اعتراف

17.3K 821 25
                                    

كانت دعوة امي لاقربائها قد أتت في وقت غير مناسب بالمرة . وطوال النهار عانيت بشدة وانا احاول ان أبدو طبيعية للجميع بينما يوسف يتكلم معي ويقودني نحو الجنون .
وقد بدى ذلك للضيوف الذين رأوني اكثر من مرة ابتسم الى نفسي دون سبب ، وهم لا يعلمون انني كنت أقاوم تعليقات يوسف الساخرة عن قريبة امي النحيفة والعصبية تارة ، وعن طريقة تصرف وفاء مع ابنها الوسيم تارة اخرى، كان صعباً ان اكبت ضحكتي وفي النهاية فشلت وبدوت غريبة أطوار ومريبة.
*****
ما ان انتهيت من غسل صحون الغداء حتى انطلقت الى غرفتي وأغلقت الباب . كنت اعلم ان امي لن تحتاجني اكثر، استلقيت مرهقة على السرير . كنت اشكر الله كوني لست مضطرة لإعطاء الأطفال دروساً خصوصية كون احدى أولياء الأمور اتصلت مؤخراً تخبرني بأنها اتفقت مع امهات بقية الطلاب الذين أقوم بتدريسهم للذهاب في رحلة لايام قليلة .
قاطع يوسف افكاري "اخيراً بعض الوقت لوحدنا !"
انا بسخرية " هاها .. مضحك"
يوسف ملاحظاً قواي الخائرة " تبدين منهكة.."
انا متذمرة " هكذا هي امي في كل مرة يأتي احدهم للغداء معنا تجعلني ووفاء عبيداً تستنزفهم الى اخر حد!"
يوسف وقد شعرت به جواري " لمٓ لا ترتاحين قليلاً ، وسألتقي بكِ بعد ساعات قليلة في عالمي"
نهضت جالسة " هل سترحل الان؟!"
سمعت ضحكة خفيفة ويوسف يقول" لماذا لا تتحملين فراقي؟"
شعرت بالخجل وقلت متوترة " عماذا تتحدث ... كان يجب ان تغادر منذ خمس ساعات لو كان القرار لي !"
لم تكن تلك الحقيقة ، فأنا كنت أتوق للكلام معه اكثر، ومع ذلك كان محقاً بأني احتاج بعض الراحة كي أتمكن من اخباره لاحقاً بما لدي وسؤاله ان ينسى طلبي بأن يصبح انسياً.
" وداعاً إذاً حبيبتي"
قال يوسف قبل ان يذهب، ذلك جعل قلبي يخفق بشدة بينما ارتسمت ملامح التذكر على وجهي " هذا ليس عدلاً ، يبدو بأني الطرف الذي يحب اكثر من الاخر "
*****
كنت قد استيقظت من قيلولة دامت لما يقارب الساعة وبقيت كعادتي مؤخراً أحدق في السقف ، افكر بيوسف .
كانت الشمس تغيب. ونهضت الى النافذة أحدق في السماء وقت الغروب وسرحت بمخيلتي الى عالم الجن وانا افكر انتي لن أتمكن من الذهاب هناك مجدداً والاستمتاع بكل الجمال في الطبيعة ان لم أوقف يوسف من عبور البوابات المائة .
ناديت ليوسف لأتأكد انه ليس موجوداً لكنني صدمت به يجيب " انا هنا " كان صوته قريباً من وعلمت انه بجواري .
أجبت بتذمر غير حقيقي " لقد قلت انك ستذهب هل كذبت عليّ لأنام ؟!"
يوسف " لا انا حقاً كنت قبل لحظات في عالمي لكنني أجيبك في كل مرة تنطقين اسمي .. لا استطيع ان لا آتي إليك عندما تناديني" قال جملته الاخيرة بصوت منخفض غير واثق لم يكن يعلم ان كلماته تلك كانت تعبث بنبضات قلبي .
انا وقد استجمعت نفسي " يمكنك ان تعود الى عملك سأكون عندك خلال ساعة ونصف فقط سأذهب لأرى ما تحتاجه والدتي وأتناول العشاء وألحق بك " كنت قد نهضت وتوجهت نحو الباب ثم توقفت وابتسمت بخجل نحو السرير الفارغ الذي علمت ان يوسف كان يجلس عليه وغادرت الغرفة عندما وافقني يوسف الرأي .
*****
اتجهت نحو سريري لأنام او بالاصح لأَذْهَب لعالم الجن . كنت متوترة واشعر بنبضات قلبي تتسارع وكأنني مقدمة على الموت . استلقيت وحاولت بصعوبة ان أغفو وانا ادعو الله ان يسير كل شيء على مايرام .
احسست بعد لحظات بجسدي يبرد ثم تلك الطاقة التي تتسلل الي قبل ان أفارق جسدي الى عالم الجن ككل مرة . توجهت نحو بوابة عالم الجن وسرعان ما وجدت يوسف ينتظرني هناك بابتسامة عريضة جعلتني اشعر بالسعادة .
مد يده لي بعد ان انحنى بطريقة جعلتني اشعر انني أميرة ، ضحكت وفهمت ما اراده ووضعت يدي بيده.
انا "اذن ماهو مخططك لليوم؟"
يوسف وهو ينظر الي بعينين براقتين " لم اخطط حقاً كوني لم املك الوقت لكن لا يهم طالما انتِ معي ماذا نفعل.."
قاطعته بعد ان استوعبت ما قاله في البداية " لم تملك الوقت لانكِ كنت معي طوال اليوم ! انت لم تغادر مطلقاً أليس كذلك؟!"
نظرت بشك نحوه بتركيز وتوتره الواضح رغم سكوته وتلك الابتسامة المريبة أجابت عن سؤالي دون ان يضطر للكلام!
انا بدهشة واستياء بينما مشيت ورائه " انا لا اصدق! هل ستخبرني الان بأنك تستمتع بمشاهدتي كلما غيرت ملابسي وانت موجود دون علم مني ؟أيها المنحرف !"
أمسك يوسف بيدي وهو يضحك يساعدني على الصعود على ظهر تنينه وهو يقول " انا لست كذلك كفي عن اختلاق القصص "
اردت الجدال معه وقد ازداد غضبي ولَم اكن أصدقه وفكرة انه قد رآني من قبل اغير ملابسي كانت مرعبة لكنه قال وقد احسست بذراعيه يشدان حولي بينما طار المخلوق بِنَا " سامحيني انا فقط لم ارد تضييع اي لحظة بدونك ِ انا لا اعلم لكم من الوقت سأكون بعيداً عنكِ"
شعرت بالأسى وقررت ان اخبره دون المزيد من التأخير لكني اردت اولاً التأكد ، لذلك أخبرته انني اريد رؤية صديقه الذي قام بعمل جرعة النسيان فعلق ضاحكاً " لا تحاولي تهديده بأن يعيد ذاكرتكِ فقد قمت بالفعل بذلك وفشلت ! "
انا باستغراب " حقاً ؟ هل انت يائس لجعلي احبك لتلك الدرجة؟ "
كنت اعتزم إحراجه لكنه قال " انا حقاً يائس لجعلكِ تحبينني سأقوم بفعل اي شيء لكن اولاً يجب عليّ المجيء إليك ِ .." عّم الصمت بينما سرح كل في تفكيره.
نفذ يوسف ما أردته وبعد دقائق من التحليق بصمت كان التنين يهبط بِنَا امام بيت قاتم اللون مريب ويبدو مهجوراً . علمت بأنه منزل صديقه الذي جعلني انسى أشياء جميلة عشتها مع يوسف . لكني لم آتي لأوبخه بل لاطلب منه ان يخبرني بالحقيقة .
وقفنا امام الباب ، أمسكت بذراع يوسف امنعه من طرق الباب " هل بإمكاني الحديث معه لبضع دقائق بمفردنا ؟" نظر الي ولم يعجبه ما طلبت " لا اعلم يا اماني ميخال لا يحب الانس اخاف ان يقوم .." انا مقاطعة " لا تقلق انه صديقك ولن يؤذيني لانه يعلم ما اكون بالنسبة لك "

يوسف بدا متردداً وقبل ان يعارض او يقول اي شيء انفتح الباب بمفرده رغم انه لم يكن هناك احد في الجهة المقابلة . تنفس بعمق يوسف مستسلماً " حسناً سأكون هنا في انتظاركِ " ابتسمت له سعيدة بذلك .

دخلت الباب والخوف يملأني ، وبرغم اني احتجت ليوسف لتطميني الا انني لم ارد ان يستمع لحديثي مع صديقه . عبرت الممر المؤدي الى غرفة المعيشة التي بدت لا شيء كغرفة معيشة كتب كثيرة في كل مكان وأدوات لم ارى مثلها قبلاً وتذكرت انه ساحر.

كان صديق يوسف رجلاً يبدو اربعينياً في العمر هذا اذا كان انسياً. أصلع تماماً وعلامات قاتمة على وجهه وكتابات غريبة في ذراعيه لقد كان مخيفاً لكني لم اجعل ذلك يظهر . وبينما كان ينظر نحوي بصمت تكلمت " انا اماني .. يوسف .. اخبرني عنك.. انت.."
كنت اتأتأ وكان ذلك محرجاً ، لكني كنت خائفة لانه وبخلاف السحرة الانس الذين لم اخف منهم لكونهم مزيفين كنت اعلم ان هذا الجني ساحر حقيقي .
قاطعني ليتكلم بصوت مرعب عميق لم اسمع مثله في حياتي " اعلم من تكونين .. فقط اخبريني ما الذي تحتاجينه مني "
تشجعت لأتكلم " اعلم انك صديق يوسف ، لذلك سأخبرك .. انه يخطط للمشي عبر البوابات المائة ، انا اشعر بمدى خطورتها ويوسف يخبرني انه واثق بأنه سيعبر دون قلق .. اريد معرفة الحقيقة ، ما خطورة العبور خلالها"
تنهد المدعو ميخال وقال بصوت يعبر عن الاسى " هذه البوابات وضعت رحمة بِنَا .. لنكون مع من نحب اذا كان انسياً ، لكن ليس اي شخص بإمكانه النجاح في مهمته .. هذه البوابات فيها خدع تتسلل الى كل من يدخلها والكثير لم يخرج منها ابداً .هذه البوابة تختبر حب الجني من عدة نواحي ولا يذهب الى عالم البشر الا من تمكن من النجاح في كل تلك الاختبارات .. البعض يأخذ اعواماً طويلة ليعبر والكثير ينسى المغزى من قدومه اليها وينسى كل شيء عن حبه وعن نفسه ويتيه فيها دون هدف ما تبقى من حياته"
كنت خائفة جداً بعد ان عرفت انني قد افقد يوسف للابد " كم هي نسبة ان يضيع يوسف في البوابات المائة اخبرني بصراحة ؟ "سألت محبطة
ميخال " لأكون صادقاً خلال الخمسمائة عام دخلها المئات ومن خرجوا منها لا يتجاوزون العشرين "
نهضت وقد ادركت حجم الرعب الذي يود يوسف وضع نفسه فيه من اجلي " لا .. يستحيل ان اتركه يذهب .." كانت دموعي تتدفق مني دون توقف حيث جريت خارج منزل ميخال ابحث عن يوسف .
وجدته على مسافة من المنزل يستند الى شجرة ، مسحت دموعي وتوجهت اليه بحزم بينما وقف ينظر إلي بقلق .

وجدت نفسي امام يوسف الذي يترقب ما سأقوله . وهو واقف امامي ينظر دون توقف نحوي ، بإنتظاري . شعرت بيديّ تتعرقان توتراً لم اعلم من أين ابدأ. لذلك أغمضت عينيّ وقلت وقد استجمعت كل قوتي " يوسف .. انا .. احبك ! "
ساد الصمت للحظات حتى شككت بانه لم يسمعني فتحت عينيّ لأرى وجه يوسف المصدوم و احسست بالخجل رهيب وانا افكر في نفسي (ربما لم يكن يجدر بي قولها بهذه الطريقة!)

©ManarMohammed

حبيبي الجني (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن