الفصل الثاني..المواجهة

5.6K 199 40
                                    

حملقت هزان وسع عيونها في الرجل الملثم الواقف امامها و في فوهة المسدس الموجهة نحوها..اختلج جسدها بشدة و سألت بصوت مرتعش" من أنتم و ماذا يجري هنا؟ انا لا أفهم شيئا مما تقوله..عن اية بضاعة تتحدث؟" ضغط الرجل بالمسدس على جبينها و تكلم بعصبية" لا تدعي الغباء و أجيبي على سؤالي قبل أن ينفذ صبري و أجعل رصاص مسدسي يخترق جبينك..أين سيبال؟" زمت هزان شفتيها و هي لا تكاد تفهم لماذا يسأل هذا الرجل عن صديقتها..اجابت بعد أن نبهها الرجل من غفلتها بصيحة ارعبتها" سيبال..لم تعد معي الى هنا..لقد بقيت في ألمانيا..لماذا تسأل عنها؟ و ما علاقتها بكم؟ أنا لا أفهم شيئا" تمتم الرجل ببضع كلمات بذيئة ثم سألها من جديد" ألم ترسل معك شيئا؟ ألم تعطيك حقيبة أو شيئا من هذا القبيل؟" هزت هزان برأسها بالنفي فصاح الرجل بمرافقيه" فتشوا المنزل جيدا..اقلبوه رأسا على عقب..يجب أن تجدوا البضاعة و الا سينتهي أمري و أمركم هذه الليلة" ..استوت هزان في جلستها و هي تغلق ازرار بيجامتها بإحكام..من حسن حظها انها لم تكن ترتدي احد قمصان نومها القصيرة..بل خيرت ارتداء بيجامتها الزهرية المكونة من قميص و سروال حريريين..راقبت بعيون خائفة و حزينة الفوضى التي أحدثها الرجال و هم يعبثون بأغراضها بحثا عن بضاعة لا تعرف ماهيتها و لا ما علاقة رفيقتها بها..انتهى البحث و اقترب الرجال من قائدهم قائلين بصوت واحد" لم نجد شيئا" غمغم الرجل بصوت مرتعش" اللعنة..ماذا سنفعل الآن؟ ماذا سنقول للعرّاب؟ سيقتلنا جميعا دون رحمة" ثم التفت الى هزان و صاح برجاله" سنأخذها معنا..هيا" رددت هزان بنبرة خوف و هلع" إلى أين تأخذونني؟ ما علاقتي أنا بكم؟ أنا لم أفعل شيئا..اتركوني..دعوني و شأني..أنا لا أعرف حتى عم تتحدثون..أرجوكم..اتركوني" لكنهم لم يستمعوا اليها..قاموا بتغطية وجهها بغطاء أسود يمنع الرؤية و جروها نحو السيارة..
في القصر..كان جان يذرع الحديقة جيئة و ذهابا و هو يفرك أصابع يديه ببعضها..هذه المرة الأولى التي يحدث فيها هذا..لقد تأخر وصول البضاعة و هو يعلم جيدا بأن العراب يكره التأخير و يمقت المفاجآت غير السارة..ماذا سيقول له الآن؟ و كيف سيبرر له ما حصل؟ ..لا يعلم..انه ينتظر خبرا جيدا من رجاله قد يحميه و يحميهم من غضب سيدهم الجارف..سمع جان وقع اقدام تقترب منه..تقدم نحوهم و سأل بقلق" هل وجدتموها؟ أين البضاعة؟" طأطأ أحدهم رأسه و رد" لم نجدها يا سيدي..فتاة التوصيل بقيت في ألمانيا و لم ترسل شيئا مع رفيقتها..يبدو أنها هربت و تراجعت عن العمل معنا" حملق جان في الفتاة التي كانت معهم و قال" و من هذه إذا؟" اجاب" هذه رفيقتها التي تعمل و تقطن معها..فتشنا المنزل و لم نجد شيئا..فأحضرناها هي لعلها تعترف اذا ضغطنا عليها قليلا" تمتم جان " اللعنة..ياللمصيبة..ماذا سنفعل الآن؟ ليلعنك الله يا سيبال..لقد ورطت نفسك و ورطتنا مع العراب..اللعنة..خذوها الى المخزن..و احذروا أن ينتبه العراب لشيء..هيا..بسرعة" ..
في المخزن..وجدت هزان نفسها مقيدة الى كرسي و قد قام الرجال برفع الغطاء عن وجهها..كان المكان مظلما عدا عن مصباح صغير يتدلى من السقف..انارته  ضعيفة و حوله تظهر خيوط العنكبوت ..رفعت هزان عيونها نحو الرجل الواقف أمامها و سألت بصوت خنقته الدموع" هل لي بأن أعرف مالذي أفعله هنا؟ أنا لا أعرف شيئا عما تبحثون عنه..لماذا أحضرتموني الى هنا؟ هل.." صاح بها جان" اخرسي..كفي عن طرح الأسئلة..هل أخبرتك سيبال بشيء قبل أن تفترقا؟ ألم تسلمك أية أمانة؟ حقيبة أو كيسا او شيئا من هذا القبيل؟ هيا أجيبي" تجمعت الدموع في عيون هزان و ردت" لا..لم تقل شيئا..اخبرتني فقط بأنها ستأخذ اجازة من العمل لبعض الأيام و بأنها ستبقى في ألمانيا في ضيافة أخيها و زوجته..سألتها عن سبب هذه الاجازة المفاجئة فأخبرتني بأنها متعبة من العمل و بأنها تحتاج الى الراحة لبعض الوقت..هذا كل شيء..لم تعطني شيئا و لم تسلمني شيئا..أرجوكم صدقوني..أنا لا أعرف شيئا" اقترب منها جان و وضع يديه على الكرسي و قرب وجهه منها و هو يقول بصوت مخيف" غبية..انت..إما أن تكوني غبية..أو أنك تدعين الغباء..لا تحاولي اقناعي بأنك لا تعلمين أن صادق أخو سيبال قد انفصل عن زوجته الألمانية منذ ثلاثة أشهر و أنه انتقل للعيش في فرنسا..لا اظن بأن صديقتك المقربة قد أخفت عنك هذا الأمر..أليس كذلك؟" قطبت هزان جبينها و تمتمت بصوت مخنوق" ماذا؟ ما هذا الذي تقوله أنت؟ مستحيل..سيبال لم تخبرني بهذا..هل كذبت علي؟ هل خدعتني؟ لكن لماذا؟ لماذا فعلت أمرا كهذا؟ اقسم لك بأنها لم تخبرني بأن أخاها انتقل الى فرنسا..يالله..ماهذا الذي يحدث معي؟ لا أكاد أصدق..ارجوك ايها السيد..هلا اخبرتني ما علاقة سيبال بكم؟ و لماذا تبحثون عنها؟ لعلني أفهم لماذا فعلت بي هذا" تراجع جان الى الخلف و قال"هذا أمر لا يعنيك..ان كنت تخفين البضاعة فأنصحك بأن تعيديها الي قبل أن تتحول حياتك الى جحيم..لست مضطرا أن..." توقف فجأة عن الكلام عندما سمع صوت ياغيز يناديه..تحرك مسرعا الى الخارج فوجد ياغيز يقترب من المخزن ..وقف أمامه و هو يقول" هل ناديتني يا سيدي" اجاب ياغيز" بلى..لقد ناديتك و بحثت عنك كثيرا..أين كنت؟ و ماذا تفعل هنا؟" ارتبك جان و رد بصوت مرتعش" آسف..لم أسمعك..كنت أتفقد المكان و .." رفع ياغيز يده في وجهه و أسكته ثم سأل من جديد" هل وصلت البضاعة؟ هل تسلمتها و تحققت منها؟" لم يدري جان بم يجيب أو كيف يتصرف..و أمام صمته الذي طال احتنق وجه ياغيز و بدا الغضب جليا على ملامحه و صاح به" جان..أجبني قبل أن أقتلك..أين البضاعة؟ هيا أجب" هرب جان بعيونه من عيون ياغيز الملتهبة و قال" سيدي..البضاعة لم تصل..و فتاة التوصيل ظلت في ألمانيا..لقد خدعتنا و هربت منا..أنا آسف سيدي..لقد حصل ما لم يكن في الحسبان" أمسك ياغيز بياقة جان و راح يهزه بعنف و هو يقول" أيها الأحمق..لماذا لم تتخذ احتياطاتك؟ لماذا لم تضع شخصا احتياطيا للتوصيل حتى اذا تراجع الأول نفذ الثاني ما هو مطلوب منه؟ لماذا؟ انت تعلم جيدا بأنني أكره المفاجآت و امقت التقصير في العمل..و ماذا فعلت الآن؟ هل وجدت حلا للمصيبة التي حلت علينا؟ ها..أخبرني" رد جان" لقد داهم الرجال منزل سيبال لكنهم لم يجدوها و لم يعثروا على البضاعة أيضا..لكننا أحضرنا صديقتها و رفيقتها في السكن..انها في المخزن ..كنت استجوبها قبل أن .." دفعه ياغيز بكل قوته حتى سقط أرضا و صاح به" غبي..فلتحمد الله كثيرا لأن أباك كان من أخلص الرجال لعائلتنا و الا لكنت قتلتك الآن دون أن يرف لي جفن..غبي..أحمق..و ما حاجتي برفيقتها أنا؟ بماذا قد تنفعني اذا لم أعثر على الألماس؟ ألماس بقيمة عشرة ملايين دولار يختفي هكذا بسهولة..كيف؟ لقد تلقيت تأكيدا من المصدر بأن الألماس سُلِّم بالطريقة المعتادة و بأنه خرج من المطار دون مشاكل..فأين ذهب اذا؟ ماذا سنفعل الآن؟ ماذا سأقول لحرفائنا الذين سيأتون للاجتماع بي غدا صباحا من اجل شراء الألماس؟ هل فكرت في هذا أيها الأحمق؟ طبعا لا..أنا من يجب أن يتصرف..أين هي هذه التي احضرتموها؟ يجب أن أراها" وقف جان و تمتم" هل هذا ضروري يا سيدي..انها لا تعلم شيئا عن عمل صديقتها معنا..و أخشى ان أخبرناها بأن تصبح بلاءا على رأسنا..تبدو فتاة ساذجة و بلهاء..اسمح لي بأن أحقق معها أولا و اذا تأكدت بأنها لا تخفي شيئا..عندها س.." ضرب ياغيز الأرض برجله بعصبية و حدج جان بنظرة حادة قبل أن يقول" و عندها ماذا ستفعل؟ هل ستعوض البضاعة المختفية؟ هل ستدفع ثمنها؟ هل ستعوضني عن سمعتي التي سأخسرها بسبب الموعد الذي سأخلفه؟ أخبرني..ماذا بإمكانك أن تفعل؟" صمت جان و لم يجب فأضاف ياغيز" اخرس اذا و اتبعني الى الداخل" ..
كانت هزان ما تزال مقيدة في مكانها..رأسها يؤلمها من شدة التفكير..و قلبها يختلج خوفا مما قد يصيبها..لا تستطيع أن تصدق بأن سيبال كذبت عليها..و بأنها متورطة مع هذه العصابة..لم يكن يبدو عليها أي شيء من هذا القبيل..كانت هادئة طوال الوقت و مزوحة و تعجز عن أخذ الأمور بجدية..كانت رفقتها ممتعة و العمل معها عبارة عن نزهة مريحة و وقت لطيف..أيعقل بأن تكون تلك الفتاة المرحة تخفي وجها آخرا لا تعرف هي عنه شيئا..أيعقل بأن تكون قد قضت كل تلك السنوات التي مضت صحبة فتاة تجهل حقيقتها..فتاة مخادعة و كاذبة و لها علاقة بهذه العصابة..أغمضت هزان عيونها بقوة و هي تهز رأسها يمينا و شمالا و كأنها تأبى أن تصدق كل هذا..سمعت فجأة صوتا يقول" اسمعي يا هذه" فتحت عيونها و نظرت الى الشخص الذي كان يكلمها..لم تستطع أن ترى وجهه لأنه كان يقف في الظلام..و قبل أن ينهي ياغيز كلامه ..رن هاتفه فجأة فخرج و أجاب" نعم" رد عليه صوت من الطرف الآخر قائلا" مرحبا ايها العراب..هل استلمت بضاعتك؟" قال" لا..لم استلمها بعد..هل أنت متأكد بأنك سلمتها للشخص المطلوب؟" اجاب" لم نجد فتاة التوصيل المعتادة فاضطررنا الى دس البضاعة في اشياء رفيقتها المقربة..هي مضيفة طيران مثل سيبال..و قد اعتنت بنا جيدا على متن الطائرة..فتشوا بين اغراضها و ستجدون البضاعة..و يا حبذا لو استطعتم تجنيدها للعمل معنا..تبدو فتاة جديرة بالثقة" مرر ياغيز أصابعه خلال خصلات شعره الكثيف و قال" تمام..فهمت..شكرا لك" و أنهى المكالمة..عاد الى الداخل و همس في أذن جان ببضع كلمات فاقترب الأخير من هزان و سألها" ماذا كنت تحملين عندما خرجت من المطار اليوم؟" اجابت" حقيبة صغيرة و حقيبة يد" قال جان" حسنا..سأرافقك الى المنزل..و اذا وجدنا بضاعتنا في حقيبتك فمعناها انك نجوت ..أما اذا لم نجدها..فسيكون هذا آخر يوم في حياتك..هيا..انهظي" فك جان قيودها و غطى وجهها قبل ان يصطحبها الى الخارج و يركبا السيارة معا..فيما بقي ياغيز واقفا في ظلامه يحاول جاهدا ضبط أعصابه و السيطرة على غضبه..
وصل جان و هزان الى المنزل..سارعت هي الى الخزانة و أخرجت حقيبتها و فتحتها و راحت تنثر أشياءها هنا و هناك..لكنها لم تجد شيئا..كانت تدعو من أعماق قلبها بأن تعثر على ما يريدون في حقيبة يدها الصغيرة و الا ستخسر حياتها بسبب صديقتها و بسبب بضاعة تجهل حتى كنهها..اخذت هزان حقيبتها الموضوعة على المكتب..فتحتها و قلبتها رأسا على عقب..فلاحظت وجود كيس أسود صغير ليس من ضمن حاجاتها..فتحته و ما ان فعلت حتى شهقت شهقة استغراب و تفاجئ..حبيبات صغيرة تتلألئ و تشع بلون ماسي رائع..انتبه جان الذي كان مشغولا بهاتفه اليها..اقترب منها و انتزع الكيس من يدها..ابتسمت هزان بسعادة و قالت" الحمد لله..ها قد عثرتم على بضاعتكم..تستطيعون الآن أن تدعوني و شأني" جذبها جان من يدها لتقف و هو يقول" مع الأسف..لم يعد ذلك ممكنا بعد أن عرفت ماذا يوجد في الكيس..لقد تورطتي معنا و صار من المستحيل أن تتخلصي منا..أنت الآن واقعة في قبضة العراب..و هو من سيحدد مصيرك" ...

في قبضة العرّاب Där berättelser lever. Upptäck nu