الفصل الثاني عشر..الندم

4.4K 141 86
                                    

امتلأت عيون العم محمود بدموع الحزن و الأسى و هو يستمع الى كلام ياغيز..لطالما أحبه و اعتبره ابنا له..و تمنى من كل قلبه أن ينقذه من هذا المستنقع الأسود الذي يعيش فيه..لكن والده كان رجلا قاسيا و بلا رحمة..لم يكن يحب أحدا سوى نفسه و سوى امبراطوريته التي ورثها عن أبيه و التي لم يكن ليسمح بأن تنهار و تنتهي..لا يُلام هذا الشاب على ما أصبح عليه اليوم بسبب قسوة والده و جبروته..يحمل على عاتقه حملا ثقيلا لا يستطيع التخلي عنه و لا العيش تحت رزح ثقله و متطلباته..انتشله سؤال طرحه ياغيز عليه من أفكاره العميقة..سأل ياغيز" عم محمود..هل كنت تعرف ذلك الرجل الذي قتلته؟ هل كنت تعلم مالذنب الذي ارتكبه بحق أبي حتى حملني وزر قتله؟" طأطأ الرجل رأسه و تنهد بعمق قبل أن يجيب" نعم..أعرفه..انه أحد سائقي شاحنات نقل البضائع و الأثاث الذين يعملون عند والدك..كان يدعى أمين..كان رجلا بشوشا و حسن السلوك..سرعان ما اقترب من والدك و صار من أقرب رجاله..و يمكننا القول حتى بأنه كان صديقا له..و كان حازم يثق به و يستأمنه على القصر و على العمل في غيابه...و كان حازم كثير السفر و التنقل هنا و هناك لكي يتمم بنفسه الصفقات و يشرف على تسلم البضاعة..في تلك الأثناء..تعرف أمين على سيفنش..والدتك..و صار مقربا منها هي أيضا..في البداية كانت علاقتهما عبارة عن صداقة و احترام و ثقة متبادلة..الى أن تطورت الأمور..و.." صمت محمود و ابتلع ريقه بصعوبة و كأنه يخشى من ردة فعل ياغيز على ما سيخبره به..نظر اليه ياغيز و قال بإلحاح" فيم سكوتك هذا عماه؟ اكمل لو سمحت" هرب محمود بعيونه من عيون ياغيز و واصل كلامه" و بسبب العلاقة الباردة و السيئة التي كانت تجمع أباك و أمك..فهي لم تحبه يوما..بل أجبرها والدها على الزواج من حازم لكي لا يطالبه بالنقود التي كانت دينا له عليه..وقع أمين و سيفنش في حب بعضهما البعض..و صارت العلاقة بينهما أقوى و أعمق..صارا يستغلان غياب حازم لكي يبقيان على انفراد و يقضيان بعض الوقت معا..الى أن حدث مالم يكن في الحسبان ذات ليلة..عاد حازم في موعد مبكر  دون ان يخبر أحدا بذلك..و دخل الى غرفته..و اذا به يجدهما معا..كان ذلك المشهد صادما و مدمرا لكل شيء..و كأن ذلك لا يكفي ..اكتشف حازم بأن أمين لم يكن سوى عميل سري مدسوس لديه لكي يوقع به و لكي يساعد الشرطة على القبض عليه..كانت نهاية أمين محتومة..لكنني لم أتوقع أن تكون على يدك أنت" صمت محمود و ربت على يد ياغيز و لامس وجهه بحنان و هو يرى نظرات الدهشة و الحزن و الانكسار في عينيه ثم أضاف" آسف بني لأنك علمت كل هذا دفعة واحدة..لم أكن أنوي اخبارك..لكن من حقك أن تعلم..اعذرني بني لأنني سببت لك ألما فوق ألمك" انهمرت دمعة سخية على خد ياغيز الذي كانت نظراته تائهة و عيونه جامدة..تكلم بعد صمت طويل و سأل من جديد" و أمي؟ هل توفيت حقا بسبب المرض أم أن هناك سببا آخرا؟ أرجوك عمي محمود..أخبرني بالحقيقة" تجهم وجه محمود و رسم على شفتيه ابتسامة باهتة قبل أن يجيب" ما هذا الكلام بني؟ امك ماتت مريضة ..ليرحمها الله..ياغيز..صغيري..لا تثقل كاهلك بالعودة الى الماضي ..فهذا لن ينفعك بشيء..لن أنصحك بأن تحاول تنظيف حياتك من القذارة التي وجدت نفسك فيها و أجبرت على مواصلة ما كان يفعله أبوك لأن ذلك يبدو مستحيلا..لكن حاول أن تفعل ما يسعد قلبك..اسمع صوته و اجعله مرتاحا و مطمئنا..فأنت تستحق أن تكون سعيدا بني" مسح ياغيز دموعه و عانق العم محمود بخفة لأن كتفه آلمه ثم قال بصوت مبحوح" سأفعل..شكرا لك أيها الرجل الطيب..لا تحرمني من زياراتك و من حنانك الذي كنت افتقده في امي و في أبي ايضا..هي كانت تهرب من الاقتراب مني و كأنني أذكرها بزواجها التعيس و بنتيجته السيئة..و أبي كان يحاول أن يجعلني نسخة منه..و ها قد نجح في ذلك..انت الوحيد الذي كنت و مازلت أحبه من كل قلبي و اعتبره أبا و صديقا و أخا و ناصحا عزيزا" ابتسم محمود بسعادة و رد" و أنا أعتبرك ابنا لي أيها الصغير" قالها و غمز ياغيز لأنه يعرف بأنه كان يكره بأن يناديه بهذا اللقب عندما كان صغيرا..ضحك ياغيز  و قال" شكرا لك عماه" استأذن الرجل في المغادرة و خرج فيما بقي ياغيز جالسا في سريره..سمع طرقات خفيفة على الباب ثم أطلت بيلين برأسها و دخلت..اقتربت منه و قالت" حبيبي..كيف حالك؟ كيف تشعر؟ هل أخذت الدواء؟" اجاب" انا بخير..شكرا لك" اقتربت منه و طبعت على وجنته قبلة رقيقة قبل أن تقول" حياتي..لا أريد أن اتركك و أذهب..لكنني مضطرة أن أمر على الكازينو لكي أطمئن على سير العمل..مجرد زيارة تفقدية و سأعود سريعا اليك" رد ياغيز" بيلين..لا تشغلي نفسك بي..أنا بخير..اذهبي و اهتمي بعملك و سأخصص لك بعض الرجال لكي يرافقوك حتى لا يتعرض لك ذلك الأبله" هزت بيلين برأسها و قبلته من جديد ثم خرجت و تركت الباب مواربا لأنها رأت هزان قادمة..مرت بجانبها و قالت" سأذهب سريعا و أعود..اعتني بحبيبي في غيابي" ابتسمت هزان بسخرية و لم تجبها..فور دخولها الى الغرفة رأت ياغيز يهم بالوقوف فاندفعت نحوه مسرعة و هي تقول بنبرة قلقة" ياغيز..ماذا تفعل؟ لا يجب أن تتحرك ..ستفتح القطب" لف ياغيز ذراعه اليسرى على كتفيها و رد بصوت مرح" يروق لي قلقك هذا علي و اهتمامك بي..و كأنك زوجتي..أردت فقط أن أمشي قليلا..مللت من النوم في الفراش..لم اتعود على البقاء دون حركة كل هذا الوقت" قالت هزان" توكئ علي و سأساعدك على المشي قليلا..ببطء و دون الضغط على جسدك و دون اجهاده..الطبيب اوصاني بالاعتناء بك..و لا يجوز أن تتحرك هكذا دون انتباه" اخذت هزان تساعد ياغيز على المشي بخطوات وئيدة داخل الغرفة ..كان يتأمل وجهها القريب منه و هو يبتسم..رفعت هي عيونها نحوه و سألت" لماذا تنظر الي هكذا؟" رد" أتأملك..هل هذا ممنوع؟ هزان..هل تعلمين بأنك جميلة جدا؟" ابتسمت بسخرية و اجابت" لا تبالغ لو سمحت..أعلم جيدا بأنني لست تلك المرأة الصارخة الجمال..انا فتاة عادية و ملامحي طبيعية..هذا كل ما في الأمر" توقف ياغيز عن السير و قال" ليتك ترين نفسك بعيوني..و عندها ستدركين بأنك أجمل امرأة رأيتها في حياتي..سترين نفسك بطريقة أخرى..ستتعرفين على هزان أخرى لا تدركين حتى أنت وجودها..انظري الي جيدا..انظري داخل عيوني..و سترين نفسك في مرآة روحي..ستدركين كم أنت جميلة و مميزة و ذات قيمة..ستجدين هزان الأخرى التي رسمتها في أعماقي و كبرتها في عيوني و حبستها في داخلي..هزان..كم أتمنى أن .." قاطعته هزان و قد تجهم وجهها و بدا الارتباك واضحا عليها" ياغيز..هذا يكفي..سأعيدك الى سريرك..لا بد بأنك تعبت من المشي" رفع ياغيز حاجبه استغرابا و سأل بقلق و هو يتحرك معها نحو السرير" هزان..ماذا حدث؟ لماذا تصرين على رفع جدار عالي بيني و بينك؟ لماذا تمنعينني حتى من التعبير عما يدور بداخلي؟ هل يخيفك أن تسمعي ما سأقوله؟ أليست لديك الشجاعة لكي تسمعي كلامي؟ لماذا تهربين من أية محاولة أقوم بها لكي اتقرب منك؟ لماذا يقول جسدك  ما تخافين من قوله و من الاعتراف به؟ لا تستطيعين أن تنكري أن هناك شيئا بيننا..يشد أحدنا نحو الآخر..يجذبنا كالمغناطيس..و ينعكس على كلماتنا و حركاتنا و على نظرات عيوننا..لا تستطيعين أن تنكري بأن قربنا من بعضنا يروق لنا و يعجبنا و يثير في أعماقنا مشاعر لم نعرفها من قبل..هذا وضعي أنا على الأقل..لا أعرف عنك أنت..لا أدري ما يدور في داخلك..أعجز عن الولوج الى أعماقك و عن الغوص في أعماقك..أعجز عن قراءة عيونك و عن فهم ما تقولانه..الأمر الوحيد الذي أستطيع الشعور به هو ردة فعلك و تفاعل جسدك معي عندما اقترب منك..هزان..ألهذه الدرجة ترين بأن العلاقة بيننا مستحيلة؟ ألهذه الدرجة تقاومين نفسك لكي لا تقعي في حبي و لكي لا تسمحي لنفسك بالتورط معي في علاقة؟ أعلم بأن البداية بيننا كانت سيئة..أعلم بأنني احتجزتك هنا و أجبرتك على العمل معي..لكنني مستعد للتراجع عن ذلك اذا كان ذلك يعني بأن أكون أنا و أنت في علاقة طبيعية بعيدا عن قلق العمل و البضاعة و كل شيء..يكفي أن .." قاطعته هزان من جديد و لكن بشيء من العصبية هذه المرة" هذا يكفي..يكفي..هذا لن يحدث أبدا..أنا و أنت مستحيل أن نكون معا..لا داعي أن تخدع نفسك..ما يجمعنا أنا و أنت هو العمل فقط..لديك حبيبة و علاقة طبيعية..و أنا لدي حياتي التي فرضت نفسك عليها و أفسدت هدوءها و توازنها..نعم قبلت بأن أعمل معك..و لن أتراجع عن ذلك..لكن لن يكون بيننا أكثر من هذا" وضع ياغيز يده على ذراعها و جذبها نحوه لكي تجلس امامه على السرير و سأل بصوت مبحوح" لماذا تقولين هذا؟ لماذا؟ هل بيلين هي السبب؟ بيلين ليست حبيبتي..قلتها لك من قبل و أعيدها..علاقتي بها هي علاقة مودة و معروف و علاقة جسدية بحتة..و هي تعلم ذلك..لقد ساندتني كثيرا فيما مضى و مستحيل أن أنسى ما فعلته معي..لذلك أحاول حمايتها و الحفاظ عليها..لكنني لست مغرما بها..لا أعشقها..لا تثير في أيا مما تثيرينه أنت فيّ..مشاعري تجاهك أقوى و أعنف و أعمق..أنا نفسي استغربها و اخاف منها..لأنها جديدة علي..و لم يسبق لي أن عشتها..ان كانت مشكلتك هي بيلين فأنا جاهز لقطع علاقتي معها..لن أتخلى عنها و عن حمايتها..لكنني سأنهي علاقتي بها..يكفي أن تقولي أنت نعم..يكفي أن تكوني أنت مستعدة لتقبل فيض المشاعر هذا..ماذا قلت؟" انتزعت هزان يدها من يده و أجابت" لا داعي لأن تنهي علاقتك بها..هي التي تليق بك و التي تستطيع أن تتفهم طبيعة عملك و محيطك و علاقاتك..أما أنا فلست على استعداد للتورط في علاقة مع زعيم مافيا..اعذرني ياغيز..لا أستطيع أن أفعل هذا..انت غارق في عالم الاجرام و الممنوعات و المافيا و نهاية من يدخلون هذا العالم معروفة..الموت أو السجن..لست مستعدة أن أربط حياتي و حاضري و مستقبلي بشخص نهايته معروفة..أنا أريد حياة طبيعية مع انسان عادي..يكسب لقمته بعرق جبينه..و بيد نظيفة..انسان يوفر لي الأمان و الاطمئنان..لي..و لأطفالنا الذين سنربيهم على الحب و على المال الحلال..آسفة ياغيز..ما تقوله لن يحدث..لأنه مستحيل" قطب ياغيز جبينه و هرب بعيونه منها و قد لامس كلامها ذلك الجانب المتألم في أعماقه..هم بالكلام لكن رنين هاتفه منعه ..أجاب على المتصل" نعم..هذا أنا..أمر عرضي..مضى بسلام..أنا بخير..بطبيعة الحال..و الرد سيكون قاسيا جدا..لا تقلق..حقا؟ ..متى؟ غدا..حسنا..اتفقنا..نعم..أنا جاهز..كالمعتاد..تمام..اتفقنا..الى اللقاء" و أنهى المكالمة ثم رفع عيونه نحو هزان و قال" بما أنك اختصرت الكلام بيننا على العمل فقط..فاعلمي اذا بأنك ستكونين غدا على متن الطائرة المتجهة الى برلين..و كما دربناك..في رحلة العودة سيكون الوفد موجودا..و ستقومين انت بإخراج البضاعة من المطار..هل هذا واضح؟" وقفت هزان و ردت" نعم..واضح" أشار اليها بيده أن تخرج ففعلت..
في الكازينو..تجولت بيلين بين الطاولات متفقدة الزبائن و مشرفة على راحتهم..التفتت الى ديمير..محل ثقتها و يدها اليمنى و اوفى رجالها و قالت" ديمير..لن أكون الليلة متواجدة هنا..ستكون أنت نائبي كالعادة..لن تسمح بأي تقصير أو تهاون..ستسهر على راحة الزبائن و ستراقب كل ما يحدث عن كثب..و سأجلس معك في الغد لكي أسمع تقريرك عن الليلة..اتفقنا؟" رد ديمير" كما تأمرين سيدتي..لا تقلقي سيكون كل شيء على ما يرام" فتحت بيلين مكتبها فتفاجئت بوجود جواد ينتظرها هناك..أشارت الى ديمير بالذهاب و ادفعت مسرعة نحو جواد و امسكته من ياقة قميصه و راحت تهزه بعنف و هي تصيح" أيها الوغد..ماذا فعلت؟ لقد كدت تقتل ياغيز..هل جننت؟ من أين أتتك الجرأة لكي تفعل شيئا كهذا؟ أقسم بأنني سأقتلك بيدي هاتين ان اصاب ياغيز مكروه..هل فهمت؟" ضحك جواد و أبعد يدي بيلين عن ياقة قميصه..قربهما من فمه و طبع عليهما قبلة رقيقة ثم رد" اهدإي حبيبتي..لا أحتمل أن أراك غاضبة هكذا..و خاصة اذا كنت أنا سبب هذا الغضب..ذلك المتكبر تجرأ على اخافة ابن اختي و على مساومتي به..هل كنت تنتظرين مني أن اقابل هذه الاهانة و الجرأة بالصمت لكي يعتقد بأنه أخافني؟ لا وألف لا..ليس جواد شاكر من يقبل على نفسه الاهانة و يقابلها بالصمت..لقد كان ذلك مجرد رد بسيط..و كنت لأفعل أكثر من ذلك لولا انك كنت ساعتها في القصر" انتزعت بيلين يديها منه و صاحت به من جديد" أيها الوقح الغبي..و ماذا كنت لتفعل اكثر من ذلك؟ لقد خسر ياغيز الكثير من رجاله..و كاد يخسر حياته لا سمح الله لولا أنه وجد من أسعفه و أنقذ حياته..اسمع يا هذا..اياك أن تمس ياغيز مرة أخرى و الا ستجدني أنا قبالتك..و أقسم بأنني لن أرحمك أبدا" ابتسم جواد و قال" انا راض بأي شيء يأتيني منك..بيلين..متى سترين مدى حبي لك؟ متى ستدركين بأنه لا يوجد رجل على هذه الأرض يحبك مثلي؟ حتى ياغيز..أقسم لك بأنه لا يحبك..لا ينظر اليك كما أنظر اليك أنا..لا يشعر بك كما أشعر بك أنا..لا يغار عليك كما أفعل أنا..متى ستفهمين ذلك؟" قالت" لكنني أحبه هو..و لا أحبك أنت..متى ستفهم أنت هذا؟" وضع جواد يده على ذراعها و ضغط عليه بأصابعه بقوة ثم قال" أحبك و اريدك لي..اما تكونين لي أو سأنهي ياغيز..أقسم بأنني سأقتله دون أن يرف لي جفن..ان كنت تحبينه فعلا فستصبحين لي و معي لكي لا اتعرض له..سأدعك تفكرين و تقررين..و ان بقيت مصرة على رفضي فتحملي النتائج..و تأكدي بأنني لا أمزح..و سأفعل ما قلته..هل فهمت؟" أفلت يدها و خرج فيما بقيت هي تفرك مكان أصابعه على ذراعها و تتمتم" حقير بغيض..لن يخيفني تهديدك..ياغيز سينهيك قبل أن تنهيه..سترى" ..
في القصر..تناول ياغيز طعام العشاء دون شهية لكنه لم يستطع أن يرفض أمام اصرار جان و فكرت رئيسة الخدم التي أشار لها ياغيز بالخروج ثم التفت الى جان و قال" جان..ستكون هزان تحت عينك..غدا اليوم المنتظر..اعتقد بأنها جاهزة لكنني أخشى من أن تتوتر أو تخاف و هذا امر طبيعي جدا..ان لاحظت عليها أيا من هذا فأعفها من الأمر دون أن تنتبه..و أوكل المهمة الى الساعي الاحتياطي..لا أريد أن يصيبها أي اذى..هل فهمت؟" هز جان برأسه و رد" أكيد..هذا مفهوم سيدي..لا تقلق..سيكون كل شيء على ما يرام" سمعا صوت طرقات على الباب و اطلت هزان برأسها و هي تقول" عذرا..لم أقصد مقاطعتكما..لكن موعد الدواء قد حان..و.." قاطعها ياغيز دون أن ينظر اليها" لا داعي لقدومك..يمكنني أن أشرب دوائي لوحدي..شكرا" زمت هزان شفتيها و ردت" أعلم ذلك..لكن يجب أن اتفقد الضمادة و القطب..هذه توصيات الطبيب..و يجب أن أطبقها" ابتسم جان و استأذن في الخروج و بقيت هزان لوحدها مع ياغيز..اعطته حبات الدواء و كأس من الماء فشرب دواءه ثم جلست أمامه و وضعت يديها على طرف القميص السفلي و بدأت برفعه الى الأعلى لكي تنزعه عنه..أدار هو وجهه عنها و هرب بعيونه منها..لكن انفاسه كانت متسارعة و دقات قلبه مرتبكة..أنّ بصوت خافت عندما أخرجت القميص من ذراعه اليمنى فسألت بقلق" هل انت بخير؟ هل آلمتك؟" اجاب دون أن يلتفت اليها" انا بخير" كان جافا و باردا في التعامل معها فهي من رفضته و اوجعته بكلامها و أصرت على الابقاء فقط على علاقة العمل بينهما..و رغم ذلك آلمها بروده و عدم نظره اليها..كانت قريبة جدا منه الى الدرجة التي كان بإمكانه أن يشعر بأنفاسها الدافئة على بشرته البيضاء الناصعة..أحس بها تتسلط على حواسه من جديد و تنجح في اضعافه و هزم مقاومته..نظر اليها و راح يتأمل وجهها القريب منه..عيونها الواسعة ذات الرموش الكثيفة..انفها الدقيق المستقيم..شفاهها الممتلئة و الوردية..و خاصة فتحة قميصها التي تشف عن نهدين متكورين عجزت عيونه البلورية عن التزحزح عنهما..انها مثيرة كاللعنة..كالجحيم..تنجح في ايقاظ شياطينه كلها دفعة واحدة دون مجهود منها..تستطيع أن تجعل الدماء تغلي في عروقه و أن تستفز رجولته النائمة بمجرد اقترابها منه..مدت هي اصابعا مرتعشة نحو الضمادة و ازاحتها بلطف فوجدت الجرح قد عاد ينزف من جديد..أبعدت وجهها عنه و اخذت البودرة الطبية التي وصفها الطبيب..رشتها على الجرح بعد أن نظفته بالمطهر ثم اعادت تضميده و هي تحاول جاهدة ألا تتأثر بنظراته التي كانت تلتهمها و تعريها من ملابسها..سألته بصوت مرتعش" هل آلمتك؟" لامس بأصابعه وجنتها و همهم بصوت مبحوح" نعم..كثيرا" تمتمت هزان بحزن" آسفة..لم أقصد ذلك" ابتسم هو و أضاف و هو يأخذ يدها و يضعها على صدره العاري حيث قلبه"ليس الجرح ما يؤلمني..بل هذا" حملقت هزان فيه بعيون لامعة و لم تجد كلاما تقوله له..ضغط هو على يدها لكي لا تبعدها عن قلبه ثم اقترب منها و دفن وجهه في رقبتها..سحب نفسا عميقا جدا من رائحة عطرها و جسدها..ثم مرر شفاهه الدافئة على جلدها فاختلج جسدها بشدة و تنهدت بعمق..لف يده على عنقها من الخلف و زرع شفاهه في رقبتها..يقبلها و يمتص جلدها..شعرت هزان بأنفاسها تذهب ادراج الرياح و بحرارة جسمها ترتفع..اغمضت عيونها و استسلمت لقبلاته و للمساته..ارتفعت شفاهه نحو ذقنها ثم تحركت صعودا الى ان التقت بشفاهها و احتوتهما في قبلة رقيقة و دافئة..نسيت هزان نفسها تحت سحر اقترابه منها و تجاوبت بسرعة مع قبلاته العطشى لرحيق شفتيها..انعجنت الشفاه معا و التقت الألسنة و تراقصت معا و صارت القبلات متتالية و سريعة..عنيفة و مثيرة..دافئة و جنونية..لفت هي يدها حول عنقه و راحت تداعب خصلات شعره من الخلف..أما هو فراحت يده تتحرك نزولا من رقبتها الى كتفها الى نهديها لتضغط عليهما و تتحسس امتلاءهما..لحظات انصهار و احتراق كانا يعيشانها في عالم آخر ليس فيه سواهما..بعيدا عن الزمان و المكان..عن العقل و المنطق..عن ما يجب أن يكون و ما لا يجب أن يكون..رفع هو رأسه عنها و غمغم بصوت خافت" هزان..اريدك..و بشدة..لن تنكري بأنك أيضا تريدينني..أستطيع أن أشعر بذلك في كل نَفَسٍ و كل حركة و كل نظرة..كوني لي..و أعدك بأنني لن أكون الا لك..لك أنت وحدك..قرري الآن..لأنني لن أكون قادرا على السيطرة على نفسي أكثر من ذلك..قولي..و لا تورثيني ندما أكثر من ذلك الذي أعيشه..انظري الى هذا الوشم الذي على صدري..أتعلمين ما معناه..انه يعني الندم..على كل هاته الحياة التي اعيشها مجبرا..على كل امر قمت به دون ارادة مني..على كل شخص قربته مني دون رغبة في ذلك..حياتي كلها عبارة عن ندم كبير هزان..فلا تكوني أنت أيضا كذلك..لا تكوني مجرد حلم اعجز عن تحقيقه..لا تكوني مجرد خيال اندم على عدم معانقته و على عدم تحويله الى حقيقة..لا تكوني أنت مجرد ندم يزيد من ندمي..هيا..قولي هزان قبل أن افقد صوابي" ظلت هزان تنظر اليه و تتأمله دون أن تقوى على النطق بحرف..صمتت قليلا ثم تمتمت بصوت خافت" اعذرني ياغيز..لا أستطيع" لم يقل ياغيز شيئا..هرب بعيونه منها..لأنها امتلأت بالدموع..وقفت هزان و فتحت الباب فوجدت بيلين أمامها..تجاوزتها و دخلت..اقتربت من ياغيز و وضعت يدها على كتفه..فالتفت اليها..ثم رفع عيونه نحو هزان التي كانت ما تزال تقف بالباب..صاح بصوت قاسي" اغلقي الباب خلفك لو سمحت" ثم عاد ينظر الى بيلين القريبة منه..و ما هي الا لحظات حتى اهوى على فمها بفمه يقبلها بعنف..اغرورقت عيون هزان بالدموع..و اغلقت الباب بعنف ثم تحركت مسرعة الى غرفتها..حيث تكون لوحدها..مع دموعها..و حزنها..و ندمها..

في قبضة العرّاب Onde as histórias ganham vida. Descobre agora