الفصل التاسع والأربعون

45.7K 1.2K 59
                                    

دلفت تسبق والدتها في الدخول إلى المنزل، لترتمي سريعًا على اقرب مقعد وجدته أمامها ، ورمت حقيبتها على المقعد الاَخر، لتستند بوجنتها على قبضة يدها، زامة شفتيها بوجه واجم ومتجهم، انتبهت عليها إحسان وهي تتأنى بخطواتها الثقيلة بجسدها البدين لداخل المنزل :
- يا مشاءالله ع السنيورة، قالبة وشك ليه يا بت؟
زفرت غادة بقوة تحدجها وهي تتاَكل من الغيظ بداخلها، فالمرأة لم تكف على معايرتها من وقت أن غادرن حفل عقد قران كاميليا، التي ارتطبت بهذا المدعو كارم وعائلته الممتلئة بالرتب العالية من رجال الأمن بالإضافة إلى رجال الأعمال والأستاذة، بالإضافة لرؤية زهرة وهذا التغير طرأ عليها لتبدوا في ملابسها والهيئة الجديدة لها بجوار عامر الريان وزوجته الهانم وقد تصالحا وأصبحت زوجة ابنهم في العلن وتجلس بحوارهم الاَن وكأنها واحدة منهن،
- أفندم يا ست غادة بتبصيلي كدة واكنك هتاكليني في إيه يا بت؟
هتفت بها إحسان فور أن جلست على الكنبة ألمقابلة لها، لتخرج الأخرى عن صمتها وتصيح بوجهها:
- كل ده ولسة بتسألي ياما؟ دا انت بوقك مقفلش من ساعة ما خرجنا من القاعة، إيشي مرة ع الست كاميليا وايشى مرة ع البرنسيسة التانية بنت اخوكي اللي وصلوا والدنيا ضحكت لهم ، وانا بس اللي فضلت محلي مع خيبتي، ها يا ست ماما، لسة عندك كلام تاني تسممي بدني بيه؟
لوكت بفمها تمصمص بشفتيها لترد وهي تلوح يكفيها بعدم رضا:
- شوف يا خويا البت وعمايلها، هو انا جيبت حاجة من عندي يا بت؟ وليكونش بفتري ولا بقول حاجة مش شايفاها انتي بنفسك؟ جوز المصايب مسكوا أيد بعض وطلعوا لوحدهم لفوق، وسابوكي انتي لوحدك ، واخدة بالك يا غندورة
أغمضت عينيها بعدم احتمال فكلمات والدتها تلسع كالسياط لتصيبها في كرامتها المهدورة بيد هذا الملعون الذي أشعرها بالرخص، وحظها الذي تشعر بانتقاصه
دائمًا وقد تأخرت بالفعل عن اللحاق بركب الملعونتين زهرة وكامليا ، التي تصالحت معها بعد اَخر شجار بينهم ثم دعتها بمودة لحضور هذا الحفل، بقصد علمته هي جيدًا الاَن بعد أن رأت بنفسها هذه الفخامة المبالغ فيها لحفل عقد قران والخطوبة، وهذا الكارم لم تتصور ولو في أقصى خيالها أن يكون بهذه الهيئة الراقية ليجعل كاميليا كالأميرات في الحفل، لتزداد الحسرة بقلبها وتأتي والدتها لتذكرها الاَن بخيبتها ضاعطة بعنف على جرحها الغائر، خرج صوتها بعتاب نحو والدتها:
- ما شي يا ست الكل، انا اللي فضلت لوحدي واضحك عليا من الاتنين، استريحتي كدة بقى؟
شهقت إحسان فاغرة فاهاها لتردف برفع شفتها :
- وارتاح ليه بقى يا اختي؟ كنت شوفتيني عدوتك ولا عدوتك يا بت؟ دا انا امك اللي باكية على مصلحتك، ونفسي بقى تقبي زي الناس دي، ولا هي جات عندك انتي ووقفت يعني
همت غادة لترد فسبق أبيها ليتدخل بقوله الساخر، بعد أن استمع لحديثهن:
- يا فرحتي بيكم وانتوا بتتخانقوا كدة، طول الوقت تخطيط وتظبيط ومصاريف ع الفاضي وفي الاَخر ، تمسكوا في بعض.
زجرته إحسان بنظرة محذرة لتصرفه بغضب:
- بقولك إيه يا شعبان، انا العفاريت بتنطط في وشي والنعمة الشريفة لو ما اتزحزحت دلوقت من قدامي لكون سايبة البت وماسكة في خناقك انت.
انتفض الرجل ليرتد بأقدامه للعودة نحو باب المنزل الخارجي ليتفادي الشجار فصحته لا تقوى على مجابهة غضب زوجته المدمر، وتمتم ذاهبًا:
- وانا ومالي ومالكم يا عم، هو انتي لما تغلبي في الحمار تقومي تتشطري ع البردعة، دا إيه النيلة دي .
ختم بصفقه الباب بقوة ، تارك المجال لزوجته التي التفت لابنتها على الفور سائلة بقلق:
- بت يا غادة، هو البيه اخو صاحبتك لساتوا برضوا مافتحكيش ولا قالك حاجة عن جوازك بيه؟
أجفلتها بالسؤال الذي كانت تخشاه، فااخر ما ينقصها الاَن هو اخبار والدتها بنية هذا المدعو ماهر وما عرضه عليها من عرض دنئ لا يصلح سوى لامرأة تبيع نفسها وهي ليست كذلك.
انتفضت بدفاعيه تهتف بوجه المذكورة:
- تاني بتسأليني وتحققي معايا ياما ، مش ناوية بقى تسيبني وتفرجي عني في الليلة المهببة دي، دا إيه الغلب دا بس يا ربي، انا سايبهالك وقايمة عشان تستريحي، يا ساتر يا رب.
قالتها وخطت سريعًا نحو غرفتها لتهرب من نقاش والدتها المرهق، حتى إذا أغلقت باب الغرفة عاليًا، تركت العنان لهذه الدمعات الحبيسة وتبكي بحرقة الله، حتى رفعت رأسها على صوت الهاتف الذي دوى بجانبها فتبينت هويته، صرخت تلعن الساعة التي رأته بها وهي تدفع الهاتف بعيدًا عنها بعنف.

نعيمي وجحيمهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن