ومن هنا بدأ "باسل" .. خوفه الشديد عليها جعله يفعل حماقات كثر .. أولها أن ما كان يعطيها من أدوية ليس لعلاج حالتها وفقط .. بل لمنعها من الحمل أيضاً .. وما أراد من ذلك سوى أن يعالجها قبل أن تحمل .. لأن المشكلة تكمن هنا .. فهي إن أنجبت ستتعرض لأمرين .. إما أن يكون مصيرها كأمها الموت .. أو كـ"ريم" الغيبوبة .. وفي الحالتين لن يطيق رؤيتها كذلك .. وخاصة أن الموت كان الأقرب لها .. ولكن طالما بقيت بعيدة عن الإنجاب فإنها بخير .. يؤكد لنفسه أو يسكن ضميره بأنه يحافظ على حياتها .. وكم من مرة جاءته هواجس بأنها قد تموت لسبب آخر وليس شرطاً أن يكون في مرضها موتها .. ولكن يسكت هواجسه تلك بأنه كالطبيب يعالج ولا يشفي .. وإن ماتت بسبب آخر -وفي هذا موته- سيكون الأمر قضاء وقدر .. هو أخذ بأسباب شفائها ..

لم ينكر أنه كان يفكر في اليوم ألف مرة بأن يخبرها حقيقة مرضها وأنها ستشفى منه .. بدلا من تلك الأكاذيب التي باتت تخنقه .. يقنعها أولا أنه لا ينجب بسبب الحادث .. ثم يقنعها ثانياً بأن علاجها ما هو إلا حفاظاً على حالتها .. نصف الحقيقة فقط .. فهي حين تعلم لن ترى سوى أنه حرمها من أمومتها .. سترى أنه مجرم يخدعها ويعطيها دواءاً دون إرادتها ودون علمها .. مصيبته أنه حينها لن يضعف ولن يستصغر نفسه .. لن يخجل ولن يطالبها بالسماح .. بل سيعند ويكابر ويتجبر ويتسلط .. عادته الغريبة التي قمعها حين تزوجها .. لا يحب أن يراه أحد مخطئاً .. ولا يحب أن يكون مجرما في عين أحد .. حتى وإن كانت ريحانته ..

إذا فهو يرى نفسه مجرما .. وفي نفس الوقت يرى نفسه مطببا لها .. يساعد في علاجها الذي يأتي بنتائجه المبهرة .. فبعد مرور ثلاث سنوات .. تحسنت حالتها كثيرا .. وقرب على الانتهاء من علاجها .. وعودة صحتها كاملة .. ولكن شعوره بالذنب نحوها قتل فرحته .. ماذا لو علمت منذ البداية .. كانت ستفرح معه .. فرحتهما معاً تزداد لا تنقص .. وفي نفس الوقت خشي عليها من القلق والتوتر والتفكير .. فاحتفظ بكل ذلك لنفسه .. تفكيره مشتت بشدة .. وظهر تشتته في عصبية ظاهرة .. يكاد يفتك برأسه بسبب تفكيره .. يقنعها أنه يتعالج لينجبا .. وهو يعالجها هي ليحافظ على حياتها ..

-----------------------

طرقت "روح" الباب ثلاثاً ولا مجيب فدخلت مكتبه ظنته نائماً .. وجدت أبيها شارداً عاقداً ما بين حاجبيه بشدة .. فاقتربت منه بقامتها التي طالت .. وصوتها الذي رق قالت :
- بابا .. ماما بتقول ..

وقبل أن تكمل انتبه لها أمامه فرد "باسل" بصوت عالٍ :
- مش تخبطي قبل ما تدخلي ..

قالت متلجلجة :
- والله .. خبطت .. بس ..

قاطعها بعصبية :
- بس ايه .. انتي لسة صغيرة علشان اعلمك الصح من الغلط .. امشي دلوقتي ..

هرولت من أمامه وهي تشعر بأن دموعها تخنقها .. وعادت لغرفتها .. ثم سمحت لدموعها بالانهمار ولنحيبها بالعلو .. رأتها "ريحانة" وهي تركض لغرفتها .. فذهبت لـ"باسل" أولا .. طرقت الباب ثم دخلت قائلة :
- يا ترى سمعتني وانا بخبط ع الباب .. ولا مسمعتنيش فتطردني ..

روح وريحانWhere stories live. Discover now