الفصل الثامن والأربعون

45.5K 1.2K 67
                                    

في الملهى الذي أخذت ترتاده بصحبته منذ عدة ايام حتى أصبحت معروفة بمرافقته من اصدقاءه والعاملين به، كانت تتمايل بجلستها مع رتم الأغنية التي تصدح بصخب في قلب المكان فيتراقص عليها الفتيان والفتيات بساحة الرقص، تدعي اللامبالاة مع نظرات عينيه التي تطوف عليها من راسها إلى اقدامها في الأسفل برغبة تنضح مع هذه النظرات الماكرة، لقد علمت بتأثيرها عليه، وعليها أن تركز جيدًا فيما تفعله باستمرار دلالها وتمنُعها الذي يزيده تعلقًا بها، لقد كانت الأيام السابقة بمثابة اختبار له، حينما رفضت عروض السفر معه او مرافقته لأي مكان آخر وحدهم ، حتى هذا المكان لا تأتيه الا لمعرفتها بازدحامه ورفاهية مرتاديه من الطبقة المخملية التي تتمنى أن تصير بينهم قريبًا.
- وبعدين بقى هتفضلي على وضعك كدة كتير؟
سألها فالتفتت إليه تدعي الإجفال لقوله:
- وضع إيه بالظبط؟ مش فاهمة .
زفر يرد بشئ اَخر غير الذي يقصده بالفعل:
- قصدي يعني انك مش منتبهالي على الإطلاق، وبترقصي وكأني مش موجود معاكِ ع الطرابيزة أصلًا؟
شهقت بدون صوت لتقول بنعومة متكلفة اعتادها منها :
- انا يا ماهر مش منتبهالك؟ لأ طبعًا أنا بس اتشديت لكلام الأغنية أصلها حلوة اوي حتى خد بالك كدة معايا
أوقفت لتردد كلمات الأغنية بنعومة امتزجت بغنج يقارب الأغواء لتستمتع بتأثيرها عليه:
خطوة امشيلي لو خطوة .....ده انت عالقلب ليك سطوة
نظرة مبطلبش غير نظرة ........وانت فاهم و ليك نظرة
شوف حالي .............شوف ايه بيجرالي
حبيت و بصمت بالعشرة.
- ما تبس بقى.
هتف بها يوقفها بوجه احتقن بالغضب من تدللها الذي طال معه، وهي تلاعبه بأغواء يعلمه جيدًا، فهو الخبير بأمور النساء، ومن هي حتى تظن انها تسطيع إيقاعه؟ فقال مردفًا:
- بقولك إيه يا غادة، ما تجيبي م الاخر وقولي انتِ عايزة إيه ؟ وتاخدي كام؟
تبدلت ملامحها وقطبت تسأله مستفسرة بقلق :
- تقصد ايه بكلامك ده؟
زفر يقول بكلمات محددة:
- قصدي كدة بكل وضوح، عايزة ورقي عرفي وتطلبي فيها مبلغ حلو ، انا معاكِ نتفق على مدة محددة ويفضلوا معايا عشان لما يجي الوقت اللي ننفصل فيه اقطعهم بإيدي .
على الرغم من صدمتها من كلماته التي أتتها مباغتة وغادرة لكل ما كانت تحلم وتبنيه في خيالها،  ولكنها تداركت سريعًا لتهدر بملامح لبوة متوحشة:
- نعم يا عمر؟ هو انتِ فاكراني واحدة من اياهم عشان تطلب مني حاجة زي دي وبالبجاحة دي كمان؟
هتف من تحت أسنانه يزجرها :
- وطي صوتك وبطلي كلامك البيئة ده، الناس بدأت تاخد بالها حوالينا .
أكملت على نفس الوتيرة غير اَبهة بقوله:
- كنت قول لنفسك الأول قبل ما تعرض عليا الكلام دا يا حبيبي، أنا غادة مش واحدة من الأوباش اللي انت تعرفهم.
قابل انفعالها بعند وقد استفزه صوتها العالي مع لفت انظار البشر نحوه من أُناس يعلمهم وآخرين لا يعلمهم، فقال بتعالي ماطًا بشفتيه:
- وانا معنديش غير كدة، عاجبك العرض اشطة، مش عاجبك يبقى تمام قوي .
اربكها بجملته الاَخيرة فقالت بعدم تركيز:
- قصدك إيه بكلامك ده ؟
اعتدل بجلسته واضعًا قدمًا فوق الأخرى يقول بعنجهية:
- قصدي ان دي فرصة ليكِ، عجبتك يبقى تقفشي فيها بسرعة عشان اخلص، معجبتكيش يبقى تقولي على طول، واللحق بقى اشوف غيرك انا معنديش وقت اضيعه في الكلام والرغي الكتير  .
كلماته السامة كانت تتلقها كصفعات قوية متتالية، تجعلها على وشك الترنح أو السقوط، مع شعور بالرخص أو الدونية منه جعلها تتمنى لو تكسر على رأسه كل زجاج في المحل كي تنتقم لكرامتها منه،  ولكن تعلم انها في كل الأحوال ستكون هي الخاسرة،
تناولت حقيبتها تحدجه بنظرة قاتلة قبل أن تغادر دون أن يوقفها بكلمة واحدة.
خرجت سريعًا تطلق العنان لدمعاتها التي ظلت حبيسة في وجوده، يغمرها إحساس بالدونية لم تواجهه بحياتها، لقد رفعها في سماء أحلامها حتى كادت تعانق النجوم كي تقطف وتنول ما تتمناه، ثم وبكل وحشية، جذبها لتسقط في بئر سحيق داخل باطن الأرض تتجرع ألم المهانة منه وعدم الإكتراث لها ولمشاعرها.
حتى أنه تركها غير عابئ بحمايتها وما قد يحدث لفتاة مثلها في هذا الوقت المتأخر من الليل، لتخرج الاَن وحيدة يقتلها إحساس الخوف من العودة ليلًا لمنزلهم ، وما قد تلاقيه في طريقها من مخاطر .
- يا اَنسة غادة، ثواني حضرتك.
التفت رأسها نحو مصدر الصوت لتجد الحارس الشخصي لهذا الكريه المدعو رعد، توقف بخطواته فور أن وصل إليها ،  تخصرت رغم انهيارها لتساله بشراسة :
- نعم ! عايز ايه انت كمان؟

نعيمي وجحيمهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن