الفصل الثامن والخمسون

Start from the beginning
                                    

❈-❈-❈
دلفت لدخل غرفة مكاتبها وهو خلفها وفور ان انغلق باب الغرفة عليهما أجفلها فجأة بجذبها من ذراعها لتصطدم بصدره العريض ، ويحاصرها بذراعه، شهقت هاتفه بغضب:
- إيه اللي انت بتعمله دا يا كارم؟ إبعد أيدك عني وعيب كدة.
تبسم يرد بنبرة هادئة:
-عيب ايه؟ انتي مش واخدة بالك إني راجع من السفر ومن حقي عليكي استقبال كويس يليق بيا كزوج مستقبلي.
دفعته بكفيها حتى تستطيع الأبتعاد عنه لتردف بلهجة لا تقبل النقاش:
- بلاش الأسلوب دا معايا يا كارم، إنت عارف اني محبش الكلام ده، وكذا مرة انبهك.
عاد مرددًا بصيغة أخرى:
- خلي بالك انا راجع من السفر بشوقي ليك، انتي بقى مشتاقتليش؟
تود قول الأخيرة، ولكن مع وضعها بهذه اللحظة فلا يصح، لذلك أجابته بمرواغة:
-حتى لو كان شوقي ليك أضعاف، انا برضوا محبش اخالف مبدئي، أرجوك بقى تحترم رغبتي، ثم متنساش كمان اننا في المكتب، يعني مينفعش.
- ولو كان برا المكتب كنتي هترضي؟
سألها في رد على كلماتها، فردت تُجيبه بالنفي:
- لا يا كارم عشان المبدا زي ما قولت.
صمت قليلًا يتطلع إليها بانفاس هادرة كانت تشعر بها، وغلاف وجهه الغامض يخفي عنها أي شرح لتفاصيل ما يفكر به، ثم ما لبث أن يتركها بدون أنذار ليتحرك ويجلس على كرسيه أمام المكتب وكأن شيئا ما لم يكون ليردف بكل هدوء بعد تنهيدة طويلة أظهرت تحكم هائل في كبح انفعال جسده بعد فشل تمكنه بالقرب منها:
- ها بقى، إيه أخبارك؟
رغم الارتياح الذي شعرت به فور تركها لها، إلا أن مشاهدت انقلابه فجأة هكذا جعلت حالة من الدهشة تكتنفها بشدة، ولكنها تداركت لتُعدل من هندامها وتجلس على المكتب بعملية أمامه، وهي تجيبه:
- الحمد لله بخير، المهم بقى انت عملت ايه في سفريتك؟
على نفس الوتيرة الهادئة المريبة كان يجيبها:
- هايلة يا كاميليا، كل حاجة كانت بيرفكت، ماكنش ناقصني غير وجودك بس معايا عشان احس بطعم النجاح.
تبسمت له بمجاملة لتجده تقرب برأسه يستطرد:
- انا اخترت الأماكن اللي هنقضي فيها شهر العسل، حاجة كدة ولا في الخيال.
ارتدت برأسها للخلف وهي تطالعه بنظرة مجفلة لتردف سائلة بدهشة:
- شهر عسل إيه؟ هو احنا لسة كملنا شهرين خطوبة؟
اعتدل عائدًا بجسده للخلف ليقول بابتسامة لم تفهمها:
- وافرضي حتى الخطوبة مكملتش اسبوع ، مدام كل حاجة جاهزة، يبقى ننتظر ليه؟
كان هذا دورها لتعتدل وتجيبه بقوة:
- عشان الفيلا اللي مخلصتش تشطيب يا استاذ كارم، ولا انت نسيت؟
ازداد اتساع ابتسامته لتزداد بداخلها استغرابًا منه، ويباغتها هو بقوله:
- لا طبعًا منستش، بس انا فكرت كويس واكتشفت ان مدة الخطوبة هتستمر على الاقل شهور تانية على ما تجهز الفيلا، فعشان كدة غيرت رأيي وبقول بقى نتجوز في بيت العيلة على ما تجهز الفيلا براحتها.
همت لتعترض ولكنه تابع:
- اصل بصراحة حسيت بالذنب، امي ست كبيرة وقاعدة لوحدها والبيت طويل عريض عليها زي ما انتي شوفتي بنفسك كدة في زيارتك ليها، دي انبسطت قوي على فكرة ، بجد انا مش عارف اشكرك ازاي على الحركة دي يا كاميليا، دي ماما دلوقتي بتقول فيكي شعر.
طالعته بصدمة تبتلع ريقها الجاف بصعوبة، فبرغم لهجته العادية وترحيبه بزيارة والدته إلا أن شئ ما لا تعرف وجهته لا يجعلها تشعر بالراحة، تماسكت تجلي حلقها ثم قالت باعتراض:
- من غير شكر، والدتك زي والدتي وانا عملت الواجب، بس بقى حكاية اننا نتجوز معاها في الفيلا دي انا مفكرتش فيها نهائي، وكمان من حقي ان يبقالي بيت لوحدي، دا غير كمان انك فاجأتني بتغير ميعاد الفرح، وانا برفض الاسلوب د.....
- براحة شوية يا كاميليا .
قالها بمقاطعة ليُكمل:
- مش عايزك تقولي اي رأي دلوقتي، خدي فرصتك في التفكير الأول، المهم بقى .
-ايه هو المهم بقى؟
سألته عاقدة حاجبيها باستفهام، فرد يجيبها وهو ينهض عن مقعده:
- المهم انك هتيجي معايا بكرة عشان الست الوالدة بعد زيارتك ليها، مُصرة انها تقوم بواجبها معاكي وعزماكي ع الغدا احتفالًا كمان برجوعي من السفر.
نهضت تقابله قائلة باعتراض:
- اروح معاك فين يا كارم؟ وهي لازم العزومة تبقى في بيتكم يعني؟
تبسم يجيبها قبل وهو يرتدي نظارته الشمسية استعدادًا للإنصراف:
- وماله يا حبيتي البيت؟ دا هيبقى في بيتك في الأول والآخر، ولا انتي معجبكيش استقبال الست الوالدة بقى في زيارتك ليها؟
تلجمت تنظر إليه بازبهلال وقد ألجمها بحجته، لترى اتساع ابتسامته مرة أخرى ليرسل لها قبله في الهواء قبل أن يغادر ويتركها في حالة من التشتت وحيرة قاسية من الأفكار المتواترة، لاتعرف لها حلًا على الإطلاق.

نعيمي وجحيمهاWhere stories live. Discover now