الفصل السابع عشر..ليلة سوداء

4.8K 140 86
                                    

جمدت هزان في مكانها تحملق في الفراغ بنظرات تائهة و حزينة..ذهبت أنفاسها سدى و صارت تشعر بأنها ستختنق..وضعت يدها على صدرها و راحت تحاول سحب الهواء الى رئتيها لكن التنفس كان يؤلمها و يحرق صدرها..تجمعت الدموع في عينيها و صارت تتساقط تباعا على خديها..لم تكن قادرة على منع هذه الدموع الحارقة من الانهمار لأنها الطريقة الوحيدة التي تنجح بها في التعبير عن حزنها و ألمها بعد الحقيقة البشعة التي سمعتها من باريش..ماذا فعلت بنفسها؟ و أي وضع مزري وجدت فيه نفسها؟ اتراه يقول الحقيقة؟ أم تراه يكذب لغاية ما؟ أيعقل بأن يكون يكذب لكي يؤثر عليها و يقنعها بمواصلة المهمة؟ و ان كان ما يقوله صحيحا؟ أهذا معناه بأنها سلمت نفسها لقاتل والدها؟ هل وقعت في حبه و قررت أن تتخلى عن مهمتها و واجبها لأجله؟ ماذا فعلت بنفسها؟ و أي مستقبل سيكون لهذه العلاقة و لهذا الحب؟ هل سيكون حبها له أكبر من انتقامها ام العكس هو الصحيح؟ كيف ستتصرف الآن و ماهو القرار الأنسب الذي يجب أن تتخذه؟ ..بكت هزان طويلا حتى ارهقها التعب و انهارت على ارضية المنزل الباردة تستلقي هناك دون حراك..سمعت فجأة صوت جرس الباب فاستجمعت قوتها و نهظت لتفتح..كان يمان احد رجال ياغيز يقف أمام الباب و هو يحمل علبة كبيرة..رسمت هزان على شفتيها ابتسامة باهتة و سألت" مرحبا يمان..مالأمر؟ ماهذا؟" رد يمان و هو يعطيها العلبة" مرحبا آنسة هزان..أرسل لك السيد هذه..و اوصاني بأن أسألك ان كنت تحتاجين شيئا" اخذت هزان الصندوق من يده و اجابت" لا أريد شيئا..شكرا لك يمان" استأذن الرجل و انصرف فيما عادت هي الى الداخل و اغلقت الباب بساقها..وضعت العلبة على الطاولة و فتحتها فإذا فيها فستان بلون أحمر قاني و حذاء يناسبه من ماركة عالمية

وضعت العلبة على الطاولة و فتحتها فإذا فيها فستان بلون أحمر قاني و حذاء يناسبه من ماركة عالمية

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

و معه وجدت ملاحظة صغيرة كتب عليها" أتصدقين بأنني اشتقت اليك كثيرا؟ نحن على موعدنا هذه الليلة..ارتدي هذا من اجلي..أتمنى أن يعجبك..أحبك" نظرت هزان الى الفستان المبهج بلونه الأحمر الساحر و بتلك الأزهار المطرزة على الخصر..انه رائع..و لم ينسى طبعا بأن يرسل معه عقدا ألماسيا رقيقا كأكسسوار لكي ترتديه مع الثوب..أيعقل بأن يكون هذا الرجل الرقيق ذي المشاعر الجياشة و اللباقة المطلقة قاتلا بلا رحمة؟ أيعقل بأن يكون قد تقرب منها و دخل معها في علاقة حب فقط لكي يكفر عن ذنبه عندما علم هويتها الحقيقية و ابنة من هي؟ لا..هذا مستحيل..لأنها تستعمل لقب أمها منذ وفاة والدها..فصار اسمها هزان اندر..و ليس هزان شامكران..لذلك يصعب على أي كان أن يعرف صلتها بأمين شامكران..ذلك الرجل الذي عمل عند حازم ايجمان كسائق لكنه كان في الأصل عميلا سريا متخفيا..هكذا فعلت أمها بعد وفاة والدها..غيرت لها اسم العائلة لكي تحميها من نقمة عائلة ايجمان..لكن يا لسخرية القدر..هاهي تدخل الى عرين العائلة و تقع في حب الرجل الذي قتل والدها..تجمعت الدموع في عيون هزان من جديد و خيم الحزن عليها فاعادت الفستان و الأغراض الى العلبة و أغلقتها و وضعتها في خزانة ثيابها و هي تقول" آسفة ياغيز..لست على قيد الفرح لكي أرتدي هذا اللون السعيد..سأختار لونا يناسب حالتي" ..
في الميناء..اوقف ياغيز سيارته المرسيدس أمام باخرته العملاقة الراسية هناك ثم ترجل منها فاقترب منه جان و قال" أهلا و سهلا سيدي..كل الأمور تسير كما خططنا..و لا مشاكل الى حد الآن" ابتسم ياغيز و رد" شكرا لك جان..لا أعتقد بأن هناك من يجرؤ على افتعال مشاكل معي..هل انزلتم السيارات التي كانت على متن الباخرة؟" هز جان برأسه و رد" نعم..انها مصففة هناك ..و الرجال ينتظرون أوامرك" ربت ياغيز على كتف جان و قال" هيا لنذهب اليها..أريد أن أطمئن بنفسي على سياراتي" مشى جان الى جانب ياغيز الذي كان يرتدي قميصا أسودا و سروال جينز بنفس اللون و يخفي عيونه البلورية بنظارات شمسية سوداء و يحرك سبحة صغيرة حمراء بين أصابعه..وصلا بعد قليل الى مكان واسع اصطفت فيه السيارات الخمسة المختلفة الألوان و الأنواع..ابتسم ياغيز و هو يجول حول السيارات و يتفقدها..سمع صوتا مألوفا يسأل من وراءه" خيرا سيد ياغيز؟ مالأمر؟ هل تخليت عن عمل المافيا و أصبحت تاجر سيارات؟" التفت ياغيز ليجد جواد يقف بقربه..رد بنبرة ساخرة" يا سبحان الله! و أنا كنت أحدث نفسي بأنني مشتاق اليك و ارغب في رؤيتك..و هاهو الله يحقق أمنيتي..أرأيت كم أنا عبد محبوب و صالح" ثم اقترب منه و أضاف" نعم..أفكر بأن أفتتح معرضا للسيارات..هل لديك اعتراض؟" نظر اليه جواد بشك و قال" لا أدري لماذا يحدثني حدسي بأن هذه السيارت ليست سوى غطاء لأعمال أخرى من أعمالك المشبوهة" سأله ياغيز" سيد جواد..خيرا؟ هل أصبحت فجأة محققا او رجل شرطة؟ ما شأنك أنت بي؟ أنا أقوم بعملي بعيدا عنك و لا أتدخل فيك..فلماذا تصر أن تشغل نفسك بي و بما أفعله؟ يبدو أن كلامي المرة الماضية قد أثر فيك..أتراك ستعترف لي بأنك واقع في حبي؟ لأن الأمر صراحة زاد عن حده" ابتسم جواد و اجاب" لن تنجح في استفزازي هذه المرة سيد ياغيز..لست رجل شرطة و لا محققا لكن بما أنني سيد هذا الميناء فلا يمكن أن تدخل اليه أية بضاعة دون التأكد منها و تفتيشها..و ها قد أحضرت معي أهل الاختصاص لكي يقوموا بذلك" نظر ياغيز الى سيارة الشرطة التي تتقدم على مهل نحوهما..مرر أصابعه خلال خصلات شعره الكثيف و قال ببرود" ليكن..فلتتفتش السيارات و لتتأكد من سلامتها..أما بخصوص موضوع سيد الميناء..فلا تقلق..لن يطول ذلك..مدة قصيرة و ستصبح ماضيا..و سآخذ أنا الريادة..حيث مكاني الطبيعي..كن واثقا من ذلك" هز جواد حاجبه استغرابا و علق ساخرا" سنرى" ..ترجل باريش من سيارة الشرطة و اقترب من جواد و صافحه و كتفى بتحية ياغيز بإيماءة من رأسه ثم قال" شكرا لك سيد جواد على حرصك على سير أعمال الميناء بصفة قانونية..ليت كل التجار و رجال الأعمال كان لديهم نفس هذا الحرص على احترام القانون" ثم التفت الى ياغيز و أضاف" سيد ياغيز..بما أنك جديد في العمل في الميناء..فيجب أن تعلم بأن كل بضاعة جديدة يقع شحنها لا بد و أن تفتش من قِبَلِنا لكي نتأكد بأنها لا تحتوي على ممنوعات..و على كل العاملين هنا أن يحترموا هذا الاجراء" همّ جان بالتقدم نحو باريش و الاعتراض على كلامه لكن ياغيز استوقفه في مكانه بنظرة واحدة ثم قال" طبعا..نحن أناس نحترم القانون..تفضل سيادة الضابط..السيارات تحت تصرفك..فتشها كما تشاء..و أنا سأذهب الى مكتبي لكي أشرب القهوة..و عندما تنتهي من عملك أخبرني..بالإذن" ..راقبه باريش بعيون حاقدة و هو يصعد الى الأعلى..ثم التفت الى عناصر الشرطة المرافقين له و امرهم بتفتيش السيارات..جلس ياغيز في المكتب و طلب من أحد العاملين هناك ان يحضر له قهوة ثم نظر الى جان و سأل" هل جننت؟ هل كنت ستعارض ضابط شرطة و تمنعه عن القيام بعمله؟ كيف تفعل ذلك؟" طأطأ جان رأسه و رد بصوت خافت" لكنني أخشى أن يكتشفوا البضاعة الموجودة في السيارات..ماذا سنفعل عندئذ؟" ابتسم ياغيز بسخرية و اجاب" كأنك لا تعرفني جان..هل تعتقد بأنني غبي لكي أسمح بذلك؟ اطمئن..تعالى اجلس لكي نشرب قهوتنا معا" فعل جان ما طلبه منه ..دقائق و دخل عليهما باريش و الانزعاج باد على وجهه..سأله ياغيز بنبرة تهكم واضحة" هل انهيت عملك سيادة الضابط؟" حدجه باريش بنظرة حادة و أجاب" نعم..السيارات نظيفة..لم نجد فيها أي شيء" ارتشف ياغيز رشفة من قهوته و قال" أخبرتك بذلك لكنك لم تصدقني..أفكر في افتتاح معرض للسيارات..سيكون اكبر و افخم معرض في اسطنبول..و بما أنني أكن لك كل مشاعر الود و الاحترام..أعدك بأنني سأقدم لك تخفيضات خيالية اذا قررت أن تشتري سيارة جديدة من معرضي" لم يجبه باريش بل غادر المكتب مسرعا و هو يلعن بينه و بين نفسه..نظر ياغيز الى جان نظرة ذات معنى و كأنه يقول له الم أقل لك اطمئن..ثم اخذ هاتفه و نزل الى الأسفل..ركب سيارته و أمر رجاله بأن يأخذوا السيارات الى القصر..في الطريق اتصل بهزان فتأخرت لكي ترد..قال عندما سمع صوتها أخيرا" حياتي..أين كنت؟ لقد قلقت عليك..هل أنت بخير؟" ردت و هي تحاول جاهدة أن يبدو صوتها طبيعيا" نعم..أنا بخير..و أنت؟" اجاب" مادمت انت بخير فأنا بخير..هل وصلتك هديتي؟ هل أعجبتك؟" قالت" نعم..لقد وصلتني..انها هدية جميلة..شكرا لك" صمت هو قليلا ثم قال" سأمر لاصطحابك على الساعة الثامنة..هل يناسبك ذلك؟" ردت" نعم..سأكون في انتظارك" سألها من جديد" هزان..حبيبتي..هل انت بخير؟" تنهدت بعمق قبل أن تجيب" نعم..أنا بخير" قال" حسنا حياتي..اراك عند الثامنة..أحبك" لم تجبه و أنهت المكالمة..نظر ياغيز الى شاشة الهاتف مستغربا لكنه رجح بأن تكون مشغولة او ربما يكون مزاجها سيئا..وصل بعد وقت الى القصر و احضر الرجال السيارات و صففوها في الفناء الخلفي..تقدم هو وجان نحوهم فسأله جان بفضول" سيدي..أين هي البضاعة؟ ايعقل بأن السيارات وصلت فارغة؟" ضربه ياغيز بخفة على كتفه و هو يقول" أيها الأبله..هل تظن بأن البضاعة ستكون مكشوفة؟ تعالى معي..و سأريك أين هي مخبأة" فتح ياغيز السيارة الأولى..رفع المقعد الخلفي و ازاح اللون الحديدي الموجود تحته و راح يخرج الأسلحة المخبأة هناك..مسدسات صغيرة و ذخائر رصاص..في السيارة الثانية..كان هناك رشاشين و ذخائر..في السيارة الثالثة..مجموعة أخرى من الأسلحة..و هكذا دواليك..حملق جان في البضاعة الموضوعة على الأرض و كأنه لا يصدق بأنها كانت مخبأة دون أن ينتبه اليها أحد..انتبه من استغرابه و سأل" سيدي..ألم يكن من المفترض أن يكون هناك ألماس أيضا؟" أجاب ياغيز" بلى..هناك ألماس..و سأستخرجه أيضا..انتظر لحظة" ثم ركب السيارة الأخيرة و قام بتشغيلها ثم انطلق بها مسرعا قبل ان يرتطم بها في الحائط..أسرع جان نحوه و قد استبد به الرعب خوفا من أن يصيب سيده مكروه..كانت الوسادة الهوائية المخصصة للحماية قد انطلقت عندما ارتطمت السيارة بالحائط..سأل جان بقلق" سيدي..هل انت بخير؟" رفع ياغيز رأسه و اجابه" أنا بخير..افتح عيونك جيدا و انظر" أخرج ياغيز من جيبه سكينا صغيرا و فتح بها الوسادة الهوائية و اخرج منها حبات ألماس تلمع ببهاء..ابتسم ياغيز و هو يرى علامات الدهشة ترتسم على ملامح جان..خرج من السيارة و قال له" أرأيت الآن كيف انه من المستحيل أن تكتشف هذه البضاعة؟ هذا الأمر ليس باللعبة البسيطة..انها بضاعة تقدر بملايين الدولارات و لا مجال للخطأ في شحنها و توصيلها..هل فهمت؟" هز جان برأسه و رد" معك حق سيدي..أنا آسف" ربت ياغيز على كتفه و قال" لا عليك..هل قمت بحجز المطعم الذي أخبرتك عنه؟ اريد أن اكون أنا و هزان لوحدنا دون أن يزعجنا أحد" اجاب" نعم..كل شيء جاهز كما أمرتني..و سيقوم رجالنا بتأمين المكان تحسبا لأي طارئ" ابتسم ياغيز و قال" أحسنت..سأكون في مكتبي بقية اليوم..لدي بعض الأشغال..اخبر فكرت بأن تحضر لي الغداء و قهوتي الى هناك..لا أريد أن يزعجني أحد" ثم انطلق نحو مكتبه فيما أسرع جان الى فكرت لكي يخبرها بأوامر السيد..فتح ياغيز باب المكتب و دخل..وضع هاتفه و مفتاح السيارة على الطاولة ثم ازاح اللوحة الكبرى التي تختفي خلفها خزنته السرية..قام بتغيير رقمها السري الى أحرف اسم هزان..كتبها بتمهل و هو يبتسم ثم فتح الخزنة و أخفى حبيبات الألماس هناك..بحث في الأسفل و أخرج علبة صغيرة سوداء اللون..لمعت عيونه بسعادة و هو ينظر الى ما فيها..قبل أن يضع العلبة في درج المكتب و يغلق الخزنة و يعيد اللوحة الى مكانها..
في منزلها..تلقت هزان ارسالية على هاتفها الصغير كتب فيها" أيتها العنقاء..اليوم دخلت سيارات عبر الميناء الى قصر الايجمان..نحن متأكدون بأنها تحتوي على بضاعة سرية..نريد منك أن تعرفي محتواها و كميتها و طريقة تصريفها..ننتظر منك تقريرا مفصلا..نثق فيك كل الثقة..المجد للوطن" ارتعشت يد هزان و هي تقرأ الارسالية..و تجمعت الدموع في عيونها..انها في مأزق حقيقي لا خلاص منه..لم تعد تعرف هل يجب أن تمضي قدما و تواصل تنفيذ مهمتها؟ ام تعود الى الخلف و تهرب من كل هذا و تختفي الى الأبد؟ لكنها كانت تعي تماما بأنها لا تستطيع أن تجد حلا لهذا الوضع المزري الذي وجدت نفسها فيه الا اذا تأكدت من كلام باريش..و هذا ما ستسعى اليه هذه الليلة..فتحت خزانتها و بحثت بين ثيابها عن ثوب مناسب للعشاء فوقع اختيارها على فستان أسود قصير من الأمام و طويل من الخلف..به تموجات حريرية جميلة..ياقته عالية و يغلق من الخلف بخيوط متشابكة

في قبضة العرّاب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن