الأفتِتاحَية.

26.1K 884 119
                                    

"لِوي؟ لِوي..هيا إنهَض."
إهتَز جسدُه بخَفةٍ، وعبَر الظَلام إنبَعث صوتٌ هامِسٌ بالقَربِ من مسمَعِه؛ ففتَح عَينيه مطالِعًا زُمِردتِين ثقَبتاه بشَدةٍ. "ماذا هُناك؟ إنَها الثانِية تقرِيبًا يا سـام."زمچَر، محاوِلًا قَدر إستطاعِته عَدم إيقاظِ رَفاقه بالغُرفةِ.

"يوجَد شِيءٌ عليكَ رؤيَته! هَيا، إنهَض."صَرِحت المَذكِورة لهِفةً، وإستقامَت عن جَثوِها جَوارِه ساحَبة يدَه برَفقتِها رغمًا عنه، ليتـأفأف لِوي مستسلِمًا لطَلبِها.

كـان هِواءُ الطابِق المُعتِم يلطُم بدَنه المُتدفِئ فإقشَعِر، رَيثما يُجارِي خطواتَها التَي قادَته نحَو سُلِـم الطابِـق العُلِوي غَير عابِئة بصَـرِير الأرِض الخَشبِية القَدِيمة أسفَلها. كادَت تطَئ الدَرجِة الأوَلِى حينَما جَر يدَها مجبرًا إياها على التوَقِف بغتةً؛ فناظَـرته بحَيرةٍ. "مـا الخَطِب؟"

"غَير مسمِوح لَنـا الصِعَود لِذاكَ الطابِـق."ذكَرها بحَدةٍ؛ فتَمكِن مِن رَصِد مقاوَمتها لكَي لا تُدحِرج عَينيها لحَديثِه وتنَهدِت بقَوةٍ. "أنـا أعَـلِم، ولكِن الآمِـر يستحِق هذهِ المَرةِ. عليكَ أن تثِـق بـي، أرجَوك."

الفِكرَة هِى بأنه لم يكُن يثِـق بمَفهومِها لمَ يستحِق مخالَفة قواعِد المَدرِسة الصَـارِمة لأجلِه. قَطب جبينَه تبرِمًا، وإن ادرَكت نظَرة إستِفهام عَينيه. إبتَسمت سـام بلُطفٍ وتابَعت آخذَه للطابِق المَهجِور الـذي حُرِم علَيهما منذُ اليـوم الأوَل بالمَدرِسة الداخَلِية، إستَدِلا بدَربِهما عبَره بضَوء الكَشِاف الَذي ترَكته منارًا بجَوار السُلِـم والحَذِر يُرهِب قلبيَهِما الخافِقَين.

"أنتَ عالِمًا بآمر سَيري آثناء النَـومِ، وبمّا أن السَيدة كِلارا بإجازةٍ فلَم يتِم إغِلاق بـاب عنَبِر الفَتياتِ، لِذا يبَدو بأنَني قد سِرتُ وصعِدتُ إلِى هُنا خِلال تجَولِي غافِية، ولكِن لحُسِن الحَظِ إستيقِظتُ قبـل إحِداث جَلبة كالمُعتادِ ووجَدتِني أقَـف بمُنتصِف الطابِـق. سأعتَرِف بأنَني فكِرتُ مرارًا بإستِكشاف ذاكَ الجُزء مِن المَدرسةِ كَي أعلَـم سَبب منعِنا مِن ولوجِه، فعدتُ لجَلِب كشافَي وتفقدتُ المَكـان لبَعِض الوَقتِ، وكـان هَذا حينَما عثِرتُ على تِلك.."

ختَمِت حديثَها بلَمِعة عِيـن مُتحمِسة رَيثما توقِفه أمـام جِدارًا وجَهت نحَوه مِصباحَها ليَكشِف إطارًا مزخرِفًا بدَى عتيقًا يتعَلِق بسَنِه الأيسَر ستارًا قرمِزيًا حديثَ الإزالِـة، وبداخِلـه مكَثِت لوحَة قَدِيمة، آلوانُـها متناسِقة ذاتَ لمحَة زمَنِية بعَيدة تمَعن بِها لِـوي بنَظرة تآمِـل مالَت للتملمُـل. كـانت رَسمة لقاعَـةٍ كَبيرة منَحها الطِلاء الأصفَر إضاءَة ذهَبِية بهَية تُحيط مجَموعة مِن الأشخِـاص بأقنِعـة غِير واضِحَة إنقَسِموا كالأمِـواج أمـام ثنائِيًا راقِصًا يخلِفهما عرِشًا برَز بتَفريعاتِه المُثيرة للإهتِمام. بدَت لوحَة باروكِية تُشبِه ما يـَراه بكُتِب الفَـن القَدِيمـة، لوحَة ببراعتِها رأى ما يُعادِلها مسبقًا، وكذَلِك فعَلِت سـام التَي لم تكُن منجذِبة لذاكَ النـوع كَما يعلَم جيدًا؛ لِذا لم يفَهـم سَبب حماسِها بهَـذا الشَكِل وهذهِ الساعـة.

"لوحَة جَيدِة. ومـاذا بَعـد؟"زَم شِفَتيه جهـلًا، وضَم جبينَه صِبـرًا. رأى هذهِ المَرة إدارَة عَينيها واضِحـة، وتابَع سبابتَها تُشيـر لبُقعة مُحدِدة نحَو الثُنـائِي الراقِـص. "ألّا تلحَظ شيئًا غرِيبًا بوَجه الرجُـل؟ هَيا يا لِوي، لقَد خِلتُك سرِيـع البَديهِة."

عبَس لتعَليقِها، وأعـاد بصَره لقَلِب اللَوحـةِ مطالِعًا الرجُـل والمـرأة اللَذين خطَفا شِمـوع الحَـدِث وإنتباهَه تِلك المَرةِ. كـان ظهَـر المـرأة مولِيًا للنـاظِر، فُستانـها الذَهبِـي تعَـرِج بخَلابةٍ بدَرِب الإطِـار المُزخِـرف ورأسُها يعَـلِو بزاوَية مكَنتها مِن رمَق راقِصـها الَذي سَـرق الإهتِمام كامِـلًا. بـرداء أسـوَد إنتَمى لحُقبـة بعَيدة، أطَول بإنشـاتٍ قَليـلةٍ من السَيدةِ الَذي نظَـر لَها بنَظِرة حُبٍ وهُيـامٍ برَع فِيها مَن رسَـم تُحِفة خلَدت ملامِحَه التَي جعَلت لِـوي يتيبَس لحظَة استيعابِه.

فلَقد كـانت ملامِـح الرجُل نسخَة لمَلامِحـه!
وكأنـما كـان يُشاهِد لوحَة قَديمة لنَفسِه يُراقِص امرأةً ما فَوق سـاحةٍ ذهَبيـة يحيطَهما جمـع مِن النـاس المُقنِعة. توسَعت عَيناه بصَدمةٍ وإختَنـق قلبُه رهِبة وإنبِهـار، متناسِيًا كُل تفصَيلة تآملـها نظَير تمعُنه بوجه الرجُـل.

"إنـه..إنـه يُشبِهنـي!"

"هَذا ما كنتُ أحـاوِل إخباركَ بِه!
إنـه يبَدو وكأنـه أنتَ بعُمِـر أكبَـر وبزَمـن آخِـر.
لقَد كِدتُ أفقِد صـوابَي حينَما رأيتِها. أليَس ذلِك رائِعًـا؟"

تحَـول لِـوي لسـام ببَسمة صغَيرةٍ، كـانت تبدَو متحمِسة لكونِها مَن اكتَشِفت الآمِـر، هو لن ينكِر بأنـه شعَـر بالمَثِـل رغَم ثبـاتِه؛ فكَم مِن مرةٍ سيجِد لـه شبيهًـا بلَوحـة تاريخَية بَديـعة كتِلك؟

"كَما عثِرتُ عـلِى جزءً مِن رُقعِـة قَديمـة مطَوية خَلف إطِار اللَوحةِ، سقَطِت فوَرما أزلتُ السِتـار عَنها. يبدَو وكأنـها مِن مقال قَديم عَن ذاكَ الرجُـل."تصديقًا على حديثِها أظهَرت الوَرِقة المَذكِورة من جيبِ منامتِها؛ فإنتَبه لَها لِوي وأشـار لَها بالمُتابعـةِ.

"تِلك اللَوحِـة رُسمِت بيَد فنـانًا قديـرًا تكريمًا لذِكرَى حُكِـم ذاكَ الرجُـل العاشِـرة. لقَد كـان كونتًا طاغِيًا للمَملكةِ بعـام غَير مُحدِد بالعَصِور الوَسطِى. كـان حـاد الطـبِع، قاسِيًا، كَما ملَك حَياة غامِضة جدًا. ولكِن عُرِف عَنه إدمانَـه للنِسـاء. يبدَو بأنـه كان زيـرًا."اضافَت التَعلِيق الأخيـر ساخِـرة؛ فإبتَسم لِـوي بشَرودٍ وهو يقتَرب مِن اللَوحة، مسرِيًا آنامِله فوقَها بنعومةٍ. "مـا كـان إسمُه؟"

"لـم يُذكِـر. لـم يذكُـر التارِيـخ إسمًـا لـه.
ولكِنه عُـرِف بلَقـبٍ واحـدٍ..الطـاوَوس."

Le Paon.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن