الفصل الواحد والستون

40.2K 1.2K 73
                                    

حينما يتوجع صدرك بالأحزان وتضيق عليك الأماكن، فابحث عن القلوب الطيبة؛ هي الوحيدة التي بيدها أن تحتويك وتخفف عنك، فما أحوجنا إلى فرد منهم في وحدتنا .

❈-❈-❈

في منزل صديقه القديم وبعد ان فاض به من كل شئ، قادته أقدامه إلى هنا، فربما دفء المشاعر الصادقة يهون عليه ما يشعر به الآن.
-مفاجاة حلوة اوي دي يا طارق، نورتنا يا حبيبي.
هتفت إليه أنيسة بكلمات تفيض بالمودة الصادقة بالفعل، فبرؤية طارق او جاسر الذي يأتي نادرًا نظرًا لمشاغله الكثيرة، ينتعش قلبها هي بتذكر فقيدها، براحة تسكنها انه مازال يحيا بقلوبهم مثلها.

طارق والذي كان يجاهد للتصرف بطبيعية معها، حاول الرد بابتسامة مصطنعة:
-الله يحفظك يا خالتي، هو انا غريب يعني عشان ترحبي بيا؟ دا انا صاحب بيت زي ما بيقولو.
ردت إليه أنيسة بتأكيد:
-طبعًا يا حبيبي، دا بيتك ومطرحك، ربنا ما يحرمني من دخلتك عليا، انت ولا جاسر كمان، دا انا بشوفتكم بتتردلي روحي وبحس انه حبيب قلبي لسة عايش ما بينا كمان.
قالت الأخيرة بنبرة باكية، لحقها طارق بفطنته كالعادة:
-لا لا بقولك ايه يا انيسة، مش عايزين بكا الله يخليكي، المرحوم جوا قلوبنا دايما بالفرحة، لأنه كان بيحب الفرح، ولا انتي نسيتي؟
نفت برأسها ومسحت بأبهامها الدمعة التي تساقطت سريعًا لترد مبتسمة:
-لا طبعًا ولا عمري هنسى....
قطعت بنتهيدة من العمق لتكمل بتأثر:
- دا كان طول الوقت ضحك وتنطيط، ولا بيزعل ولا وشه يكشر على أي حاجة، كان ابن موت زي ما بيقولوا، الله يرحمه بقى
ردد خلفها بالترحم على صديقه، ثم قال ليغير مجرى الحديث، ويخرج المراة من كاَبتها:
-مقولتليش بقى، البت اللي عاملة فيها عيانة دي، خفت ولا لسة؟
-عاملة فيها عيانة!
صاحت بها لينا من مدخل الغرفة، وقد أتت بالصدفة الآن، لتكمل وهي تلج بخطواتها لباقي الغرفة امام ابتسامة والدتها التي توقعت الشجار الاَتي بين الاثنان:
-يعني اكون عاملة عملية وقاطعين حتة من جسمي، وانت برضوا بتتصرف بأنانية رئيس العمل اللي ميهموش غير الإنجاز في عمله، حتى لو على حساب الموظفين الغلابة اللي زيي.
سمع طارق لمحاضرتها ليرد باستخفاف واستنكار:
-قطعوا حتة من جسمك؟! دي زايدة يا اما، انتي هتعيش عليا، ما انتي زي القرد اهو قدامي ياختي .
شهفت امامه تخمس بكفيها:
-الله اكبر ، الله اكبر، انتي هتجيب أجلي بعينك المدورة دي فيه ايه يا عم؟
هتف يرد بوجه عابس:
-في إيه انتي؟ اتعدلي يا بت، بتخمسي وتكبري على أساس اني هحسدك يعني؟ على ايه يا ختي بلا حسرة، خليني ساكت احسن
صاحت لينا بوالدتها:
-شايفة يا ماما، عمايل الظالم المفتري ده؟
ضحكت انيسة لترد وهي تنهض من جوارهم:
-حتى لو شايفة، برضوا مش هرد عليه، انا هروح اعمل حاجة سخنة نشربها، وانتوا ناقروا واخبطوا في روس بعض مع نفسكم.
قالتها وتحركت للخارج على الفور، فهتفت لينا من خلفها:
-ست جبانة .
اطلقت انيسة ضحكة عالية ولم تلتفت لها، وتكفل طارق بالرد:
-لمي نفسك ومتغلطيش ع الست الطيبة، بدل ماجيب حقها بجزا محترم تاخديه في الشغل عندي .
شهقت مستنكرة:
-عايز تنقص من مرتبي عشان هزار خفيف مع أمي هنا في البيت؟
