظرات شاردة متألمة، نظرات عينيه لا تحيد عنها بتنهيدة حارقه أوخزت صدره وذكريات ذاك المشهد تعاود الومض بمخيلته ورجمه بقسوة، فيخفق قلبه بين جنباته ذعرًا من خاطرة أنه أوشك على فقدها، غصة مسننه تشكلت بقلبه وسدم استعمره مجددًا، بتأكد أن عليه عدم الابتعاد عن مدارها وإلا ستأتي مرة ويخسرها فيها حتمًا، وهذا ما لن يحتمله، هذا ما ادراكه، ان تلك الصغيرة تملكته، وباتت الحياة بعينيه..
شعر برغبة تجتاحه بضمها واخذها بين يديه يطمأن قلبه
أنها بخير وبجانبه، فاستجاب لها وخطى نلك الخطوة نحو فراشها وتمدد على الفراش الصغير بجانبها يضمها أليه ويريح رأسها على صدره ويحاوطها بذراعيه وهو يلثم جبينها المجروح برقه، تاركًا كل شيئًا اخر خلفه، فما يهتم به بتلك اللحظة هو انها بخير وبأحضانه قابعه..
لحظات مرت وداهم قلبه شعورًا بالراحة وثقلت جفونه واسدلت مغلقه عيناه مستسلمًا للنعاس الذي اجتاحه فور ضمها واستكانت جسده بقربها وكأن حضنها كقطعة الثلج التى تثلج نيرانه وتخمد لهيبها...
***
في القصر
صعد ادم بزوجته حيث جناحهم بهدوء، حتى لا يثير ارتياب أهل المنزل، وصعدت خلفه سيدرا، ولج بها الى الغرفة ووضعها على الفراش برفق، ثم اسرع بجلب العطر الخاص به وقام بنثره على راحة يديه، ثم قربه من انفها، ما أن استنشقته حتى جعدت انفها، وبدأت بالتململ بالفراش
ترفرف بأهدابها عدة مرات بتثاقل، حتى افرج جفنيها عن سراح مقلتيها تمامًا، لتبصر عيناها وجه ادم ألقلق أمامها
رمقته بتيه للحظات، حتى جالت ببصرها ووقع على سيدرا
فومض رأسها بذكرى ما حدث قبل دقائق، فأنتفض جسدها بعنفوان وتجمعت العبرات بمقآيها واردفت بمنتهي الألم قائلة بحروف خرجت منها متلعثمة:-
- هو الي سمعته دا صح يا ادم، قول أنه كدب وأن مستحيل معمل زي دا يغلط الغلط الفظيع دا، ويعلن عنه بمنتهى البرود، معقول الطفل اللي في بطني يكون مش ابنك...
كان التجهم يرتسم على ملامحه وكان رأسه بالأفكار متخم
يطالعها بنظرات زائغه، يلهث في دروب التيه، فالكلمات قد هوت على رأسه، ما تركت به عقل او تركيز..
لا يدرك بما عليه ان يجيبها، كيف يطمئنها وهو غير مطمئن
كيف يستعب ان تكون زوجته تحمل طفل رجلًا اخر غيره
والاصعب حقيقة انه طرد من قد تكون ام طفله، تلك التي آتته تنشد منه الامان والحماية لطفله تثقل كاهله، وتدب الخوف في اوصاله ان يكون حديثها حقيقه ويكون ساهم بؤد طفلة وخذله...
حتى انتفض مقررًا استعادة رباطة جأشه قائلًا بنبرة حاول جعلها حازمه، لكن القلق قد وضح على ملامحه قائلًا:-
- اهدي يا نيرة مفيش حاجه لسه مؤكده، وأنا بنفسي هعمل اتصالاتي وأتأكد من الكلام دا، حاولي انتِ ترتاحي...
حينها اردفت سيدرا قائلة:-
- روح انت يا مستر أدم اعمل اتصالاتك وتأكد من الكلام دا وانا هنا معاها ما تقلقش..
أماء لها بصمت وكاد ان يتحرك الا أنه التفت لها وكان على وشك الحديث، حينما أردفت مقاطعه حديثه:-
- ما تقلقش الكلام دا محدش غيرنا هيعرف بيه، بس ما تنساش ان طنط سناء عارفة..
اماء لها بتفهم وغادر، بينما طالعتها نيرة بعدم استيعاب قائلة من بين نشيجها:-
- ماما عارفه ايه!، وانتم عرفتو دا ازاي يا سيدرا!..
هدأتها سيدرا قائلة:-
- طيب اهدي يا نيرة عشان اللي في بطنك وانا هحكيلك كل حاجه، بس حاولى ما تتوتري وفكري في ابنك..
امأت لها نيرة وقد حاوطت رحمها بحمايه وعقلها ينسج خيوط الوجل مما على وشك أن تسمعه وأن يكون ليس إلا حقيقة مؤكده، بينما شرعت سيدرا بسرد لها كل ما راته واستمعت له من تلك الفتاة الصغيرة التي طردتها والدتها بقسوة حتى بحثها على الهاتف وتأكدها من الامر..
زادت شهقات نيرة وبدأت بالنحيب، وعقلها يؤكد لها حقيقة الامر، فلا يوجد أمراه قد تكذب وتخدع في هكذا امر وتشوه سمعتها وتسيء لجنينها هكذا، وقد قامت سيدرا بمواساتها قائلة أن عليها الهدوء حتى التأكد من صحة الأمر أولًا، فلا داعي لاستباق الأمور واذية ذاتها وجنينها بهذا البكاء....
**
عاد ألى غرفة مكتبه، يسير اليها تائه الفكر، بخطوات مبعثرة، حتى ولج أليه وارتمى بثقله على مقعده يطالع الفراغ من حوله، يشعر بضيق يجثم على صدره، ولم يستطع ترك الامر للغد، فألتقط هاتفه بشيء من القسوة والغضب وبدأ بالاتصال على معارفه بتلك البلد سألًا اياهم عن المعمل واعلانه لذاك الخطأ دون أن يبيح لهم تورطه هو وزوجته، فأخبروه أنهم سوف يقومون بتحري الأمر وخلال ساعه من الوقت سوف يخبرونه بصحيح الامر، فأغلق الهاتف وانتفض واقفًا ينتظر مرور الوقت، الذي مر ببطء عليه وهو يشتعل على مراجل القلق، كسجين ينتظر أعلان حكم البراءة وتحرره..
حتى مرت الساعة كاملة وبدأت الاتصالات بالتوافد عليه وجميعهم يؤكدن صحة الأمر، كان الاتصال الاول ك صاعقه البرق التي تضربه بقسوة، ولم يخف الأمر في الثاني والثالث، بل كلاهما كان بذات القسوة عليه وهو يتمنى أن ينفي احدهم الأمر ويشكك به،...
لكن لم يحدث، الجميع يؤكد وهو لذاته يؤنب على تركها وعدم سماعها، وعذاب الضمير ببطء يرجمه بقسوة، أنه قد خذل من ألتجأ له للحماية، وكان لحماية من!
صغيره هو، ألمه قلبه بقسوة وتشكلت غصه مسننه بصدره وهو يتخيل أن يصلوا لتلك الفتاة ويقوموا بقتل جنينها، ذاك الجنين الذي هو منه وله، وطالما انتظره وحلم به، كيف كان غبيًا حينها، كان عليه لجم ذاته واحكام السيطرة على غضبه حتى استمع لنهاية حديثها، لكنها مخطئه أيضًا لقد تلاعبت بالحديث وناورته..
لما لم تقول ما حدث من البداية له!، ليسخر من ذاته قائلًا هل كان سوف يصدقها!، لكنه كان على القليل لم يطردها حتى يتأكد من الأمر، والآن كيف عليه الوصول أليها، وانقاذ صغيره من براثن الموت..
صمت قليلًا انتابه وقد تدارك أنه قد انسبه له متأكدًا، وكأن قلبه الآن هو من يُحكمه ببراءة الأخرى وصدقها..
لذا اتخذ قرارًا بعدم الصبر والمماطلة، وهاتف صديقًا له يعمل محامًا شهير بتلك البلدة وسرد له كل ما حدث وطلب منه معرفة من خضع للجراحة معه بذات اليوم واشتباه الخلط معه، والبحث خلفهم والاتيان له بعنوانهم...
**
مضي الليل عليهما كدهر كان عهده الألم، يجافيهما النوم والقلق يعتري قلوبهم، نيرة بغرفتها باقيه، بينما أدم لازم مكتبه لا قدره له على مقابلتها وأخبارها بما علمه، ويفكر بخطوته التالية، ماذا عليه أن يفعل ليتأكد من الأمر!، وماذا أن كان صحيحً!، طفله سيتقبله مؤكدًا، لكن كيف سيتقبل جنين زوجته من آخر، و ماذا سيكون موقف زوجته اتجاهه وهي من تاقت للحمل به...
شعر وكأن هناك عاصفه هوجاء برأسه، كل شيئًا حوله كأنه انصهر وانصب حارًا على رأسه، يخشى انهدام عالمه الذي سعى لبنائه، لطالما قاوما وقاتلا عثرات الزمن، ليحافظ عليه والآن يشعر بالتهديد...
ارجع رأسه للخلف، شاعرًا بالألم به يداهمه بقسوة، فرفع انامله يمسده بشيء من الحدة، وهو يزفر انفاسه الملتهبة
مما يجيش بداخله من نيران مستعرة ووجه تلك الصغيرة المنتحب يلوح أمامه بشيء من تأنيب للذات على جرحها...
***
بينما في مكان أخر كانت جود على فراشها ممده، تنتحب بصمت، كلما تذكرت أهانتها بذلك المنزل، وما نعتها به من الفاظ نابيه، شعرت بالاحتياج لأسر ورغبه بمهاتفته الآن ليبثها بكلمات مطمئنه عن وجوده ودعمه لها..
كادت أن ترفع الهاتف وتحدثه، لكنها امتنعت عن ذلك بأخر لحظه متذكرة تحذير هاله من فعلها، فعادت لبكائها مجددًا، ولأول مرة شعور الوحدة يجتاحها ويستعمر كيانها
فما اقسى ان يتألم قلب ولا يجد له محتضن....
لكن كان هناك معترض على ما شعرت به، وما يردده عقلها فأراد تنبيهها بوجوده ودعمه لها، فلأول مره يبدأ بالنبش براحمها..
انتفضت بصدمه من على فراشها، لا تستعب ما صار الآن معها، اخذت ترفرف اهدابها عدة مرات بعدم استيعاب، وعادت تحاوط معدتها للتأكد مما شعرت به الآن، فهي متأكدة أن هناك شيء قد حدث للتوه، إلا أنها لم تشعر بشيء مجددًا، فظنت انه تخيل من عقلها، وعاودت التمدد مجددًا، تشعر بالاعياء والرغبة بالنعاس، فاستسلمت له...
**
بشرفة غرفته جالس على الأرجوحة الخاصة بها، الحزن يغتاله على فراقها، منذ ان غادرت وغابت الشمس بغيابها وانطفئ النور بعالمه، وغرق بين طيات ظلامه مجددًا، فقد كانت هي مصدر بهجة يومه، وربيع قلبه، كل شيء بهت لونه من حوله، حتى الزهور ذبلت، فلم يبقى هناك من يرعها ويهتم بها كما تفعل، عدة ايام كانوا، لكنه شعر بهم كدهر من الحزن والألم وفراقها موحش، أنه يفتك به كما لم يفعل المرض، ظل على وضعه هكذا، حتى دلف الي الغرفة سليمان المتجهم الملامح، وتوجه نحوه، ووقف يطالعه لثوانً بنظرات مبهمة، حتى انتبه له آسر، فرفع رأسه يطالعه، فلمح نظراته التي يقذفه به، فأردف قائلًا بنبرة ثابته:-
- عرفت عنها حاجه!..
- للحظات خيم الصمت وحرب نظرات بينهما متبادلة، فلم يستطع سليمان كبح الشك بداخله ان ينجلي على ملامحه
فأردف بنظرة بها بريق تهديد:-
- لسه... بس بوعدك هلاقيها واول ما يحصل دا، هخدها بأيدي على الدكتور وأنهي الحمل دا، بالنهاية مالها مكان تروحه ولا تعرف حد، فهي هتكون مرافقه لهاله اللي هربتها واذا على هاله فأنا مستني تليفون واحد وهيجيب لي كل كبيرة وصغيره عنها وعن عيلتها ووقتها هوصلها..
- ارظف اسر قائلًا محاولًا اقناعه بحديثه ورغبته قائلًا:-
-اسمع يا بابا انسى جود وكفاية اللي عملته فيها اوي وظلمك ليها، واذا كان على العلاج فأنا بوعدك هخضع ليه واذا كان ليا عمر هعيشه.
ألا أن سليمان قاطعه ناهرًا لحديثه قائلًا:-
- اسمع يا آسر وأفهم كلامي كويس، جود هترجع وهتنزل اللي في لطنها وهتحمل في ابنك وهتعمل العملية ومن هنا لوقتها هتمشي على العلاج، أنا مش مستعد اخسرك، ومش هسيب اي احتمال صغير ل دا..
لم يستطع آسر مجارته بالحديث، خاصةِ وهو يلمح شرار الغضب ينبعث من مقلتيه، وثقل انفاسه التي جعلته يبدو غير مرتاحًا وهو يفك عقدة ياقة قميصه، فجعله هذا يتراجع عن الحديث وجلًا عليه من نوبة مفاجئه، فأردف قائلًا -
انا تعبان ومحتاج أرتاح، وانت كمان شكلك مرهق روح ارتاح شويه..
ثم دلف للداخل متوجهًا نحو الفراش، يجلس عليه ويترك عكازه ويتمدد مدعي رغبته بالنوم، متظاهر بالهدوء المناقض تمامًا لما يعتمل صدره من قلق لما هو قادم وهو هنا عاجز....
بينما تحرك سليمان مغادرًا الغرفة بعد لحظات من التأمل الصامت له...
**"
هبت نسائم فجر جديد مغبر بأتربة الامس ، جروح لم تندمل بعد وشجن لم ينتهي مع انقضاء ظلام الأمس، فمازالت قلوب تتأوه بصمت ، مع بوادر ندم لأحداث الامس من قلب كان قاسا كالصخر ، لكن ربما قد حان الوقن لينتشر النور مبددا عتمة وضلالة قلب ...
تململ ركان بالفراش اثر سماعه لطرقات خفيقه على باب الغرفة ازاحة جفونه ستائرها ،ليقابله دفئ تسلل اولى خيوط النهار أليه، فاسرع بإزاحة رأس بوسه من على صدره برفق ، ونهض يطقطق عنقه المتشنج من غفوة الامس ، لا يستعب حقا انه غفا كل هذا الوقت، تحرك بخطوات سريعة ، حينما استمرت الطرقات خوفا من استيقظ الاخرى من غفوتها ما إن قام بفتح باب الغرفة ، حتى تفاجئ ب رحيم واقفا امامه، يرتسم على محياه القلق ،فتأكد من انه قد علم بأحداث الامس ، فأسرع بالخروج من الغرفة واغلاق بابها برفق ، حتى يتثنى له الحديث ، دون ازعاج لتلك الغافية ما ان فعل حتى صدح صوت رحيم القلق الذي علم بما حدث عندما هاتفه محمد وهو يقوم بإيصال الطفلين ألى المدرسة ،حينها اخبره بكل شئ فقاد سيارته مسرعا نحوه ، ليطمئن :-
--ايه اللي سمعته دا يا ركان، معقول جات له الجرأة يحاول يخطف مراتك
تنهد ركان بهم يثقل كاهله كلما تذكر أحداث الأمس ، وأمأ له قائلا بنظرات اعين تندلع منها شرارت الغضب والحنق :_ تخيل كان جاي ومعاه بلطجية ناوين يخطفوها، بس ما عرفش ايه اللي حصل بينهم وازاي اختفوا ولقيته غارقان بدمه واسعفوا على العمليات ومن وقتها معرفش عنه حاجه، بس بتمنى يكون عايش عشان اعرف انتقم منه واشفي غليلي ، انت ما تعرفش انا عشت ايه إمبارح يا رحيم، أنا كنت على على وشك الإصابة بسكته قلبيه والموت لو صابها شئ..
طالعه رحيم بنظرات متسأله، فأستطرد ركان حديثه يخبره عن احداث الأمس، والتي صدمت رحيم تماماً، وسربله شعور الشجن على تلك الصغيرة ، التي لطالما عانت كثيرا ،حتى تلاشى الامل أمامها فوصل الأمر بها ألى محاولة الانتحار ، وبدأ يجتاحه الندم ويرجمه بقسوة لتشجيعه لصديقه بإدخالها لعالمه الفوضوي المبعثر المشاعر ، فتلك الصغيرة تحتاج لحب واحتواء لا يملكه صديقه لها بعد ، او لعله يملكه لكنه يصر على كبته متوهمًا بعشق مريض عليه أن يؤده من أعماقه أولًا ، لكِ يتسنى له الشعور به، ولا يدرك أن صديقه بالفعل قد بدأ بذلك وخطى خطوات واسعه بدروب العشق الحلال ...
بينما بالداخل وبعد مرور دقائق قليله على خروج ركان بدأت بوسه بالتململ ، ببنما يجتاحها وجع بالرأس ، بصعوبة وبعد عدة محاولات تمكنت من ازاحة اهدابها عن مقلتيها ، ليتسنى لها الرؤية لتصطدم بإحساس الوحدة المروع وكأن القدر يعاندهما ،فلو بقى هو قليلًا بجانبها واستيقظت وهي بأحضانه ، لربما كان تلاشي بعضا من حزنها ، لكن ربما ما حدث كان للأفضل والقدر يخطط لأعتراف أكثر دفئًا وصدقًا، حينما يترسخ العشق بشغاف قلبه ويقيده بأغلاله، حتى يتأكد من أسره..
بدت للحظات تائهة وهي تجاهد لاستيعاب أين هي، حتى ومضت رأسها بذكريات قبل الأمس وقد تلاشت احداث الأمس وكلماته تمامًا من ذكرياتها ليكون آخر ما تتذكره صفعات الخذلان ممن عشقت حينما غادرها ولم يهتم لها ، وعقبها رؤية من بغضت أكثر من أي شخص، ليرتعد جسدها لدى تذكره ما حدث لها على يديه حينها ، لتكون لحظة سقوطها هي آخر ما تتذكره، واي شيء آخر قد محى تمامًا وكأنه لم يحدث قط ، فقد احجبه العقل عن ذكراه ،رافضًا لحظة ضعف كادت ان تؤدي به وتقوده لنهاية مأساوية وموتًا معبئ بالأثام ..
بدأت المأقى بذرف الدمعات التي انسابت على اخاديد قد امتلأت من قسوة الأحزان، بصمت كانت تتوالى دون نحيب او شهقات كان صدها بالقلب كالنيران الحارقة ، فيأن ويتأوه صارخًا دون إعلان عن مدى الألم الذي تشعر به وهكذا استمر بها الحال، تأن بصمت، شاخصة البصر للأمام ، بحسد متصلب وروح قد هشمتها الخيبات، راغبة بالضياع بمتاهة الأوهام وإلا تتفاعل مع واقع معبئ بالألآم ، هكذا اختار العقل وكان للجسد والحسيات الانصياع ...
ولج هو الغرفة بعد انتهاء حديثه مع رحيم ، الذي أعلمه برغبة سارة بالخروج ، وذهابه الأن للطبيب للتأكد اذا كان هذا بالإمكان ، ام انها بحاجه لمزيد من الوقت
ما أن خطى خطواته الى الداخل، ووقع بصره عليها ، حتى تفاجئ بهأ منفرجة الأعين ، شاخصة البصر للأمام ، فتوجها نحوها بخفر قائلًا:_
حبيبتي الحمد لله انك فقتي يا عمري، انت بخير! ، في حاجه وجعاك! ،طيب انادي لك الدكتور؟.
ظلا يتسأل عن احوالها بقلق يملأ قلبه عليها، إلا إن الصمت السحيق كان جوابها على اسئلته، فلم ينزاح بصرها عن الفراغ أمامها، وكأنها بعالم غير العالم ولم يصلها صدى صوته بعد ..
ذوى قلبه بشيء من الوجل من صمتها المريب، مدركًا حقدها عليه الأن وشعورها بالخذلان لتسببه لما حدث معها من ألام جعلتها قاب قوسين من القتل ويعقبها محاولة انتحار..
ثقلت انفاسه وتضارب وجيب القلب وبدأت حدقتيه بالاهتزاز وجلًا من مشاعر كره قد تمتلكها نحوه وهو يأردف بندم صادق نابع من القلب :-
- عارف إنك مقهورة مني واني خذلتك، وأن مهما اعتذرت منك مش هيمحي أي شيء من اللي عشتيه بسببي ، بس صدقيني أنا آسف وندمان على لحظة غبائي وقتها، لحظة غباء كانت هتأذي لخسارتك وضايعك مني ودا شيء ما اقدرش عليه، صدقيني انا عمري ما هسامح نفسي على اللي صابك بسببي ، واوعدك أني هعوضك بس انت سامحيني واديني فرصة تانيه ،مش خجلان من اعتذاري لاني غلطت في حقك يا حبيبتي ، ما كان لازم اسيبك وابدى أي حد عليك في اللحظة دي ، بس عذري الوحيد أنه اعتياد ، ميار كانت اولى اهتماماتي دايمًا، لإنها كانت قريبه مني، وبكاها وطلبها المساعدة شتتني في اللحظة دي من خوفي عليها إن يكون صابها مكروه ، خاصة انها حامل ..
هل يدري بما تشعر الأن! ، كلا لا يعلم لذا هو بحاجه إن يجعله احدهم يصمت عن القاء كلمات حروفها من سجيل على مسمعها ، كلمات ترجم روحها بقسوة، وتضاعف من شعورها بالانكسار والألم وتؤكد لعقلها صحة اتخاذه لقرار الانعزال ببقعه أمانه والاناءه بها في غياهب اللاوعي عوضًا عن واقع الحياة المؤلم، فيستمر الصمت والتبلد هو رد فعلها على حديث قاسًا...
بدأ العقل يحجب صداه عن الوصول لمسمعها ، حتى لا تحرقها جمر كلماته ويقين عشقه لأخرى ، لطالما كانت حاجز منيع بينهما منذ ان خطت اولى خطواتها بدرب عشقها المتيم به ، وكانت هي العائق بالوصول اليه ، فقد لاحظت اهتمامه بها وتفضيله لقربها كلما عاد إلى البلدة، كانت أولى محطاته هي مدرستها ، يأتي لجلبها حاملا حلوها المفضلة ، وكانت هي تراقب هذا ببسمه أول الأمر ، بأعتقاد حبه وحنانة على ابنة خالته الصغيرة، وحينها تملكها الإعجاب به وبدأت بمراقبته بدون وعي، وتراه كم كان يغدقها بالحنان ويصطحبها ألى اماكن عده ، فيسبح عقلها بتخيلاته أنه قد يستبدلها بها ذات يوم كحبيبة وزوجة ، ولم تعلم إن العشق هو ما يكنه لتلك الصغيرة ، حتى بدأت بالاستيعاب مع مرور سنون كانت ترجم خلالها برؤياه بعيدًا رغم امتلاكه لنبض القلب الغبي الذي قد تعلق به ومنحه كل مشاعره ، قبل أن يتدارك حقيقة عشقه لأخرى من أعماقه ، لكنه احجب عنها تلك الحقيقة رافضًا تقبلها، حتى تلك الليلة التي أُعلن فيها عن إقامة حفل عقد قران الحفيدة الصغرى لعائلة السيوفي على أبن عمها ظافر ، وقد انتشر الخبر بالبلدة وتم دعوة الجميع لهذا اليوم ...
حينها غمرتها الفرحة وهي تطمئن قلبها، وتلومه أنه كان يضخم الآمر بـ اوهام ظنونه المجحفة بحق تقاربهما وجعلها تحترق بنيران الغيرة وهي تراها ندًا لها، وهو يرجمها بخاطرة عشقهما التي لطاما نحرها التفكير بها،
لتتخذ القرار بالبوح عما يعتمله القلب له والمناجاة بالأنقاذ من براثن عريس الأمس...
ذاك العجوز الذي يسعى لامتلاكها مستغلا دين والدها ، لتذهب حينها كالجميع الى مكان الحفل بحديقة قصر السيوفي الضخم ، حيث الأضواء والموسيقى العاليه..
كان هناك مؤديين للفنون الشعبية كالمواويل وراقصوا الخبل والعصا، وراقص التنورة والغوازي والعديد من الفقرات ، التي لم تهتم بحضور ايًا منها ولم تثير رؤيتعا شغفها، فقد كانت حدقتيها تجولان بحثًا عنه، حتى وجدته يخرج مبتعدًا مع بداية الحفل...
حينها خانتها قدميها باتباعه كالعادة، وبعد قليل من السير الى المجهول ، قطبت حجبيها بعدم استيعاب وقد تداركت مقصده ، لكن المريب ذاك التساؤل الذي جال بعقلها وجعله يرتاب ،وهو لما يذهب إلى ذاك المكان الذي يعده ملجأ له!، كلما اعتراه الحزن أو الغضب من شيء ، يكون منزل والده المغلق هو وجهته للتنفيس عما يشعر به، إذا هو اليوم أما غاضب او حزين أو كلا الامرين!..
بدأ وجيب القلب بالتسارع ، والقلق والترقب كوحوش تنهاشان بها ،وقد اخذت خاطره بضرب عقلها عن سر حالته تلك، لتأتيها الصفعة المؤكدة، حينما تسللت إلى الداخل من ذاك الباب الخلفي المتواري خلف الاشجار الكثيفة لتصدم برؤيته هكذا وكأنه قد أصابه مس من الجنون، كان يحطم كل ما تطاله يداه ، بينما يزأر كالأسد الجريح جاهرًا بصوت نابع من عمق الألم :-
ليه هو وانا لا!، ليه حبتيه هو وأنا لا! ، معقول ما حسيتي بعشقي ليك! ، ليه يا ميار تختاريه ليه !..
كان في اوهج غضبه، يتملكه الجنون وثار وحشه الكامن السجين بداخله حرًا طليق، فلم يستعب كيف انسلت بين يديه، ولا كيف تبدل حال ظافر وطلبها للزواج بعدما كان الرفض هو قراره!، ليتفاجئ بها عند عودته هذه العطلة وهي تخبره بسعادة حطمته كليًا إن ظافر طلبها للزواج وقد قرر الجد عقد القرار خلال يومين..
كانت صدمه أحرقت روحه وهو يرى الفرحة تتراقص على ملامحها بينما تقذفه بجمر كلماتها، وسعادتها التي بثت الحزن بقلبه وهشمته الى شظايا متناثرة بالأرجاء، تتدحرج بعيدا حتى سقطت بهوة مظلمه دون أن تشعر به وتقرأ الحزن الذي ينجلي على ملامحه ولا عينيه التي كانت محراب للعذاب ...
حتى مر اليومان عليه واتى موعد عقد القران فلم يحتمل التواجد به ، ووجد ذاته يغادر تلك الاجواء التي بدت خانقه له، تجثم على روحه، وتفقده انفاسه، شاعرا برغبة بتفريغ غضبه والتعبير عن كسرة قلبه، فغادر متوجه ألى مكان راحته، يفضي به كل هموم ووهن روحه، ولم ينتبه لتلك التي لطالما لحقته وكانت ك ضلًا يلازمه كلما عاد ألى تلك البلدة، وقلبها يهيم به عاشقًا، والذي صدمها لتوه ورجمها بقسوة اعترافه بعشق أخرى لم تبادله مشاعره الهوجاء..
كانت تطالعه بجسد قد تصنم موقعه ووجه قد شحب وارتسم الألم على تقاسيمه وعينان تنساب منها عبرات الخيبة على اخاديد وجهها ، وهى تراه كما لم تراه قبلًا، تطالع ثورته والجنون المنبثق من مقلتين كانت محراب للعذاب والتيه والفقد، لشيء كالأنفاس، أصابها الحزن وانتقل الي شغاف قلبها مهشمًا إياه كشظايا متناثرة....
وهي تراقبه كيف يثور ويحطم ويصيح بألم حتى أدمت يديه ونزفت بشدة من تحطيمه بها لأحد النوافذ، لكنه تابع غضبه ولم يهتم لجرحه او يشعر به، فجرح قلبه كان أعمق يكاد يفتك به ويفتك بها في ذات اللحظة، حتى راقبته يقع مغشي عليه، حينها هوى قلبها بين قدميها واعتراها القلق وهي تتوجه نحوه بذعر طغى ان أي شعور آخر قد اعتمرها، هوت بجسدها بجانبه ووجيب القلب يتعالى قلقًا وهلعًا وهي تتدارك عمق جروح يده ونزيفها الحاد، فأسرعت بنزع حجاب رأسها وشقه ولف كلتا يديه برجفة يد ودمع عين يهوى بغزاره تألمًا على حال قلبه الجريح، ليندلع بغض وكره لتلك الفتاة بقلبها، لما تسببته له من ألم وتحطم سبب له الهون ...
ظلت للحظات بجانبه، تداوي جرحه ألى أن انتهت بينما هو كان غائب عن وعيه تمامًا، وهو يسرد بدون وعي المه وجرحه، بكلمات كانت كالمطارق تهوى على قلبها، الذي تركه كالهشيم، فاتخذت قرار الذهاب والهرب من شجون الموقف الذي حطمها كليًا، وقد تلاشت احلام الغد بنيل لذة العشق وتداركت ان قدرها بالتعاسة بات محتوم، فلا مهرب منه، بظنًا أن تلك هي نهاية خطواتها في درب العشق، ولم تعلم أن القدر قد خطا لقاء آخر يجمعها به...
تلك كانت حكاية عشقها له، عشق دفن بشغاف قلبها، عشق ظنته اندثر وتلاشى من قلبها، لكنه كان مختبئ بالأعماق ينتظر أن يأتي الوقت ليطفو ويبرز بقوة مجددًا، فيكون الهلاك لها...
يتبع باقي البارت هينزل قريبًا