الفصل الثاني عشر

Start from the beginning
                                    

بعد أسبوع .
دلف الى الشركة التي جعلها المقر الرئيسي لقيادة المجموعة ، يقضي معظم يومه بها ، يدير كل شئ من داخلها ، عكس ما كان ينتوي سابقًا، قبل أن يراها وتتغير معه كل خططه، خطواته السريعة توقفت فور أن دلف للغرفة الواسعة ، حينما رأى إبتسامتها التي تسلب لب قلبه؛ وهي تتحدث في الهاتف غافلة عنه ، بطء بخطواته حتى اصبح قريبًا منها ويستمع الى محادثتها :
- حبيبي والله زي مابقولك كدة ، رقية حكمت عليها تبات معانا ليلتين وصاحبتك ماصدقت ، دي روحت بالعافية والنعمة بعد ما والدها اتصل وبهدل الدنيا معاها، واقعة اوي بصراحة يعني ؟
صمتت قليلًا تستمع لرده عبر الاثير فانطلقت ضحكة بصوتها كادت أن توقف قلبه من خلفها ، ورأسها تميل للخلف حتى اصطدمت عيناها به فانتفضت تنهض مجفلة أمامه حتى أغلقت المكالمة دون أن تدري :
- جاسر بيه ، اسفة والله مكنتش واخدة بالي .
رغم الإحباط الذي انتابه بتوقف ضحكاتها ، لكنه تمكن من رسم الجمود كالعادة في حديثه:
- مش تخلي بالك يااَنسة من ضحكتك وانتِ في مكان شغلك .
اومأت برأسها وردت وهي مطرقة رأسها:
- عندك حق ، مش هاتكرر تاني يافندم .
صمت قليلًا وانتظرته هي أن ينصرف ولكنه فاجئها بسؤاله الفضولي:
- كنتِ بتكلمي مين ؟
رفعت عيناها اليه باندهاش وردد هو :
- بسألك ، مين دا اللي كنتِ بتناديه ياحبيبي ؟
عضت على وجنتها من الداخل تكبح غضبها ، فقالت متصنعة الإبتسام :.
- دا يبقى خالي ياجاسر بيه ، انا كل كلامي كدة معاه .
- خالك خالد .
اردف بها قبل ان يتحرك قليلًا ثم استدار قائلًا :
- انا بسألك بس عشان مصلحتك ، مهما كانت معزة خالك عندك ، الكلمة دي مايصحش تتقاله عشان بس ماحدش يسمعك و يفهمك غلط بعد كدة .
اومأت برأسها بعدم اقتناع ، املًا في ذهابه الذي حدث بعد ذلك ولكنها اوقفته قبل أن يدلف لغرفته هاتفة :
- على فكرة ياجاسر باشا، انا خلصت كل الملفات المتكومة ، يعني النهاردة بقى يحقلي اَخد فرصتي زي بقية الموظفين في البريك بتاعي .
التفت برأسه لها بنظرة حانقة قبل ان يدلف لمكتبه صافقًا الباب بقوة أمامها .
....................................

بداخل دكانه الذي كان يعمل به بجهد وقد توفرت معه المواد الخام كي ينهي الأعمال القديمة والتي توقفت من منذ زمن ، بيده احدى الوسادات التي يعمل عليها بتركيز ، وبجواره من الناحية الأخرى العامل الصغير ، المدعو عامري . يعمل هو الاَخر بقطعة أخرى، أرتفعت رأس الأثنان  فجأة على صيحة جهورية أجفلتهم:
- صباح الخير عليك ياعم يامحروس .
- فهمي ! هو انت خرجت إمتى من السجن ؟
تمتم بها محرس بعد أن انتفض وسقطت الوسادة منه على الأرض وهو يرى الظل الطويل أمامه بمدخل الدكان ، يخطو ببطء وخطوات متمهلة ، بوجهه الإجرامي وملابسه المتسخة بفعل السجن ، قال مخاطبًا الفتى :
- قوم ياعسل روح هاتلي حاجة ساقعة من البقال اللي في الشارع اللي ورانا .
تسمر عامري بجلسته بعد تركه ماكان يعمل به أيضًا فانتقلت عيناه باستفسار الى معلمه الذي هدر عليه فهمي :
- في ايه ياجدع ؟ ماتقول للواد يتحرك يجيبلي حلاوة خروجي من السجن ولا انت مش فرحان بخروجي من السجن يامحروس؟
استدرك نفسه محروس يستوعب الصدمه فهتف على صبيه :
- روح ياعامري نفذ اللي قالك عليه عمك فهمي ، قوم يابني اتحرك بسرعة ، حمد الله عالسلامة ، كفارة يا فهمي.
أومأ له الفتي وهو ينهض على مضض كي يخرج ويتركهم .
بعد مغادرته تناول فهمي أحد المقاعد ليجلس عليها بالعكس ليصبح مقابل محروس الذي كان يبتلع ريقه بصعوبة من الخوف .
- عامل ايه يامحروس من غيري ؟ بتعرف تصرف نفسك من الكيف ؟
سأله بنبره غريبة ، أجابه محروس على تخوف :
- لا ماهو الواد شمة اللي كان شغال معاك ، مقصرش معايا بصراحة، كان بيديني اللي بطلبه منه وكله بحسابه.
ردد فهمي بتمهل وهو يتناول سيجارة من جيبه ليشعلها :
- اه صح عندك حق ، كله بحسابه ، بس ياترى بقى دفعت انت حسابه ؟
رد محروس بعدم فهم:
- اه طبعًا ، وحتى اسأله ، انا مافيش مرة سحبت منه حاجة الا وتمنها في إيده الأول .
- والتمن بقى جايبه منين ياغالي ؟
صاح فهمي فجأة وهو يباغت محروس بجذبه من قمصيه، جعل الخوف يزحف بأوردته :
- الله الله يافهمي ، ايه اللي حصل ياجدع ؟ وانت بتعمل معايا كدة ليه ؟.
هدر فهمي وهو يجز على اسنانه بعد أن أوقع السيجارة من فمه ، وأصبحت أنفه تنفث دخانا يلفح بشرة محروس :
-  بعمل كدة عشان انت جبان، خيخة ، اعتبرتك راجل لما اديتك الفلوس مهر البت عشان تجوزهاني وفي الاَخر خدت انا على قفايا ، خطيبة المحروس اتفقت مع اخوها الظابط وعملوا عليا رباطية عشان يدخلوني السجن وماخرجش منه تاني ، لكن لا ياحبيبي ، العيال هي اللي شالت الليلة عشان انا صفحتي بيضا والبوليس فتشني وملقاش في هدومي حاجة .
- طططب ماهو دا كويس يافهمي ، مدام ربنا نصرك عليهم وخدت براءة 
قال محروس بتلجلج من الخوف ، جز الاَخر على أسنانه أكثر في قوله :
- لا مش كويس ياعنيا ، عشان الزفت اخو المحروسة حطني في دماغه وحلف انه هايسود عيشتي لو قربت من الكونتيسا بنتك ، يعني لبست غضب الحكومة بسببك .
دافع محروس يومئ بكفه نحو صدره :
- أنا يافهمي؟! وانا ذنبي ايه بس في الليلة دي ؟
شدد فهمي من قبضته على تلابيب قميص محروس  يهزهزه بعنف هادرًا :
- ماهو انت لو راجل وبتعرف تحكم اهل بيتك ، مكانش أي حاجة من دي حصلت ، اسمع اما اقولك ياض ، قدامك فرصة اسبوع بالكتير ، ياتردلي الفلوس اللي  اخدتها على داير مليم،  والكيف اللي كنت بتبلبعه على حسابي ، ياتجوزني البت وبرضاها تمنع الرباطية دول  عني. فاهم ياخيخة .
صمت محروس بصدمة فدفعه فهمي للخلف بقوة حتى اصطدم ظهره بالحائط حتى اَلمه بشدة
- ومن غير سلام .
اردف بكلماته الاَخيرة وهو ينهض بعنف عن كرسيه الذي ارتمي على الأرض ، تاركًا محروس يلتقط أنفاسه بصعوبة وهو يشتكي من اَلام ظهره ، مصعوقًا مما حدث وما ينتظره من أيام سوداء بعد تهديد فهمي الصريح له.
.................................  

نعيمي وجحيمهاWhere stories live. Discover now