يا لملك ذلك الأمير!

17 4 0
                                    

{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُۥ فِى ٱلْأَرْضِ وَءَاتَيْنَٰهُ مِن كُلِّ شَىْءٍۢ سَبَبًا} [الكهف: ٨٤]

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُۥ فِى ٱلْأَرْضِ وَءَاتَيْنَٰهُ مِن كُلِّ شَىْءٍۢ سَبَبًا}
[الكهف: ٨٤]

كان من حكمة الله تعالى ولطفه بعباده أن قسم الأرزاق بينهم، فجعل في هذه الحياة الدنيا القوي يجير الضعيف، والغني يسعف الفقير، والحاكم يرعى الورى، ومنه توازنت أمور الدنيا، وكتبت الأرزاق لا تصل إلا لأصحابها، فمن اعترض على قسمة الله وكان حاسدًا فلا خير فيه..

وكان منهم الأمير، الولي والراعي، ذلك الرجل الذي كتب الله له الإمارة على الناس، فإذا ولى عليهم وجب عليه أن يتقي الله عز وجل في أمر رعيته، فمن الأمراء من أسرف في الحكم والمال وضيع الأهل والدولة، ومنهم من بطش وظلم حتى سفك الدماء، وغيرهم الأحسن منهم، نبلاء الدنيا الصالحون العابدون المصلحون، الأمراء الذين شهدت لهم المواطئ والأعين عدلهم وأمانتهم في ما ولوا.. هم لم يخلفوا الوعد، ولم ينكثوا العهد.

نقرأ في سيرهم كثيرًا، وكم تهفو النفس لسماع تلك السير المشرقة! كم من مظلومٍ أتى الحاكم فاستغاثه فأغاثه، كم من امرأة اغتصب حقها فلما سمع بها الأمير حرك جيوش الأرض استجابة لها! من أين لهم هذا الملكوت؟ من أين لهم هذا السمع وتلك الطاعة؟ هم إنما يمشون على نهج محدد ممتثلين لأوامر الله منتهين عما نهى، يسمعون للعلماء والدعاة لا يخالطهم في المُلك شهوةٌ أو هوى، تجلت الحكمة فيهم ورجاحة العقل فكان حب الناس لهم واقعًا.

من قصص النبلاء هؤلاء، نفهَم أنهم حتى مع ملكهم الدنيا وما فيها والقوة وما يفتعل بها لم يميلوا عن الحقِّ، فذلكم الخليفة والحاكم عمر بن عبد العزيز! ويكفي للمرء أن يسمع نغم تلك الأحرف تجتمع في اسمه حتى تظهر له صورةٌ زكية بهية، صورة الأمير العادل الحكيم، صورة أمير المؤمنين وهو يبحث في الضواحي عن الفقراء فلا يجدهم، صورته هو ينثر الحب على القمم كي لا تجوع طير في أرض المسلمين، كيف لا يكون وجده هو عمر بن الخطاب؟ القائل في الأثر:«لو أن جملا أو قال شاة أو قال حملا، هلك بشط الفرات، لخشيت أن يسألني الله عنه؟»

ومع ازدهار دولة الخلافة الأموية في عهده ازدهارًا، بقي هو زاهدًا عابدًا يتقرب من الرعية ويسمع لهم، أحبه الناس وعظم في قلوبهم حتى بكت الروم على رحيله! أي زمنٍ ذاك الذي اختفى فيه الفقراء وشبعت جميع البطون، بطون الناس وبطون الدواب.. القوة كانت بين يديه، والأسرة التي صار فيها أسرة قوية ذات سلطة.. مع ذلك ضيق على أسرته وأهله وانتهج نهج جده في الحكم، فعدل حتى قال عنه الناس خامس الخلفاء الراشدين! ألا فلنتعظ ونقتدي بمثله، ونمشي في الأرض بشرع الله تعالى، فنكون خير خلف لخير سلف إن شاء الله!

صلاح الدين نهض بالأمة واستغل حكمته وحنكته حتى استرد القدس، والرشيد يغزو عامًا ويحج عاما، حتى كانت دولة الخلافة العباسية في أفضل أحوالها على عهده، وكذا المرابطون أهل المغرب أجاروا أهل الأندلس وحافظوا على وجودهم هناك حتى رجعت حليمة لعادتها القديمة، فضاعت القدس وضاعت بغداد ثم ضاعت الأندلس، واحسرتاه على من أضاع الأمانة وخذلنا!

أبعد علمنا هذا، واطلاعنا على التاريخ وشواهده، ومعرفتها بالنتائج والعواقب، أبعد كل هذا نعود إلى الخطإ هذا؟ أنعود إلى الاندماج مع حياة الترف والمجون فننسى الله وننسى الأمانة؟ ننسى التي عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها؟ أتستهوينا قوتنا وعظيم ملكنا فنغفل عن الرسالة؟ ذلك إنما واجب النظر فيه على كل راعٍ، على كل حاكم وعالم ومدرس وأب وضابطٍ ومؤثر، لنهج الصالحين نتبع، وأمر الله نمتثل!

{أَوَ لَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗ وَأَثَارُواْ ٱلۡأَرۡضَ وَعَمَرُوهَآ أَكۡثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِۖ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ (٩)} [الروم: ٩]



هل تستهويكم العظمة والملكوت؟


لو كان بيدكم، أي ملكٌ ستختارون؟

تقبل الله صيامكم! ♡

نلقاكم في الفصل القادِم إن شاء اللّٰه!

في سير النبلاء. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن