التواضع نبل!

12 5 0
                                    

﴿لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الحجر: 88]

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

﴿لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾
[الحجر: 88]

فأولًا إن التواضعَ هو رضا الإنسان بمكانته، التواضع اجتلاب المجد واكتساب الود وأن لا يحتقرَ غيره، أن يقبل باختلافات الآخرين عنه، أن يرسخ قاعدة واحدةً وهي تمجيدُ هذهِ السمةِ المميزةِ والالتزام بها وَرفع رايةِ السلامِ وتوطيد العلاقات بين البشر.

فأينما حضرَ التكلف والازدراء وأينما حضر التكبرُ والغرور المبالغ فيه حضرَت القطيعة وَانجراح النفس البشرية، إنّ كلّ فضيلة تدمر ذاتها إذا خلت من التواضع، فما للمؤمن إلا الابتعاد عنْ إيذاءِ الغيرِ ولو بأبسط السبلِ، ولا يتواضع إلا من كان واثقًا بنفسه، ولا يتكبر إلا من كان عالمًا بنقصه.

فالرسول -صلى الله عليه وسلم- كان شديد التواضع مع أصحابهِ وأثناء مجالسهِ، جمَّ التَّواضُع، لا يعتريه كِبرٌ ولا بَطَرٌ على رِفْعَة قَدْرِه وعلوِّ منزلته، يخفض جناحه للمؤمنين ولا يتعاظم عليهم، ويجلس بينهم كواحد منهم، ولا يُعْرَف مجلسه مِن مجلس أصحابه؛ لأنَّه كان يجلس حيث ينتهي به المجلس. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ اللَّهَ أَوْحَى إلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حتَّى لَا يَبْغِي أَحَدٌ علَى أَحَدٍ،رلا يَفْخَرَ أَحَدٌ علَى أَحَدٍ» فعلى جميع الناس أن يقتدوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ونذكر أيضا تواضع عبد الله بن سلام رضي الله عنه: إذ أنه واقتداءً بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كان صحابته رضوان الله عليهم يقومون بما كان يقوم به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن الأعمال الجليلة والخُلُق الكريم مِن التَّواضُع وخفض الجناح. إذ مرَّ عبد الله بن سلام رضي الله عنه في السُّوق وعليه حزمة مِن حطب، فقيل له: أليس الله قد أعفاك عن هذا؟ قال: بلى، ولكن أردتُ أن أدفع به الكِبْر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لاَ يَدخُلَ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلبِه مثقالَ حبَّة مِن خرْدَلٍ مِن كِبْر»

وقصة تواضع عثمان رضي الله عنه: فقد قال الحسن: «رأيت عثمان بن عفان يقيل في المسجد وهو يومئذ خليفة، ويقوم وأثر الحصى بجنبه، فنقول: هذا أمير المؤمنين، هذا أمير المؤمنين». وقد قال ميمون بن مهران: «أخبرني الهمدانيُّ أنَّه رأى عثمان بن عفان رضي الله عنه على بغلة، وخلفه عليها غلامه نائل وهو خليفة»

وعن أبي محذورة قال: «كنت جالسًا عند عمر رضي الله عنه، إذ جاء صفوان بن أميَّة بجَفْنَة يحملها نفرٌ في عباءة، فوضعوها بين يدي عمر، فدعا عمر ناسًا مساكين وأرقَّاء مِن أرقَّاء النَّاس حوله، فأكلوا معه، ثمَّ قال عند ذلك: فعل الله بقوم، أو قال: لحى الله قومًا يرغبون عن أرقَّائهم أن يأكلوا معهم!! فقال صفوان: أما والله، ما نرغب عنهم، ولكنَّا نستأثر عليهم، لا نجد والله مِن الطَّعام الطَّيِّب ما نأكل ونطعمهم»

وللتواضع فوائد مختلفة، فبه يعزز الإنسان من مكانته الخالصة وقيمته، يرفع المرء قدرًا ويُعْظِم له خطرًا ويزيده نبلًا، يُحقّق التكافل والمودة بين أبناء الوطن الواحد، ويزيد من التآلف والتآخي بينهم، ويؤدّي إلى انتشار العديد من الصفات الحسنة للمجتمع الإسلامي فتزداد قوته ويصبح شعاره الوحيد التعاطف، والتعاون، والاحترام، والوفاء، والصدق، والإخلاص. فقد أشاد أهل البيت -عليهم السلام- بشرف هذا الخُلُق، وشوقوا إليه بأقوالهم الحكيمة، وسيرتهم المثالية، وكانوا روّاد الفضائل، ومنار الخلق الرفيع.

وقد نقل عن حذيفة رضي الله عنه قوله: كنَّا مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في جنازة، فقال: «ألا أُخبركم بشرِّ عباد الله؟ الفظُّ المستكبر، ألا أُخبركم بخير عباد الله؟ الضعيف المستضعَف ذو الطِّمْرَيْنِ لا يُؤْبَه له، لو أقْسَمَ على الله لأَبَرَّ الله قسمه» إسناده ضعيف.

عن أم المؤمنين عائشةَ -رضي الله عنها- أنَّها سُئِلت: ما كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يعمَلُ في بيتِه ؟ قالت: كان يَخيطُ ثوبَه ويخصِفُ نعلَه ويعمَلُ ما يعمَلُ الرِّجالُ في بيوتِهم.

فكيف لأي عاقل أن يتجاهل هكذا صفةٍ إنسانيةٍ لا تخلو من النبلِ، كيف له أن يستهترَ بها؟ وأن لا يمنحها قيمة في حياته اليومية؟ كيف له أن يتّخذ سبيلَ الطغيان والغطرسة عوضا عن التحامه بالتواضع؟ أيحسب أنّ التواضع صفة الضعف؟ أنهُ خوف وَاضمحلالٌ؟ في حين أنّ نبلاءنا كانوا يشجعون هذه الصفة، بل ويحاربون بالاستعانة بها جميع أشكالِ الغرورِ والتعصب! أفلا يتأملون أعمال الطيبينَ وأخلاقهمْ التي لا تقبل الكسرَ وما خلفه من إنجازاتٍ؟

{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}
النحل: ٤٩



هل تعرفون أحدًا من معارفكم يتسم بالتواضع؟

ألديكم قدوة في التواضع تطمحون إليها؟

شاركونا قصصًا مأثورة أخرى عن التواضع!

تقبل الله صيامكم! ♡

نلقاكم في الفصل القادِم إن شاء اللّٰه!

في سير النبلاء. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن