شقاوة

60.8K 1.6K 167
                                    

كان في احد الايام المملة لشهر ديسمبر البارد ان جاء الى بيتنا بعض الضيوف . ضيوف غير مرحب بهم بالمرة. وهنا اتحدث عن نفسي ، فبقية عائلتي كانوا سعيدين و مستبشرين بتلك الزيارة الفضولية .
كان الضيوف امرأتين، احداهما امرأة ممتلئة بيضاء البشرة تلبس بشكل مبالغ فيه كما لو انها كانت ذاهبة الى حفلة عرس احدهم. و الاخرى ابنتها التي طلت وجهها بمساحيق التجميل حتى اصبحت تبدو كمهرج ونستطيع ان نرى وراء كل الألوان التي غطت ملامحها انها كانت تحمل نفس قسمات وملامح وجه امها .

جلست مقابلهما خالتي نسرين وامي يتناقشن بشكل جدي تفاصيل الزواج كما لو ان لا شأن لي في ما يحدث و كما لو انهم يستطيعون بكل بساطة ارغامي .

عندما دخلت شعرت بالتوتر كوني كنت اعلم ان البدينة المسماة ثريا كانت تتفحصني كمادة للزواج و الابتسامة على وجهها .
تم ارغامي على تقديم القهوة للضيوف . كانت الخالة ثريا قد جاءت لخطبتي لابنها بعد ان دلتها اخت والدتي الخالة نسرين عليّ و كان ذلك اكثر شيء لا أستطيع ان اتقبله، ان تختارني امرأة لابنها كما لو كنا في سوق للعبيد. اعني كان يجدر بها احضار ابنها على الاقل ليبدي رأيه!
لم اتمكن من فهم اولئك الذين يتركون اهلهم يختارون شريك حياتهم دون ان يكون لهم رأي في شخصيته او حتى على الاقل مظهره!
سمعتهن بالفعل يتحدثن عن المهر و المدة التي نحن نحتاجها لإعداد العرس بينما كنت اعد القهوة في المطبخ ومن هناك اكتشفت خطة والدتي واختها المجرمتين .

كان كل ذلك يتم بدون موافقتي لذلك بعد ان وضعت الطبق الذي قدمت به القهوة بعنف على الطاولة مفاجئة والدتي و الجميع ،قلت بنبرة مهددة و عالية  " انا اسفة يا خالة ثريا انا لا أستطيع الزواج من ابنك حتى و ان عنى ذلك ان لا اتزوج ابداً "
حاولت قدر استطاعتي ان لا أهين احد ، انهيت جملتي و توجهت الى غرفتي و ضربت الباب ورائي بعنف. كنت اشعر بالسوء للطريقة التي يتم فيها معاملتي في ذلك البيت .

كنت اعلم ان امي سيجن جنونها مما فعلت لكني لم استطع ان أدعها بتأثير من اختها تزوجني بتلك الطريقة الهمجية .
كانت اختي الأصغر في غرفتي . قلت بغضب " ما الذي تريدين اخذه مني هذه المرة؟!"

تلعثمت وقالت وهي متوترة " لماذا تجعلين الامر يبدو كما لو انني آخذ منكِ كل ملابسكِ الجميلة "
شهقت بسخرية مما قالته ورديت " هذا هو بالضبط ماتفعلينه في كل مرة ! "
و قبل ان يبدأ الشجار ، دخلت امي و معها خالتي نسرين و صرخت والدتي و قد نفذ صبرها في وجه وفاء لتخرج من الغرفة.
كانت امي غاضبة و بدأت تصرخ مجدداً عليّ هذه المرة بسبب ما فعلته أمام المرأة قبل قليل و كانت قد بدأت تنهال عليّ بالضرب بحذائها. لقد كانت والدتي عنيفة لكنني نجوت بسبب تدخل الخالة نسرين التي كحاجز او درع حامي حالت بيني و ببن امي تحاول تهدأتها .

بطريقة ما تمكنت خالتي من إقناع والدتي فخرجت و تركت الغرفة لنا الاثنتين. كانت الخالة نسرين منذ بضعة شهور قد أخذت على عاتقها واجب حل مشكلة كوني لا زلت عازبة رغم انني قد انهيت الجامعة منذ سنين . و كانت لا تنفك تذكرني ان جميع من هن في عمري اصبح لديهن أطفال و عائلة. وان القطار سيفوتني ثم انني سأصبح مثار للشفقة و السخرية في آن واحد من قبل المجتمع . واخذت تحذرني من انني سأبحث في يوم ما عن رجل يزيل وحدتي و لا اجده مهما حاولت !

  اضافت هذه المرة بطريقة مختلفة في الحوار معي عن باقي المرات السابقة و اخذت تشرح  ،  و ترسم سيناريو عن كيف سيُصبِح مستقبلي ان تزوجت عبدالوارث ابن صديقتها الخالة ثريا .
بعد محاولات في اغرائي بما يملك ثم محاولات اخرى بكيف ستكون حياتي في قصر ما في بلاد اجنبية . والتي كنت اقاطعها لاوفر انفاسها و اخبرها ان ذلك لا يهمني في كل مرة . في النهاية بعجز و يأس نظرت اليّ خالتي مطولاً. 
كانت تبحث عن طريقة اخرى للحوار فيها معي . طريقة ستوصلها الى حل مختلف عن كل سابقاتها. 
لكني كنت مهما شرحت لها رؤيتي عن الحب والزواج اشعر كأنني اتكلم لغة اجنبية لا تفهمها ،بل لا تعنيها او تخصها بشيء رغم فهمها الجلي انني لم اكن اقبل زواجاً تقليدياً برجل لم اعرفه واحبه.
لذلك كنت قد استسلمت منذ زمن من انها يوماً ستفهمني و اصبحنا كما نحن الان ،كل حوار يدار حول الزواج يصبح عقيماً بارداً و غير مستساغ لكلينا.
في الاخير تنفست بعمق خالتي و قالت  " اخبريني يا اماني بصراحة ما الذي يجعلكِ ترفضين هذا العريس اللقطة هذه المرة؟ ما عذركِ اخبريني ؟ دعينا نتناقش لنصل الى حل "

فكرت انني حتى وان ناقشتها لن تفهم قناعتي . انا أردت ان اتزوج شخصاً احبه وليس زواجاً تقليدياً يربطني برجل قد لا اطيقه طوال عمري .
لم يكن احد يفهم ما اريد رغم بساطته.  لذلك قررت ان ألعب مجازفة لاتخلص من كل هذه الفوضى .

كانت خطة قد اعددتها عندما توقعت انهم لن يدعوني وشأني حتى انصاع لهم فيما ارادوه . خطة تم نسجها في غياهب ليال طوال من التفكير بتمعن  .

انا " في الحقيقة اريد ان اتكلم عن امر اخفيته عنكم منذ زمن ، هنالك شيء لم اخبركم عنه .. وهو يؤرقني.. لا اعلم ان كان يجدر بي قوله ، لكن على الاقل سأخبركِ انتِ ان وعدتيني ان يظل الامر سراً"

ضحكت في داخلي لان خالتي لم تكن شخصاً يحمل سراً معه لوقت اطول من بضع ساعات.

خالتي "اعدكِ هيا ! قولي ارجوكِ اريد ان افهم سبب رفضك المريب هذا لكل الذين يتقدمون لخطبتكِ"

انا " في الحقيقة هنالك شخص يحبني و لا يريد لي ان اتزوج سواه و قد هدد انني ان فعلت سيقتلني"

لعبت الدور بمهارة بحيث بدوت على وشك البكاء و خالتي نسرين بدت قلقة و هي تقول " من هو هذا المجنون و لماذا لم يتقدم لخطبتكِ ما دام يريدكِ زوجة له لهذه الدرجة؟؟؟"
استجمعت قوتي كي لا انفجر ضحكاً وادمر كل ما خططته و قلت  متصنعة الخوف والتقزز و قد جمعت بعض الدموع الزائفة في عينيّ باذلة كل ما عندي من موهبة في التمثيل لان حياتي كانت متوقفة عند تصديق خالتي وبقية عائلتي لقصتي حتى وان بدت سخيفة.
قلت " خالتي نسرين لقد تزوجنا بالفعل ! "
انهالت خالتي عليّ ضرباً  ثم نهضت و قد احمر وجهها و هي  هامسة تصرخ " هل تزوجتِ عرفياً دون علم اهلك إيتها .."
قاطعتها لانقذ نفسي و انا أدعي البكاء " لا لا .. لن افعل ذلك بكامل ارادتي، لكن تم ارغامي. انه ليس مثلنا ، انه يقول انني ملكه .. هو لا يتركني ليل  نهار ، انه جني يا خالتي!"

© ManarMohammed

حبيبي الجني (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن