الفصل السابع والعشرون

58.3K 1.6K 75
                                    

تتفاوت المحبة في القلوب من شخصٍ لاَخر، وكلما زادت المحبة و درجة القرب من احبابنا زادت العفوية وانطلقت الاَلسنة حتى بالتفاهات.

تتحدث بأريحية وكلماتها تخرج بلهفة في فتح مواضيع شتى دون توقف، والاَخر يبادلها الحديث بالحديث و يجاريها بالأندماج معها ومع كل ما يخرج منها، ومع أقل دعابة منه تُجفل الجالس بالقرب منهم على جمر الغيظ؛ بضحكة رنانة تصدر منها دون تحفظ أو خجل يتلقاها الاَخر بنظرة خبيثة نحوه وكأنه يوصل إليه رسائل مبطنة ويعلمها الاَخر بفطنته!
- ياجاسر باشا لو تعبان روح ريح جسمك، انا مش غريب .
قالها خالد وهو مضجع في جلسته بجوارها على الاَريكة التي لم يفارقها من وقت جلوسهم، امال الاَخر برأسه يرمقه بنظرة منذهلة قبل أن يرد بذكاء لا يفوته:
- ليه ياعم خالد؟ حد قالك اني معنديش زوق وما بعرفش اكرم ضيوفي؟
بضحكة مستترة تصنع الصدمة قائلًا :
- ضيوف إيه ياعم؟ دا انا بقولك مش غريب تقولي ضيوف؟
تدخلت زهرة ببنهم ترد:
- مايقصدش ياخالي طبعًا، ما انت فعلًا مش غريب .
خاطبها جاسر من تحت أسنانه :
- طيب ولما هو مش غريب، مش تقومي بقى تحضريلنا العشا عشان نتعشى.
انتفضت زهرة شاعرة بالحرج :
- اه صحيح، ثواني طيب.....
قاطعها خالد يجذبها من ذراعها للجلوس مرة أخرى :
- اقعدي يازهرة انا مش جعان .
- بس انا جعان ياخالد، يرضيك اقعد كدة من غير ما اتعشى؟
قالها بزوق أللجم خالد الذي رد بابتسامة إليه :
- لا طبعًا مايرضنيش، قومي يازهرة حضري العشا لجوزك وانا كمان هاكل معاكم ، حكم انا ناوي اطول السهرة معاكم.
بشبه ابتسامة اومأ له جاسر ليجفل فجأة على شهقة كبيرة من خالد وهو يوقف زهرة التي نهضت من جواره :
- استني يابنت هو انتِ قصيتي شعرك ؟
انتبهت زهرة لتمسك بالأطراف التي اشار عليها خالد واجابت بعفوية:
- ياخالي دا عشان الأطراف تتساوى، البنت الكوافيرة قالتلي كدة .
زام مابين شفتيه بتفكير يخلتس النظرة بخبث نحو جاسر الذي جحظت عيناه من ملاحظته ثم قال:
- خلاص يازهرة انا خوفت لتكوني بتجربي تقصريه ولا حاجة بس الحمد لله .
جعدت انفها ترد عليه بمزاح قبل أن تتحرك وتتركهم ، نظر خالد في أثرها قليلًا ثم توجه لجاسر يقول ببرائة :
- لتكون استغربت يعني من كلامي وافتكرتها حشرية، بس اللي انت متعرفوش بقى، ان زهرة دي مكنتش بتروح المدرسة غير لما العبد لله هو اللي يسرح لها شعرها .
سهم إليه جاسر قليلًا يجاهد للمحافظة على المتبقى من تعقله، ثم أشاح بوجهه يعض على شفتيه غيظًا، فهذا الخالد مُصر على استفزازه بتذكيره الدائم بدرجة قربه ومكانته المميزة في قلب زهرة .
........................

بداخل الملهى الليلي الذي اصبحت تأتيه يوميًا لتسهر به منذ فترة، أتت معها هذه المرة مرفت لتقضي الوقت معها وتتحدث عما حدث صباحًا:
- يابنتي زي مابقولك كدة، جاية في عربية اَخر موديل وقال ايه مش عايز تقول على اسم عريس الغفلة ولا حتى تطلع صور الفرح للبنات الموظفين .
اومأت لها ميري تدعي التركيز رغم تشتت نظراتها كل دقيقة:
- اه يعني هي اتجوزت واحد غني فعلًا، طب ومش عايزة تقول على اسمه ليه بقى؟
ارتشفت الأخرى من كأسها قليلًا قبل أن تجيبها :
- خمني انتِ بقى، عشان لما اقولك ان البنت دي اكيد بتربطها حاجة بجوزك تبقي تصدقيني .
انتبهت تسألها بتخوف:
- يعني تفتكري تكون شرعية ولا حاجة زي اللي فاتوا كدة؟
هزت بأكتافها تجيبها بخبث:
- الله أعلم، بس البنت دي شكلها مش سهلة، رسمالي كدة فيها دور البريئة والملتزمة وانا اراهن بحياتي انها مية من تحت تبن .
صمتت قليلًا ثم استطردت:
- بس على فكرة انا لقيت سكة مع البنت قريبتها واتعرفت عليها، هي بنت خفيفة بس انا متأكدة اننا هنلاقي من وراها فايدة .
قالت ميري بسأم:
- فايدة ايه يامرفت؟ ماهي ممكن فعلًا تطلع تخمينات من دماغك وتكون اتجوزت راجل تاني غني فعلًا .
ردت مرفت وهي تجز على أسنانها:
- بطلي خيابة بقى انا بتكلم بناءًا على شواهد، يعني تفوقي كدة لتكون البنت دي بتلعب على جوزك .
التوى ثغر ميري تقول لها بإحباط:
- وافرضي يعني فوقت زي مابتقولي كدة، ماهو هاجرني بقالوا فترة طويلة يامرفت وانا بصراحة بقى زهقت.
احتدت عيناها وهدرت فيها بصوت خفيض:
- تزهقي دا إيه انتِ كمان؟ دا جوزك يعني لازم تدافعي عن حقك فيه ضد أو واحدة عايزة تخطفوا ولا انتِ عايزة تفهميني انه ماعدتش فارق معاكي ولا كرهتيه؟
أجفلت ميري قليلًا من حدتها ثم سهمت بتفكير فقالت وهي تمط بشفتيها:
- هو انتِ عندك حق طبعُا اني ادافع عن حقي ضد أي واحدة جربوعة تطمع فيه، وحكاية فارق معايا او مافارقش، انا ابقى كدابة لو قولت انه مش فارق معايا، جاسر قبل مايقلب عليا كان صبور لأقصى درجة، دا غير انه وسيم واي ست اعرفها كانت بتحسدني عليه طبعًا .
قالت الاَخيرة وهي تتلاعب بشعرها غافلة بغباء عن تغير وجه الأخرى وقد تكورت شفتيها تحدجها بنظراتٍ مبهمة، واستطردت بعصبية:
- بس انا تعبت من الهجر يامرفت ونفسي بقى اعيش حياتي .
خرجت عن طورها مرفت تهتف بعصبية:
- اوكيه ياميري مدام انتِ تعبتي وزهقتي ابقى اخدها انا من قاصرها واصرف نظر بقى عن مساعدتك .
- خلاص يامرفت ماتتعصبيش انا كنت بقولك بس ع اللي حاسة بيه .
قالتها ميري بمهادنة لها، فهتفت تسألها بحدة:
- طب وهاتعملي إيه لو الموضوع طلع حقيقي، والبنت دي ثبت إن ليها علاقة بجوزك .
اجابت ميري بنظرة شرسة:
- طبعًا هاطربق الدنيا على دماغ الاتنين واسيب بابي هو اللي يتصرف، طب اقولك على حاجة، انا هاجي بكرة الشركة اعدي عليكي و اشوف البنت دي.
ارتخى وجه مرفت بابتسامة جانبية قبل ان تجفلها شاهقة وهي تنهض من أمامها :
- مارو وصل .
قالتها وذهبت من أمامها لتصافح الشاب الذي كانت تراقصه سابقًا ، توسعت عيناها مرفت وهي ترى تساهل الأخرى في احتضان الشاب وتقبيله لها من وجنتيها، زفرت مغمغمة بقرف وهي ترتشف من مشروبها :
- غبية !
....................................

نعيمي وجحيمهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن