فصاحت فجأة: آه! لا يوجد زوج...
ثم غيرت لهجتها لتشتد حدتها أكثر بها بعض التحدي والهجوم: كنت متزوجة وقد ذهب!  إلى الجحيم! خلعته! لأنه كان حقير وحيوان بل حشرة متطفلة تتنقل بين أكوام القمامة!  هل من اعتراض؟!

فتنحنح مراد وأجاب بهدوء: بالطبع لا، ولِمَ الإعتراض؟ هذه أمور شخصية وعادية، فأنا مثلًا قد تزوجت وطلقت مرارًا.

فصاحت في وجهه مجددًا: بالطبع! فأنا لم أتفاجأ أن تصف ذلك بالعادي، فأنتم أيها الرجال كل شيء لديكم عادٍ ومباح! وماذا ستخسرون؟

جاء حامد وأيمن يلهثان ليقاطعاها فهما يعلمان أختهما، كيف تصيح وتُصعّد الأمور؟ وها قد بدأت معركتها معه ضد الرجال.

تمتم حامد في نفسه: ومصيبتاه!

وتمتم أيمن أيضًا: استر يا رب!

وعندما وصلا إليهما.
تسآل أيمن: ماذا جرى يا روح؟ هذا لايصح!

فضغط حامد على أسنانه وهمس إليها: هل نسيتِ بماذا أوصيتك؟!

فأهدرت بتأفف: يووه!

شعر مراد كأنه قد ضغط على جرح لها ثم أراد فض كل ذلك فقال بعملية: إذا سمحتم، كلٌ يلزم مكانه، تفضلا من هنا الآن..
يشير نحو حامد وأيمن ثم التفت لروح وقال: مكانك سيدتي، وكما قولت لك ستتحدثين بتلقائية وبدون قول سيداتي سادتي.

وتحرك مراد ليجلس مكانه في غرفة التحكم وأخيرًا استطاعت أن تتنفس فوجوده يكفي لعدم وصول الأكسجين لرئتيها.

أما هو فيشعر بسعادة غامرة جعلته تقبّل منها حتى طريقتها هذه وبدون أي تعليق على صوتها العالي أو حدتها وهجومها، فكونها ليست على ذمة رجل آخر أمر في حد ذاته يستحق الصبر الطويل بعده.

وقال بصوت عالي: سكوت! 3 ,2 ,1 action!

ابتسمت روح بإشراق و روعة وقالت بثقة: لكل من تذوق أكلي وجربه...من مطبخ روح الفؤاد ستعلمون السر.... لكل سيدة أو حتى فتاة صغيرة تريد أن تطور نفسها ليس فقط ليقال عنكِ ماهرة، بل أيضًا لتزداد ثقتِك في نفسك بمهاراتك الزائدة والمتعددة... من مطبخ روح الفؤاد ستحققين كل ذلك وأكثر... لو كان لديكِ وليمة وتريدين تقديمها على أكمل وجه.... من مطبخ روح الفؤاد كل شيء سيكون على مايرام... تابعينا قريبًا.

صاح مراد :cut.

ذهب نحوها حامد مندفعًا وقال باعتراض: ما هذا ياروح؟ أين الكلام الذي أخبرتك به لتحفظيه وتقوليه؟!

تأففت روح واستدارت بوجهها عنه وقالت: لا أدري لم أتذكر سوى هذا فقط.

صاح حامد بغضب: من البداية تضيعين وقتنا ونضطر لإعادته من جديد!

فتدخل مراد مدافعًا عنها وقال بهدوء: ما الذي سيعاد مرة أخرى؟! هذا ما أريده بالضبط، أريدك على طبيعتك أريد روحك، لا أريد مجرد كلام مرسل محفوظ ويُردد، المفترض أن توافقني الرأي، لأن ذلك هو بالضبط مايلائم شخصيتها، حقيقي رائع!

نظرت روح بينهما ثم انصرفت بلا تعليق.

وبعد أيام ظهر الإعلان وبدأت في تصوير الحلقات وقد حقق البرنامج نجاحًا كبيرًا في وقت قياسي كما توقع مراد.

كان مراد يترك روح بطبيعتها غير المتكلفة وذلك جعلها مختلفة لحد كبير، كانت تتصرف بتلقائية كأنها بالفعل في مطبخ بيتها حتى إنه لتصدر منها أحيانًا بعد التصرفات التلقائية التي تجعل مراد يضحك منها.

فكثيرًا ما تتمرد إحدى خصلات شعرها على وجهها فأحيانًا تهز في رأسها لترفعها أو ترفع رأسها لأعلى وتنفخها فيضحك مراد من هيئتها ويجعل لقطة الكاميرا على ما تصنعه.

أو أحيانًا تتذوق ما تصنعه بأن تلعق طرف إصبعها ثم تنتبه وتسرع وتغسل يدها، أو فجأة تجمع الأواني المتسخة وتذهب بها ناحية الحوض لتقوم بغسلها فيذكّرها مراد في سماعتها أن تتركها .

كان مراد يتقبل تصرفاتها على الرحب والسعة ثم يعدّلها في المونتاج، فهو لا ينكر تسليته بهذه التصرفات ولا ينكر انجذابه لها، لا بل كان واضحًا مع نفسه أكثر فهو يحبها بشكل لم يتخيله حتى في رواياته التي يكتبها ومثل تلك الفعلات التلقائية تثير في نفسه الكثير من المشاعر والأحاسيس، إنه ليتقبل حتى حدتها وردودها الجافة المتحفذة دائمًا، فقد عشق كل تفاصيلها ودائمًا يعارض حامد إن انتقدها أمامه وكأنه قد عُيّن محامٍ عنها.

كان ذلك واضحًا لروح لأن حامد هو أقرب شخص إليها، لكن يبدو لشخصٍ آخر يود عبوره ليكون هو الأقرب، والأغرب لها أنها كثيرًا ما تعجز عن الرد عليه أو مواجهته بكل قوتها كما اعتادا وكأن هناك قوة خفية تتحكم في لسانها وحلقها! لكن أحيانًا كانت تتغلب على تلك القوة.

كانت تشعر وكأن مراد هذا يفهمها بدقة ويقرأها جيدًا، فلا يمكن أن تتجاهله ولا تتجاهل الكثير من تلك التفاصيل في أقواله أو أفعاله.

فتعامله كان بجدية مملوءة بحب و أحيانًا تمتزج قليلًا بخفة الظل فكان ينتقي كلماته ومزحاته معها ويعرف متى يمزح ليستطيع أن يلمح شبح تلك الابتسامة الخفية التي تحاول جاهدة أن تخفيها، لكن لم تنجح نهائيًا في إخفاء رماديتيها الساحرتين التي أسرته فيهما، حتى إنه كلما نظر في اتجاه رأى عينيها تنظر إليه وإن أمسك بقلمه ليكتب يجده يرسم عينيها فإن نظرت في أوراقه التي يكتب فيها رواياته تجد في كل صفحة رسمة لعينيها، ولا ينقصه إلا أن يرسم عينيها على جدران البيت حتى يكتمل ذلك العشق المجنون.

مر عام كامل لم تتغير فيه طبيعة العلاقة بين روح ومراد وإن كان كلًا منهما يكن للآخر الكثير لكن الفارق أن روح لازالت لم تفسر معنى كل ما يحدث رغم أن مراد كان دائمًا عكس كل توقعاتها ومفهومها عن الرجال لكنها لازالت لا تثق بمعشر الرجال، أما مراد فكان لازال يخشى من ردة فعلها إن حاول أن يبوح لها بمكنون قلبه ولازال صابرًا لكن لا يدري لمتى؟!

......................................

NoonaAbdElWahed

(روح الفؤاد)  By: Noonazad  Where stories live. Discover now