اجاب طارق بامتعاض:
- عشان عارفك مادية حقيرة، والقرش بس هو اللي بيجيب النتيجة دوغري معاكِ .
قضمت على شفتيها تغمغم بغيظ وهي تدعي الزوق:
- الله يسامحك، مش هرد عليك عشان انا مؤدبة.
-مؤدبة اوي .
قالها ساخرًا بابتسامة لم تصل لعينيه، استدركت لينا لحالته الغريبة في ادعاء المزاح، بوجه متغير، لتفاجأه بسؤالها:
هو انت زعلان عشان كاميليا هتتجوز؟
رد بخشونة:
- انتي ليه بتقولي كدة؟ حد قالك ان في ما بينا حاجة مثلًا؟
اجابته بكل سهولة:
-لا طبعا محدش قالي، بس انت أي حد يشوفك جمبها هيعرف قد ايه انت بتحبها، وهي كمان نظرتها ليك، بتفضح قوي اللي جواها.
سمع منها طارق ليغمض عينيه بتعب فكلماتها كانت تزيد من عذابه بتأكيد ما يشعر به ويعلمه جيدًا بداخله، فتمكن من الرد اَخيرًا:
-تحبني او تكرهني بقى، هي اختارت بعقلها اللي شايفاه يناسب، يعني خلاص.
- معقولة، يعني هي تكون بتحبك وتختار غيرك؟
قالتها لينا بعدم استيعاب، ليزيد هو بقوله:
-دي بعتتلي دعوة الفرح مع خطيبها.
ردت لينا بغضب:
- ياه لدرجادي هي قلبها قاسي، طب وانت هتعمل أيه؟
اجابها بتحدي:
هحضر طبعًا، مش هي عايزة كدة، انا بقى هوريها إن ميهمنيش.
قالها واحتدت عينيه بنظرة قاسية في الفراغ أمامه، وكأنه يرى صورتها الآن، صمتت قليلًا لينا تأثرًا لحالته، قبل ان تقول اَخيرًا:
-انا حاسة قوي بيك، لاني بحب وعارفة، والنعمة لو نيازي عملها لكون فاتحة كرشة هو وعروسته في فرحهم، ولا يهمني من حد.
خرج من شروده على كلماتها ليطالعها بنظرة غريبة قبل ان يرد عليها:
- دا مين دا اللي هتفتحي كرشه؟ انتي بتغيري على الواد ابو فروة ده؟
هتفت غاضبة بوجهه:
- متقولش عليه ابو فروة، نيازي جميل على فكرة، وانا عجبني كدة.
كز على أسنانه ليهتف بها:
-مين اللي عاجبك عشان شكله الجميل؟ انتي بتتكلمي على الواد العبيط ده؟ غوري يا بت من وشي متخلنيش اتعصب عليكي.
صاحت هي بدورها:
- انا قاعدة في بيتنا على فكرة يعني مينفعش تطردني؟
تناول إحدى الوسادات يرفعها امامها بتهديد:
- طب اخفي من قدامي في أي أوضة هنا، انا عفاريت الدنيا بتنطط في وشي دلوقتي يا لينا.
تخصرت بتحدي صائحة:
- طب مش متحركة من مكاني يا طارق ها.
لوح بكفيه في الهواء امامها يريد خنــ قها، فرأسها العنيد دائمًا ما يذكره بالآخرى، ولكنه انتبه على الضحكة العالية لأنيسة وهي تعود إليهم بصنية الحلويات والمشروب الساخن متمتمة:
-مفيش فايدة فيكم، عاملين زي ناقر ونقير، يعني حرام تبقوا عاقلين في الدقايق اللي اغيبها عنكم .
تناول طارق احد أطباق الحلويات سريعًا، يغمغم بضيق قبل يتناول منها:
-بت مستفزة، دايما تعصبني.
ردت من خلفه مستنكرة وهي تتطلع اليه وهو يتناول في قطع الكيك بشهية:
- لا وانت اسم عليك باين عليك زعلان اوي؟
رمقها بنظرة غاضبة فسبقته أنيسة في الرد بعفويتها:
-بس يا بت متبصيش لاخوكي، كل يا حبيبي وميهمكش منها.
خطف طارق نظرة سريعة نحو لينا المحتقنة منه، ليغمغم لأنيسة:
-تسلم ايدك يا سوسو، الكيكة حلوة اوي .
- بالهنا والشفا يا حبيبي.
قالتها انيسة لتزيد من غضب ابنتها التي دائمًا ما ينتابها غيظ طفولي من اتفاقهم الدائم عليها.

نعيمي وجحيمهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن