الفَصل الأوَل.

11.9K 632 98
                                    

تبَلِورت نِيرانُ الظَهيرةِ كَبد السَمِاء البازِغـة بقَرِص الشَمِس الذَهبِية مَع رفرِفة رَياح الخَـرِيف اللَطيفة بالآفـاق مُقشعِرة الأبـدان بحُبٍ. كـانت فوَضِى الصَـباح المألِوفـة تدَور بقاعَة طَعام المَدرِسة ذاتَ السَقِف العـالِي والأرِكـان المُزخِـرفة بصُحِبة شِجاراتَ الصِغـار سِنًا والمُراهِقين مُجسِدة كَيان الأزِعـاج بأبهَـى صَورة.

"صِمتًـا."آمِـرت المُشِرفة العُلِـيا بنَبِرة صـارِمة حِيـن مرورِها بَين الطاوَلاتِ، ليَجفِل الجَمِيع برَؤوسٍ ترتَفـع نحَوها بتفقُدٍ. "إلتَزِموا بهِدوءكُم آثناء تناوَل الفِطـور."تمتَم اليافِعـون بآسفٍ مُطيـع، وأدارَ المراهِـقون عيونَـهم تمـرِدًا.

مكَثِت سـام بمَقعدِها لاهِية بمِلعقَتها أرِقًا، تسمَـع ضجَة رفاقِـها حَول الطاوَلة دَون إنتِباه كَبير. هِى لم تحظَ بلَيلة مُريحة تمامًا عقَب تسلُلِها للطابِق العُلـوي بصُحبة لِـوي، لا تذكُر بالتَحديد متَـى عادَا لغُرفِيهما ولكِنها كـانت ساعَة متأخِـرة حِيث كـادت المُشِـرفة تكشِفهما خارِج عنابِرهما آثناء جولتِها المَسائِية.

"سـام!"

رمَشِت، شاعِرة بعَـود مِن حَلوى الشَمِـع تُرمِى نحَوها لقَنص تركيزَها؛ فحَنت عنقَها مُقابِلة عَيني صديقتِها الجالِسة على بُعـدِ إثنَين مِن أصدِقاءها، وعادَت للخَلِف كَي تَسمِـع نَبرة رفيقتِها المُتحِيرة. "تَبدين شارَدة. ما الخَطِب؟"

برَمت سـام شِفَتيها بِلا جَوابٍ؛ ففَهمت الثانِية رغَبتها بعدَم الحَديثِ بتِلك الساعَـةِ. دَنت صديقتُها بلُطفٍ ورَسمت بَسمة عالِمة فَوق ثغـرِها. "لم أجـدكِ بفَراشكِ اللَيلة الماضِيـة بعَد موعِد النَومِ. هَل تسَللتِ بالبارَحةِ مجددًا؟"

كبَحِت الشَقِراء توتَـرها بإنكِمـاش جفنِـيها.
لـم يكُن بخَفِي على رفاقِـها عادَتها بالتسلُل بين الحِين والآخـر، ولكِن هذهِ المَرة كانَت قد صعَدِت للطابِـق العُلوي المَمنِوع علَيهِم، وإن عُلِم بآمرِها تحَت أي ظَرفٍ كـان، لن يكُن عِقابُها هينًـا.

"لَا. يبَدو بأنَني سِرتُ آثناء نومِي مجددًا؛ فلَقد إستِيقظتِ بجـوارِ قاعَـة الرَسِـم."تمتَمِت. علّها كانَت سهَـلة الإرتِباك، ولكِنها برَعت بإختِلاق الأكاذَيبِ. لم يبدُ الإقتِناع جلِيًا بعِيون صديقتِها وإنما إرتَضِت بردِها كتَفسيرٍ وعادَت للإندِمـاج بالآخِرين سامِحَة لسـام بالزَفـير راحةً.

حَولت رأسَها لليَسارِ على بُعدِ طاوَلتِين، مُقتنِصة لِـوي الَذي توسَط أصدِقاءه المُزعِجين اللَذين تبادَلوا رَمي الطَعامِ وإحِداث جَلبة تسمَعها بِوضَـوح، ولكِنه لم يكُن منسجِمًا مطلِقًا معَهم، كـان شارِدًا كلِيًا يعبَث بمِلعَقته وعَيناه ترصُـد بُقعة بالفَـراغ مُتمعِن التَفكِيـر.

Le Paon.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن