نخب

66 10 2
                                    


.




أنت لم تأتِ؛ لذا كان عليّ الرحيل بهدوء.

لقد احتفظت ببقايا لقاءاتنا التي تكاد تُذكَر. ولكنّها كانت كالعالَم بالنسبةِ لي لو تعلم.

تلك الموسيقى التي تشاركناها كثيرًا، كانت تضمد جراحي الصغيرة؛ نعم صغيرة.

هل ظننت أنّ رحيلي بعيدًا عنك خلّف جراحًا لم أقوَ على لملمتها ؟ أنّني أبكيك كل ليلَة اتوسّل الإله أن أراك لمرة ؟
أنّ ظهري انحنى بغيابك ؟

نعم يا عزيزي أنا أحتضر بالدقيقة ثلاثين مرة، والأخري أبكيك اشتياقًا.

دعنا نشرب نخب الرحيل.

ارفع كأسك فوق تلك الرسائل التي تبادلناها لأعوامٍ أقسمنا بها أن نبقى سويًا، ثم اقذف بها إلى المدفأة.

هل شبعت النار من رسائلنا بعد ؟ لن تفعل.
كذلك فؤادي الفارغ من سواك لم يشبع بعد.

دعنا نشرب نخب قدرنا الغير مكتمل، ورسائلنا التي لم تصل، ووعودنا التي أُخلِفَت.

وارفع كأسك لحُبّنا الذي لم تعرف الأرض معنى للكمال سواه.

انت تذكّرني بنفسي كثيرًا؛ كلانا متشابهين في طريقة حُبّنا، وطريقة إيلامنا لبعضنا البعض.

نحن نُتقن القسوة كما نتقن الحُب.
هل تذكر تلك الزهور التي أهديتني ؟ أبواق الملائكة، وأنفاس الملائكة.

أخبرتني أنني فاتِنة كتلك الزهرة، وما إن أغدو قاسية أبصُق سمّها بلا لحظة تردد.

يا عزيزي أنت لم تأتِ.

هل تذكر عندما أخبرتني أنّ ما في الأمر عدة سنوات وسنُصبح سويًا كأنّنا لم نفترِق يومًا، كأنّنا خُلِقنا بذات الفؤاد؟

أخبرتك أنّني لا أؤمن بالوعود ولا أقطعها؛ فالوعود خُلِقت لتُخلَف.

وماذا قلت حينها؟ أنّ الوعود كالسيفِ على العُنق، لكن لماذا يبدو لي أنّها انحنَت أمامي كما فعل فؤادك أمام بريق عيناي ؟

يا عزيزي دعنا نشرب نخب الذكرى الخامسة لنا والأخيرة؛ فأنا وأنت لم نتقابل سوى لنفترق.




.

Athens Rainfall Where stories live. Discover now