الفصل الثامن والخمسون

40.4K 1.2K 46
                                    

لم تأتي بتخطيط ولا حتى عن توقع، أن يراها هكذا فجأة وهو يتسوق بداخل المجمع التجاري الشهير؛ إنه لمن أسعد الأشياء التي قد تمر به بيومه، أن يجمعك القدر بمن يحترق قلبك لرؤيته، في ترتيب عجيب وهي وحدها ملتهية عنه بالتحدث بالهاتف، حتى تعطيه الفرصة للتحديق بها عن قرب وحفظ تفاصيلها التي غابت عنه من زواجها بهذا الملعون الذي خطفها منه، إنها بالفعل ما يطلق عليه الصدف الجميلة، لا بل هي التي ينطبق عليها القول الشهير، رُب صدفة خير من ألف ميعاد.

حينما راَها بجوار محل الملابس النسائية لم يدري بأقدامه التي انساقت نحوها على غير إرادته، حتى وقف خلفها بالظبط، في انتظار انتهاء مكالمتها وصدره يصعد ويهبط بقوة ابتهاجًا برؤية من كانت حلم ليله ويقظته؛ وما تزال حتى الاَن، عاشر العديد من النساء في الحلال والحرام، ولم تتمكن واحدة منهم أن تنسيه لمستها أو القبلة التي خطفها منها وهي في بداية إزدهارها كوردة جميلة تتفتح حديثًا، لم ولن ينساها إلى الأبد.

-وحشتي عمك فهمي يا زهرة.
قالها متابعًا إلتهام تفاصيل وجهها وهذه التغيرات الذي زادت من جمالها لأضعاف مضاعفة، بعد أن التفت إليه لتُصعق لرؤيته وتتوسع عينبها برعب تملكها بالفعل،  لتهتف بشراسة غير لائقة بها وبوضعها الجديد:
-أبعد عن سكتي يا جدع انت وغور في داهية من وشي انت مش قد جوزي واللي هيعملوا فيك لو لمحك بس دلوقتي.

أطلق ضحكة خشنة مقيته ليردف بعدم تصديق لها:
-جوزك مين يا برنسيسة اللي يشوفني؟ هو الباشا برضوا هيسيب أشغاله ويجي يلف معاكي في المول يدور ع الهدوم اللي تناسب.... الوضع الجديد.
قال الأخيرة متنهدًا وعينيه تركزت على بروز حملها من الفستان الذي ترتديه مما جعل كفها ترتفع عليه بغريزة أمومية لحماية طفلها.
-بتخبي العيل بكفك ليه؟ ولا تكونيش فاكراني هحسدك مثلا؟
قالها ساخرًا ثم أكمل بملامح ارتسم عليها الغل والحقد:
-كان هيبقى عيلي انا ده دلوقت لولا غراب البين اللي خطفك مني على اَخر لحظة.

هتفت بازدراء للفكرة نفسها وهي غير قابلة بكلمة سوء على زوجها:
-غراب في عينك، دي مين دي اللي كانت هتشيل طفلك يا حيوان؟ دا انا كنت اموت نفسي احسن ولا اتجوزك.

أثارت شياطينه فتقدم نحوها بوجه مظلم وعينان تبرقان بالغضب ذكرتها بحادثتها القديمة معه، لينتفض قلبها من الرعب وهي ترتد بأقدامها للخلف، رغم مجاهدتها للتماسك، وهي تسمعه يزأر بفحيح:
-صوتك علي يا بت فهمي وبتدافعي كمان عن الكل... جوزك بعد كل اللي عملوا فيا، لما خرج ابوكي وحط أسمي مكانه، أوعي تكوني فاكراني هفوت حقي فيك ولا حقي في اللي عملوا جوزك فيا، دا انا مبقاش فهي صنارة لو معرفتوا مقامه، وانتي...

على وشك السقوط وقلبها يكاد أن يتوقف من الزعر الذي يسببه لها هذا القبيح، رغم علمها بموقعها في هذا التجمع التجاري الكبير والذي يضج بالحركة الدائمة للبشر وبالزحام المنتشر حولهم، وأنه حتى لو أراد أن يأذيها لن يقدر، لكن ومع ذلك لا تضمن بخوفها القديم منه وتهديده لها بحياة زوجها وطفلها....
على خاطرها الأخيرة تشبث كفيها على موضع جنينها وهي ترتد للخلف وهذا يتقدم نحوها بملامحه البشعة في نظرها، يتابع بغل:
- مش هفوت حقي فيكي ومسيرك ترجعيلي يا زهرة بعد ما ارد لكل واحد قلمه، جوزك وابوك الأهبل، انا مبنساش حقي يابت ولا بسيب حاجة نفسي فيها من غير ما اطولها.
- زهرة .
أتت كنجدة لها من خلفه لتلتف إليها وتلتف رأسه هو معها، فتراجع للخلف سريعًا حتى يتمكن من الهرب ولكن زهرة استدركت لتهتف على لمياء بصوت متهدج ومنقطع الأنفاس وهي تشير بيدها على الحارسين الوقفان في جهة أخرى وقد غفلوا عن مراقبتها في غمرة الزحام الكثيف:
-قوليهم يجروا بسرعة يمسكوا الحيوان ده ارجوك يا طن....
قطعت لتقع على الأرض مغشيَا عليها ولمياء تصرخ باسمها وبأسماء الحراس ليلحقوا بفهمي قبل ان يختفي في الزحام .

نعيمي وجحيمهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن