اسمي واسمه

26.7K 1.1K 29
                                    

استيقظت في اليوم التالي لحلم زواجي دون ان يوقظني احد . كان آخر ما تذكرته هو يوسف و هو يطلي  أصابع اقدامي بما ظننته وقتها الحناء و هو يقول " بهذا لن تضلي الطريق إلى عالمي " ابتسامته كانت آخر شيء أتذكره ، كان حلماً سيريالياً جميلاً لم ارد الاستيقاظ منه.
ففي حياتي الحقيقية خلت حياتي من اي رجل ارتبطت فيه بعلاقة عاطفية جدية . عدا عن حب اول قديم ساذج انتهى بتركه لي دون مبررات او اسباب واضحة. تلك كانت تجربتي الوحيدة في الحب و لم تكن بتلك الروعة . لذلك عشت بعدها افضل عدم الاقتراب من احساس الحب .
ذلك الحلم الغريب ،الحقيقي اكثر من اللازم ايقظ في داخلي شيئاً ما. شيء جعلني اشعر انني احب دون حبيب.. اني احتاج الحب لاكون على قيد الحياة و لست فقط اعيش ،موجودة و غير موجودة.
صرفت افكاري الغريبة كذلك الحلم الذي استيقظت منه . كالمعتاد كان جسدي مرهقاً كما لو انني لم أنم للحظة نظرت للساعة و كانت لا تزال الخامسة فجراً وقررت ان اعود للنوم مرة أخرى.
*****

مشيت أتأمل روعة الجو الربيعي  بعد ان انتهيت من إعطاء طلابي الدرس . كنت اشعر بالسعادة و كنت اعلم بأن السبب هو ذاك الحلم المجنون.
توقفت عند الحديقة العامة ثم قررت الدخول . جلست على احد المقاعد و بقيت أتأمل الناس في الإرجاء . لطالما فعلت ذلك لاشعر بالسكينة والراحة. فبرؤيتي للاخرين شعرت انني جزء منهم .. جزء من حياتهم في تلك اللحظة التي قررنا فيها الذهاب الى الحديقة بغض النظر عن الدافع.
لكن هذه المرة كنت مختلفة . اخذت أرى اشياء لم ألحظها من قبل .
لفت نظري شاب وفتاة يمشيان من امامي ممسكي أيدي بعضهما و ذاك الشاب ينظر الى حبيبته بنظرات حب لا تخفى على احد .
شعرت بالمرارة و انا اتذكر تاريخي الفاشل في الحب ثم شجعت نفسي و انا أردد بصوت منخفض  " لا بأس يا أماني ، أنتِ لم تخلقي لأجل الحب على أية حال "
و هناك صوت أجابني، قريب مني .يكاد يكون الى جواري " إن لم تخلقي للحب  ستكون عندها الحياة كئيبة  حبيبتي "
ألتفت الى مصدر الصوت الذي كان واضحاً و لا مجال للشك انني لم اتخيله، لكن لم يكن هنالك من احد . ذلك جعلني اشعر بالخوف و انا افكر بأنني بدأت اهلوس .
وقفت و غادرت بسرعة عائدة الى المنزل . ربما كنت مرهقة كما هو الحال معي مؤخراً . ربما هذا هو السبب الذي يجعلني اسمع ما قد يواسيني .. بهذه الافكار طمأنت نفسي وتمالكت اعصابي.

*********

ليلتها أيضاً ذهبت للنوم و حلمت بيوسف الرجل الغريب الذي كان يجعلني اشعر بالكثير مما لم افهمه. ما لم افهمه ايضاً هو كيف يمكن ان احلم به مجدداً.
كان ينتظرني ما ان وصلت الى البوابة المعلقة و فتحت ابوابها لي لادخل. بإبتسامة عريضة استقبلني و هو يقول " انا ممتن لكِ كثيراً " 
توقفت أمامه وسألت " لماذا انت ممتن؟" قبل ان يجيب احتضنني دون مقدمات و قال " لانكِ لم تنسِ و ايضاً لانكِ اتيتِ الليلة"
كنت اعلم انه حلم لكني لم ارتح للطريقة التي كان يضمني إليه متى ما اراد حتى و ان كان خيالاً يصنعه عقلي الباطن . جزء مني احب ذلك الشعور بالامان بين ذراعيه ، لكن جزءاً اكثر منطقية جعلني اشعر بالانزعاج لاختراق مساحتي الشخصية.

دفعته عني بهدوء ، و انا انظر بحذر الى وجهه الذي بدى عليه الصدمة لابعادي له عني بشكل طفيف و حزن كان عميقاً يسري من عينيه و يعطيهما بريقاً يكاد ينطفىء .

لكنه بسرعة استبدلها بابتسامة حنونة و أمسك بيدي و هو يقول " لا نملك وقتاً طويلاً اريد ان اريكِ مكاناً ما "

مشينا الى باب احدى المحلات التي كان على شرفتها ورود وأشجار كثيرة ومتنوعة .
و اعتقدت بأنهم يبيعون الزهور. في الداخل لم يكن هناك احد والمساحة كانت ضيقة لأي محل . كل ما رأيته امامي كان باباً آخر . والذي اتجه يوسف نحوه وانا اتبعه. ما ان عبرنا الباب حتى كنّا في مكان آخر مختلف تماماً .
في ارض ممتدة مغطاة بالخضرة و الاشجار و سماء بدت برتقالية جميلة.  مشيت تاركة يد يوسف اتأمل كل شيء حولي بعناية.
لم تكن تلك الطبيعة الخلابة الخيالية كأي شيء موجود في الحقيقة. واثنيت سراً على مخيلتي الخلاقة التي ابدعت في صنع ذاك الحلم الذي كنت فيه.
استمتعت برؤية السماء تعانق اوراق الشجر التي تهادت مع نسيم خفيف . كان الجو معتدلاً وغير بارد بعكس رياح الشتاء الثلجية في ارض الواقع.
مشيت ويوسف يتبعني بخطوات. ألتفت إليه ليخجلني بالطريقة التي كان ينظر بها نحوي. وكأنني الشخص الوحيد المتواجد في الحياة عداه. ابتسم لي ورغم اني حاولت ان لا افعل لكنني ابتسمت له .
في ذلك المكان المطرز بالاشجار، شد انتباهي شجرة لم تكن كالبقية . مشيت ببطء متعمد نحوها كما لو انني خشيت الذهاب .
تلك الشجرة  التي كان نصفها محروقاً و متهالكاً   و النصف الآخر لم تمسه النار و قد  نما بشكل جميل يلف الجزء المدمر منها ، كانت تلك الشجرة الضخمة تقف بين العديد من الأشجار لكن تلك الشجرة دون سواها شعرت بشيء ما يحركني إليها ..
توقفت امامها و لمست خشبها و كشيء كالسحر تفجرت في داخلي احزان دفينة كانت ترافقني ليلاً عندما اذهب للنوم و تدفعني للبكاء بينما يمزقني الألم . ذلك الإحساس بالفقد و الوحدة  لشيء لا اعلمه.
أغمضت جفوني لأتحكم بمشاعري ،  لتنزلق دمعة ساخنة على خدي . كان يوسف إلى جواري بالضبط ينظر الى الشجرة . 

يوسف " انا آسف يا أماني " كنت اشعر بالغضب ، لماذا كنت اشعر بالغضب ؟
انا " لماذا انت آسف ؟ اخبرني ما الذي يجري هنا يا يوسف  لأنني اشعر بأن هنالك شيء كبير يفوتني . اخبرني ارجوك ! "
كنت اشعر بالقلق والحزن والألم لكن لأنه كان برفقتي شعرت بأن كل تلك المشاعر السيئة كانت محجوبة عني بغطاء يرتديه يوسف ، الرجل الغامض الساكن في حلمي.

عّم الصمت للحظات و انا انظر للشجرة و اشعر بمزيد من الاسئلة تتدفق في رأسي، لانه لم يكن يتكلم ، و هناك على الجانب الاخر من الشجرة وقع نظري على كلمات منحوتة بعمق في جذعها . اقتربت بحذر لا اعلم لمٓ كنت خائفة مما سأقرأه و بالفعل ما كان مكتوباً على الشجرة كان مخيفاً .
نحت بعمق عليها و بشكل واضح اسمينا " اماني و يوسف " !!

سألت مذعورة " اسمي و اسمك منحوتان هنا ؟ كيف يمكن لهذا ان يحدث ؟" وقتها لم اشعر للحظة ان ما كان يحدث حلماً
جلس على  الارض يوسف  بجوار الشجرة مسنداً ظهره عليها وربتّ بيده على الارض لأجلس بجواره
يوسف " اريد ان احكي لكِ قصة"

© ManarMohammed

حبيبي الجني (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن