الفصل الرابع والثلاثون

Bắt đầu từ đầu
                                    

من الشرفة المتهالكة بالمنزل القديم، كان الفتيات الثلاثة يتطلعن للأسفل بانبهار وهن يتابعن شقيقتهن التي تترجل من السيارة برفقة رجلين من الحراس الشخصين، بشكل مهيب لفت أنظار المارة وسكان الحي هناك، شهقت صفية مخاطبة رقية الجالسة محلها وشط الصالة بمرح:
- يالهوي ياستي ع المنظر، بنت بنتك نازلة من العربية وحواليها الحرس ولا اكنها وزيرة ولا مرات المحافظ
هتفت رقية بين ترديدها بالآيات القراَنية والأدعيةالحافظة:
- كبري يابت وخمسي في وش كل راجل ولا ست شافوها ولا صلوش ع النبي.
طاوعتها صفية تردد بالاَدعية الحافظة وهي تراقب مع شقيقاتها دلوف زهرة لداخل المبنى.
بعد قليل
كان الفتيات الثلاثة ومعهم سمية والدتهم ملتفين حول زهرة المستندة برأسها على حجر جدتها وهي تمسد بكفها على شعرها بحنان، هي في أشد الحاجة اليه الان، مع هذه العواصف الدائرة برأسها من قلق وخوف وترقب لما سيحمله لها الغد، تعلم أنه متمسك بها ولكن أيضًا لا تدري الى متى سيظل كذلك، امام هذه الحروب الطاحنة التي تقابله بسببها.
- طب انتٍ قلقانة ليه بس يازهرة؟ مش جاسر باشا وقف كل واحد عند حده في الشركة ونصرك قدامهم؟
هتفت بالسؤال سمية، وأومأت لها زهرة بعيناها تتنهد بقنوط دون رد، فتدخلت صفية تقول:
- اما أمرك غريب يا أبلة زهرة، يعني بدل ما تبقي سعيدة وفرحانة دلوقتِ باللي حصل وجه في صالحك، تبقي زعلانة كدة وشايلة الهم.
تطلعت إليها زهرة بنظرة غامضة ثم ردت بابتسامة باهتة:
- معلش يا صفية بقى، اصل شكل اختك كدة خدت ع النكد وما بتعرفش تفرح .
خاطبتها سمية بعدم رضا:
- بعد الشر عليكِ ياحبيبتي من النكد ولا الكلام الفارغ، انتِ بس عشان متهابة، لكن بكرة لما تاخدي على الجو هاتحسي بجد ياحبيبتي ان ربنا كرمك.
اكملت على قولها صفية:
- اه والله يا أبلة ، دا انت ربنا بيحبك قوي عشان كدة بيكرمك، طب بذمتك ماخدتيش بالك من نظرات الناس وعيونهم اللي كانت هاتتلقع عليكِ وعلى عربيتك ولا الحراس كمان، دول وأكنهم بهوات بالبدل واللبس الأوبهة.
استجابت لها زهرة بابتسامة ودودة قبل أن تجفل على لكزة على ذراعها من بقبضة رقية وهي تسألها:
- اه صح يامنيلة انتٍ، جاية على حارتك بالحرس ليه؟ هي المنطقة غريبة عنك؟
اعتدلت بجذعها لتخرج عن صمتها وتجيب جدتها
- مش من دماغي والله ياستي، جاسر هو اللي اصر على كدة، دا حتى كمان شدد الحراسة على بيتنا وعليه هو شخصيًا.
ضيقت عيناها رقية بريبة فلحقتها سمية تقول:
- هو أدرى بظروفه ياجماعة، دا راجل كبارة واسمه مش هين في البلد، المهم بقى ياست زهرة فوقي كدة وقومي اتنشطي في قلب المكان، دا خالك موصيني على شوية اكل اعملهم ع الغدا النهاردة انما ايه عظمة،اصله هايجيب في ايده الاستاذه نوال، يعني القعدة هاتكمل بجمعة الحبايب
...............................
شدد عامر من عناق ابنه بحرارة واشتياق، يقبله على رأسه ويريت على ظهره بخشونة محببة الى جاسر والذي كان متشبثًا به هو الاخر، يشعر وكأنه طفلًا صغير وجد حصنه الاَمن بعودة والده، فمتى كان السند متمثلًا في القوة فقط، في حضن الأباء، حتى في ضعفهم نجد قوتنا.
ابتعد اخيرًا عنه وعيناه تتلفت حوله في البهو يتمتم هامسًا:.
- هي فين دلوقتِ؟ مش شايفها يعني.
قالها بإشارة على والدته، عبس وجه عامر وهو يجلس على أريكته يقول بضيق:
- قاعدة في الجناح بتاعها فوق، مش طايقة تشوف وشي ولا تكلمني، من ساعة ما حكيت لها وهي واخدة موقف مني ومنعزلة، كل ما اجي اقرب منها، تصرخ في وشي وتسيب المكان كله.
زام بفمه جاسر ليرد وهو يمسح بأنامله على ذقته الخشنة بتوتر:
- لما انت مش طايقاك وواخدة منك جمب وبتصرخ فيك، امال انا هاتعمل معايا ايه بقى؟
تنهد عامر بقنوط يقول بأسف:
- بصراحة يا حبيبي ربنا يعينك، والدتك واخدة الموضوع قوي على كرامتها وصورتها اللي اتهزت وسط الناس، ورافضة أي منطق للحوار معاها، واللي زود كمان هو طلاقك لميري بنت اختها.
كز على أسنانه جاسر يقول بغيظ:
- وطبعًا أكيد الزفتة هي اللي اتصلت بيها وسخنتها زيادة عليا.
اومأ له عامر براسه، فغمغم جاسر ببعض الكلمات الحانقة، قبل أن ينهض متنهدًا بيأس:
- انا رايح لها، هاجرب حظي معاها واحاول، ربنا المعين.
- ونعم بالله ياحبيبي، انا جاي معاك.
.............................
بشرفة غرفتها الواسعة والمطلة على الحديقة الخلفية بالمنزل كانت جالسة محلها ساكنة كالبركان الخامد، الذي يتنظر الفرصة فقط ليطلق حممه المشتعلة نحو الجميع دون تفريق، تتطلع نحو الأشجار والخضرة أمامها تارة ثم تعود لمتابعة الاخبار في الهاتف، ورسائل الأصدقاء المتعاطفة والشامتة بشياكة، والتعليقات الساخرة، انتبهت على الرائحة المميزة لعطر ابنها مع صوت خطواتهم خلفها حتى شعرت به يطبع قبلة كبيرة فوق رأسها ، مرددًا بصوت دافئ:
- حمد الله ع السلامة يا ست الكل.
حدجته بنظرة نارية دون أن ترد قبل أن تعود برأسها للأمام ، تبادل جاسر مع والده نظراتهم بيأس قبل أن يجلسان مقابلها على مقاعدهم.
تكلم عامر يخاطبها:
- وبعدين بقى يا لميا؟ دي مقابلة تقابلي بيها ابنك بعد غياب شهور عنه؟
التفت برأسها اليه قائلة بحدة:
- لا ما انا سيبتلك الزوق والحنية، مش انت بقى ابوه الحنين اللي بيداري عليه، حتى لو كان بيعمل مصيبة من غير ما يقدر العواقب اللي وراها.
صمت عامر عن الرد وقام جاسر بالنيابة عنه:
- مصيبة ايه يا أمي لقدر الله؟ دا جواز وعلى سنة الله ورسوله.
برقت عيناها الخضراء تناظره بتحدي:
- بجد، طيب ولما هو كدة ياجاسر باشا، خبيتوا عليا ليه ها؟ اتجوزتها في السر ليه قبل ما سيرتكم تبقى على كل لسان .
أجابها بقوة:
- للتوضيح ياأمي، انا ما اتجوزتش زهرة في السر ، انا بس ما أعلنتش، يعني تفرق، وبخصوص اني ما قولتلكيش فا انتِ عارفة السبب كويس.
- اهاا قصدك بنت خالتك اللي انت عملت بأصلك وطلقتها امبارح .
قالتها بسخرية أثارت غضبه فقال :
- والله يا أمي انتِ عارفة كويس ان بعمل بأصلي، زي ما بالظبط عارفة ومتأكدة ان طلاقي من بنت اختك، كان هايتم في أي وقت.
تخلت عن لهجتها العادية لتصيح بغضب:
- اه ومالقيتش غير امبارح عشان تتممه، دا بدل ما تلم فضيحتك مع بنت ال......
- لو سمحتي ياأمي ماتغلطليش.
قاطعاً بحدة هادرًا ليتابع:
- مش انا اللي بعمل الفضايح، لو عايزة تشوفي الفضايح بجد ، تعالي شوفي صور بنت اختك وهي بتشرب وترقص، ولا شوف صور الرجالة اللي كانت بتصاحبهم ، ولا اقولك تشوفي صورة الولد الاًخير طالب الجامعة وهي بتزوروا في بيته وهو عازب لوحده.
لم تتأثر لمياء في شجارها بالقول:
- وانت بقى بشطارتك حبيت تأدبها فقومت عملت زي الدبة اللي قتلت صاحبها لبست نفسك في بنت تاجر المخد*رات...
- كفاية ياأمي.
هدر بها ضاربًا بكفه على سطح الطالوة ، نهرها من جانبه عامر بصوت ضعيف ومجهد:
- بلاش الكلام ده يالميا عشان خاطري
ردت هي :
- وبلاش ليه؟ هو انا جيبت حاجة من عندي، مش دا الخبر اللي مالي الدنيا هنا .
ناطحها جاسر بالقول:
- حتى لو كان يا أمي، انا مايهمنيش غير زهرة
قالت لمياء وهي تشتعل من الغيظ:
- يعني برضوا بتتحدى الكل بحتة بنت زي دي، بتعاند نفسك ولا مين بس باجاسر؟
زفر مطولًا يشيح بوجهه عنها فتابعت هي سؤاله بتهكم:
- ماجبتهاش ليه بقى معاك؟ كنت خلتنا نتعرف بالنجمة.
رد جاسر غير مبالي بغضبها:
- مش هاجيبها ياست الكل ولا هاخليكِ تتعرفي عليها غير لما ابقى متأكد انك مش هاتهينيها ولا تعمليها وحش.
همت لترد بسخرية ولكن انتبهت على عامر الذي كان يمسك بقلبه، فاننفض الأثنان بلهفة عليه:
- عامر مالك؟
- مالك ياوالدي؟ حاسس بحاجة؟
رفع رأسه اليهم قائلًا :
- اطمنوا ماتقلقوش، انا بخير ان شاء الله
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
بنصف نومة ونصف جالسة كانت مستلقية على فراشها تراقب أمامها الهاتف الذي وضعته على وضع الصامت كلما أضاء بمكالماته التي لا حصر لها منذ الأمس، من وقت أن تركته بعد أن افصحت وحكت ما أقسمت بطمسه ودفنه بداخلها قديمًا، وعقلها الان يدور في دوائر الحيرة دون توقف، لا تصدق كيف فعلتها في لحظة ضعف لتنبش بأظافرها على جراحٍ قد ظنت بعقلها العقيم أنها اندملت وطابت، لماذا تشعر الان بقرب تهدم اسوراها؟ لماذا تعطيه بيدها منفذ كي يتسلل بخبثه إليها؟ وهي الأعلم بحقيقته وما يمثله هو بهيئته المتأنقة أشد كوابيسها رعبا!
تنهدت مثقلة وهي تعود برأسها للخلف تستعيد ذكرى قديمة انحفرت بداخلها كنفش حجر فرعوني أصيل.
" حينما ترجلت بسيارة الأجرة قريبًا من هذا المحل المشهور، لتزفر متأففة بضيق بعد أن حسمت قرارها ولانت تحت إلحاحها لتقابلها به، حينما ولجت أليه بداخلها لم تبحث كثيرًا، فقد انتبهت عليها بعد أن لوحت لها الأخرى بلهفة لتجلس معها على احدى الطاولات في جانب المحل بجوار الجدار الزجاجي الذي يكشف لها الخارج بكامله، صافحتها بحرارة تقبلها وتعانقها غير مبالية بنظرات رواد المحل حولها أخفت كاميليا امتعاضها وتجملت بالزوق معها على مضض حتى جلست، لتبدأ نبيلة في سؤالها:
- ها ياحبيبتي عاملة ايه؟ كويسة كدة وكويسين خواتك، الواد ميدو عامل ايه؟ خس عن الأول ولا لساته مكلبظ؟ أكيد مكلبظ صح؟
كانت تومئ برأسها مغمعمة بإجابات روتينية معتادة، حتى أتت على ذكر أخيها الصغير فلم تحتمل:
- مالك انتِ بميدو إن كان كبر ولا خس ولا تخن؟ يخصك في إيه؟
توقف سيل الأسئلة بحلق نبيلة لتخرج منها تنهيدة حارة قبل ترد بأسى:
- يعني زعلانة عشان بسأل عليه؟ خلاص ياستي مش هسأل لو كان دا هاريحك .
زفرت بضيق تشيح بوجهها عنها فهذه المرأة تتعمد بمسكنتها اخراج مارد الغضب منها بطرفة عين، وهي التي تجاهد للتماسك.
- أنا لو مش واثقة فيكِ وفي قلبك الحنين انتِ وابوكي ماكنتش هاسيبه؟
أردفت بها نبيلة فالتفت رأس كاميليا إليها بحدة، واستطردت الأخرى:
- انا عارفة اني اتصرفت بأنانية، لكن ما عملتش الحرام .
اشتعلت عيناها كاميليا بنيران الغضب ولكن نبيلة تابعت:
- يمكن ضعفت لكن مين مش بيضعف في الزمن ده؟ سمير ابن عمي كان هو حلمي وانا صغيرة، لكن لما سافر واتقدملي ابوكي رضيت بيه وعيشت معاه راضية ومتحملة ظروفه كمان، بس بقى لما رجع ومدلي ايده من تاني بدنيا حلوة وظروف مرتاحة مقدرتش ارفض.....
- كفاية يا ماما.
هتفت بها كاميليا توقف استرسالها بعدم احتمال، تداركت نبيلة نفسها، لتهادنها بلطف:
- اشربي عصيرك طب الأول وماتتعصبيش، انا بتكلم معاكِ عشان انتِ كبيرة وعاقلة.
زفرت حانقة كاميليا قبل ان تتناول كوب العصير الكبير، علّه يهدا ولو قليلًا انفعالها، راقبتها قليلًا نبيلة بصمت قبل أن تسألها:
- عاملة ايه في شغلك الجديد؟ بيقبضوكي كويس؟
تمتمت تجيبها:
- عادي يعني، المرتب مش كبير بس كويس بالنسبة لموظفة جديدة بعقد مؤقت.
قالت نبيلة بنبرة خفيضة غامضة:
- اممم، يعني على كدة لسة الظروف مزنقة معاكم في البيت.
تركت كاميليا كوبها تضعه بعنف على الطاولة لتسألها مضيفة عيناها:
- ممكن تجيبي من الاخر وتقولي انتِ عايزة؟ عشان بصراحة بقى المقدمات بتاعتك دي دايمًا بيبقى وراها حاجة.
فجأة التمعت عيناها نبيلة تجيبها بحماس:
- عريس ياكاميليا، زي القمر وغني، يعني هايعيشك برنسيسة، وكل اللي انتِ تشاوري عليه هايجيبه تحت رجليكِ بس انت توافقي.

نعيمي وجحيمهاNơi câu chuyện tồn tại. Hãy khám phá bây giờ