الفصل الثالث والأربعون

Start from the beginning
                                    

❈-❈-❈

بعد قليل كان طارق أول الوافدين للمشفى بعد ان علم من صديقه بالذي أصاب عامر الريان، بحث حتى وجدهم أمام غرفته في انتظار الدخول بعد خروج فريق الأطباء من عنده، وصل إليهم يخاطبهم بلهفة:
- السلام عليكم يا جماعة إيه اللي حصل؟
أجابه جاسر بعد ترديد لمياء وزهرة التحية:
- الحمد لله يا طارق عدت على خير، كانت أزمة شديدة بس ربنا لطف بينا .
تمتم بكلمات الحمد ثم تابع بالسؤال:
- كويس قوي يعني اقدر ادخل معاكم؟
اومأ له جاسر بعيناه وبعد قليل دلفا اربعتهم بخطوات مترددة بحرص نحو عامر المعلقة بيده الأنابيب الطبية، وشحوب وجهه مع المرض أذهب عن بشرته لونها الطبيعي.
تقدم جاسر أولهم ليتناول كف يده يقبلها بشوق قاتل يخاطبه بحرقة:
- الف سلامة عليك يا والدي، انا كنت هاموت من قلقي عليك.
أومأ له عامر بابتسامة من تحت قناع ألاكسجين الذي يتنفس به
تقدمت لميا هي الأخرى تخاطبه باكية بعتب وهي لا تصدق فرحتها بسلامته:
- سلامتك يا عامر، بس انا برضوا زعلانة منك، عشان خبيت عليا تعبك، لكن وديني يا عامر لو عملتها تاني لتشوف اللي يحصلك
- قلبك أبيض يا ست الكل، دا احنا مصدقنا اطمنا ع الراجل.
قالها طارق ضاحكًا من خلفها قبل أن يقترب هو الاَخر ليسأله عامر بتفكه:
- إيه يا عم الشباب ما تقوم كدة وشوف الناس النكدية دي، عليا النعمة انا من فرحتي هاين عليا أزغرط.
قالها طارق وارتسمت ابتسامة واسعة بمرح على وجه عامر كما استجاب له جاسر ولمياء وزهرة التي وقفت بزواية قريبة منهم مع خجلها للتقدم، انتبه لها عامر ليشير إليها بيده مع نظرة مشجعة منه، فاقتربت تتناول كفه هي الأخرى تقبلها قائلة بصدق حبها لهذا الرجل الذي لم تقابله سوى عدة مرات معدودة ولكن يغمرها إحساس الابوة منه:
- الف سلامة عليكِ يا عمي، ربنا ما يحرمنا منك أبدًا يارب
تبسم لها بمودة ليربت بكفه على وجنتها بحنانه، مما أثار الغيرة بقلب لمياء التي لم تجد هذا الترحيب ولا هذه الإبتسامة منه

❈-❈-❈

كانت تعدو بخطوات مسرعة نحو مقر عملها بعد أن أوصلتها وسيلة المواصلات العامة بالقرب من المبني، وجدته فجأة يظهر لها من العدم ويتصدر بجسده الضخم أمامها يقطع عنها السير بوجه متجهم يبدوا خاليًا تماما من هزله الدائم كلما قابلها، حدجته بنظرة كارهة تزفر بفمها متأففة تقول بتهكم:
- يا صباح يا عاليم يا رزاق يا كريم، هو انا اصطبحت بوش مين بس النهاردة ع الصبح؟
رد ساخرًا :
- إكيد بوشك طبًغا، لهو انتِ بتسيبي المراية أساسًا؟.
كزت على اسنانها غيظًا من وقاحته وتبجحه معها في الحديث ، ودت لو تمطره بالسباب ولكن فضلت تجاهله لمغرفتها التامة بعدم مقدرتها على مجاراة لسانه الحاد، تحركت خطوتين فخطا هو أيضًا يتصدر لها مرة أخرى، فهتف بوجهه غاضبة :
- إبعد عن وشي يا جدع انتِ بدل ما اصرخ والم عليك الشارع كله
تجاهل تهديدها وقال سائلًا من تحت أسنانه:
- بتخرجي مع الواد الأصفر وتروحي اماكن زي دي ليه يا بت؟ مالكيش اهل يربوكي؟
وكأنها ضُربت بمقلاة غليظة على وجهها جحظت عيناها وانفغر فاهاها بصدمة لتجادله صائحة بانفعال:
- وانت مالك انت الله يخرب بيتك؟ أهلي ربوني ولا سابوني من غير تربية، اروح ولا مروحش، كنت خطيبي ولا جوزي عشان تراقبني وتيجي تحاسبني كمان؟ مين اداك الحق ده؟
رد غير عابئ بانفجارها:
- ما حدش اداني يا عين امك، بس انتِ خليكِ مكاني، لما تشوفي بهيمة قدامك مغمية عنيها وبتجري حدف على طريق الترعة وانتِ شايفاها هاتغرق قدامك، تصعب عليكِ بقى وتحاولي توقفيها ولا تسبيها تغرق وتروح في داهية بقى مع نفسها؟
جحوظ عيناها ازداد حتى كاد أن تخرج مقلتيها من محجريهم، فكها الذي تدلى بشدة من هول كلماته، حتى أصبح وجهها يشبه الرسوم الكرتونية، فخرج صوتها اخيرًا تردد بعدم استيعاب مشيرة بسبابتها نحوها:
- أنا بهيمة؟ إنت بتقول عليا أنا بهيمة؟
أكد لها بقوله:
- أيوا بهيمة، طول ما انتِ مقفلة عقلك ده وسيباه بعفاره وترابه كدة من غير ما تنضفيه وتفهمي بقى من نفسك، تبقى بهيمة.
تهدجت أنفاسها وهي تضغط على أسنانها بقوة لتكبح جام غضبها من هذا المستفز الذي يمطرها بالإنتقاد والتشبهات الاَزعة دون وجه حق، وحينما غُلبت على أمرها وجدت نفسها تتكتف بذراعيها تبتغي إهانته، فقالت تدعي الامبالاة:
- أنا حرة واعمل اللي انا عايزة اعمله، إنت مالك انت، ياللي اَخرك حتة بودي جارد لا روحت ولا جيت.
اطلق ضحكة ساخرة غير مكترث لردها وقال:
- أنا حتة بودي جارد وانتِ اَخرك إيه ياست البرنسيسة؟ ولا تكونيش اتعشمتي بالواد الأصفر، لا بقى يا حبيبتي فوقي نفسك، دا كلها يوم ولا اتنين وتلاقيه مع واحدة غيرك، يعني هو بس مستني ياخد غرضه منك .
- انت قليل أدب.
هتفت بها بغير سيطرة على انفعالها:
- لا يا اختي مش انا اللي قليل أدب، دا انتِ اللي هبلة وسادة ودانك عن النصيحة وعيونك الواسعة دي بتبص كدة ع الفاضي من غير ما تشوف كويس، صدق اللي قال، عيون بقر من غير نظر.
صارت دمائها تغلي منه بقهر وفاض بها حتى أنها زامت بفمها أمامه ترفع قبضتيها في الهواء تود افراغ شحنتها الغاضبة بضربه، وصاحت بعنف:
- عليا النعمة يا إمام لو ما لميت نفسك لكون مسلطة عليك اللي يربيك ويعلمك الأدب.
- هههه
صدرت منه بسخرية ليكمل :
- مش انا ياما اللي عايز الرباية، دا انت ناقصك اللي كفين عشان تتعلمي الأدب وتمشي ع الخط ماتعوجيش.
قالها بغضب وأعين حمراء أجفلتها منتفضة، فاستغلت هفوته وركضت هاربة من أمامه بجزع، تابعها ينظر في أثرها مرددًا بغيظ رافعًا قبضته في الهواء:
- اه يانا بس لو اتلم عليها، إيدي بتاكلني يا ناس!

نعيمي وجحيمهاWhere stories live. Discover now