عن الصدق إنما نتحدث!

9 6 0
                                    

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:«وما يَزالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا…»متفق عليه

Oops! This image does not follow our content guidelines. To continue publishing, please remove it or upload a different image.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«وما يَزالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا…»
متفق عليه.

بعد الرحمة، والصبر، والعلم والقوة.. ألا يصير حامل تلك الصفات إلى الصدق؟ فمن يرحم يصدق، ومن يصبر يصدق، وكذا العالم والقوي، ساء من كذب حتى كتب عند الله كذابا! الصدق خصلة نبيلة أخرى من خصال النبلاء التي نشاركها في هذا الكتاب، ويا لعظيم أمر الصدق، فالصادق مكرم موقر أينما حل، وعند الله هو عظيم المنزلة!

الصدق خصلة لا تشير لها الأديان السماوية وحدها، بل هو خصلة لا يوجد إنسان عاقل بيننا لا يدعو لها ويتحراها إلا أن يكون قد زاغ عن جبلته السليمة، كم مرةً لاقيت رجلًا في الشارع وصاحبته فقط لصدق حديثه؟ ألا يعظم في أعيننا من يصدق ويستحقر الكاذب؟ ما هذا إلا لأن الصدق سمة النبلاء، سمة العظماء، ونبلاء أمتنا شرطٌ من شروط النبالة عندهم الصدق، إذ قيل: «من شرف الصدق أن صاحبه يصدق على عدوه». وعن عبد الله بن عمرو قال: «ذر ما لست منه في شيء، ولا تنطق فيما لا يعنيك، واخزن لسانك كما تخزن دراهمك» فما أجل الصدق! فالصدق ضد الكذب، وكما الصدق ميزة عظيمة، فالكذب صفة ذميمة، بل وتهلك المرء في الدارين كما يحيه الصدق في الحالين!

روي في سنن الترمذي أن معاذ بن جبل رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قُلْتُ يَا نَبيَّ اللهِ وَإنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّار عَلَى وُجُوهِهِمْ أَو عَلَى مَنَاخِرهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهمْ» أي أن كثيرًا من الناس تهلكهم ألسنتهم بما لفظوا من الفحش والقبح فتؤدي بهم إلى دخول جهنم. وهذا واحد من أهم الأحاديث الشريفة إذ يبين لنا خطورة اللسان وجرمه..

كان عبد الملك بن مروان يأمر إسماعيل بن عبيد الله أن يعلم بنيه الصدق كما يعلمهم القرآن، ويجنبهم الكذب، وقد قال الفضيل بن عياض: «ما من مضغة أحب إلى الله من لسان صدوق، وما من مضغة أبغض إلى الله من لسان كذوب» وهذه وغيرها من أقوال السلف والصالحين، فماذا عن سيرهم؟ ماذا عن سير النبلاء في الصدق؟ هلم بنا نقرأ تلك السير العطرة ونتعرف عليها!

كيف بنا ألا نبدأ بالصديق؟ صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ورفيقه في الغار؟ يكفينا موقفه -رضي الله عنه- مع المشركين لما أسري بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المسجد الأقصى، إذ ارتد ناس ممن كانوا آمنوا بالنبي وصدقوه، فقال المشركون لأبي بكر: هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أُسري به الليلة إلى بيت المقدس؟ قال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم قال: لئن قال ذلك لقد صدق، قالوا: أو تصدقه أنَّه ذهب الليلة إلى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح؟ فقال: نعم، إني لأصدقه ما هو أبعد من ذلك، أصدقه في خبر السماء في غدوة أو روحة. فلذلك سُمِّي أبا بكرٍ الصِّديق رضي الله عنه. وانظر كيف رفع الصدق مكانة هذا الصحابي الجليل!

ومن مواقف الصدق عن الصحابة كلام النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- عن أبي ذر -رضي الله  عنه-، فقد قال عنه -صلى الله عليه وسلم-: «ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء -لا الأرض ولا السماء- من ذي لهجة أصدق من أبي ذر، وهو شبيه عيسى ابن مريم» فها هم الصحابة بسماتهم تلك، الصدق يرفع المرء ويعظمه، وهذا واضح جلي للناظر في التاريخ وفي الواقع، فكم من كذاب صار ذليل قوم، وكم من صادق بات سيدهم!

ومما نقل عن إسماعيل بن عبيد الله، أن أباه لما حضرته الوفاة جمع بنيه فقال لهم: «يا بَنِي عليكم بتقوى الله، وعليكم بالقرآن فتعاهدوه، وعليكم بالصدق حتى لو قَتَل أحدكم قَتيلاً، ثم سئل عنه أقر به، والله ما كذبت كذبة قط مذ قرأت القرآن.» وما ينقل من المواقف تلك موقف الحجاج مع رجلٍ قام إليه يوم كان يخطب خطبة الجمعة فأطال الخطبة، فقال الرجل: إن الوقت لا ينتظرك والرب لا يعذرك، فأمر به إلى الحبس فأتاه آل الرجل فقالوا : إنه مجنون، فقال: إن أقر على نفسه بما ذكرتم خليت سبيله، فقال الرجل : لا والله لا أزعم أنه ابتلاني وقد عافاني، فبلغ ذلك الحجاج فعفا عنه لصدقه. وذلكم حقيقة الصدق كما نقل عن عمر بن الخطاب، أن يصدق المرء ولو كان بالكذب نجاته!

الصدق يبعد عن المرء النفاق، ويقيه الكذب، ويرفعه عن كلام الناس ووشايتهم، لذا كان جديرًا علينا نحن أن نتحرى الصدق، ونصدق متى نتحدث، ففي الصدق يوجد الحق، والحق حقٌّ ولو كان على أنفسنا! وتقوى الله في الصدق مع الله والوفاء بالعهد وبالوعد، جعلنا الله وإياكم من الصديقين!

عن عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق، له أجران”
متفق عليه


أيّ من قصص الأنبياء قد حملت مواقفا من الصدق لازالت خالدة في ذكراكم؟

ماذا عن مواقف السيرة النبوية في الصدق؟

هل لديكم قدوة في الصدق؟

تقبل الله صيامكم! ♡

نلقاكم في الفصل القادِم إن شاء اللّٰه!

في سير النبلاء. Where stories live. Discover now