تاجر البندقية

Start from the beginning
                                    

وإني محدثك بأن "(( باسنيو ))" كان سيداً نبيلاً نشأ من أسرة غنية ماجدة (لها من المجد والعظمة نصيب). وقد أنفق كل ثروته وماله في مساعدة البائسين والمعوزين (الفقراء والمحتاجين)، ولم يدخر وسعاً في معاونة كل من يحتاج إلى معونته.

وقد أحبه الناس لكرمه ومروءته، كما أحبوا صديقه "(( أنطنيو ))". وكان من المألوف أن تقوى أواصر الصداقة (أسبابها وعلاقاتها) بين هذين السيدين، لأن كل إنسان يعمل على شاكلته (طريقته)، ويقبل على شبهه. ولن يكون الصديق إلا مثالاً لمن يصاحبه، خيّراً كان أم شريراً.

4- حديث الصديقين

بقي عليّ أن أقص عليك حديث الصديقين، فقد طال شوقك إلى سماعه.

كان (( باسنيو )) و(( أنطنيو )) كما قلت لك، خير مثال للصديقين المتحابين اللذين لا يدخر أحدهما أي جهد في إسعاد الآخر. وكان يتحدث عنهما الناس بأنهما روح في جسدين، يسعد أحدهما كل ما يسعد صديقه، ويشقيه كل ما يشقى صاحبه.

وكانا - في تلك الساعة- يتحدثان عن أمانيهما في الحياة ورغباتهما، في أثناء تجوالهما (طوافهما) في مدينة البندقية. فقال (( باسنيو )) لصديقه (( أنطنيو )): "لقد أثقلت عليك يا صاحبي هذه الأيام، بعد أن نفدت (فنيت) ثروتي. ولا أزال أجدني مضطراً إلى إرهاقك (مضايقتك)". فأجابه (( أنطنيو )) باسماً:

"إن الصديق لن يكون جديراً بهذا الاسم (مستحقاً له) إلا إذا بذل لصاحبه (أعطاه) كل ما يستطيع أن يبذله من جاه ومال. وما أجدرك أن توليني كل ثقتك، وأن تفضي إلي بدخلتك (تصرح لي بسرك). وإني مؤكد لك أن كل ما تطلبه مني، محبب إلى نفسي إنجازه، كلفني ذلك ما كلفني من مال وعناء. فلست أدخر وسعاً في سبيل إسعادك".

فقال له ( (( باسنيو )) ) وقد امتلأ قلبه بشكر صديقه:

(( هكذا عودني اخائك يا صديقي الوفي. لقد علمت ما آلت إليه ثروتي، بعد ان عجزت عن تحقيق أملي في نيل ذلك المنصب السامي الذي لم آل جهدا (لم أقصر) في السعي إليه.

وقد عاقبني الزمن - كما تعلم - على خطئي. فإنني لم أتروة ( لم أستعمل الروية والفكر والتأني) في الأمر، ولم أقس قدرتي إلى غايتي التي طمعت في ادراكها.

على انني احمد الله - سبحانه - إذا وفيت كل ديني، وإن كان ذلك الوفاء قد كلفني فقدان كل ما أملك من ثروة)).

ثم أطرق ((باسنيو)) ( امال رأسه ) لحظة. وكان (( أنطنيو )) يصغي إلى حديث صاحبه بقلبه وسمعه. فعرف ما يجول بنفسه من المعاني التي يمنعه الخجل من الأفضاء بها إليه.

فقال له يشجعه على الاسترسال في حديثه:

(( قل فأنا أسمع، وأتمم حديثك يا (( باسنيو))، ولا تتردد في الوثوق بي والإعتماد على إخائي)).

فقال ((باسنيو)): (( إني لا أستطيع أن أتابع تلك الرحلة الطويلة لعجزي عن الانفاق. ولقد حان موعد زواجي، وليس عندي من المال ما استعين به على قضاء فروض العرس. وسيحول إفلاسي ( يقوم حاجزا ) بيني وبين المضي لتنفيذ تلك الخطة، ولقد اشتدت حاجتي إلى اقتراض ثلاث آلاف من الدنانير لتحقيق هذا الحلم الجميل)).

حكايات قبل النوم.... قصص هادفة للأطفال Where stories live. Discover now