الفصل السابع عشر

60.9K 1.5K 96
                                    

كتمثال من الشمع تجمدت محلها لا تتحرك ولا حتى  ترمش بعيناها، لا تصدق أو تستوعب أن ماتراه إن كان حقًا أم أنه محض وهمٌ في خيالها وقد تشوشت الرؤية امامها، حتى عندما وصل إليها أباها ليقبلها من وجنتيها أمامه في عرض رخيص، اثار حنقها منه أضعاف ، قبل أن يسحبها من ذراعها لتجلس بجواره قريبًا من جاسر الذي كان يجلس مقابلهم بمسافة قريبة جدًا على الاَريكة البيضاء الضخمة بالغرفة الواسعة والتي تليق بجلوس جاسر مع كبار الزوار؛ وليس أباها الذي كان يهتف بسعادة:
- تعالي ياقلب ابوكِ تعالي، تعالي ياوش السعد انتِ، يكون في علمك ياجاسر بيه، زهرة دي جوهرة نادرة ومايعرفش قيمتها غير جواهرجي، واخد بالك ياباشا ؟
اومأ له بابتسامة عريضة جاسر:
- واخد بالي طبعًا يا عم محروس ، أمال انا اختارتها دونًا عن كل اللي اعرفهم ليه؟
خرج صوتها اَخيرًا بتساؤل لكليهم :
- هو في إيه بالظبط ؟ انا مش فاهمة حاجة.
- فيه الهنا وتحقيق الأماني ياحبيبة قلب أبوكِ، ياريت أمك الغالية كانت عايشة دلوقتِ، دي كانت هاتطير من الفرحة إهئ......
أردف محروس وقطع جملته يمسح بمنديله الدموع  التي لم تراها زهرة ، ليكمل لجاسر الذي ظهر على وجهه التأثر:
- والله ياجاسر يابني ....
غمغمت الكلمة مع نفسها بعدم تصديق، تحدجه بنظرة نارية وهو يستطرد أمام جاسر الريان:
- مش انا بعز مراتي اللي هي على زمتي دلوقت ، لكن وربنا ماحبيت ولا هانسى أبدًا حبي لوالدة زهرة ربنا يرحمها يارب اهئ.....
قال جاسر أمام نظرات الذهول التي اكتنفت زهرة من الأفعال الغريبة لهذا الرجل المدعو أباها:
- ربنا يرحمها يارب ويصبرك ياعم محروس ، بس خلينا دلوقتِ بقى في المهم
- إيه هو المهم؟
سألت زهرة بنفاذ صبر ، فجاء الرد من جاسر:
- المهم يازهرة هو اني خطبتك من والدك ووافق .
ردت زهرة بتهكم وهي تنقل عيناها بين الاثنان:
- وافق على إيه بقى ؟ على جوازي منك في ألسر؟
- سر إيه يابنتِ ؟ هو احنا بتوع سر برضوا ؟ ايه اللي انتِ بتقوليه دا يازهرة؟
قال محروس بتشنج لم تصدقه زهرة والتي مالت اليه برقبتها ترمقه بنظره ساخرة قبل أن تلتفت على قول جاسر:
- أنا فهمت والدك يازهرة ظروفي ، احنا هانتجوز بمعرفة والدك وخالك واهلك اللي بتثقي فيهم ، بس  هايتم في دايرة محدودة عشان الخبر مايوصلش  للإعلام ، ودا طبعًا هايكون شئ مؤقت على ما اخلص أنا من مشاكلي مع بنت خالتي، اللي هي مراتي حاليًا .
- وأهلك ؟
خرج سؤالها بحدة ، فجاء الرد من جاسر بثقة:
- هاقول لوالدي ، أما والدتي فدي هاتتأجل شوية عشان بنت اختها ، لكن طبعًا هاعرفها بعدين على ما تهدى الدنيا  والأمر يبقى واقع ، ها في حاجة تاني ؟
تدخل محروس بقوله:
- هايكون في إيه تاني بس ياباشا ؟ ماانت ظبطت الدنيا وكل حاجة تمام أهو .
بنظرة حانقة رمقت والدها قبل أن تلتفت الى جاسر تسأله:
- أيوة بس انت بتقول دايرة محدودة عشان مايوصلش الخبر للإعلام ، يبقى هاعرف ازاي انا بقى أهل حتتي وكل اللي اعرفهم ؟
أجاب بنظرة مسيطرة وهو يلوح امامها بسبابته :
- أنا قولت الناس الثقة من أهلك ، يعني مش اي حد وخلاص، وان كان على أهل حتتك؛ هما لازم يعني يشفوني ويعرفوا انا مين يعني ؟ ما كفاية عليهم يعرفوا انك اتجوزتي راجل مهم وخلاص .
- عندك حق ياباشا، دا انا ممكن حتى اقول إن اللي اتجوزها شيخ ولا أمير من الخليج، حد له عندنا حاجة؟
قال محروس وهو يدخل في الحديث مرة أخرى وأكمل على قوله جاسر بنظرة متحدية:
- انا كدة يبقى عملت كل انتِ طلبتيه يازهرة ، ولا عندك سبب تاني للرفض؟
أجفلها بسؤاله فانعقد لسانها عن الرد بكلمة مفيدة، فكيف ترد على شئ هي لم تفكر فيه من الأساس؟ فرفضها من البداية كان بناءًا على أمر يستحيل حدوثه مع عدم قبولها لدور الزوجة السرية ، أما الاَن فهو قرب المسافة بأسلوبٍ غريب جعله يرضى الطرفين، ولكن هي لم تحسب نفسها أبدًا طرفًا في قضيته !!
- هاا يازهرة ساكتة ليه ماتردي ؟
أجفلها جاسر بسؤاله الملح ، فجاء الرد من أباها :
- ودي عايزة مفهومية ياجاسر باشا ، دا حتى بيقولوا في الأمثال ان السكوت علامة الرضا ، ولا انت عايزني أفهمك ؟
أنشق ثغره بابتسامة فرحة ليقول بلهفة:
- خلاص يبقى نقرا الفاتحة ياعم محروس وخير البر عاجله .
- طبعًا ياباشا.
أردف بها سريعًا محروس قبل أن يرفع كفيه يقرأ بينهم سورة الفاتحة مع جاسر الذي انهاها سريعًا ليرمق زهرة بنظرة ظفر وانتصار لقرب حصوله عليها ، أما هي فكانت كالتائهة أو مخطوفة مما يحدث معها الاَن وهي لا تدري ان كان خطأ أو صواب.
...................................

نعيمي وجحيمهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن