_٥_ (الإنفصالُ فرصة ثانية )

Start from the beginning
                                    

"طب افرض رجعت و شافتنا، أنا خايف "
صدح صوت "غيث" بهذا السؤال المضطرب و عينه مصوبة بإتجاه الباب يخشى أن تدلف فى أى لحظة

وقف "ليث" أمامه شاعرًا بالحزن و الألم فهو لا يريد سوى اللعب معه لكن والدته دائمًا ما تمنعه من ذلك متحججة بمرضه و أن لا قدرة له على التعامل بشكل طبيعى كالباقى، ليأتى صوته فى النهاية بما يكنه فى صدره :
يا "غيث" أنا عايز ألعب معاك، كل يوم مش بنعلب، مش بعمل حاجه غير انى أخد الدوا و أنام و أقوم و بس، أنا زهقت
حدجه "غيث" بنظرات حزينة هو الآخر و قال :
و أنا كمان عايز ألعب معاك بس ماما بتزعقلى كتير و أنا خايف تقطعلى لوحى تانى و أعيط عليهم

بدأ "ليث" يفكر فى طريقة ما لإقناع شقيقه، يريد تقضية الوقت معه و لكنه يخاف من والدته، فهى دائمة التعنيف لشقيقه و هو أصغر من أن يدرك الفرق الشاسع بين معاملتها لهما سويًا، حقًا لا يحق لكل الأهل الإنجاب و حتى قبل الانجاب ليس كل ثنائي من حقه أن يتزوج و يسبب التعاسة لهولاء الصغار.
يجب أن يكون هناك اختبار نفسى لكل المقبلين على الزواج، فالعالم لا ينقصه المزيد من المرضى، يكفيه ما يضمه .

و لكن فجأة صاح بسعادة فقد لاحت أمامه فكرة رائعة لحل مشكلتهم :
خلاص نخبى اللوح فى مكان مش هتعرف توصله ، ايه رأيك؟ و لو زعقت أعمل نفسك مش سامع و أنا هعمل نفسى وقعت أو دوخت و هى هتجرى تشوف مالى
ابتسم شقيقه حتى ظهرت نواجذه و قال:
طب حلو أوى دا، يلا بينا نخبيهم و بعدين نلعب سوا، أنا واحشنى اللعب معاك أوى .

أنهى حديثه و سحب شقيقه خلفه، أسرعا للعلب بكل أرجاء المنزل و انضم لهما والدهما فيما بعد، كانت أصوات ضحكاتهم تملىء أرجاء المكان، دون الإهتمام بأى شىء، فقط طفولتهم التى مرت هباءًا .
أرادوا تحصيل كل لحظاتهم الضائعة فى هذه الأمسية السعيدة، و لكن أهناك يوم سعيد فى طفولته؟

_____________________________________

على الجهة الأخرى ، فى نفس الوقت الذى تذكره "غيث" كانت والدته تلتقى بشقيقتها فى نادى هادئ لا يرتاده سوى أصحاب الطبقة الراقية و المظاهر المزيفة ،من يترك أطفاله ليستمتع بالطقس الدافئ غير عابىء بالمسؤلية الملقاة على عاتقه ،من يترك زوجته ليجلس برفقة عشيقته يضحك معها و يصرف ببزخ رغم أن عائلته هى من تحتاج لذلك الوقت و الاهتمام و المال و لكنه حقًا من أشباه الرجال ،أو ربما نجد عائلة سوية معًا تضاف لعجائب الدنيا السبع لتصبح الثامنة و لكن الأغلب هنا سيء لا يهتم سوى بنفسه و لا شىء آخر.

هتفت "منال" قائلةً بيأس و تذمى :
أنا زهقت ياسارة ، مش دى الحياة اللى عايزه أكمل فيها ،خلاص مبقتش بحبه و لا قادرة استحمله ،أنا عايزه أطلق
ردت عليها شقيقتها قائلةً بقلة حيلة:
آسفه يا منال بس أنتِ السبب الكل عارضك و رفض ارتباطك بيه ،لكنك صممتى و مش هتجوز غيره و إضراب عن الأكل و محاولة انتحار و قطعتينا كلنا لسنتين بعد جوازك و حورات كلها متعملهاش عيله فى أولى حضانة و دلوقتى بعد تمن سنين و عندك منه طفلين و حامل فى التالت جايه تقولى زهقت و مش عايزه أكمل ،بابا مش هيوافق أن بنته تطلق و أنتِ عارفة كدا كويس
زفرت "منال"أنفاسها بضيق شديد و قالت :
طب أعمل ايه ؟ أنا خلاص فاض بيا و سامح مش بيحس ،كل اللى فارق معاه شكلنا و وضعنا الإجتماعى و طول ما هو معاه فلوس خلاص لكن أنا حاسه بايه؟ مشاعرى ايه؟ تعبت و لا لا؟ مش فارق معاه خالص
لم تكن شقيقتها تعرف كيف تساعدها ،فهتف متسائلةً بقلقة حيلة :
أنتِ لسه بتساعديه بفلوسك يا منال؟
لوت "منال"ثغرها بتبرم و قالت بسخرية:
لا سامح معدشي محتاج مساعدتى يا ساره وضعه اتحسن جدًا و قادر إنه يخلينا نعيش فى نفس المستوى بتاع بابا تقريبًا
ابتسمت شقيقتها باتساع و قالت :
طب ما دا كويس ،أنتِ ايه مشكلتك الوقتى؟ مش كنتى علطلول متضايقه عشان وضعكم المادى صعب و كدا ،طب ما هو اتحسن ،ملكيش حجه
حركت "منال" رأسها رافضةً حديث شقيقتها و قالت :
لا يا سارة ،الفلوس مش كل حاجة و دا اللى اكتشفته متأخر للأسف ،سامح حياته كلها بقت شغل و بس أنا و ليث اخر اهتامه
عقدت "ساره"ما بين حاجبيها متسائلةً بتعجب:
طب و غيث ؟! متكلمتيش عليه يعنى و كأنك مش حطاه فى حسباتك

مريض نفسى بالفطرةWhere stories live. Discover now