الفصل الخامس والثلاثون

51K 1.3K 62
                                    

بخطوات مثقلة كانت تتقدم نحو غرفته حاملة بيدها أقراص الدواء لعلاجه في ميعادها هذه الساعة رغم احتقانها وكل ما تحمله من غضب نحوه ونحو ابنها بعد شعورها بالغدر منهم؛ حينما أقصوها في شئ هام كهذا يخص سمعة العائلة وصورتها أمام الجميع، هي تعلم بإصرار ابنها إذا أراد شيئًا ووضعه نصب عينيه، لا يهدأ حتى يناله، لكن أن يصل حجم تطرفه إلى هذه الدرجة لم تتخيل، أو ان يساعده أباه ويبارك خطوته دون علمها، هذا فاق كل احتمالها، وهي التي كانت بجواره في رحلة علاجه التي قطعها ولم يكملها، اهكذا يكون تقدريهم لها، تنهدت بعمق ما تحمله من حزن بداخلها منه قبل أن تطرق باب غرفته وتلج بداخلها إليه، بعد أن سمعت إذنه بالدخول، دلفت بخطوات مترددة تخاطبه بجمود:
- صباح الخير، انا جيبتلك الدوا عشان دا ميعاده.
ابتسم بعشق وهو يقف بنصف الغرفة أمامها يتمم على أزرار قميصه المنشي، فزوجته العزيزة مهما بلغ غضبها وادعت عدم الإهتمام ، لا تغفل عن أدق تفاصيله، فقال يشاكسها:
- يعني فاكرة ميعاد الدوا ومش فاكرة الفطار؟ هاشربه ازاي على معدة فاضية بس يالميا؟
برقت امواجها الخضراء فقالت بقلق متناسية غضبها:
- هو انت فعلا مافطرش ياعامر؟ وبتلبس وخارج كمان ؟
استدار عنها ليتجه نحو المرأة يضع عطره ويقول بلهجة ماكرة لائمة:
- وانتِ تشغلي نفسك ليه بقى؟ وانتِ مش طايقاني ولا طايق حتى تشاركيني أوضة واحدة؟
زمت شفتيها تكتم غيظها وانفاسها تهدر من خلفه، فهي الأدرى بزوجها وطريقته في اجتذاب تعاطفها نحوه، همت لتتركه غير مبالية ولكنها انتبهت على ارتعاش كفيه في لف رابطة عنقه:
- استنى ياعامر .
قالتها واقتربت منه لتلفها بيدها، ابتسم لها بجانبية، وهي يتطلع لها عن قرب وهي متحاشية النظر إليه فسألته بوجهها العابس:
- هو انت تعبان النهاردة؟ مش بعادة يعني ايدك تترعش في ربط الكرافت؟
أجابها بابتسامة حانية:
- وليه ماتقوليش اني بمثل عشان اشوف لهفتك عليا؟
كبحت إبتسامة ملحة وقالت بجدية:
- لو حاسس نفسك تعبان، بلاها من حضور الإجتماع دا ياعامر، انت قلبك لسة تعبان .
- واسيب ابني لوحده؟
اضطربت واهتزت كفيها من عبارته البسيطة، فقالت وهي تنهي ما تفعله لتشيح بوجهها عنه تدعي القسوة:
- وهو ابنك صغير، ولا مكانش عارف بعواقب عملته؟
زفر عامر بسأم وهو يتناول سترة حلته ليرتديها وقال بحسم:
- ابني مش صغير يا لميا، بس انا مش هاسيبه يواجه التيار دا لوحده، حتى لو غلطان انا برضوا في ضهره.
تنهدت بحرارة وهي تتطلع أليه مستندة على حافة الكمود ثم قالت:
- خليك في ضهره ياعامر، وافضل كدة ساير فيه من غير ما توجهه ولا تنصحه، سيرتنا بقت على كل لسان، ابن عامر الريان، ساب بنت الوزير وراح اتجوز سكرتيرة ابوها تاجر مخد*رات،
رقمها بنظرة عاتبة قبل ان يدنو ليتناول سلسلة مفاتيحه من جوراها، ورد قبل أن يتحرك ويتركها:
-  هو حر في اختياره يالميا، بنت وزير ولا بنت غفير، أو مهما كانت صفة البنت، انا بقى أهم حاجة عندي اشوفه مبسوط، دي تكفيني.
قالها وانصرف من أمامها، تاركها للأفكار السوداء التي تغرق بها دون رحمة، حتى انتبهت لأقراص الدواء فتذكرت لتتناولهم وتهتف راكضة للحاق به:
- استنى ياعامر خد علاجك، استنى انت مافطرتش أساسها.
.......................................

نعيمي وجحيمهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن