الفصل التاسع عشر

Comenzar desde el principio
                                    

على كرسي قهوته كان يدخن بشيشته وعيناه على مدخل البناية التي تقطنعها ، ينفث دخان من أنفه خارجًا من أعماق نيرانه في الداخل ، لايصدق ماحدث ، بعد أن شعر باقتراب حلمه بالوصول اليها بعد سنين طوال كانت بالنسبة اليها كالمحرمات بفضل هذا المتعجرف خالد الذي كان يطوقها بحمائية مبالغ فيها ، عقله لا يزال لا يستوعب، بداخله يساوره الشك ان تكون لعبة من محروس؛ و الذي خرج منذ قليل متبخترًا بزهو ، يرمقه بنظرة مستعلية ، هذا التافه الذي كان ينتفض من مجرد النظر اليه ، حتى مزاجه الذي كان يتحكم به ، أصبح الاَن يتصرف من جهة أخرى غير رجاله، تمتم بسبة وقحة عليه قبل أن يلتفت لهذه السيارة السوداء التي توقفت بجوار بنايتها وترجل منها رجل ضخم بحلة سوداء محملًا بالعديد من الأكياس والعلب المغلفة والتي تبدوا كهدايا، غمغم بحنق مرددًا :
- هي الحكاية جد حقيقي ولا إيه
...................................

وفي الأعلى كانت زهرة مازالت في المطبخ تجهز لهن العصير ، حينما صدح صوت الجرس القديم المزعج فانتفضت غادة متحججة بفتح الباب كي تهرب من نظرات رقية التي توجهها بحدة نحوها هي ووالدتها التي تعرقت مرتبكة من ردود رقية الجافة معها في الحديث بالإضافة لتعليقاتها اللاذعة على الدوام.
- ايوة أيوة ياللي بترن الجرس .
تفوهت بها قبل أن تصل الى الباب لتفتحه فتفاجأت بهذا الغليظ وابتسامة عريضة بوجهه أظهرت أسنانه البيضاء مرددًا لها :
- دا إيه الصدف اللي زي العسل دي ، تصدقي بالله انا كدبت وداني لما سمعت صوتك .
تأففت تضرب بكفها على إطار الباب :
- قال ياقاعدين يكفيكم شر الجاين ، هو انا اخلص من خلقتك في الشركة ، عشان اَجي الاقيك هنا في وشي ؟
رد ببرود :
- بس إيه رأيك بجد؟ انتِ مش شايفة ان الطرق بتاعتنا دايمًا موصلة لبعض؟
زفرت مرة أخرى تهتف بحدة:
- في إيه ياجدع انت؟ ماتظبط كدة واوزن كلامك ، لاحسن وديني لاكون لامة عليك أهل الحارة كلهم.
- في إيه يابت عندك ؟ وبتتخانقي مع مين ؟
أتى الصوت من الداخل ، استدرك نفسه إمام منعًا للمشاكل ، فانحنى بسرعة يتناول الهديا مرددًا بجدية وصوت عالي غاب عنه الهزل :
- انا كنت عايز الاَنسة زهرة ، ممكن تروحي تندهيها؟
زاغت عيناها نحو العلب المغلفة والأكياس المدون عليها اسماء الماركات الفاخرة.
مدت ذراعيها لتتناولهم بلهقة مرددة :
- هاتهم وانا هادخلهم لها .
أرتد بأقدامه للخلف مبتعدُا عنها يقول بلهجة رسمية :
- اَسف يااَنسة ، لازم أوصلهم لزهرة هانم بنفسها.
- زهررة هاانم !
رددت بها جازة على أسنانها قبل أن تهتف للداخل  بصوت عالي :
- يازهرة ، تعالي شوفي اللي جايلك يازهرة .
أتت على النداء مجفلة ، لتجد إمام الذي تقدم نحوها يعطيعا الأكياس والعلب المغلفة بالتناوب وهو يقول لها :
- اتفضلي ياهانم ، جاسر بيه باعتهم ووصاني اسلمهوملك في إيدك .
تناولتهم زهرة مرتبكة ولكنها لم تغفل عن شكره ودعوته للضيافة :
- متشكرة قوي ياإمام ، تعالي طب اتفضل معانا.
أومأ لها إمام يرد بلطف :
- الف شكر لزوقك ياهانم ، معلش بقى انا يدوب اللحق أروح مع عبده ، سلاام بقى يابنت الأصول .
قال الاَخيرة بمغزى نحو غادة التي بمجرد انصرافه اغلقت الباب على الفور ، تختطف الأشياء من زهرة دون استئذان وهي تهرول للداخل :
- تعالي جوا نشوف فيهم إيه؟
دلفت خلفها زهرة بيأس من أسلوبها ، والأخرى بمجرد وصولها الى وسط صالة، أمام والدتها ورقية التي سألتها :
- إيه اللي جايباه وداخلة بيه دا يابت؟
بحركة سريعة التفت برأسها اليها دون الرد ، وهي تتناول أول شئ خرج بيدها من أحد الأكياس لتشهق منبهرة:
- يالهوي ياما عالجمال ، دا نفس الدريس اللي شوفته امبارح عالفاشينستا اللي متبعاها على الفيس وهي لابساه.
- فيشة إيه يابت ؟
هتفت بها رقية نحوها ، فتجاهلتها كالمرة السابقة ، تفتش في باقي الأشياء وقد انضمت اليها والدتها وهي تصرخ بعدم سيطرة:
- يالهوي ياما عالجزمة ولا المكياج دول كلهم ماركة أجنبي .
هتفت بالاَخيرة نحو زهرة التي تسمرت محلها تشاهد صامتة ، فصاحت رقية غاضبة :
- في أيه يامنيلة انتِ وهي ماتفهموني ؟
أجابتها زهرة بخجل :
- دول الحاجات اللي بعتها جاسر ياستي ؟
ارتفعت اليها انظار غادة بنظرة نارية قبل أن تتدارك نفسها و قد انتبهت للنظرة المحذرة من والدتها ، لتفرد وجهها.
- ولما هو كدة ، مش ما تجيبي خليني اشوفهم .
صاحت بها رقية بصوت غاضب جعل إحسان تنهض بالأكياس التي اختطفتها من غادة التي على وشك الإنفجار:
- اهم يامرات عمي ، هو احنا يعني هانسرقهم، دي البت بس بتتفرج عليهم .
تناولتهم منها رقية سريعًا وهي تهتف على زهرة :
- قاعدة بتتفرجي على حاجتك زي الغريب ، مش تقربي انتِ كمان وتشوفي اللي جايبه عريسك ياخايبة .
ردت زهرة بصوت خفيض، محرجة من الهيئة الغريبة لغادة التي ظلت محلها جالسة على الأرض
- ماشي ياستي هاشوفهم، بس هي طارت يعني ؟
قالت رقية غير مبالية :
- كدة طب خدي ياختي حطيهم في اؤضتك ، وبعدين اتفرجي عليهم براحتك .
همت لتعترض زهرة ولكن رقية لم تعطيها فرصة :
- خدي يابت اخلصي .
أذعنت زهرة تتناولهم رغم حرجها حتى أجفلت على هتاف غادة :
- ايه ده ؟ دا في علبة صغيرة نسينا مانشوفها .
نهضت سريغًا لتخطفها من زهرة وفتحت غلافها سريعًا ، لتجد ورقة كبيرة ملتصقة فوقها .
- دي باينها علبة شيكولاته و باعت معاها جواب .
اختفطفت منها رقية الورقة قائلة بلؤم :
- بصي على العلبة وشوفيها بتاعة ايه ياغادة ، لكن الورقة ياحبيبتي ملناش دعوة بيها، عيب ؛ دا كلام خطاب يابنتي ، خدي يابت .
وجهت الاَخيرة بحزم نحو زهرة التي كانت تموت من الحرج من فعل جدتها ، أما غادة فكان جسدها يهتز حرفيًا رغم ادعائها التماسك مع النظرات المحذرة من والدتها، خرج صوتها اَخيرًا تخاطب زهرة :
- دي علبة شيكولاتة سويسري زي اللي بيعلنوا عنها في التليفزيون.
لم ترد فقد اندمجت في قراءة السطور الأنيقة بالورقة ذات الرائحة العطرة
" يارب يكون عجبتك الهدايا، انا بعتلك جزء بسيط ، عشان الأهم خليته في انتظارك لما توصلي بيتك ، دوقي بقى الشيكولاتة دي هاتعجبك قوي على فكرة "
غادة والتي لم ترفع عيناها عن زهرة بكل ماتحمله من مشاعر الحقد نحوها؛ وضعت غيظها في سحب القطع الصغيرة من العلبة تتناولها بنهم يساعدها الطعم الخرافي لهذا الصنف الجديد والذي لم يسبق أن تذوقته في حياتها ،  رمقتها رقية بذهول فانتبهت والدتها تجرها مستئذنة للخروج ، قبل أن تفضحها وتفسد كل مخططاتها .
.................  

نعيمي وجحيمهاDonde viven las historias. Descúbrelo ahora