لا تذهب

16.4K 848 14
                                    

بينما غرقت في توبيخ نفسي كان يوسف المصدوم قد تكلم " هل .. انتِ جادة .. اماني ؟"
كانت تلك فرصتي لأوضح اكثر لكن توتري كان قد ازداد عن السابق " انا اقصد .. نعم .. لقد استعدت مشاعري تجاهك .. تلك التي كنت قد نسيتها .."
يوسف وابتسامة صغيرة معلقة على شفتيه وقد اقترب خطوة نحوي وهو يمرر يديه في شعره الأسود اللامع " انا لا اصدق .. كيف حدث هذا ؟"
لقد قالها بطريقة جعلتني اتساءل هو هو غير سعيد باستعادة حبي له؟ " لا اعلم فقط أردتك ان تعلم ..."
يوسف وقد استوعب الامر اخيراً " اماني انا سعيد جداً " لم اتمكن من قول شيء لانه كان قد سحبني إليه في حضن خانق وكنت أواجه صعوبة طفيفة في التنفس الا انني شعرت بالسعادة .
بعد لحظات سحبت نفسي من ذراعيه لأنظر اليه ، رؤيته بذلك القرب جعل قلبي ينبض بسرعة لكني ركزت فيما اردت قوله " لذلك .. يوسف انت لم تعد مضطراً للمجيء الى عالمي ، انا اتذكر اني أحببتك .. لا زلت كذلك ، فقط دعنا نبقى معاً ارجوك لا تفكر في دخول البوابات المائة عدني انك.."
يوسف وقد تحولت ملامح وجهه الى شيء قاتم ، قاطعني " انا اسف اماني ، لكن يجب عليّ ان أقوم بذلك "
شعرت بالالم والغضب " لماذا ؟ اعلم انها غلطتي لاني من طلبت منك ذلك لكنني لم اكن اتذكر شيئاً عن مشاعري تجاهك انا لا استطيع تعريض حياتك للخطر "
يوسف " لكنكِ كنتِ محقة .. انه الشيء الصحيح لفعله "
انا وقد زحفت دمعة الى وجهي " ارجوك يوسف لا تفعل هذا ، انا معك وسأبقى الى الأبد ، لا آبه بكونك جنياً او انك لست بجواري خلال النهار .. اذا اردت بإمكاني المجيء والعيش في عالمك لا اهتم ما سيحدث فقط ارجوك دعنا نبقى سوياً "
مسح يوسف دمعاتي ثم أمسك بكلا يديّ وهو يقول " انا من اترجاكِ يا اماني ان تثقي بي ، لانني اعلم بأن الحب الذي احمله في قلبي سيعيدني إليكِ .. لا اريد ان تعيشي في عالمكِ محطمة ومجنونة لست انانياً لتلك الدرجة.."
قاطعته " لكني لا أمانع .. انا فقط اريد ان اكون معك حتى وان كنت جنياً او شبحاً او أياً كان .."

يوسف قاطعني كما لو انه لم يكن يسمعني ، كان مصمماً " فقط عديني انكِ ستنتظريني.." كان يتألم هو أيضاً لقد عرفت وقتها  وقلت مهددة كمحاولة اخيرة " لا تذهب  والا سوف تجدني ميتة عندما تعود أعدك انني.."

وضع يوسف إصبعه على فمي لاسكت، كان مغمضاً عينيه لكن دمعة خانته وسط ذلك الصمت لتجري على وجهه كنت عندها ابكي متألمة لا اريد لكل هذا ان يحدث .. كنت منهارة تماماً بينما كررت " يوسف لا تذهب .. لا تذهب "

وفجأة شهقت مستيقظة ، وما ان ادركت انني عدت لعالمي بكيت اكثر بعد .

كنت اشعر انني عديمة الحيلة فيما قرره يوسف ولم استطع ثنيه عن رأيه مهما حاولت .
عدت للنوم مصممة على الذهاب مجدداً لعالم الجن لاقناعه لكن ذلك لم يحدث . كان الذهاب الى عالم الجن مرتبط بمدى رغبة يوسف برؤيتي . وفي تلك اللحظة لم يردني ان اكون هناك.
*****
أطل الصباح وانا غير قادرة على إغماض جفني ، كنت في حالة يرثى لها وفي قلق رهيب انتظر ليلتي الثالثة والاخيرة في عالم الجن لأمنع يوسف من العبور كآخر فرصة املكها .
لا اعلم كيف انقضت الساعات وكأنها قرون من الزمان . لكنها في الاخير انقضت وجاء وقت الغروب وأعصابي تنتفض وانا افكر ماذا لو ان الاوان قد فات بالفعل ؟ ماذا لو ان يوسف قد عبر  البوابات ؟
والدتي كانت قلقة بشأني وكذلك أفراد العائلة في البداية لكني أخبرتهم انني أصبت بالبرد لذلك وجهي الأحمر والمناديل التي تملأ غرفتي كانا النتيجة ، لقد اقتنعوا بذلك وقد بقيت في غرفتي طول النهار مستلقية بهلع يملأ عيني وانا احاول الهدوء. صنعت امي لي شوربة دافئة للزكام لم آكل منها الا القليل وانا احاول ان اكون قوية لأحل المشكلة .
نمت منذ ان غربت الشمس محاولة الذهاب الى عالم الجن في اسرع وقت دون جدوى تماماً كما حدث في الصباح ووقت العصر .بعد ساعات  من حلول الليل اخيراً نجح الامر ووجدت نفسي اركض كالمجنونة نحو بوابة عالم الجن كما لو انني سأموت ان لم افعل .
ما ان دخلت عالمهم بقيت أفتش عن طريقي للقصر وكان الجن لا يحبذون التعامل مع الانس في عالمهم لذلك لم أتلقى مساعدة كبيرة . ما ان وصلت القصر حتى سألت احد الخدم الذي اخبرني ان الملك يقيم عزاء لذهاب ابنه في تلك المخاطرة سألته أين يوسف فأجابني انه متجه نحو البوابات . جن جنوني وسألته عن مكانها لكنه لم يكن يعلم .
قفزت الى القاعة المقام فيها العزاء وصرخت حتى عّم الهدوء المكان " لماذا العزاء يوسف لم يمت ! لماذا لا توقفه أيها الملك انه ابنك سوف يستمع إليك وإذا لم يفعل انت الملك بإمكانك منعه من الذهاب !"
الملك وقد استاء من كلامي " نحن لسنا مثلكم أيها البشر نحن نحترم رغبات كل فرد منا ونعطي كل شخص فينا الحرية لفعل ما يريد .. نعم قلبي يؤلمني لفراق ولدي لكني لا استطيع إرغامه .."
سمعت احدى النساء بجواري. تحدث الاخرى " يجعل الامر يبدو وكأنه ليس سعيداً بإن العرش سيكون له لمئات سنين قادمة" حاولت الاخرى كتم ضحكتها بينما شعرت بالغضب ، طالبته فقط ان يجعل احدهم يأخذني الى مكان البوابات لاقناع يوسف بنفسي .
فكر الملك قليلاً ثم همس لرئيس حرسه الذي اخبرني الملك ان اتبعه . وبالطبع فعلت . عندما رأيته بأخذني الى مكان في الطابق السفلي  علمت ان شيئاً ما لا ليس صائباً ، توقفت عن المشي وهناك ادركت ان هناك حرس ورائي لم اعلم متى أحاطوا بي . صرخ رئيس الحرس بالآخرين ليرغموني على التحرك وحاولت المقاومة لكنهم كانوا ضخاماً جداً وأقوياء وانا بدأت اصرخ بكل قوتي . عندها دخل التنين المجنح من النافذة العملاقة لقد كان تنين يوسف . وخفت عندما هاجمنا للحظات قبل ان ادرك انه كان يحاول إنقاذي وبالفعل عانى الحراس للتعامل مع ذلك المخلوق الضخم مما أعطاني الوقت للقفز على ظهره وانطلق التنين بي نحو السماء .
شكرته كثيراً بينما أخبرته انني اريد الذهاب ليوسف فهز رأسه كما لو انه كان يعلم بالفعل .
مرت الثواني كالاشهر وانا  احترق قلقاً تأكلني مخاوفي. وعندما حط بي امام وادي يملأه الضباب  وكأنه نهر جارف واسع لا نهاية له . وجدت على مقربة من الضباب خيال رجلين عرفت ان احدهما يوسف .
صرخت وانا انزل عن الوحش بكل قوتي " يووسف .." جريت بكل قوتي وانا ابكي واصرخ به ان لا يذهب كان ميخال يقترب مني بينما يوسف بقي مكانه .
ميخال أمسك بي وأوقفني من متابعة الجري بالقوة وانا اطلب منه ان يتركني اذهب ليوسف وانا ابكي لكنه هز رأسه بأسى رافضاً طلبي كما بدا لاحقاً ان ذلك طلب يوسف الاخير . كان يوسف ينظر الي وانا على مسافة عشرة أمتار لا اكثر منه ورأيته يبكي هو أيضاً  . فقط تلك المسافة القصيرة كانت ماتفصلني عنه . تدفقت في عروقي قوة خارقة لافلت من ميخال  وذلك فاجأه وجعلني أتحرر جريت نحو الضباب ويوسف يبتعد اكثر وعندما فقدت الرؤية بسبب الظلام شعرت بطاقتي تستنزف وكل خطوة للأمام تمتص روحي وكنت منهكة غير قادرة على الوقوف ، لكني زحفت . بقيت اصرخ باسم يوسف ليتوقف .
حبستني يد ما قوية جداً خارج الضباب وانا أقاوم وأبكي ولكنه كان اقوى بكثير مما بدى عليه ميخال .
أنهرت أرضاً وهو لا يزال متمسكاً بي، سمعت كلمات يوسف الاخيرة " انا اسف يا اماني . انا احبكِ اكثر من اي شيء ، اكثر من نفسي لذلك سأذهب الان " قالها  وتمكنت من سماعه بالرغم من انه كان قد اختفى في ضباب وادي البوابات المائة .
وعندما غاصت كلماته في قلبي ، وأدركت ما حدث صرخت صوتاً اخرج كل مافي داخلي من ألم لكنه لم يختفي او يخف بكيت لفترة لا اعلم مدتها كنت في حالة لا تصديق ومرهقة تماماً من كل الجري والبكاء والقلق كنت مفصولة في تلك اللحظة عن الواقع كل ما أتذكره هو سماع ميخال يخبرني انه سيعيدني الى عالمي ثم وجدت نفسي استفيق .
عندما ادركت ان يوسف غادر وربما للابد صرخت كالمجنونة وبكيت مجدداً . هرعت والدتي وجميع من في المنزل إلي كانت رؤيتي غير واضحة او بالاصح إدراكي كل ماسمعته واحسسته هو كلمات امي المطمئنة بأنه حلم سيّء لا غير وحضنها الدافىء جعلني اشعر بالامان قليلاً واعود للنوم بعد ان قررت ان أصدقها بأنه فقط كابوس قد انتهى!

©ManarMohammed

حبيبي الجني (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن