الفصل التاسع عشر..رهن الإعتقال

3.5K 118 94
                                    

قاد ياغيز سيارته بإتجاه الشركة و هو يحاول أن يركز على القيادة لكن عقله و قلبه و كل تركيزه ظلوا هناك..عند هزان..تلك المرأة التي تسلب لُبّه و تأسر حواسه..مازال يشعر بحرارة جسده و بتسارع نبضات قلبه و كأنه قريب منها..مازال رحيق شفتيها عالقا بشفاهه و بلسانه..و مازالت عيونه تتأمل كل قطعة منها و كأنها تقف أمامه الآن..سحب ياغيز نفسا عميقا  و تشبثت يداه بالمقود ..و ما هي الا لحظات حتى توقف أمام الشركة..ترجل من سيارته فوجد جان في انتظاره..سأله مباشرة" جان..هل كل شيء على ما يرام؟" هز جان برأسه و أجاب" نعم سيدي..الضيف في المكان المعتاد..انه ينتظرك منذ نصف ساعة تقريبا" صمت جان قليلا ثم أضاف عندما رأى ملامح ياغيز المتجهمة" آسف سيدي لأنني أزعجتك بإتصالي..لكن السيد ديمتري أصر على لقاءك..و قال بأن الأمر عاجل جدا" مرر ياغيز أصابعه خلال خصلات شعره و قال و هو يرسم ابتسامة على شفتيه" لا عليك جان..لقد فعلت الصواب" و مشيا معا نحو الطابق السفلي..فتح ياغيز الباب و دخل و هو يقول" مرحبا بالسيد ديمتري..هل أنت بخير؟" نظر ديمتري الى جان و كأنه يطلب من ياغيز أن يبقيا لوحدهما..ففهمه ياغيز و أشار الى جان بالخروج..صافح ديمتري ياغيز و جلسا متقابلين..أخرج الرجل الروسي سيجارا من جيبه و أشعله و راح ينفث دخانه في الهواء..ثم تكلم بعد صمت قائلا" سيد ياغيز..اعذرني لأنني أتيت للقاءك دون موعد سابق..لكن الأمر لا يحتمل التأجيل..لقد أتيت بنفسي لكي أخبرك أولا بأن بقية التجار و رجال الأعمال المشاركين في المزاد سيصلون بعد أسبوع على خلاف الموعد المتفق عليه سابقا..و الذي هو غدا..ثانيا..أردت أن أعلمك بأن السيد جوزيف قائد اللجنة السرية قد تم القبض عليه ليلة البارحة في مدينة ميلانو الإيطالية و بحوزته مبلغ هام من الأموال المبيضة و حقيبة ملآى بالمخدرات..أعضاء اللجنة متخوفون و يرجحون وجود خونة و عملاء للشرطة حول كل واحد منا..و أولهم أنت..لذلك عليك أن تحذر..و ألا تثق بأي كان..حتى و لو كان أوفى رجالك" قطب ياغيز جبينه و قال بنبرة هادئة" سيد ديمتري..صراحة لا أستبعد وجود أشخاص كهؤلاء حولنا..و القبض على السيد جوزيف متلبسا هو أكبر دليل على ذلك..لكن بالنسبة الي..أنت تعرفني جيدا..أنا لا أثق بأحد..و لا أسلم رقبتي لأحد..حتى أوفى رجالي لا أعطيهم كل أسراري..بل هناك أمور أحتفظ بها لنفسي..و لا أعرفها الا أنا..لذلك لا تقلق" نفث ديمتري دخان سيجارته بعصبية و رد" لا..يجب أن أقلق..خاصة بعد ما رأيته اليوم في المطار..و هذا ما جعلني آتي اليك فورا" نظر ياغيز الى ديمتري و سأل" خيرا؟ مالذي حصل؟" أجاب الرجل" كنت على متن طائرة تقل مجموعة من الدبلوماسيين و رجال السياسة..و ما ان وصلنا الى المطار..حتى تم تفتيش الجميع بدقة و دون استثناء..تخيل..حتى الحقائب الدبلوماسية التي لا تفتش عادة..وقع تفتيشها اليوم بآلة جديدة تكشف محتويات الحقائب دون فتحها..أتعلم ماذا يعني هذا؟" أشعل ياغيز سيجارة و سحب منها النفس تلو الآخر ثم انتفض واقفا و هو يقول بعصبية" هذا يعني بأن أمر الحقائب الدبلوماسية قد كُشِف..و بأن الشرطة صارت تعلم بالخطة المتبعة لتهريب الألماس..لكن كيف؟ هذا أمر لا يصدق" وقف ديمتري و وضع يده على كتف ياغيز و قال" أرأيت؟ ..لهذا السبب طلبت أن التقيك بصورة مستعجلة..لكي أحذرك و أنبهك الى ضرورة التخلي عن طريقة التهريب عبر الرحلات الجوية..و الأهم من هذا كله هو أن تكشف الخائن و تنهي أمره قبل أن ينهي أمرك و أمرنا جميعا" ذرع ياغيز الغرفة جيئة و ذهابا و هو غارق في أفكاره العميقة..ثم تكلم بعد صمت طويل قائلا" بالنسبة للبضاعة فلا تقلق..لقد وجدت طريقة جديدة مضمونة لتهريبها بعيدا عن الرحلات الجوية..هذه المرة سيكون النقل عن طريق البحر..و الطريقة مضمونة و من المستحيل أن يقع اكتشافها..أما عن اجتماعاتنا السرية هذه..فأعتقد بأنه من المناسب أن نغير مكان اجتماعنا المرة تلو الأخرى ..و كل مرة في بلد جديد..لكي لا نلفت الانتباه الينا..و سيقع شحن البضاعة المطلوبة عبر البحر كالعادة..و سنواصل عقد مزاداتنا دون توقف..اما بخصوص الخائن..فأعدك بأنني سأجده و سأنهي أمره..لن أسمح لأي كان بأن يتسلل بين رجالي و يطعنني في ظهري..و كما تعلم..الخيانة عقابها واحد دائما..و هو الموت" صافح ديمتري ياغيز و شد على يده و هو يقول" أنا أثق بك و بتقديرك و ذكاءك و حكمتك..لكنني أوصيك كصديق حقيقي بألا تثق بأحد..حتى و لو كان أوفى و أخلص الناس في نظرك..فلكل شخص ثمن هذه الأيام..كن بخير..أنا سأبقى هنا في تركيا لأيام الى حين وصول باقي الرجال..و أنت قم بإخفاء البضاعة في مكان لا يمكن الوصول اليه..و لا تكشف عن هذا المكان لأي أحد..مهما كان ..اتفقنا؟" ابتسم ياغيز و رد بثقة" لا تقلق علي..كل شيء سيكون على ما يرام" ثم اوصله الى الباب و هو يضيف" رافقتك السلامة سيد ديمتري" و أشار الى جان بأن يؤمن ذهابه و ينتبه اليه..صعد ياغيز الى مكتبه في الشركة فاعترضته سيكرتيرته زينب و قالت" مرحبا بكم سيدي..هناك بعض الأوراق التي تنتظر توقيعكم..و لديكم اجتماع مستعجل مع بعض المستثمرين على الساعة الواحدة" نظر اليها ياغيز و رد" حسنا زينب..احضري لي قهوة و تعالي لكي ندرس معا خطة الانتاج الجديدة" اومأت الفتاة برأسها و تحركت مسرعة لكي تحضر له قهوته..جلس ياغيز خلف مكتبه و هو يضع رأسه بين يديه..يفكر في كلام ديمتري..ذلك الكلام المخيف الذي يؤكد بأن النظام الذي أسسه مخترق و بأن الخطر يحدق به من كل جانب..لقد انفضح أمر الرحلات الجوية و صارت الحقائب الدبلوماسية تخضع للتفتيش..و هذا يعني بأن الأمر صار مكشوفا..و هذا أيضا يضعه أمام احتمال أن تكون سيبال التي هربت منه و اختفت هي من كشفت الأمر للشرطة..في محاولة منها لتأمين حياتها قبل أن يجدها هو و ينهي أمرها..أو..ربما يكون جواد هو الفاعل..فهو معروف بتعامله مع الشرطة و تقديمه خدمات عديدة لعناصرها مقابل أن يسهلوا له عمله و أن يتغاضوا عن بعض الصفقات الغير قانونية التي يقوم بها..جواد سبق له أن زرع رجلا وسط رجاله في محاولة لكشف أسرار عمله و صفقاته..و تمكن ياغيز عندئذ من اكتشاف أمره و قتله قبل أن يوصل الأخبار الى سيده..أتراه أعاد الكرة؟ أتراه تجرأ من جديد على دس جاسوس وسط الرجال؟ يجب أن يبحث جيدا و يتثبت لكي لا يعرف هذا الجاسوس أكثر من اللازم..
في منزلها..كانت بيلين مستلقية على الأريكة أمام التلفاز و في يدها كأس عصير غلال ترتشفه على مهل..اقتربت منها الخادمة و قالت" سيدتي..لديك زائر" ابتهجت بيلين ظنا منها بأن القادم هو ياغيز فجلست و أشارت اليها لكي تسمح له بالدخول..و سرعان ما عبست بيلين و هي ترى جواد يدخل عليها و هو يحمل باقة ورود بيضاء و أرجوانية..تقدم نحوها و اعطاها الباقة و هو يقول" مرحبا بيلين..كيف حالك؟" اخذت بيلين الورود من يده و أعطتها للخادمة و هي تقول" ضعيها في المزهرية و أحضري قهوة للسيد جواد" ذهبت الخادمة و بقيت بيلين لوحدها معه..قطبت جبينها و سألت بعصبية" جواد..متى ستتوقف عن فعل هذا؟ ألم تفقد الأمل مني بعد؟ حتى بعد أن عرفت بأنني حامل من ياغيز؟" نظر اليها جواد و أجاب" بيلين..أنت تعلمين جيدا بأن ياغيز لن يفعل شيئا لأجلك..و لن يتزوجك فقط لأنك حامل منه..أكثر ما سيعرضه عليك هو أن يعتني بإبنه و أن يمنحه اسمه..لكنه لن يهتم بك أنت..و لن يعطيك الرعاية و العطف و الحنان الذين تحتاجين اليهم..أنا مستعد أن أعطيك كل هذا..و أن أعطيك اسمي ايضا..أنت و هذا الصغير الذي ينمو في أحشاءك..اسمحي لي بأن أعطيك العائلة التي تحلمين بها..اسمحي لي بأن أكون قريبا منك على الدوام و بأن أعتني بك كما يليق و كما تستحقين..لماذا تصرين على التشبث برجل عقله و قلبه مع غيرك..هذا الحمل لن يغير شيئا بالنسبة اليه..و لن يقرب أحدكما من الآخر..افهمي هذا" هربت بيلين بعيونها منه و قالت" جواد..لا داعي لهذا الكلام الآن..لا تضغط علي و تزعجني..أنا حامل من رجل آخر..و أنت تعرض علي أن تتزوجني و أن تمنح ابني اسمك..لا..لن أفعل هذا بك..أنت لا تستحق هذا مني..أعلم جيدا بأنك تحبني..لكنني لن أستغل حبك هذا..و آسفة من كل قلبي لأنني أعجز عن مبادلتك هذا الحب..أشكرك لأنك تهتم بي و تحاول توفير كل ما أحتاج له..لكن اعذرني..لن أقبل عرضك هذا..هذا الجنين ابن ياغيز..و سيحمل اسمه هو فقط" تحول جواد للجلوس بجانبها و أمسك يدها و هو يقول" آه بيلين..لو تعلمين كم أحبك و كم أهتم لأمرك لما كنت رفضت ما أعرضه عليك..لن أكذب و أقول بأنني لم أتمنى بأن يكون هذا الطفل ابني أنا..لكن ..و برغم كونه ابن ياغيز..فهذا لا يغير حقيقة حبي لك..و .." انتزعت بيلين يدها من يد جواد و قالت" هذا يكفي..جواد..لو سمحت..لا تضغط علي..أنا متعبة جدا..و أحتاج للراحة" وقف جواد و رد" حسنا..لن ازعجك أكثر من هذا..أردت فقط أن أطمئن عليك و .." سمعا فجأة صوتا يسأل بنبرة حادة" ماذا تفعل هنا؟" التفتا ليجدا ياغيز يقف قبالتهما و الغضب و الانزعاج باديان على وجهه..وقفت بيلين و ردت" مرحبا ياغيز..تفضل بالجلوس..جواد كان ذاهبا ذاتا" تقدم ياغيز منهما و هو يقول" سيذهب لا محالة..لكنني أريد أن أعرف مالذي أتى به الى هنا" ابتسم جواد و أجاب" أنا هنا في منزل بيلين ..و اتيت للاطمئنان عليها و على صحتها" رمقه ياغيز بنظرة باردة و رد بنبرة استفزازية" ألم تخبرك بيلين بأنها حامل بطفلي؟" ابتلع جواد ريقه بصعوبة و هز برأسه بالايجاب فسأله ياغيز من جديد" فمالذي يبقيك هنا إذا؟" التفت جواد الى بيلين و قال" عزيزتي بيلين..كوني بخير..و اعتني بنفسك جيدا..و اتصلي بي ان احتجت الى شيء..الى اللقاء" ثم وقف بجانب ياغيز و همس في أذنه" ليتها تراك على حقيقتك..و ليتها تتخلى عن وهم حبها لك..ليتها تقبل بعرضي لكي اوفر لها ما تعجز أنت عن توفيره..لكن هذا لن يطول..ستجدني انا بجانبها دائما..و ستعرف من هو الرجل الحقيقي بيننا..أعدك بأنك ستجد ما يليق بك..قريبا جدا" امسكه ياغيز من ياقته و هزه بعنف و هو يقول" متى تتخلى أنت عن حقارتك و ذُلّك هذا؟ انها حامل بطفلي..طفلي أنا..و أنا سأعطيه اسمي..توقف عن التدخل في حياتي لأنك لن تنجح في تحطيمها مهما فعلت و مهما خططت..هيا اغرب عن وجهي قبل أن أحطم وجهك" و دفعه بقوة حتى كاد يقع ارضا..تجهم وجه جواد و بدا الحقد جليا على ملامحه ثم ذهب و هو يتوعد و يهدد..التفت ياغيز الى بيلين و قال بنبرة غاضبة" هذه آخر مرة أراه فيها هنا..هل فهمت؟ لا أريد أن أراه بجانبك..لست بحاجة اليه..و لا تنسي..أنت تحملين طفلي أنا..كوني أما مسؤولة و واعية..و لا تفقديني صوابي..هذا الرجل يكرهني و يضمر لي الشر..و لا يجوز أن تسمحي له بالاقتراب منك..خاصة الآن" رمقته بيلين بنظرة باردة و قالت" نعم..هذا كل ما يعنيك..أنني أحمل طفلك..و ماذا وفرت لي و لطفلك؟ هل تغير شيء بالنسبة اليك بعد معرفتك بحملي..لا..لا شيء..ستتزوج من حبيبتك و تتركني لوحدي..و ستتعطف علي بمنح اسمك لطفلي..أتعلم ماذا عرض علي جواد منذ قليل..عرض علي أن يتزوجني و أن يمنح طفلي اسمه..أرأيت؟ هذا الفرق بينك و بينه..هو مستعد أن يعطيني ما تعجز عن اعطائي اياه رغم أنني حامل من رجل آخر غيره..لكنني رفضت أن أستغله أكثر من ذلك..هو لا يستحق مني هذا..أنت أناني ياغيز..و لا تحب سوى نفسك..ما يهمك فقط هو ألا يقترب غيرك مما تملكه أنت..لقد تعبت منك..و من حبي اليائس لك..و لن أقول لك شيئا بعد الآن..سأعتني بإبني..لوحدي..لأنني لا أحتاج الى رجل مثلك..لا يهتم سوى بنفسه" عادت بيلين للجلوس و هي تبكي في صمت..بقي ياغيز واقفا ينظر اليها للحظات ثم جلس بجانبها..وضع يده على كتفها و همس بصوت خافت" بيلين..كفى..لا تبكي..يجب أن تكوني مرتاحة و مبتهجة..من أجلك و من أجل الطفل..أنا آسف لأنني أزعجتك و ضغطت عليك..بيلين..جواد يريد لي الأذى..و يريد أن يظهر لك عيوبي و مساوئي لكي يقنعك بأن تكوني معه..ليس حبا فقط..بل لكي يؤذيني..و يزعجني..يريد أن يمنح اسمه لإبني لكي يتباهى امام الناس بأنه فعل ما لم أفعله أنا..انه مريض بي..و لا غاية له سوى تحطيمي..أرجوك بيلين..لأجل خاطر الأيام الماضية..لا تسمحي له بذلك" رفعت بيلين عيونها نحو ياغيز فقربها منه و عانقها و هو يضيف" مالذي افعله هنا لو لم أكن مهتما بك و بإبني؟ لقد أتيت لكي اراك و أطمئن عليك..و أنت تعلمين جيدا بأنني سأكون موجودا متى احتجت الي..لن أتخلى عنك و عن ابني..لكنك تعلمين بأن .." ابتعدت بيلين عنه و قالت" أعلم..قلبك مع هزان..و هي المرأة التي تريد أن تتزوجها و أن تقضي حياتك معها..أعلم جيدا بأنك كنت تتمنى بأن تكون هي أم طفلك..لكن..ماذا نفعل؟ ياغيز..ان كنت لا تريد هذا الطفل فأخبرني..لست مضطرا أن تكون بجانبي ان لم تكن تريد هذا الطفل و .." قاطعها" لا تقولي هذا..( وضع يده على بطنها و أضاف) هذا الصغير الموجود هنا هو ابني..و قطعة مني..و لن أتخلى عنه..أعدك بأنني لن أتأخر لا عنك و لا عنه..أيا كان ما تحتاجونه..المهم أن تبعدي هذا الرجل المؤذي عنك" هزت بيلين برأسها و قالت" حسنا..كما تريد..ما رأيك أن تتناول طعام الغداء معي..معنا؟" صمت ياغيز قليلا ثم رد" نعم..سأبقى" ..
مع حلول المساء..ارتدت هزان الفستان الأحمر الذي أهداه لها ياغيز و زينت جيدها بعقد ألماسي ..ثم أطلقت شعرها القصير على كتفيها و رشت من عطرها المفضل قبل أن تحتذي حذاء أسودا عالي الكعب و تحمل حقيبتها و تركب سيارتها و تنطلق نحو القصر..و ما ان دخلت بسيارتها الى الباحة حتى اعترضها جان و فتح لها الباب و هو يقول" أهلا و سهلا آنسة هزان..تفضلي..السيد ينتظرك في قاعة الجلوس" ترجلت هزان و دخلت الى قاعة الجلوس..كان هو يقف و ظهره للباب..تنحنحت هي بخفة لكي تلفت انتباهه و تقطع حبل أفكاره..التفت اليها و سرعان ما ارتسمت على شفاهه ابتسامة رائعة زادته جمالا و جاذبية..اقترب منها و اخذ يدها و طبع عليها قبلة رقيقة ثم جذبها نحوه و عانقها بقوة و هو يقول" أهلا و سهلا حياتي..تبدين ساحرة في هذا الفستان..شكرا لأنك ارتديته من أجلي" دفن وجهه في عنقها و سحب رائحتها التي يعشقها الى اعماقه ثم اضاف بصوت مبحوح" رائحتك هذه..آااااه..انها تذهب عقلي..ماذا تفعلين بي هزان؟ لماذا صرت أشعر بأنك تتجولين مع الدماء في عروقي؟ أيعقل بأنني أصبحت أدمنك؟" ابتسمت هزان و ابتعدت عنه قليلا و هي تقول بنبرة هادئة" لا تبالغ لو سمحت..و احذر من هذا التعلق الخطير..فلا أحد يعلم ما تخفيه لنا الحياة" قطب ياغيز جبينه و رد و هو يلامس وجهها بحنان" هاقد عدت الى الكلام المبهم و الغامض..ان كنت تقصدين الفراق أو الموت فلا تقلقي..لن أسمح لأي منهما بأن يأخذك مني..لأنني صرت أتنفسك..و لا حياة لي بدونك" نظرت هزان الى الطاولة الخالية من الأطباق و سألت" هل أتيت أبكر من موعد العشاء؟ أرى الطاولة خالية" جلس ياغيز و جذبها من يدها لتجلس على ساقه ثم أجاب" مازال الوقت باكرا على العشاء..لقد طلبت منهم بأن يؤخروه قليلا..لدي بعض الأعمال العالقة..سأنهيها بسرعة ريثما يجهز العشاء" تأففت هزان بضيق و قالت" اوف يا..ألا ينتهي هذا العمل أبدا؟ لقد صرت أغار منه..اشعر بأنه حبيبتك الأخرى التي لا يمكنك الاستغناء عنها" لف ياغيز ذراعه حول خصرها و قربها منه ليطبع على ذقنها قبلة رقيقة قبل أن تنزل شفاهه رويدا رويدا الى عنقها و رقبتها و عظم ترقوتها وصولا الى فتحة الفستان مابين نهديها..أغمضت هزان عينيها مستسلمة لسحر قبلاته الدافئة على جلدها..تمتم هو و فمه على كتفها" لا يجب أن تشعري أنت بالغيرة..بل على العكس..يجب أن تغار منك كل نساء الأرض..و كل الأعمال و الأشياء..و كل ما هو موجود..لأنك نادرة و لا مثيل لك..حتى عملي الذي تغارين منه يعجز عن سرقتي منك..لذلك جعلتك جزءا منه في البداية..و جعلت اسمك كلمة سر لأكثر الاماكن سرية لدي..و التي أخفي فيها كل البضاعة و الأشياء الثمينة" فتحت هزان عيونها على وسعها و هي تسمع اعترافه العفوي ذاك..هذا يعني بأن لديه خزنة سرية يخفي فيها أسراره التي يخفيها عن الجميع..و اسمها هو كلمة السر..لم يبقى سوى أن تعرف مكان الخزنة لكي تنهي عملها و تقدم التقرير المطلوب منها..وضعت يدها تحت ذقنه و رفعت وجهه نحوها و طبعت على فمه قبلة رقيقة قبل أن تقول" حسنا..انهي أنت عملك و سأبقى أنا في المكتبة أطالع أحد الكتب ريثما تنتهي" هز ياغيز برأسه و وقف و هم بالخروج..لكنه توقف و عاد اليها..جذبها من يدها و قال" لا أريد أن تبتعدي عن ناظري و لو للحظة واحدة..تعالي معي الى المكتب" تظاهرت بالاعتراض قائلة" لكن مالذي سأفعله في المكتب؟ أنت لديك أعمالك و أنا سأملّ هناك و .." قاطعها بأن جذبها خلفه و راحا يجريان معا في الردهة وصولا الى المكتب..فتح ياغيز الباب..أدخلها و دخل بعدها..أغلق الباب ثم التفت اليها..و دون مقدمات راحت شفاهه تلتهم شفاهها في قبلة لاهثة و مجنونة..لفت هي ذراعيها حول عنقه و راحت تبادله قبلاته بأخرى أعنف منها..تمازجت شفاههما و التقت الألسنة و تهدجت الأنفاس و تسارعت خفقات القلوب و ضاق الزمان و المكان ليحتويهما وحدهما بعيدا عن العيون..مضت دقائق دون ان ينفصل أحدهما عن الآخر الى أن رفع هو رأسه أخيرا و هو يقول بصوت لاهث" أريدك هزان..في كل مرة تكونين قريبة مني فيها..يتجدد هذا الشعور..و كأنه ظمأ لا اقوى على ريّه..فلتحمدي الله أنه مازال لدي بعض العقل و بعض الأعمال المستعجلة و إلا لكنت أخذتك هنا..في هذا المكتب..و على هذه الطاولة" احمر وجه هزان خجلا و اشتعلت خدودها فهربت منه و وقفت أمام لوحة كبيرة معلقة على الحائط..تأملتها و هي تحاول السيطرة على انفاسها المتسارعة..قالت و هي تمرر أصابعها عليها" كم هي رائعة هذه اللوحة! انها جميلة جدا..و تضفي بهاءا و رونقا على المكتب" وقف ياغيز وراءها و همس" انها جميلة فعلا..و خلفها تختفي كل أسراري" تظاهرت هزان بالغباء و سألت" ماذا تقصد؟ هل تذكرك هذه اللوحة بسر أو بحكاية؟" ابتسم ياغيز و ابعدها قليلا ثم رفع اللوحة عن الحائط فظهرت تحتها خزنة مدفونة هناك..التفت الى هزان و رد" بل هذا ما أعنيه" هزت هزان كتفيها بلا مبالاة فأعاد هو اللوحة الى مكانها و قال" اجلسي حياتي..سأجري بعض الاتصالات ثم نعود الى قاعة الطعام" ..جلست هزان و راحت تتأمل أركان المكتب فيما أخذ ياغيز هاتفه و شرع يجري مكالماته..و بينما هو يتحدث عبر الهاتف..سمع صوتا مزعجا كالذبذبات جعل الصوت متقطعا و بالكاد يستطيع سماعه..سارع ياغيز الى انهاء المكالمة ثم وضع الهاتف على الطاولة و راح يبحث في الأرجاء و الانزعاج باد على وجهه..سألته هزان بقلق" ياغيز..ماذا جرى؟ عمّ تبحث؟" اجاب بصوت غاضب" عن جهاز تنصت" انتفضت هزان واقفة و سألت" ماذا؟ جهاز تنصت؟ أين؟ كيف عرفت بوجوده؟" رد" لا يصدر صوت الذبذبات ذاك من الهاتف الا عندما يكون هناك جهاز تنصت قريب" جثى ياغيز على ركبتيه و بحث تحت طاولة المكتب فوجد جهازا اسودا صغيرا مزروعا هناك..وقف ياغيز و قد ارتسمت على وجهه علامات الغضب و الضيق..لم تجرؤ هزان على الاقتراب منه و هي ترى شكله المخيف ذاك..و لعل مازاد من استغرابها هو أنها لم تضع جهاز التنصت ذاك..فمن وضعه يا ترى؟ ..سألت بصوت خافت" هل تعرف من وضعه؟ من يكون يا ترى؟" اقترب ياغيز من جهاز حاسوبه و فتحه و هو يقول" سنعرف الآن" ..كان ياغيز يخفي كاميرا مراقبة سرية في المكتب..و هي متصلة بحاسوبه..بحث طوال دقائق في الفيديوهات التي سجلتها الكاميرا الى أن قال في النهاية" ها هو من فعل ذلك..انه خليل" سألت هزان بدهشة" خليل؟ الحارس؟ و لماذا قد يفعل شيئا كهذا؟ أليس واحدا من أخلص رجالك؟" اندفع ياغيز خارجا من المكتب و هو يقول" سنعرف الآن..ابقي في الداخل هزان" لكن فضولها جعلها تتبعه..اعترض جان ياغيز فأخبره بما جرى و طلب منه أن يسحب خليل الى القبو..لحظات و كان خليل يقف أمام ياغيز ..اختفت هزان في الظلام و راحت تراقب ما يجري..نزع ياغيز سترته و راح يطوي أكمام قميصه الأسود..نظر اليه خليل و سأل" خيرا سيدي؟ هل تأمرني بشيء؟" ابتسم ياغيز ببرود و رد" لا..لا آمرك بشيء..و حتى ان فعلت..فهل ستنفذ أوامري؟" هز الرجل برأسه و قال" أكيد سيدي..دون تردد" صاح به ياغيز" كاذب..أنت كاذب..و خائن أيضا..تأكل من خبزي و تطعنني في ظهري..من طلب منك أن تزرع جهاز تنصت في مكتبي؟ ها؟ أجب قبل أن ينفذ صبري" اخذ خليل يتراجع الى الخلف و هو يردد بصوت مرتعش" ماذا؟ جهاز تنصت؟ انا..لم افعل..لا أعرف عم تتحدث" اقترب منه ياغيز و لكمه بقوة على وجهه حتى أسقطه أرضا..ثم رفعه و راح يضربه بوحشية على وجهه و على جسده و هو يصيح به" هيا أجب قبل أن آخذ روحك..قل..من أمرك بذلك؟ من طلب منك أن تتجسس علي؟ قل أيها الخائن الحقير..أجب" امتلأ وجه خليل بالدماء حتى صارت ملامحه مشوهة و راح يئن من شدة الألم..توقف ياغيز عن ضربه و سحب سلاحه من خصره و وضعه على جبينه و قال" سأسألك للمرة الأخيرة..من طلب منك ذلك؟ أجب قبل أن أفرغ مخزن المسدس في رأسك؟" تكلم خليل بعد صمت" انه..انه..جواد" لعن ياغيز بأبشع النعوت و الكلمات قبل أن يطلق رصاصتين نحو رأس خليل أنهتا حياته على الفور..اختلج جسد هزان و هي تشاهد ياغيز و هو يقتل أحد رجاله..كان منظره مخيفا و مرعبا..سارعت بالخروج من القبو قبل أن تنهار على ركبتيها ارضا و هي تتخيل بأن ذاك المقتول منذ قليل ليس سوى والدها..شعرت هزان بألم يمزق معدتها قبل أن تتقيأ من هول ما رأت..استجمعت نفسها بعد لحظات و عادت الى غرفة الجلوس و هي تترنح..جلست و وضعت رأسها بين يديها..كان وجهها شاحبا كشحوب الموتى و قلبها يكاد يغادر صدرها..وقف ياغيز في الباب و قال ببرود" لقد نال ذلك الخائن جزاءه..سأغسل يدي و أعود لكي نتناول طعام العشاء" رفعت هزان عيونا خائفة نحوه فرأت آثار الدماء على يديه و وجهه فهربت بعيونها منه و قالت" أريد أن أذهب الى المنزل..أشعر بأنني لست بخير" اقترب منها ياغيز و سأل بقلق" مالأمر حياتي؟ هل تشعرين بألم أم ماذا؟" و مد يده نحوها لكي يلامس وجهها لكنها انتفضت واقفة و ابتعدت عنه بسرعة و هي تجيب" أرجوك..أريد أن أذهب الى المنزل..لا شهية لي للأكل..أريد فقط أن أعود الى المنزل..لو سمحت" نظر اليها ياغيز و الى وجهها الشاحب و قال" حسنا..كما تريدين..هل أرسل معك جان لكي يوصلك؟" ردت" لا داعي لذلك" و سارعت بالخروج و كأن شياطين الدنيا تجري خلفها..
في الصباح..استيقظ ياغيز على صوت سيارات الشرطة تملأ المكان بصفاراتها المزعجة ..انتفض واقفا و ارتدى قميصه ثم نزل مسرعا الى الأسفل..اعترضه باريش بابتسامة عريضة فسأله ياغيز" خيرا سيادة الضابط؟ مالذي أتى بك الى هنا منذ الصباح الباكر؟" اجاب باريش بنبرة سعادة واضحة" أتيت لكي ألقي القبض عليك سيد ياغيز ايجمان..لقد وقعت أخيرا..أنت رهن الاعتقال"

في قبضة العرّاب Where stories live. Discover now