الفصل الثامن و العشرين..عاصفة تدمر كل شيء

4.6K 121 129
                                    

ابتعد ياغيز عن هزان بعد القبلة الرقيقة التي جمعتهما معا و هو يقول" سأغير ثيابي و أخرج..لدي بعض الأعمال العالقة التي يجب أن أقوم بها" اقتربت منه هزان و ردت" سأختار لك ملابسك" و راحت تختار له قميصا يناسب الطقم الأسود الذي اختاره هو..ارتدى ياغيز القميص و عندما أخذ يزرر القميص انقطع أحد الأزرار و تدحرج تحت السرير..انحنى ليلتقطه فلفت انتباهه جهاز أسود صغير ملتصق بالخشب..انتزعه و ما ان أمعن النظر فيه حتى تجهم وجهه و احتقن و صار عصب خده ينبض..كانت هزان  تجمع الملابس التي نزعها في سلة الغسيل عندما سمعت صراخه المدوي و هو يسأل" هزان..ما هذا؟ اللعنة عليك هزان..ما هذا؟ ثانية؟ تفعلين بي هذا ثانية؟ اللعنة عليك..اللعنة علي أنا أيضا لأنني وثقت بك..ألف لعنة و لعنة..لماذا تفعلين بي هذا؟ لماذا؟" داس ياغيز على الجهاز بحذاءه حتى حطمه الى قطع صغيرة ثم رمق هزان بنظرات حادة بعيونه التي يتطاير الشرر منهما.. ارتعد جسد هزان و وقعت الملابس من يدها و حملقت فيه و هي تهمس بصوت مرتعش" ياغيز..مابك؟ ماذا جرى؟ أنا لا أفهم عم تتحدث؟ اهدأ لو سمحت" اقترب منها ياغيز و غرز أصابعه في  جلد ذراعيها حتى أنّت من الألم و صاح بها" كفي عن ادعاء البراءة و السذاجة..هذا يكفي..لن أنخدع بك مرة أخرى..انظري الى هذا الجهاز جيدا..انظري اليه..تعلمين جيدا بأنه جهاز تنصت..و أنت من زرعه هنا..و لا تحاولي أن تنكري..لا يوجد أحد غيرك له مصلحة في فعل شيء كهذا..كل ما قلته و ما فعلته كان كذبا و رياء و نفاقا..كنت تمثلين علي الحب لكي أقع في شباكك من جديد و أمنحك ثقتي..و اللعنة علي ألف مرة لأنك نجحت في هذا..من طلب منك زرع هذا الجهاز هنا؟ أجيبي؟ باريش حبيبك أليس كذلك؟ هو من طلب منك ذلك لكي تنهي المهمة التي بقيت ناقصة اليس كذلك؟ ماذا أفعل معك؟ ماذا؟ أقسم لك بأن شياطيني تحرضني على قتلك الآن و دون رحمة..و أنت تستحقين ذلك..هل هذا هو الجهاز الوحيد أو هناك واحد آخر؟ أين؟ هنا؟ أم في المكتب؟ أم في كل شبر في القصر؟ خائنة و سافلة و بلا وفاء أنت هزان..أنت بلا قلب..بلا ضمير..اللعنة..اللعنة" تراجع ياغيز خطوة الى الخلف و قد استوعب لتوه بأن الحديث الذي كان يدور بينه و بينها منذ قليل عن جان قد تم التنصت اليه لذلك وجب عليه أن يتصرف قبل فوات الأوان..أخرج هاتفه و اتصل بيمان و قال" يمان..أخرج جان و سيبال من القصر حالا..لا تسألني أي سؤال..نفذ ما طلبته منك فقط..نعم..خذهما الى البيت الآمن..لا يجب أن يعرف أي شخص بمكانهما..هل هذا واضح؟ أنت المسؤول عن أمانهما..تحرك فورا..دون تأخير..هل فهمت..حسنا..اذهب الآن" وضع ياغيز هاتفه في جيبه ثم فتح الباب و صاح بأعلى صوته" جلال..تعالى الى هنا" ثواني و كان جلال واقفا أمامه ..قال ياغيز" اجمع الرجال و ابحثوا في كافة أرجاء القصر عن أجهزة تنصت قد تكون زرعت هنا أو هناك..لا تدع خرم ابرة دون أن تبحث فيه..هل هذا واضح؟" هز جلال برأسه و رد" أمرك سيدي" ثم اختفى من أمامه..أغلق ياغيز الباب و التفت الى هزان التي كانت تمرر يديها على ذراعيها حيث خلفت أصابعه آثارا حمراء..كانت الدموع تجري على خديها و جسدها يختلج كورقة في مهب الريح..رمقها بنظرة احتقار واضحة و قال" كفي عن البكاء..وفري دموع التماسيح هذه للأيام القادمة التي ستكون سوداء عليك..هيا أجيبي..أين زرعتي بقية الأجهزة؟ و لا تحاولي أن تنكري لأنني لن أصدقك أبدا" رفعت هزان عيونها الحزينة نحوه و ردت بصوت متقطع" ياغيز..لو سمحت..أعطني..فرصة..أدافع ..بها..عن..نفسي..أنت..تظلمني..أنا..لم أفعل..ذلك..أقسم..بأنني..لا أعلم..من..أين..أتى..هذا..الجهاز..أنا..لم أخنك..لم..أفعل..أنا أحبك.. و .." قاطعها ياغيز بنبرة صوت مخيفة" اخرسي..كاذبة حقيرة..تحبينني؟ هل تمزحين معي؟ كنت قبل قليل أخبرك بسر و أستأمنك عليه..و ماذا كانت النتيجة؟ لو لم أنتبه الى وجود الجهاز لتم الإمساك بجان و لقضى بقية حياته في السجن..اللعنة عليك هزان..كنت أعتقد بأنك ندمت على خيانتك الأولى..كنت أعتقد بأنني أفهمتك مالذي قد يحدث اذا كررت الأمر مرة أخرى..ألم تفهمي بعد بأن حياتك ستكون هي الثمن هذه المرة؟ لقد حميتك في المرة الأولى..أما هذه المرة فأنا آسف..لن أحرك اصبعا من أجلك..سأسلمك الى المجلس و هم يعرفون  جيدا عملهم معك..ما دمت لم تتعلمي درسك جيدا..فلتنزعي شوكك بيدك..المهم الآن..أين أخفيت بقية الأجهزة..هل يوجد آخرون في هذه الغرفة؟ أجيبي قبل أن أفقد صوابي و أفرغ مسدسي في رأسك" هزت هزان رأسها بالنفي و هي تردد" لا أعلم..لا أدري..لم أفعل شيئا..أقسم لك بأنك تظلمني..لماذا لا تصدقني..انظر الي..انظر الى داخل عيوني..ألا ترى.." قاطع ياغيز كلامها بأن ضرب الكرسي بساقه..و أوقع الطاولة الصغيرة أرضا..و هو يبحث هنا و هناك عن أي جهاز آخر..أخرج الملابس من الخزانة و راح يرميها عليها..انزل اللوحة من على الحائط و رماها أرضا..حطم المرآة الى قطع صغيرة و أوقع المنضدة التي عليها المساحيق و العطور..لم يترك مكانا الا و بحث فيه دون أن يجد شيئا..انزوت هزان في ركن من أركان الغرفة و هي تخفي وجهها بيديها..كان ياغيز في حالة غريبة و مخيفة..كان كالثور الهائج الذي يستحيل السيطرة عليه..الدماء تغلي في عروقه و انفاسه متهدجة و عيونه تلونت بلون أحمر يعكس غضبه..تقدم منها و قال من بين أسنانه" لم أجد جهازا آخرا..اعترفي..أين تخفينه؟ أين أمرك حبيبك باخفاءه؟ أين؟ في شعرك ربما؟ أو في ملابسك؟" حملقت فيه هزان غير مصدقة ما تسمعه منه..تمتمت بصوت مرتعش" ماذا تقول؟ أنا لا اخفي شيئا..و باريش ليس حبيبي..لا يوجد شيء بيننا..أرجوك..اهدأ..و اسمعني..اسمح لي بأن أدافع عن نفسي" وضع ياغيز يده على فمها و هو يزمجر" اخرسي..لا اريد أن أسمع صوتك..لنرى..أين تخفين الجهاز الآخر؟" امسكها من شعرها و راح يمرر أصابعه خلال خصلاته ثم قال من جديد" اخلعي ثيابك" فتحت هزان عيونها عن آخرها و راحت تهز برأسها بالنفي فأضاف بصوت مرعب" اما أن تفعلي انت ذلك..أو سأمزق أنا ثيابك..هيا..لك الخيار" احرقت الدموع عيون هزان ثم سالت غزيرة على خديها..تراجع هو خطوة الى الخلف فأخذت هزان تزيح ثيابها عن جسدها..نزعت عنها فستانها الأزرق المزركش فسقط ارضا ثم نزعت ثيابها الداخلية دون أن تتوقف عن البكاء و الشهيق..الى أن وقفت عارية تماما أمامه..تأملها بنظرة ازدراء و احتقار ثم أبعد عيونه عنها و هو يقول" ستكونين سجينة في هذه الغرفة..لن تخرجي منها و لن تريني وجهك او تسمعيني صوتك..لقد انتهيت بالنسبة الي..ستبقين تحت رحمتي الى أن يرى المجلس عمله معك..تأكدي بأنك ستدفعين ثمن فعلتك هذه غاليا جدا..و لا تتوقعي مني أي رحمة أو رأفة..و تأكدي بأنني لن أحرك ساكنا لكي أنقذك..فلتنالي عقابك الذي تستحقينه هذه المرة..هذا كل ما لدي لأقوله لك..انتهى كل شيء بيننا..حتى الكلام" هم بالخروج فارتمت هزان على ساقيه تقول بصوت مخنوق" ياغيز..حبيبي..أرجوك..لا تفعل هذا..اسمعني على الأقل..اسمح لي بأن أدافع عن نفسي..أنا لم أخنك..أقسم لك بذلك..أنا" أزاحها ياغيز عنه و فتح الباب و خرج..بقيت هزان على الأرض تبكي بحرقة أما هو فانزوى في مكتبه و أخفى وجهه بين يديه..كان مصدوما منها و من قدرتها على خيانتها له من جديد..لقد خيبت أمله و أحرقت روحه و هزمت حبه من جديد..لقد كسرت ثقته فيها الى الأبد..و طعنته طعنة لا تشفى..كان قد هدأ و سمح لقلبه بأن يطغى على عقله من جديد بعد ليلة الحب التي قضياها معا..كان قد لان من ناحيتها و قرر أن يعطيها فرصة أخرى لكي تكسب ثقته و تستحق حبه الكبير..لكنها خانته و قطعت حبال الود و الثقة بينهما الى الأبد..مجروح هو منها..و متألم..و مخدوع..و لعل ما يوجعه أكثر أنها اوقعت نفسها في مأزق لا خلاص منه..فلا هو قادر على التفكير في سلامتها و في حمايتها..و لا هو قادر على تركها لمصيرها المحتوم..لعن نفسه ألف مرة لأنه سمح لها بأن تفعل به هذا..و لأنه ضعيف أمامها..و لأنه يعشقها الى هذه الدرجة..سحب نفسا عميقا الى داخله و هو يحاول أن يهدأ و يفكر..الفكرة الوحيدة التي كانت تسيطر على عقله هو أن هزان متواطئة مع باريش و بأن بينهما علاقة خفية و بأنه هو من طلب منها أن تزرع الجهاز في الغرفة لأن امكانية دخوله خلسة الى القصر و الى غرفته غير واردة تماما..عاد الى كاميرات المراقبة و بحث عن أي دليل قد يرجح أية فرضية أخرى تبعد الشبهة عن هزان لكنه لم يجد..فتلك الليلة..بعد مغادرة الضيوف و بعد خروج يمان و جلال من القصر لمساعدة جان على الهرب..كانت الكهرباء قد انقطعت لمدة ربع ساعة فقط ثم عادت..و تلك الربع ساعة كانت مفقودة و غير موجودة في التسجيلات و لم تلفت انتباه ياغيز الغاضب و المحبط و المكسور..طرق جلال الباب و دخل على سيده ليخبره بأنه لم يجد أي أجهزة تنصت في القصر..أشار له ياغيز بالخروج و بقي لوحده ضائعا بين خيبته و عقله و قلبه و دموعه التي لم يعد قادرا على اخفاءها و مقاومتها..مرت ساعة تقريبا قبل أن يسمع ياغيز صوت صفارات سيارة الشرطة تشق صمت المكان..أطل من النافذة فرأى باريش يغادر السيارة و يتقدم نحو المدخل..جمع ياغيز قبضته و الغضب يأخذ منه كل مأخذ ثم خرج لكي يستقبله..في غرفتها..أنهت هزان بمساعدة الخدم تنظيم الغرفة و جمع الأشياء المحطمة و ما ان سمعت صوت سيارة الشرطة حتى اندفعت تجري الى الأسفل..التقت بياغيز على الدرج فسألها بعصبية" الى أين تذهبين؟ هل ستهربين مع حبيبك؟ هل ستحتمين به؟ انسي ذلك و عودي الى غرفتك..هيا" قالت هزان تعترض" ياغيز..كف عن هذا الهراء..ألا ترى بأنه هو من فعل هذا؟ ها قد علم بأمر جان و أتى لكي يقبض عليه..أنا لا دخل لي بذلك..لماذا لا تفتح عينيك و ترى الحقيقة؟" انفجر ياغيز ضاحكا و رد" نعم..أرى ذلك بوضوح..و من ساعد باريش على زرع الجهاز؟ أنا؟ لكي يفعل هذا يلزمه من يساعده في الداخل..و لا أرى أحدا آخرا غيرك يمكنه فعل هذا..هيا..عودي الى غرفتك قبل أن أفقد صوابي" بقيت هزان واقفة تنظر اليه فصاح بها بصوت مرعب فاندفعت تجري عائدة الى غرفتها..وقف ياغيز أمام باريش و سأله ببرود" خيرا سيادة الضابط؟ مالذي أتى بك الى هنا؟" ابتسم باريش و رد" لم أشتاق اليك و لم آتي لرؤيتك طبعا..لقد وردتنا معلومات تفيد بأن رجلك جان هنا و بأنك تخفيه عن العيون و بأنك لفقت قصة موته في حريق السجن" ضحك ياغيز بطريقة استفزازية و أجاب" ما هذا سيادة الضابط؟ خيالك واسع جدا..أنصحك بأن تترك عملك في الشرطة و أن تتجه الى كتابة قصص الأطفال..جان المسكين مات و أنا أنتظر الحصول على جثتك لكي أدفنه و أقيم له عزاء يليق به..دعك من هذه التهيؤات سيادة الضابط و جد لك شخصا آخرا تلتهي به بعيدا عني" رفع باريش حاجبه استغرابا و قال" حسنا..سنرى..لكن أولا يجب أن نفتش القصر..و لا تقلق..لدينا اذن للقيام بذلك" ابتعد ياغيز و أشار له بيده بالدخول و هو يقول" تفضل سيادة الضابط..خذ وقتك في التفتيش..و سأنتظرك في مكتبي لكي نشرب كوبا من القهوة" رمقه باريش بنظرة باردة و تحرك صحبة عناصره لكي يبدأوا عملية التفتيش..اتجهوا مباشرة الى الغرفة الخلفية الواقعة في آخر الحديقة لكنهم لم يجدوا شيئا..واصلوا التفتيش هنا و هناك اما باريش فصعد الى الطابق العلوي حيث غرفة هزان..طرقها و همس" هزان..هل أنت هنا؟ هل أنت بخير؟" لم يأته الرد فانحنى و ادخل ورقة مطوية من عقب الباب و اضاف" اقرإي هذه الورقة و سأجد طريقة لكي أخرجك بها من هنا و نكون معا من جديد..انتبهي الى نفسك حبيبتي" و تحرك مسرعا..في الداخل..كان ياغيز واقفا يسمع كلام باريش..أخذ الورقة و فتحها فإذا فيها" هزان..حياتي..لم يبقى الكثير على سقوط ياغيز و اختفاءه من حياتنا الى الأبد..لا تخافي..لن تذهب مجهوداتنا سدى..أعلم بأنك تتعذبين لكل لحظة تقضينها معه..لكن هذا لن يطول..أعدك بذلك..سنكون معا من جديد..قريبا جدا..مازلت أحتفظ بقميص نومك الذي تركته عندي في آخر مرة كنا فيها معا..أشتم رائحتك عليه كلما اشتقت اليك..أطلب منك أن تصبري قليلا الى أن ينتهي هذا الكابوس قريبا..و قريبا جدا..أعلم جيدا بأن ياغيز لن يهتم للهدية التي أحضرتها لكما بالأمس ..افتحيها أنت و ستجدين فيها شيئا يخصنا..احتفظي به الى أن أخبرك متى تستعملينه..مع حبي..حبيبك باريش" انكمشت الورقة بين أصابع ياغيز التي ضغطت عليها بقوة..أغمض عينيه بشدة و تمتم بنبرة مخيفة" هكذا اذا..لست أنا من سينتهي قريبا أيها الخائنان..أنتما من ستكون نهايتكما على يدي..قريبا..و قريبا جدا" ثم فتح عيونه فلاحت فيهما نظرة مرعبة عكست مشاعر الغضب و الحقد و الخيبة التي كانت تتلاطم داخله..كانت هزان قد عادت الى غرفتها التي كانت تنام فيها قبل أن يتزوجا وفق اوامره هو..و كأنه كان يعلم جيدا بأن باريش سيأتي اليها في غرفة نومهما و سيحاول أن يتواصل معها بأية طريقة..صفق ياغيز باب الغرفة بقوة بعد خروجه منها و اتجه مباشرة الى  المكتب حيث وضعت الهدايا التي تلقوها في حفلة الأمس..كانت هدية باريش ضمن الهدايا..فتحها ياغيز بأصابع مرتعشة من مشاعر الغضب التي كانت تعصف به..وجد داخلها مجسما من الفخار لزوجين يرقصان معا..قلبها يمنة و يسرة عله يجد فيها ملاحظة او شيئا ما لكن دون جدوى..فما كان منه الا أن رماها ارضا بكل قوته فتحطمت الى قطع صغيرة..و بين هذه القطع وجد ياغيز مفتاحا صغيرا و معه ورقة كتب عليها" هذا مفتاح بيتنا الجديد..سنلتقي فيه حالما ينتهي هذا الكابوس..لقد أخفيت فيه كل الأشياء التي تخصنا..أحبك..باريش" تواترت اللعنات و المسبات البذيئة على لسان ياغيز الذي كان يشعر بأنه يتمزق من الداخل..حدوث الأمور كلها بسرعة جعلته عاجزا عن الاستيعاب و الفهم و عن التمييز بين الحقيقة و السراب..و لعل غضبه و شعوره بالخيبة و الهزيمة هو أسوأ ما استبد به في هذه اللحظات..ارتمى على كرسيه و ارجع رأسه الى الخلف و أغمض عيونه بشدة..هذا الحقير باريش يعمل على انهاءه لذلك يجب أن يسبقه هو بخطوة و يجعله يدفع ثمن حقارته تلك..أما هزان فسيفكر فيما سيفعله بها لاحقا..و سيعمل على اخراس صوت قلبه الذي مازال متأملا بأن تكون كل هذه الوقائع و الحقائق مجرد خديعة او مكيدة..سمع فجأة صوت سيارة تدخل الى القصر..وقف و نظر من النافذة فرأى يمان يترجل منها..فتح النافذة و ناداه لكي يصعد اليه..لحظات و كان يمان يقف أمامه و يطمئنه بأن جان و سيبال صارا في مكان آمن بعيدا عن الأعين..صمت ياغيز قليلا ثم سأل" يمان..هل أستطيع الوثوق بك؟" اجاب الرجل دون تردد" طبعا سيدي..أنا تحت أمرك في كل ما تطلبه مني" ربت ياغيز على كتفه و قال" جيد..اسمع اذا ماذا يجب أن تفعل" ..
في غرفتها..بقيت هزان تفكر فيما حدث و لم تستطع أن تلوم ياغيز على ردة فعله العنيفة تلك لأنه قد ذاق طعم خيانتها له في السابق..لقد آذته و وشت به و تسببت في دخوله الى السجن..لذلك من الطبيعي أن تكون هي المشتبهة بها الأولى في نظره ان حدث أي شيء يبعث على الشك..لكنها راحت تحلل الأمور بطريقة عقلانية هادئة..فمن هذا الذي لديه مصلحة بأن يجعل ياغيز يتهمها و يكرهها و يعاقبها..هناك جهتان سيسعدهما ذلك..اما مجلس الكبار الذين يتعاملون مع ياغيز..أو باريش الذي يطمح الى الحصول عليها لأنه يحبها..لكنها استبعدت باريش لسبب واحد و هو أن قيامه بشيء كهذا سيؤذيها و قد يتسبب في قتلها اما على يد ياغيز أو على يد رجال المجلس..و هذا ما لن يجازف به باريش نظرا للعلاقة القديمة و الوطيدة التي جمعتهما على مر السنوات..لكن تفكيرها هذا يبقى مجرد تحليلات لا تنفع دون الحصول على دليل يثبت براءتها أمام حبيبها الذي كانت تعي جيدا بأنه مجروح منها و متألم أشد الألم..فتحت باب غرفتها و اتجهت اليه الى المكتب..طرقت الباب و دخلت بعد أن سمعت كلمة تفضل..كان يقف أمام النافذة..اقتربت منه و قالت بصوت متردد" ياغيز..هل نستطيع أن نتكلم قليلا؟" رد ببرود دون أن يلتفت اليها" لا يوجد ما نتكلم فيه..عودي الى غرفتك و لا تريني وجهك أبدا" استجمعت هزان شجاعتها و اقتربت منه أكثر..لفت ذراعيها حول صدره و وضعت رأسها على ظهره و هي تهمس بصوت مخنوق" حبيبي..لماذا لا تصدق بأنني بريئة..أقسم لك بكل لحظة حب عشناها معا بأنني بريئة..و بأنني أحبك من كل قلبي..لقد اخترتك أنت و تركت عملي و مهمتي..فضلت عالمك هذا بظلامه و خطره و خطئه على عالمي السابق..لأنني أحبك..حبك هو الصواب الوحيد بالنسبة الي..فأرجوك لا تحرمني منك و لا تعاقبني على ذنب لم أرتكبه..أرجوك" أبعد ياغيز يديها عنه و قال" هزان..اما أن تتوقفي عن هذا الكلام الفارغ الذي تحاولين اقناعي به..أو ستجبرينني على تسليمك فورا الى المجلس و ليفعلوا هم بك ما يرونه صائبا..و لا تعتبري حِلمي هذا ضعفا مني..بل أنا أؤجل عقابك فقط لأن لدي اولويات أقوم بها..و بعد ذلك سأهتم بك كما ينبغي" امتلأت عيون هزان بالدموع و همت بالكلام لكنه جذبها من يدها و رماها امام الباب ثم اغلقه في وجهها بقوة و هو يصيح" اذهبي الى غرفتك و ابتعدي عني" بقيت هزان امام الباب لبعض الوقت ثم انسحبت الى غرفتها و هي تفكر في الحصول على دليل يثبت براءتها أمامه..
في حديقة عمومية..وقف باريش ينتظر قدوم فاعل الخير الذي اتصل به و طلب لقاءه بهدف تسليم معلومات خطيرة توقع بياغيز ايجمان..مجرد فكرة حصوله على اثباتات تقضي على ياغيز جعلته يتحمس و يأتي الى المكان الذي حدده المتصل دون اتخاذ أية احتياطات او اجراءات..نظر يمنة و يسرة فلم يرى سوى شيخ كبير في السن جالس و بجانبه حقيبة سوداء..انتظر لبعض الوقت ثم تقدم منه و سأله" أيها الشيخ..هل أنت من اتصل بي منذ قليل؟" عمد يمان الى تغيير صوته لكي يبدو مثل شكل الشيخ الذي تنكر داخله و أجاب" نعم..هذا أنا..لقد احضرت لك أدلة تقضي على عدوك ياغيز و كن واثقا بأنها اثباتات صحيحة و لا غبار عليها..تستطيع استخدامها بالشكل الذي تراه لائقا" رفع باريش حاجبه استغرابا و سأل بشك" و من أين حصلت على هذه المعلومات؟ و لماذا تريد أن تساعدني؟ هل لديك مشكلة قديمة مع عائلة ايجمان؟" هز الشيخ برأسه و أجاب" نعم..لدي أسبابي..لقد أخفيت هذه الوثائق طويلا الى أن جاء موعد استخدامها..خذها و ساعدني على أخذ ثأري من تلك العائلة الحقيرة" و اعطاه الحقيبة..حاول باريش فتحها لكنه لم يفلح فقال له الشيخ" لن تستطيع فتحها الآن..عد الى منزلك بعد انتهاء الدوام و سأرسل لك الرقم السري الذي يفتحها..الى اللقاء" حاول باريش استبقاء الشيخ لكنه كان قد اختفى بسرعة البرق..
في منزل باريش الجديد الذي وجد ياغيز مفتاحه داخل الهدية..كان ياغيز يتجول في الاطراف و يبحث بين الأشياء عله يعثر على أي اثبات لكلام باريش عن علاقة جمعته بهزان..و لم يكن هذا السبب الوحيد لمجيئه الى هنا..لقد أتى لكي يضع حقيبتين سوداوين هناك..احداهما بها نقود مزيفة..و أخرى بها أكياس مخدرات..كانت الخطة التي اتفق عليها صحبة يمان تنص على أن يتصل يمان بباريش لكي يقنعه بأنه سيقدم له معلومات خطيرة عن ياغيز من شأنها أن تنهي أمره..و هناك من سيلتقط صورا لباريش و هو يأخذ الحقيبة منه..و في هذه الأثناء..يدخل ياغيز الى المنزل و يضع الحقائب المذكورة ثم يتصل بالشرطة لكي يبلغ عن تورط الضابط باريش في عمليات غسيل أموال و تجارة مخدرات و بأنه يقبض الثمن من مجهولين يتستر عليهم و يتعاون معهم..كان ياغيز يعلم جيدا بأن عمل باريش و سمعته كضابط من أهم الأشياء التي يفتخر بها و يعمل على الحفاظ عليها لذلك قرر أن يضربه من نقطة ضعفه كخطوة أولى..في غرفة النوم..وجد ياغيز قميص نوم يعرفه جيدا..انه لهزان..ذلك القميص الذي كانت ترتديه عندما أتى اليها في منزلها القديم قبل أن تقبض عليه الشرطة..انه يتذكره جيدا..و ها هو يجده في منزل باريش..لم يكذب ذلك الحقير عندما قال بأنه يحتفظ بأشياءها هنا..في هذا المنزل الذي يحلم أن يجمعهما سوية..لكنه سيعمل جاهدا على ألا يحصل ذلك الا على جثته..سارع ياغيز بالخروج و هو يخفي القميص بين ثيابه..لم يعرف كيف استطاع أن يقود السيارة و لا كيف وصل الى القصر و هو محطم و حزين و غاضب الى ذلك الحد..ترجل في النهاية من السيارة و اتجه مباشرة الى غرفة هزان..كانت جالسة على السرير تقرأ كتابا عندما فتح الباب و دخل عليها..نظرت اليه و الى وجهه الغاضب و شكله المخيف و سألت بقلق" ياغيز..ماذا جرى؟ لماذا تبدو غاضبا هكذا؟" اقترب منها ياغيز و رمى بالقميص على وجهها و هو يسأل من بين أسنانه" هل هذا القميص لك؟" أبعدت هزان القميص عن وجهها و تأملته لوهلة ثم أجابت" نعم..انه لي..مالأمر ياغيز؟" اقترب منها أكثر و أخذ القميص من يدها ثم لفه في حركة سريعة على عنقها و راح يخنقها و هو يقول" أتعلمين اين وجدته؟ في بيت حبيبك الذي تخونينني معه..لقد فعلتها و خنتني بكل طريقة ممكنة..أنت امرأة ساقطة و لا تستحقين ذلك الحب الذي أحببتك اياه..تنامين معه ثم تأتين الي و تمثلين الحب علي لكي تخدعينني..حلمك أن تتخلصي مني و تكونين معه..هذا لن يحدث الا على جثتي..أنت زوجتي أنا و ستبقين تحت رحمتي أفعل بك ما أشاء..هل فهمت؟" حاولت هزان أن تتكلم لكنها كانت تختنق من ضغطه على عنقها..تمتمت بصوت مخنوق" ياغيز..اهدأ..ماذا..تقول؟.. أنا..لم..أخنك..أنا.."  وضع ياغيز يده على فمها و أسكتها و هو يبعد القميص عن عنقها..تكلم و هو يرفع الثوب عن جسدها" اخرسي..خائنة..عاهرة..لقد خدعتني بما فيه الكفاية..ستبقين تحت رحمتي..و سآخذ منك ما أريده وقتما أشاء..سأعاملك كما تستحقين..و هذا أقل عقاب يمكن أن اوقعه عليك" امتلأت عيون هزان بالدموع و هي تحاول أن تتكلم و تدافع عن نفسها لكنه لم يسمح لها..أزاح ثيابها عن جسدها و انشب أصابعه في أنوثتها بقوة فصرخت بصوت مكتوم و راحت دموعها تسيل على خدها..واصل حركاته العنيفة داخلها ثم اقتحمها برجولته غير آبه لتألمها و لا لصوتها المكتوم..كان يضاجعها بعنف و بغضب و كأنما ليثبت لنفسه و لها بأنها ملك له وحده..ضغطت هزان بأصابعها على الملاءة و حاولت أن تتحرك لكنه ثبتها تحته و واصل مضاجعته لها..كانت ارتماءاته العنيفة تمزق أنوثة هزان و تزيد من ألمها و من شعورها بالاذلال و الاهانة..لم تتوقف دموعها عن الانهمار على خديها غزيرة و سخية..أما هو فبلغ ذروته و أفرغ شهوته في جوفها ثم سحب نفسه منها و هو يقول" من الآن فصاعدا هكذا ستكون حياتك معي..عبارة عن جحيم لا ينتهي..لن تجدي الفرصة للعودة الى حبيبك لأنه سيكون قد أصبح وراء الشمس..هذا عقابك المؤقت الى أن أفكر في عقاب آخر يليق بخيانتك المقرفة..بعد ما فعلته لن يعود أي شيء الى ما كان عليه في السابق..لقد هبت عاصفة عنيفة دمرت كل شيء و قلبت كل الموازين..و المسؤول الوحيد عن هذا الخراب هو انت هزان..لذلك تحملي مسؤولية أعمالك" ثم فتح الباب و خرج تاركا اياها غارقة في دموعها و في شعورها بالمهانة و الذل بعد اغتصابه لها ..

في قبضة العرّاب Where stories live. Discover now