الفصل الثاني و الثلاثون..عودة العراب

4.1K 147 92
                                    

أسرع يمان ناحية ياغيز و هزان و هو يسأل بقلق" سيدي..هل أنتما بخير؟ ماذا حدث؟" ابقى ياغيز على هزان بين ذراعيه و أجاب" انه باريش..لقد اتصل بي و أخبرني بأنه مجرد تهديد..تخيل..ذلك الحقير قادر على تهديدي و تهديد عائلتي من داخل السجن" سأل يمان من جديد" و ماذا يريد؟" رد ياغيز " يريد أن أخرجه من السجن" رفعت هزان عيونها نحوه و قالت" و هل ستفعل؟" طبع ياغيز على جبينها قبلة رقيقة و همس" لا تخافي..سأجد حلا..كوني مطمئنة..لقد انشغلت عن هؤلاء الأوباش كثيرا و سمحت لهم بأن يستضعفونني..لكنني سأضع حدا لكل  واحد يحاول التطاول علي و على عائلتي..لا تقلقي حبيبتي" تعلقت هزان به و تمتمت" المهم أن تحذر و أن تكون بخير..كن دائما بخير من أجلي..لأنني أعيش من أجلك" ضمها ياغيز اليه بقوة بينما تولى يمان انتزاع القنبلة من أسفل السيارة ثم تحركوا عائدين الى القصر..لم تترك يد هزان يد ياغيز طوال الطريق و لم ترفع رأسها عن كتفه..هناك تجد الأمان و الطمأنينة و السكون..هناك تشعر بأنها على قيد الحياة بمجرد أن تسمع خفقات قلبه العالية..هناك حيث تنتمي و حيث عالمها و دنياها و رجُلها الذي تعشق من كل قلبها..أما هو فكانت أصابعه تداعب خصلات شعرها ببطء و كانت عيونه تراقب الطريق في الخارج أما عقله فكان يحاول أن يحلل ما حدث و يحدث و أن يجد حلا سريعا يوفر ذلك الأمان الذي تبحث عنه هزان و الذي يحاول هو العثور عليه لأجلها..أوقف يمان السيارة في مدخل القصر فترجل ياغيز و هزان و صعدا الى الأعلى..فتح ياغيز باب الغرفة فدخلت هزان و هي تقول" سأستحم و أرتاح قليلا..مازال جسدي يرتجف كلما تذكرت ما حدث..لقد كان الموت أقرب الينا من أنفاسنا التي نتنفسها" نظر اليها ياغيز و همس" أنا آسف حبيبتي..أنا السبب في كل ما حدث..هذه هي الحياة التي وجدت نفسي مجبرا على عيشها..هذه الحياة التي يكون الموت فيها متربصا بي و بمن حولي على الدوام..هذه الحياة التي لا أعرف كيف أنقذ نفسي منها دون أن أسبب الضرر لنفسي و لأحبتي..اعتذر لأنني أجبرتك على عيش هذه الحياة التي لا أمان و لا راحة فيها..اعتذر لأنني كنت أنانيا جدا معك و لم أفكر سوى في نفسي عندما جعلتك جزءا من هذه الحياة..اردتك لي و معي على الدوام..أردت أن تكوني رفيقة دربي رغم معرفتي التامة بأن هذه الدرب محفوفة بالمخاطر..ليتني أبعدتك عني و تركتك ترحلين و تسافرين و تؤسسين حياة خاصة لنفسك..حياة طبيعية و هادئة كما تحلمين..ليتني حميتك مني قبل أن أفكر بحمايتك من الآخرين..ظننت بأنني أحميك من الآخرين عندما قربتك مني و تزوجتك و نسيت بأنني أورطك معي أكثر و أكثر..نسيت بأنني أعرضك للخطر الأكبر عندما تكونين معي و بقربي..ربطت مصيرك بمصيري و حياتك بحياتي و حاضرك بحاضري..و ليتني لم أفعل..صرت الآن أبحث عن طريقة أنقذك بها مني و من عالمي الأسود و المظلم..لكنني أعجز عن ايجاد هذه الطريقة..آسف هزان..آسف من كل قلبي" كان الحزن و القلق و الأسى بادين على ملامح ياغيز و هو يتكلم..كان يعني كل كلمة قالها..خوفه عليها جعله ضعيفا و عاجزا و جعل الجميع يتجرأون عليه..صار يخشى أن يقدم على أية خطوة أو فعل و تدفع هي ثمنه..صار عالقا بين قوته و ضعفه لا هو قادر على العودة الى الوراء و لا هو قادر على المضي الى الأمام..اقتربت منه هزان و أحاطت وجهه بكلتا يديها و همست بصوت رقيق" ياغيز..حبيبي..أعلم جيدا بأنك لم تكن يوما أنانيا معي..بل على العكس..لقد تخليت عن التفكير في نفسك و في عملك و في حياتك منذ أن أحببتني..صار شغلك الشاغل التفكير في و في كيفية حمايتي حتى أصبحت أنا نقطة ضعفك..فلا أنت قادر على ابعادي عنك خوفا علي ممن يتربصون بك و بي في الخارج..و لا أنت قادر على تقريبي منك أكثر خوفا علي من نفسك و من لحظات غضبك القاسية..تفكيرك الدائم بي يعيق عملك و يحول قوتك الى ضعف و استكانة و يجرأ الآخرين عليك..لذلك أقول لك بأن تتوقف عن التفكير بي و عن الخوف علي..توقف عن اظهار ضعفك لهم لأنهم يعرفون جيدا كيف يستغلونه ضدك و كيف يطعنونك من خلاله..عد ياغيز العراب الذي يرعب اسمه جميع من يسمعه..عد ياغيز القوي الذي يهابه الجميع و يحسبون له ألف حساب..عد ياغيز القاسي الذي لا يتجرأون على النظر في وجهه أو على رفع صوتهم في حضرته..أنت تحتاج هذا و أنا أيضا..في كنف قوتك أجد أنا الأمان الذي أحتاجه..لن تستطيع حمايتي و حماية نفسك الا اذا كنت أنت قويا و لا تخشى شيئا..كلانا نحتاج قوتك تلك..قوتك هي التي ستضع لكل واحد من الطامعين حدا لا يتجرأ على تجاوزه..كن ياغيز الذي نحتاج وجوده الآن و سنفكر في الباقي فيما بعد..هل فهمتني حبيبي؟" وضع ياغيز يده على خصرها و قربها منه و هو يقول بقلق" و أنت؟ ماذا ان أصابك مكروه؟ ماذا ان دفعت أنت ثمن أفعالي؟ هزان..لا أستطيع أن أجازف بك..خسارتي لك هي كل ما أخشاه و خوفي عليك صار هاجسي الوحيد" وضعت هزان جبينها على جبينه و قالت" سأكون بخير..لا تخف علي..قوتك ستحميني من أي مكروه..و ان كان ضروريا أن نعيش هذه الحياة التي حكمنا بها فلنعشها معا..أنا راضية بذلك..المهم أن نكون معا..لم يعد يهمني لا الصواب و لا الخطأ..و لا المبادئ و القيم..و لا أي شيء..كل ما أريده هو أن نعيش معا..أنا و أنت..على الدوام..و هذا يكفيني" دفن ياغيز وجهه في عنقها و راح يوزع قبلاته الحارة على جلدها و يسحب رائحتها الى أعماقه و هو يردد بصوت مبحوح" أحبك هزان..أحبك" أغمضت هزان عيونها و استسلمت لحرارة قبلاته و لدفء شفتيه لكن عقلها سرعان ما أعاد لها ذكريات تلك الليلة القاسية التي عاشتها معه..حاولت أن تتناسى و أن تتجاوب معه لكنها عجزت عن ذلك..اختلج جسدها بشدة و تشنجت أطرافها و راحت تكرر بصوت مرتعش" لا تفعل..توقف..أرجوك..توقف" انتبه ياغيز لنفسه و تراجع الى الخلف بسرعة و هو يقول" أنا آسف..أنا آسف..لم أقصد أن أؤذيك..سامحيني" فتحت هزان عيونها فرأت ياغيز يقف بعيدا عنها و هو يمرر يده على عنقه بارتباك شديد..تقدمت نحوه و قالت" ياغيز..أعتذر..لقد تذكرت.." قاطعها بنبرة هادئة" أعلم..لا تعتذري..أنا من يجب أن يعتذر..لقد نسيت نفسي و اندفعت..لا تؤاخذيني..اطمئني و لا تخافي..لن يتكرر هذا مجددا..أنا آسف" خطى ياغيز نحو الباب لكي يخرج لكن هزان أمسكته من يده و قالت" ياغيز..لا تذهب..تعالى معي" نظر اليها بعيون تتوسل اليها أن تتركه لكنها أصرت على جذبه و جعله يجلس بجانبها على حافة السرير..تكلمت هزان" ياغيز..أعلم جيدا بأنك تحبني..و أعلم بأن ما حدث تلك الليلة لن يتكرر أبدا..كما أعلم بأن من فعل ذلك لم يكن أنت..لقد كان شخصا آخرا يعاني من حالة هستيرية جارفة..أنت لست ذلك الوحش..أنت لا تشبهه..سنحاول أنا و أنت أن ننسى ما حدث..سيساعد أحدنا الآخر على النسيان و التجاوز..كلانا يحتاج الى بعض الوقت لكي نتخلص تماما من أعباء تلك الليلة..خوفي منك شعور عابر سيختفي مع مرور الوقت..و أنت لا تقسو على نفسك..أنا أحبك و أحب لمساتك و أحب أن أكون لك..و أعلم جيدا بأنك تحبني و بأنك لن تؤذيني..الوقت كفيل بجعلنا نتجاوز ذلك..المهم ألا تترك يدي و ألا تهرب مني..سيساند أحدنا الآخر و يعتني به الى أن نجتمع مجددا..هل فهمتني؟" هز ياغيز برأسه و تمتم" نعم..فهمت..هزان..كوني واثقة بأنني لن أجبرك على شيء مجددا مهما حصل..المهم أن تسامحيني و أن تغفري لي..هذا فقط ما سيجعلني أنسى و أغفر لنفسي" لفت هزان يديها حول عنقه و قربت شفتيها من أنفه و طبعت عليه قبلة رقيقة ثم قالت" لقد سامحتك حبيبي..سامحتك من كل قلبي" ابتسم ياغيز و عانقها بشدة ثم وقف و قال بنبرة واثقة" يجب أن أعود الى العمل..هناك من اشتاق الى العراب" ابتسمت هزان بفرح و تابعته بعيونها العاشقة و هو يفتح الباب و يخرج..
في السجن..كان باريش مستلقيا على سريره عندما دخل السجان و قال بصوت عالي" باريش هاتمان..لديك زيارة" انتفض باريش واقفا و رافق الحارس الى غرفة الزيارات..رأى جواد يقف خلف القضبان..ابتسم و اقترب منه و هو يقول" أهلا بصديقي..كيف حالك؟" رد جواد" أنا من يجب أن يسألك هذا السؤال..خاصة بعد صدور الحكم الثقيل بحقك..كيف حالك باريش؟" صمت قليلا ثم أجاب" أنا بخير..لم أعط بالا للعشرين سنة التي حكمت بها..سأخرج من هنا قريبا" رفع جواد حاجبه استغرابا و سأل" و كيف سيحدث ذلك يا صديقي؟ هل ستهرب من هنا؟" هز باريش كتفيه بلا مبالاة و رد" لا اعلم كيف..لكنني سأخرج من هنا..من زج بي في السجن هو من سيعمل على اخراجي بكل طواعية و عن طيب خاطر..لا تقلق" زم جواد شفتيه و قال" غريب..أليس ياغيز من لفق لك هذه التهم؟ كيف سيخرجك من هنا اذا؟ ما تقوله يصعب تصديقه صراحة" ضحك باريش بصوت عالي ثم اجاب" معك حق أن تستغرب..لكنك لا تعرف بأنني أضغط على ياغيز و أمسكه من يده التي تؤلمه..أنا أضع حياته و حياة هزان تحت الخطر..اما أن يخرجني من هنا بأية طريقة كانت..أو سيكون الثمن حياتهما معا..هذا كل ما في الأمر" قطب جواد جبينه و تمتم" تهدد حياة هزان؟ ألا تحبها؟ كيف تفعل بها هذا؟" أومئ باريش برأسه بالايجاب و قال" نعم..أحبها..أعشقها..و مهووس بها..و سأستعيدها بأية طريقة بمجرد أن أخرج من هنا..لكن أولا يجب أن أضغط على ياغيز لكي يفعل ذلك..هزان نقطة ضعف ياغيز..تستطيع أن تأخذ ما تريده منه اذا هددته بها" قال جواد" معك حق..أنا أكثر من يعرف ما معنى أن يصبح للانسان نقطة ضعف يستغلها الآخرون ضده..هذا حالي مع بيلين..أحبها و لا أتحمل فكرة خسارتها..و هي تحاول أن تجعلني انفذ ما تطلبه مني مقابل الحصول عليها..و أنا أتبعها كالأعمى..و قلبي هو سبب تعبي..ماذا أفعل؟ أحبها" نظر اليه باريش بشك و سأل" ماذا طلبت منك هذه المرة؟ اخبرني" ارتبك جواد و لم يعد يدري ماذا يقول فسأله باريش" طلبت منك أن تقتل هزان اليس كذلك؟ اياك أن تفعل..انها تتلاعب بك..لو كانت تحبك حقا لطلبت منك أن تقتل ياغيز..لكنها تريد أن تتخلص من هزان لكي تعود للركض خلف ياغيز..اياك أن تصدقها..جواد..انظر الي..ان مس هزان أي سوء ستكون أنت المسؤول عن ذلك أمامي..و صدقني لن أرحمك أبدا..حتى لو كنت خلف القضبان..هل سمعتني؟" غادر جواد القاعة تحت صوت صراخ باريش الذي كان يحذره من ايذاء هزان و من الرضوخ لطلبات بيلين..
في القصر..ذرع ياغيز غرفة المكتب جيئة و ذهابا لبعض الوقت ثم التفت الى يمان و قال" اسمع يمان..باريش صار مصدر تهديد و ازعاج بالنسبة الي..و لم أعد قادرا على تحمله..يجب أن ينتهي أمره في أقرب وقت..هل فهمتني؟" رد يمان" أمرك سيدي..ستكون هذه الليلة آخر ليلة له..سنتخلص منه الى الأبد" ربت ياغيز على كتف يمان و قال" تواصل مع رجالنا في الداخل..قل لهم بأن يحلوا الأمر دون اثارة الشبهات..اما أن تكون قصة ثأر لسجين كان باريش السبب في القبض عليه و تسليمه..أو تكون مسألة فوضى و عراك بين السجناء تكون نهايتها مأساوية..هل فهمت؟ المهم أن أتخلص منه" صمت لوهلة ثم أضاف" أمر آخر..أريد أن أعرف من يأتي لزيارته و مع من يتواصل في الخارج..لأنني يجب أن أتخلص من المتواطئين معه أيضا..و الا لن يرتاح بالي أبدا" اجاب يمان" أمرك سيدي" ثم خرج بسرعة..سمع ياغيز صوت سيارة تدخل الى القصر فأطل من النافذة ليرى مارت يترجل من سيارته..بدا الانزعاج جليا على ملامحه و اندفع خارجا اليه..قال مارت" أتيت اليك لكي أتباحث معك أمر البضاعة القادمة..أريد أن أكون مشرفا معك على التحميل و التوزيع"ما ان اقترب منه  ياغيز حتى جمع قبضته و هوى على وجهه بلكمة كادت تسقطه أرضا ثم قال" هذه لأنك تجرأت على تهديد زوجتي" ثم لكمه مرة أخرى و هو يقول" و هذه لأنك تجرأت على مجرد الكلام معها" ثم جذبه من ياقة قميصه و أضاف" فلتحمد الله كثيرا لأنني أحترم والدك و أحبه و أعمل معه و الا لكنت قتلتك الآن دون أن يرف لي جفن..ان كنت قد نسيت من أكون فسأذكرك بأنني العراب..اياك أن تجرؤ على الاقتراب من زوجتي أو مني مرة ثانية..و أمر آخر قبل أن أنسى..يستحسن أن تتصل و تأخذ موعدا للقائي قبل أن تأتي الى القصر..هذه ليست مزرعة لكي تأتي اليها كلما خطر على بالك..هل فهمت؟" ثم أطلقه فوقع على الأرض و راح يمسح الدماء التي سالت من أنفه و هو يردد" ستدفع ثمن هذا غاليا..انت لا تعلم مع من تعبث..سترى..سأنهيك يا هذا" انفجر ياغيز ضاحكا بأعلى صوته و رد عليه بصوت مرعب" أحذرك يا هذا..هذه المرة رأفت بك لأجل أبيك..في المرة القادمة لن أفعل ذلك..هيا اغرب عن وجهي" تحامل مارت على نفسه و ركب سيارته و  انطلق بها مسرعا و هو يهدد و يتوعد..راقبت هزان ما يحدث من نافذة غرفتها بسعادة..لقد عاد العراب من جديد..عاد لكي يأخذ مكانه الطبيعي..في القمة..عاد لكي يجد ما يليق به من قوة و هيبة و صلابة..اما الضعف و الانكسار فلا يليقان به..حتى و لو كانا بسببها هي..رن هاتف ياغيز فرد قائلا" مرحبا جان..كيف حالك؟ هل تحسنت صحتك؟" رد جان" أنا بخير سيدي..و الحروق تتحسن..أريد أن أعود الى جانبك ان سمحت لي..لقد سئمت المكوث في البيت دون أن أفعل شيئا" ابتسم ياغيز و قال" ويحك يا جان..هل مللت من سيبال بهذه السرعة؟ أهكذا يكون الحب؟" ضحك جان و رد" لا..ليس الأمر كذلك..سيبال حبيبتي و لا يمكن أن أمل منها..لكنني أريد أن أعود كما كنت..محل ثقتك و ذراعك الأيمن..هل أستطيع أن أفعل؟" اجاب ياغيز" نعم..تستطيع..أنا أحتاجك هنا بجانبي..هناك الكثير من الرؤوس التي تحتاج الى قطع..تعالى بسرعة..أنا أنتظرك" قال جان بحماس" أمرك سيدي..أنا قادم" وضع ياغيز هاتفه في جيبه ثم عاد الى مكتبه..هناك..تواصل مع ديمتري عبر اتصال بالفيديو و اتفق معه على تفاصيل شحن البضاعة التي ستصل الى تركيا بعد يومين..كان يخطط لأمر يكشف حقيقة أعداءه الذين يريدون الايقاع به..سيراوغهم و سيلقنهم درسا لن ينسوه أبدا..درسا سيجعل الجميع يعرفون حجمهم الحقيقي و يتذكرون من يكون العراب..ابتسم ياغيز ابتسامة ذات معنى ثم أغلق جهاز الكومبيوتر خاصته و خرج من المكتب..
في السجن..كانت الساعة تشير الى التاسعة ليلا..و كان المساجين قد أنهوا عشاءهم و فسحتهم و عادوا الى غرفهم..كان باريش جالسا بقرب النافذة عندما سمع فجأة صوت صراخ عالي..التفت ليجد اثنين من المساجين قد تشابكوا بالأيدي و علت أصواتهم..اندفع مع بعض المساجين الآخرين لكي يفصلوا بينهما و يحاولوا انهاء الخلاف الحاصل لكن الأمر تطور و جذب أحدهما سكينا كان يخفيها تحت ثيابه و هجم على الآخر..أمسكه باريش و أبعده عنه و راح يصيح و ينادي على الحراس لكي يفتحوا البوابة و يتدخلوا لكن دون جدوى..لم ينتبه الى اقتراب السجين منه الا عندما شعر بضربات تخترق جسده..طعنات عديدة في أماكن مختلفة من جسمه جعلته يقع أرضا و يروي الأرضية بدماءه..صاح السجين بأعلى صوته" لقد أخذت بثأري منك باريش هاتمان..أنت من كنت السبب في دخولي الى السجن و سجني مدى الحياة..مت أيها الحقير..فلتشهدوا أنني قتلته بيدي و أخذت بثأري" انفتح الباب و دخل الحراس ليجدوا باريش واقعا على الأرض و الدماء تنفر من جسده بغزارة..سارع الحارس الى استدعاء الطبيب المناوب الذي قدم و قام بفحص باريش لكن الأوان كان قد فات..رفع الطبيب رأسه و قال بصوت حزين" مع الأسف..الطعنات كانت قاتلة..لقد مات على الفور" خيم الصمت على الحراس و السجناء أما السجين القاتل فقد هلل بسعادة و راح يكرر بأعلى صوته" لقد فعلتها..لقد قتلته و أخذت بثأري" قام الحراس بنقل جثة باريش الى المستوصف و السجين الى المنفردة في انتظار عرضه على النائب العام في الصباح..
في القصر..كان ياغيز جالسا صحبة هزان و جان و سيبال يتناولون طعام العشاء عندما اقترب منه يمان و همس له في أذنه" سيدي..ماطلبته تم..لقد مات" وضع ياغيز الشوكة و السكين من يده و نظر مباشرة الى هزان..حتى و ان كان باريش عدوه فهو لم يكن يريد أن يقتله فقط من أجل هزان..لقد كانا قريبين كثيرا و هو من دربها ذات يوم و لا بد من وجود بعض القيمة له لديها..كان دائما يخير ابعاده و التخلص منه بطرق سلمية دون أن يضطر الى قتله لكنه هذه المرة اجبره على فعل ذلك..رفعت هزان عيونها و نظرت اليه فابتسم لكي لا تنتبه الى علامات الارتباك و الاضطراب البادية عليه..رفع جان كأس النبيذ عاليا و قال" نخب جمعتنا من جديد" رفع الجميع كؤوسهم و احتسوا نبيذهم أما هزان فشدت على يد سيبال و همست" من الجيد أنك هنا..لم أرد يوما أن نخسر تلك الصداقة الجميلة التي جمعتنا معا في السابق..هل تقبلين صداقتي من جديد؟" ابتسمت  سيبال و هزت برأسها ثم أجابت" نعم هزان..أنت بمثابة أخت لي و أنا أحبك..لم أرد يوما أن أؤذيك أو أن أتسبب لك بأي مشكلة..و أعلم جيدا بأنك أنت أيضا لم تتقصدي ايذائي..أنا و أنت كنا و سنبقى دائما أصدقاء" ردت هزان" هذا يسعدني كثيرا" سأل ياغيز جان" أيها المشاغب..متى ستتزوجان؟" أجاب جان بخجل" لم نقرر بعد يا سيدي..المهم بالنسبة الي أننا معا و أنك راض عن علاقتنا" ربت ياغيز على يده و قال" انا معك دائما جان..سيكون لنا اجتماع مطول في الصباح" ..بعد العشاء..تواصلت سهرة الأصدقاء معا لبعض الوقت ثم انصرف كل الى غرفته..مشت هزان رفقة ياغيز الى غرفتهما فلم يقل ياغيز شيئا..كان يظن بأنها ستنصرف الى غرفتها لكنها لم تفعل..فتح الباب فتجاوزته الى الداخل..دخل خلفها و أغلق الباب..قالت هزان" ياغيز..سأنام هنا الليلة" هم ياغيز بالاعتراض لكنها قاطعته قائلة" سأنام في حضنك..و لن تمنعني..أريد هذا من كل قلبي" مرر ياغيز يده على شعره و قال" حسنا..كما تريدين" جلست هزان على حافة السرير و مدت يدها نحوه فجلس بجانبها و أمسك يدها بقوة..تكلم ياغيز بعد صمت" هزان..هناك أمر هام أريد أن أخبرك به..لكنني أريدك أن تكوني هادئة" سألت بقلق" مالأمر حبيبي؟ لقد أخفتني" طأطأ ياغيز رأسه و همس بصوت خافت" انه باريش..لقد أجبرني على وضع حد له..لم أكن لأسمح له بأن يهددنا و ينغص علينا عيشنا..أنا آسف هزان..لقد فعلت معه اللازم" ابتلعت هزان ريقها بصعوبة و حملقت بياغيز لوهلة ثم سألته بصوت مرتعش" هل..هل قتلته؟" لف ياغيز ذراعه حول كتفها و نظر مباشرة داخل عينيها ثم أجاب" نعم..لقد فعلت..أنا آسف..أقسم لك بأنني لم أكن أريد أن أفعل هذا به لكنه أجبرني..أعلم بأنك قضيت سنوات عديدة برفقته و تدربت على يده و بأنك تعتبرينه صديقا..لم أرد أن أتسبب لك بالألم من جديد..اعذريني هزان..أنا.." قاطعته هزان بأن وضعت اصبعها على شفتيه و قالت" لقد فعلت ما يجب أن تفعله..باريش كان يعني لي الكثير..كان بمثابة الأخ و الصديق..كنت أثق به كثيرا و أعتمد عليه..لكنه خان ثقتي..و عرض حياتي و حياتك للخطر..انه شخص خطير و مهووس..لقد تسبب لي بأكبر أذى يمكن أن أتحمله في حياتي..كنت أتمنى أن يتوقف عن افتعال المشاكل و أن يلتفت الى حياته بعيدا عنا..لكنه اختار لنفسه هذه النهاية المأساوية..أشفق عليه كثيرا..و لا أنكر بأنني حزنت عليه..لكن هذا ما حدث..ليرحمه الله" اختنق صوت هزان بدموعها التي حاولت أن تخفيها لكن ياغيز احتضنها و همس" ابكي هزان..لا تحبسي دموعك..آسف لأنني أنا سبب هذه الدموع..آسف من كل قلبي" دفنت هزان وجهها في صدره و أطلقت العنان لدموعها بعض الوقت ثم هدأت و بقيت تسند رأسها على صدر ياغيز حيث السلام و السكينة و الطمأنينة..عانقها هو بقوة و داعب وجهها و خصلات شعرها بحنان ثم قال" هيا..ارتدي قميص نومك و تعالي لكي تنامي بين أحضاني كما طلبت"

في قبضة العرّاب Where stories live. Discover now