المعركة الاخيرة

14.5K 765 20
                                    

لا اعلم لكم طال بقائي في البؤس القابع مابين الحياة والموت الذي جعلني محمود أعيشه .. فكرت في الهرب في بعض الأحيان ، وتثير الفكرة حماسي وابدأ بتخيل حياة الحرية واضحك في غرفة خالية كالمجنونة .. ثم ادرك ان هذا مستحيل لان محمود سيذهب الى عائلتي ويشعرهم بالخزي والعار امام الجميع عندما يخبرهم انني هربت وسيتكلم الجميع انني هربت مع احدهم بكل تأكيد . وبالرغم من انني كنت احمل الضغينة لوالدي ووالدتي الذين ارغماني على هذا الزواج الا انني لم ارد ان أراهما منكسي رأسيهما امام الجميع بسببي .
كل ليلة كنت اترقب بخوف مرتعدة عودته ... وكأنه وحش وانا حبيسة لديه .
كل ذكرياتي عن الضرب والشتم والألم الذي كان يمنحني اياها كل ليلة ، كنت أضعه في مكان بعيد عن تفكيري كل صباح وأحاول العيش بشكل طبيعي قدر استطاعتي .
لكن ذلك الظلام ظل يتسلل الى روحي رغم محاولاتي في البقاء قوية . أصبحت اكره رؤية انعكاسي على المرآة وأصبحت لا ألبس الا الأسود .
كنت اشعر بداخلي انني فقط ظل لا قيمة له ،فقط يجاري الحياة حتى تنتهي.
احياناً كنت ابكي وانا ارسم لوحاتي القاتمة المتشائمة واشعر بعدها انني بحال افضل. لكن في بقية الأوقات كنت ابتلع دموعي واقاوم نفسي كي لا انهار واقرر إنهاء بؤسي في لحظة ضعف بالانتحار .
وهكذا مرت الايام .. ثقيلة ، كئيبة ، مظلمة ، موجعة ومليئة باليأس وفقدان الأمل . بطريقة ما تمسكت بفكرة ان صبري سيجزيني الله به فرجاً - كان ذلك ما ابقاني متماسكة رغم عنف زوجي القاسي .
*****
مرت الأسابيع على هذا الحال كان كل شيء لا يتوقف و يزداد سوءاً ، إدمانه للكحول وضربه لي .
كانت كل دفاعاتي قد بدأت تتداعى وتنهار شيئاً فشيئاً وكنت ادرك انني لن اصمد طويلاً . لقد شعرت بأن ما يفعله محمود هو طريقته في الطلب مني ان اموت . وخصوصاً في تلك الليلةعندما بدأ يضربني كعادته كما لو كنت كيس ملاكمة وانا منكمشة على نفسي انتظر ان تنتهي نوبته وكل جسدي يئن. محمود عندها أمسك بيديّ وأبعدهما عن وجهي الذي كنت احميه بهما وبيده الاخرى لكمني وهو يخبرني " لماذا تحمين وجهكِ إيتها الساقطة ؟ أتعتقدين انكِ جميلة؟ انتِ لستِ سوى خائنة وانا سأقتلكِ دون ان يرف لي جفن الليلة !" ضحك بطريقة مريضة ، بينما لم تعد لكلماته معنى لدي الا انني اردت استفزازه ليقتلني حقاً عندما يأست بأن هنالك مخرج آخر .
انا " نعم انا خائنة . ما الذي تنتظره لماذا لا تقتلني بالفعل؟ انت تضرب كفتاة صغيرة وغضبك هذا لا يعني شيئاً فأنت لست رجلاً ولا تستحق الحياة ،مثلي تماماً أيها الثمل الفاشل.."
لم استطع إكمال ما اردت قوله لان غضبه كان قد تجاوز حدود تحمله وانقض عليّ يضربني بقوة اكبر وهو يشتمني لكنني في تلك المرحلة لم يكن بمقدوري سماعه وشعرت بالدم يتدفق من فمي، كان قد توقف ولكنني علمت انه للحظات لا غير وبدأت احس بدوخة ورغبة في الاستسلام للنوم والظلام الذي كان قد بدأ بإحاطتي من كل جانب .
منعني من ذلك ركله لي بعنف بينما بدى لي كل ذلك الألم الذي كان يسببه غير محسوس .. كما لو ان كل جسدي اصبح مخدراً، فقط بقيت اراقبه كجثة ميتة بالفعل!
كان عدم تأوهي وصراخي يشعره بالضعف وكأنه لا يسبب لي الالم بكا فيه الكفاية . تحرك بخطوات ثقيلة مبتعداً بينما رؤيتي كانت قد أصبحت مشوشة وعاد وبيده اداة ما لم استطع رؤيتها جيداً لكنني علمت ان شيئاً سيئاً جداً على وشك الحدوث . وعلمت اني محقة عندما شعرت بذلك الشيء في يده يرتطم بقوة بجسدي الضعيف المنهك بالفعل عدة مرات وانا أودع الحياة بإحساس حقيقي ان تلك هي نهايتي. ودعت عائلتي في مخيلتي فرداً تلوى اخر ، ثم يوسف ... تعلقت صورته امامي للحظات بدت طويلة جداً وشعرت بدموعي الساخنة تنهمر على وجهي المليء بالرضوض ، كنت اتمنى لحظتها لو ان حياتي لم تتحول الى ما اصبحت وشعرت بحنين الى يوسف لو اننا فقط بقينا هناك في عالم الجن الى الابد " يوسف انا أكرهك "
كانت آخر فكرة وأتتني ،ثم شعرت بصوت تحطم في ساقي عندها أرسلتني موجة الألم نحو فراغ مظلم ظننته الموت .
*****
فتحت عينيّ في مكان يملأه النور وكل شيء كان فيه ابيض ساطع .كانت رؤيتي لا تزال مشوشة وكل ما فكرت به هو انني متّ . ثم عدت الى النوم . وعندما فتحت عينيّ مرة اخرى رأيت إحداهن تحدق بي ، هذه المرة كنت ارى بوضوح وأدركت انني كنت بالمشفى عندما استعدت تركيزي وعاد إحساسي بالألم يسحق جسدي بأكمله عندها تذكرت ما حدث لي .
" هل بإمكانكِ سماعي أماني ؟ " سألتني امرأة تلبس الأبيض كما بدت انها الطبيبة . هززت رأسي بنعم .
الطبيبة " الحمدلله على سلامتكِ عزيزتي. لا تقلقي بشأن شيء وفقط خذي مزيداً من الراحة "
أمسكت بيدي وشدت عليها مطمئنة لي بعينين دافئتين كما لو انها كانت تعلم قصتي كاملة . كانت كلماتها الحنونة قد جعلتني اشعر برغبة في البكاء ، كانت وسط الوحدة والظلام والعذاب هي اليد الوحيدة التي امتدت لي . انسابت بضع دمعات من عيني عندما ربتت على رأسي وهي تقول " لا بأس لن يؤذيكِ احد بعد الآن "
لم اعلم لماذا وثقت بكلماتها كما لو انها ستحميني من محمود. أغمضت عينيّ مجدداً ، وشعرت حينها ان حاجتي للنوم كانت لا تنتهي .
*****
بعد ان استفقت وشعرت بأنني في حال افضل . علمت انني بقيت ليومين فاقدة للوعي وفي الطوارئ بسبب جراحي الحادة . كانت رجلي مغطاة بالجبس وكنت قد أصبت بكسر كما أخبرتني الطبيبة كنت أيضاً مصابة بارتجاج في المخ وشرخ في احدى يدي . وبضمادة حول رأسي تغطي إصابة صغيرة في جبهتي تساءلت ان تبقى مكان في جسدي ليس مغطى بالشاش !
وعندما كنت أتأمل الرضوض الزرقاء والبنفسجية في جذعي بينما انا جالسة على السرير . دخل رجلا شرطة إليَّ وقد ظننت أنهما هنا لأجل الحالة التي أوصلني اليها عنف محمود تجاهي .
سحب احدهما الكرسي وجلس وبيده دفتر وقلم ونظر نحوي وقال " مرحباً اماني نحن من مركز الشرطة ، اريدكِ ان تخبرينا بكل شيء حدث منذ البداية إلى اللحظة التي مات فيها محمود"
احسست بأن صاعقة ضربتني !! هل ما اسمعه حقيقي؟!!

©Manar Mohammed

حبيبي الجني (مكتملة)Where stories live. Discover now