الفصل الثلاثون

55.1K 1.3K 59
                                    

- مني أنا ؟ حاجة إيه دي اللي عايزة تعرفيها مني؟
سالتها غادة باستفسار وتعجب، أجابتها الأخرى مباشرةً وكأنها ترمي ببالونة إختبار في البداية:
- إيه علاقة جاسر الريان ببنت خالك؟
أُجفلت غادة من السؤال المباغت حتى أنها تلجلجت في اضطراب فاضح أمام نظرات الأخرى المتربصة لتزيد بداخلها الشكوك .
- ااا انا مش فاهمة بصراحة السؤال، لو انتِ بتسألي على زهرة، فدي تبقى سكرتيرته، غير كدة هايكون فيه تاني مثلًا غير.... اللعمل؟
بابتسامة جانبية واثقة خاطبتها مرفت:
- لأ في أكتر من العمل ياغادة وانا متأكدة من كدة، عشان عارفة كويس جاسر الريان وعارفة عجرفته وجليطته مع كل الناس وخصوصًا الستات، ودي شخصيته المعروفة دايمًا على فكرة؛ واللي اتقلبت دلوقتي لمية وتمانين درجة من يوم ما اشتغلت عنده بنت خالك، دا بيعاملها بخصوصية مكانش بيعملها مع مراته .
ارتبكت غادة وارتسم التوتر على وجهها بنظرات عيناها الزائغة، وتململها في الجلسة بشكل يوحي برغبتها للهرب، تابعت مرفت بضغطها :
- هو انتِ ليه ما بتروديش على سؤالي ياغادة؟ لدرجادي مش واثقة فيا؟ طب اشمعنى انا عبرتلك عن اللي جوايا ناحيتك من أول مرة شوفتك فيها ورغبتي ف......
قطعت جملتها بقصد لتثير بداخل الأخرى الفضول فسألتها بلهفة:
- رغبتك في إيه؟ قولي .
رمقتها بنظرة غامضة وهي تتنهد بقنوط قبل أن تشيح بوجهها دون أن ترد لتحرق أعصابها ، فتابعت غادة بإلحاح:
- ما تقولي بقى يامرفت وماتسبنيش كدة على ناري .
عادت إليها برأسها بنبرة محبطة:
- خلاص بقى ياغادة، مافيش داعي للكلام وانتٍ أساسًا مش واثقة فيا.
هتفت غادة بارتياع
- مين بس اللي مش واثقة فيكِ؟ والله واثقة وربنا العالم باللي ف قلبي ناحيتك، بس انا مقدرش اتكلم لا اترفد من الشغل وتتق*طع لقمة عيشي.
التقطت مرفت جملتها الاَخيرة وكأنها وجدت طرف الخيط لتردف بالسؤال :
- اااَه، يعني في كلام اهو وانتِ عارفاه وبتخبي، طب انا مستعدة اديكِ وعد شرف إن ماحدش هايقربلك ولا يقرب من وظيفتك، عندك حجة تاني بقى؟
- برضوا مقدرش اقولك الا لو حلفتيلي انك مش هاتجيبي سيرة لحد عن الموضوع دا خالص، انا مش قد جاسر الريان ولا قد غضبه.
- أحلفلك؟!
هتفت بها بغضب قبل أن تكمل:
- انتِ ازاي تطلبي مني حاجة زي دي؟ بقى اناا مرفت، تطلبي مني احلفلك عشان تصدقيني؟ قومي ياغادة ، قومي انا مش عايزة منك حاجة.
سقط قلب غادة في صدرها من لهجة مرفت الصارمة وهيئتها الغاضبة، فقالت برجاء:
- والنبي ماتزعلي مني ولا تاخدي على خاطرك، انا والله عايزة اقولك بصفتك صاحبتي، بس عايزاكِ كمان تقدري وضعي، لو حصل وانكشف الموضوع وطلعت انا السبب قدام الكل، ساعتها محدش هايرحمني
صمتت مرفت وضيقت عيناها بتفكير ثم مالبثت ان ترد على الاخري بلهجة واثقة:
- تمام ياغادة وليك الأمان، بس انتِ اتكلمي
....................................

لا يدري مالذي حدث له ليخونه لسانه ويعبر عما بقلبه ناحيتها بقوله في هذه الجملة البسيطة، يعلم أنه لو أعطى لنفسه العنان لأمطرها بكلمات الغزل، خصوصًا وهو يرى الاَن ارتباكها اللذيذ وهذة الحمرة التي زحفت على وجنتيها وكأنها طفلة في طور المراهقة، أما هي وبرغم ماتشعر بهِ الاَن بتصدع اسوارها مع دفع هذا الرجل بقوة لأقتحام قلعتها والتي كانت حصينة دائمًا طوال السنوات الماضية قبل لقاءها به، فحاولت تمالك نفسها والتهرب كالعادة من نظراته المتفحصة لها بجرأة، فقالت تدعي المزاح:
- ياسيدي.. بكرة تتعود، هي الاماكن دي بالذات حد بيثبت فيها؟
أومأ بشبه ابتسامة خاوية ليجاريها:
- على رأيك، الاماكن بتتغير ومافيش حاجة دايمة، المهم انتِ عاملة ايه النهاردة؟ حاسة بتحسن بقى ولا لسة فيه ألم؟
تنهدت براحة قبل أن تجيبه :
- الحمد لله طبعًا، النهاردة احسن بكتير، على الأقل قادرة اتعكز عليها، انما امبارح بقى.... مش عايزة افتكر، بس بصراحة، انا بجد عايزة اشكرك ياطارق على وقفتك معايا امبارح طول اليوم، مش عارفة من غيرك كنت هاعمل ايه ساعتها؟
تبسم داخله وهو يتذكر حمله لها بالأمس وشعوره بها بين يديه ورغم جزعه وخوفه وقتها فإنه عندما يتذكر الاَن، تتملكه المشاعر نحوها بقوة، رد بنبرة جعلها عادية:
- هارد عليكِ بنفس الرد بتاع امبارح على السيد الوالد، انا معملتش غير الواجب ياكاميليا.
اومأت برأسها بتفهم ، قبل أن تنتبه لدلوف شقيقها الصغير بصياحه كالعادة:
- ياعالم يابشر، جعان ونفسي في لقمة اتقاوت بيها، حد فيكم يايحن على العبد الغلبان ولا ادعي عليه من قلبي.
انشقت على ثغرها ابتسامة سعيدة وهي ملتفة برأسها في انتظاره حتى وصل إليهم ، ظهر على وجهه الحرج فور أن انتبهت عيناه للضيف الغريب، فقال التحية على استيحاء:
- مساء الخير، هو احنا عندنا ضيوف ياست كوكو لا إيه ؟
ابتسم له طارق بمودة قائلًا بمزاح:
- ولا يهمك ياباشا، اعتبرني مش موجود وخد راحتك، انت كنت بتقول ايه بقى؟
ازداد حرج الصغير وهي يطرق رأسه بابتسامة اظهرت غمازتيه، فقالت له شقيقته مرحبة بسعادة تفتح له ذراعيها :
- ياحبيب كوكو انت، قال يعني  وش كسوف ، تعالى يابني هو انت لسة هاتفضل واقف في مكانك.
تقبل الدعوة بلهفة، ليركض على الفور نحوها يرتمي بأحضانها ويقبلها في وجنتيها بحب، وهي تضحك له بسعادة، جعلت الغيرة تدب في قلب الاَخر ليتمتم بداخله:
- ياريتني مكانك ياسي ميدو
خرج الصغير فجأة من أحضانها يقول بحماس :
- النهاردة عندي واجب كتير اوي، ومدرس الحساب طالب مننا حل مسائل كتير.
تجعد وجه كاميليا قائلة ببؤس:
- حساب تاني، هو المدرس بتاعكوا دا غاوي يذلني، احل معاك ولا افهمك ازاي بس وانا خيبة فيه.
زام ميدو بشفتيه عابسًا قبل أن ينتبه على نداء طارق :
- سيبك منها ياعم ميدو وتعالى افهمك انا ، حكم صاحبك بقى لهلوبة في الحساب .
هلل ميدو ليخرج كراسته من الحقيبة ويجلس بجوار طارق الذي تكفل بكل صبر ليساعده في حل المسائل بتفهم دون كلل أو ملل، وهي تتابع معهم بابتسامة جميلة مثلها
....................

نعيمي وجحيمهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن