قلوب بني نافع

١

الفصل الاول

وسط ضفتي نهر النيل يقف أمام أرض زراعية إمتدادها يفوق مرمى البصر يقف شامخا كما اعتاد بطوله الفارع ومنكبيه العريضين بوجه صعيدي اصيل يحمل حاجبان كثيفان وأنف يقف بشموخ مثل صاحبه وشفتين غليظتين يغطيهما شارب يتصل بلحية خفيفة وعينان مثل لون زرعته التى تكسو أرضه كأنهما يعناقان زرع الارض وزرع الارض يعانقهم بالرغم من أن ظاهر هيئته ينم عن شخصية قوية وقلب لا يهاب شيئا سوى خالقه، هو "مَهْد" الذي لا يخشى أحد ولكن في قلبه حب شديد لربه ولتعاليمه، فيحاول دائما ان لا تتخطى قسوته حد من حدود الله، ويحترم والده ويبجله ويطيع عادات وتقاليد قبيلته ويجعلها سيفا على رقبته ورقبة كل من حوله، ولا يتهاون مع من يتعدى على تلك العادات مادام ينسب لهم او كان تحت إمرتهم

يقول مهد بلهجته الصعيدية المميزة : بس الزرع حاله ميصرش يا بشمهندس، مش هو ده اتفاقنا.

ليجيبه المهندس الزراعي محمد قائلا بتوتر: والله يا مهد بيه انا مقصرتش أبدا مع الزرع ومن يوم ماجيت من القاهرة وانا مهتم بيه وبحطله الادوية بتاعته في المواعيد المظبوطة ليها ولما بشوف اى عشبة غريبة على الزرع مش بستناها لحد ماتنتشر وتقدر تسأل الأجرية اللى بيشتغلوا في الارض هيقولولك انهم بيساعدوني في انهم ينقوا العشبة بعد ما برشها.

أعطى ظهره لأرضه المتسعة بشدة تسحر العيون وقال وهو يبدي إعتراضا: انا مبسألكش عن الدوا يا بشمهندس، انا چايبك تعطي مغذيات تفرق مع الزرعة ميكونش حد عرف طريقها قبلي واصل، مغذيات تخلي أرضي تچيب محصول كيف أرضين كدها.

ضحك المهندس محمد قائلا: إزاى بس يا مهد بيه ده كويس جدا لو الارض جابت محصول من مساحتها كلها فإزاى هنخليها تجيب محصول زى ارضين قدها!

نظر له مهد بغضب يتملكه كلما سمع كلمات لا تعجبه وقال بشدة: اسمع يا بشمهندس، انا مبيطلعش من خشمي حديت الا وانا عارف انى اقدر انفذه، وده مش چديد على ناس قبيلة بني نافع، انت مهندس زراعة صحيح وبالورقة والقلم كلامي مش منطقي، بس انا عمري ما فيه حسابات وقفتنى وتقدر تسأل على محصول أراضي شيخ بني نافع في الموسم اللى فات واللى قبله واللى قبله وانت تعرف كلامي صُح ولا ليه العجب.

تركه مهد وغادر المكان ليقف المهندس محمد في مكانه متعجباََ ليس من رغبة مهد في مضاعفة محصول أرضه بطريقة لا يعلم كيفيتها محمد ولكن يتعجب لان هناك شئ في حديث مهد لا يشبه كثيرا أهل البلد وممن ينتمون لنفس عائلة وقبيلة مهد التي تضم بقاع كثيرة من الأرض، فمر من أمامه في تلك اللحظة أحد الأشخاص الذين يستأجرهم مهد للعمل في أرضه فاستوقفه محمد على الفور قائلا: لو سمحت

فوقف الرجل ينظر له بتسائل خفي.

فقال له محمد: انت تعرف مهد بيه كويس؟

ضحك الرجل قائلا: مين ميعرفش مهد بيه وابوه الشيخ زايد شيخ بني نافع وكبيرنا كلنا!

قال له المهندس عن جهل بعادات قبيلة بني نافع: انت من عيلة بني نافع برضو.