تشويش

17.4K 863 11
                                    

انسحبت من حضنه الذي بدى لي الحياة وقتها ، اردت ان ابكي حزناً على نفسي التي عاشت بدونه . وان اضحك سخرية على الجنون الذي أعيشه . اردت ان أهلع لكل تلك الأحاسيس الدافئة التي حملتها ليوسف طوال الوقت دون علمي . وأردت الصراخ على نفسي معاتبة كيف تمكنت من نسيانه وكأنه لم يكن.
لكنني بوجه جمدت ملامحه حاولت التماسك كي لا يكشف امري وقد قررت ان لا اخبره بأنه وبرغم اني لا اتذكر الماضي لكن مشاعري له قد استعدتها وإنني احبه بجنون.واعتقدت انني بعدم اخباره امنح نفسي فرصة لإيجاد طريقة لانقاذه .
نزعت كل تلك المشاعر المضطربة عن وجهي بينما نظرت إليه وكان لا يزال مأخوذاً عن الواقع في مكان ما لا اعلم بماذا يفكر وقلت مستعيدة انتباهه " حسناً أسامحك أيها الجني المجنون ولكن ليس قبل ان تخبرني : هل هذه البحيرة الهلامية اللذيذة قابلة للاكل ؟!"
ضحك يوسف ،وذلك جعلني اشعر بنبضات قلبي تتسارع مجدداً ، لقد كان ساحراً للغاية.
اجاب "للاسف لا يمكنكِ اكل كل شيء يا اماني !" وعاد ليضحك بينما علمت انه يلمح بأن شهيتي كبيرة .
وقبل ان أتمكن من الاستياء سألني وقد لاحظ تغيري" أنتِ لا تبدين بخير ، هل هناك شيء يقلقكِ؟"
لقد كان يشعر بأبسط تغير يطرأ عليّ، شعرت بالخوف ان كان سيعلم انني استعدت حبي له ، لذلك أجبت بسرعه وانا اجره وامشي " لا شيء يقلقني عمٓ تتحدث !.. اخبرني الى أين سنذهب الان ؟"
يوسف " الى اي مكان اخبريني ماذا تريدين ان تفعلي وسوف أحققْه ." ختم كلامه بابتسامة كانت تشرق من عينيه وليس فقط فمه .
وجدت نفسي تلقائياً اشعر بالسعادة وابتسم ، قبل ان اتذكر انني احتاج الى مخرج ينقذ يوسف وتختفي ابتسامتي .
انا " اريد فقط المشي بهدوء في مكان لا يوجد فيه احد "
شددّت على شرطي بأن يكون المكان خالياً ، بما اننا كنّا قد وصلنا الى ما يشبه القرية وكثير من الناس -اقصد الجن هنا-كانت تحيط بِنَا .
رفع يوسف رأسه الى السماء ونفخ بصافرة وضعها كقلادة على عنقه ولم اكن قد لاحظتها من قبل . ثم ألتفت نحوي يقول " أوامركِ زوجتي العزيزة !"
كان يتوقع مني ان اعترض كالعادة لذلك فعلت كي لا يفضح امري " كف عن وصفي بزوجتك لقد تم خداعي منذ البداية بإنه .."
يوسف مقاطعاً لينهي ماعرف انني سأقوله " مجرد حلم ، اعلم . فقط دعيني اسميكِ ما اريد خلال الايام المتبقية .. تذكري بأنني سأرحل وستتخلصين مني على أية حال"
آلمني كلامه ، لقد اعتقد انني لا آبه به بالمرة بينما انا كنت أتألم وأتوق لإخباره انني أتراجع عما طلبته في كل مرة تتلاقى اعيننا. لكني لم أتجرأ على اخباره بذلك .. فقط ألتزمت الصمت . وسريعاً وجدت التنين الخائن قد ظهر من جديد لأخذنا الى وجهتنا التالية بينما كنت لا ازال حاقدة عليه لاسقاطي.
في الحقيقة ، لقد اردت ان اكون معه في مكان لا ضوضاء فيه فتلك الضوضاء التي كانت تعم قلبي من مشاعر قلق وخوف وشوق وندم وحب كلها كانت تملأني تشويشاً ولم اكن اعلم ما افعل سوى ان أمسك بيد يوسف لأشعر بأن كل شيء سيكون بخير . وكذلك فعلت ، ممسكة به ما ان نزلنا عن تنينه.
ارتبك للحظة صغيرة قبل ان اشعر بقبضته على يدي وبالامان الذي احسست به تكلم صوت في داخلي ( كيف ستلقين به في المجهول قد تفقدينه الى الأبد )
عندها رفعت نظري اليه وتقابلت نظراتنا وبقينا نحدق في بَعضنا قبل ان يبتسم ووجدت نفسي اجيب مخاوفي ( بإمكاني انتظاره الى الأبد ) وابتسمت وعدت بنظراتي الى الطريق .
لم نتكلم بكلمة واحدة طوال الوقت ، كان يعلم انني احتجت الهدوء لحظتها.
وكنت اعلم ان هذا سبب لحبي يوسف ، قدرته على سبر تغيرات مزاجي وذلك مدهش كوني متقلبة المزاج كثيراً . بطريقة ما كان يدرك كل مزاج لدي ويعلم كيف يتصرف في كل وقت معي بحيث لم أتضايق منه من قبل لسوء معاملته او تصرفه معي . لقد كان بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، كامل بالنسبة لي - عدا عن انه لم يكن انسياً -.
عندما اخبرني يوسف ان عليّ العودة ودعته مبتسمة وانا اخبره بأن غداً يوم جديد ألقاه فيه ، ثم استفقت بإحساس الخوف ككل مرة ، نظرت الى الساعة التي اشارت للثانية صباحاً وعدت للنوم .
*****
استيقظت فاتحة عينيّ وبقيت دون حركة افكر بما عليّ فعله في الليلة التالية . وبقدرما اردت ان أرى يوسف امامي يوماً ما ، انسياً من لحم ودم الا انني خفت من ان أعرضه للمخاطر بسببي . استقمت جالسة بشعري الفوضوي ونظرتي العازمة على شيء ما وابتسامة مريبة في وجهي .
" بماذا تفكرين ؟ انتِ تخيفينني الان !" جاء صوت يوسف وشعرت بالذعر كما لو انه بإمكانه سماع افكاري التي لم ارد ان يعرف بشأنها .
قفزت من على السرير واقفةوكالعادة لم أتمكن من رؤيته وسمعت ضحكته وهو يقول " انه انا يوسف لا تخافي "
" اعلم انه انت ومن سواك ! لماذا تتسلل هكذا لقد اخفتني" قلت بتذمر .
يوسف " لم يتبق الكثير من الوقت وأريد ان اقضيه معكِ "
انا " هل هذا يعني انك سترافقني طوال اليوم؟" كنت مستاءة لان والدتي اليوم دعت أقاربها للغداء ، وكنت خائفة من ان تكتشف كذبتي بعد ان أخبرت امي وخالتي انني تحررت من قبضة الجني .
لكني لم ارد ان اجرحه لذلك عندما اجاب بنعم ألتزمت الصمت ولم اطلب منه الرحيل .

©ManarMohammed

حبيبي الجني (مكتملة)Where stories live. Discover now