بعد أسبوع .
دلف الى الشركة التي جعلها المقر الرئيسي لقيادة المجموعة ، يقضي معظم يومه بها ، يدير كل شئ من داخلها ، عكس ما كان ينتوي سابقًا، قبل أن يراها وتتغير معه كل خططه، خطواته السريعة توقفت فور أن دلف للغرفة الواسعة ، حينما رأى إبتسامتها التي تسلب لب قلبه؛ وهي تتحدث في الهاتف غافلة عنه ، بطء بخطواته حتى اصبح قريبًا منها ويستمع الى محادثتها :
- حبيبي والله زي مابقولك كدة ، رقية حكمت عليها تبات معانا ليلتين وصاحبتك ماصدقت ، دي روحت بالعافية والنعمة بعد ما والدها اتصل وبهدل الدنيا معاها، واقعة اوي بصراحة يعني ؟
صمتت قليلًا تستمع لرده عبر الاثير فانطلقت ضحكة بصوتها كادت أن توقف قلبه من خلفها ، ورأسها تميل للخلف حتى اصطدمت عيناها به فانتفضت تنهض مجفلة أمامه حتى أغلقت المكالمة دون أن تدري :
- جاسر بيه ، اسفة والله مكنتش واخدة بالي .
رغم الإحباط الذي انتابه بتوقف ضحكاتها ، لكنه تمكن من رسم الجمود كالعادة في حديثه:
- مش تخلي بالك يااَنسة من ضحكتك وانتِ في مكان شغلك .
اومأت برأسها وردت وهي مطرقة رأسها:
- عندك حق ، مش هاتكرر تاني يافندم .
صمت قليلًا وانتظرته هي أن ينصرف ولكنه فاجئها بسؤاله الفضولي:
- كنتِ بتكلمي مين ؟
رفعت عيناها اليه باندهاش وردد هو :
- بسألك ، مين دا اللي كنتِ بتناديه ياحبيبي ؟
عضت على وجنتها من الداخل تكبح غضبها ، فقالت متصنعة الإبتسام :.
- دا يبقى خالي ياجاسر بيه ، انا كل كلامي كدة معاه .
- خالك خالد .
اردف بها قبل ان يتحرك قليلًا ثم استدار قائلًا :
- انا بسألك بس عشان مصلحتك ، مهما كانت معزة خالك عندك ، الكلمة دي مايصحش تتقاله عشان بس ماحدش يسمعك و يفهمك غلط بعد كدة .
اومأت برأسها بعدم اقتناع ، املًا في ذهابه الذي حدث بعد ذلك ولكنها اوقفته قبل أن يدلف لغرفته هاتفة :
- على فكرة ياجاسر باشا، انا خلصت كل الملفات المتكومة ، يعني النهاردة بقى يحقلي اَخد فرصتي زي بقية الموظفين في البريك بتاعي .
التفت برأسه لها بنظرة حانقة قبل ان يدلف لمكتبه صافقًا الباب بقوة أمامها .
....................................بداخل دكانه الذي كان يعمل به بجهد وقد توفرت معه المواد الخام كي ينهي الأعمال القديمة والتي توقفت من منذ زمن ، بيده احدى الوسادات التي يعمل عليها بتركيز ، وبجواره من الناحية الأخرى العامل الصغير ، المدعو عامري . يعمل هو الاَخر بقطعة أخرى، أرتفعت رأس الأثنان فجأة على صيحة جهورية أجفلتهم:
- صباح الخير عليك ياعم يامحروس .
- فهمي ! هو انت خرجت إمتى من السجن ؟
تمتم بها محرس بعد أن انتفض وسقطت الوسادة منه على الأرض وهو يرى الظل الطويل أمامه بمدخل الدكان ، يخطو ببطء وخطوات متمهلة ، بوجهه الإجرامي وملابسه المتسخة بفعل السجن ، قال مخاطبًا الفتى :
- قوم ياعسل روح هاتلي حاجة ساقعة من البقال اللي في الشارع اللي ورانا .
تسمر عامري بجلسته بعد تركه ماكان يعمل به أيضًا فانتقلت عيناه باستفسار الى معلمه الذي هدر عليه فهمي :
- في ايه ياجدع ؟ ماتقول للواد يتحرك يجيبلي حلاوة خروجي من السجن ولا انت مش فرحان بخروجي من السجن يامحروس؟
استدرك نفسه محروس يستوعب الصدمه فهتف على صبيه :
- روح ياعامري نفذ اللي قالك عليه عمك فهمي ، قوم يابني اتحرك بسرعة ، حمد الله عالسلامة ، كفارة يا فهمي.
أومأ له الفتي وهو ينهض على مضض كي يخرج ويتركهم .
بعد مغادرته تناول فهمي أحد المقاعد ليجلس عليها بالعكس ليصبح مقابل محروس الذي كان يبتلع ريقه بصعوبة من الخوف .
- عامل ايه يامحروس من غيري ؟ بتعرف تصرف نفسك من الكيف ؟
سأله بنبره غريبة ، أجابه محروس على تخوف :
- لا ماهو الواد شمة اللي كان شغال معاك ، مقصرش معايا بصراحة، كان بيديني اللي بطلبه منه وكله بحسابه.
ردد فهمي بتمهل وهو يتناول سيجارة من جيبه ليشعلها :
- اه صح عندك حق ، كله بحسابه ، بس ياترى بقى دفعت انت حسابه ؟
رد محروس بعدم فهم:
- اه طبعًا ، وحتى اسأله ، انا مافيش مرة سحبت منه حاجة الا وتمنها في إيده الأول .
- والتمن بقى جايبه منين ياغالي ؟
صاح فهمي فجأة وهو يباغت محروس بجذبه من قمصيه، جعل الخوف يزحف بأوردته :
- الله الله يافهمي ، ايه اللي حصل ياجدع ؟ وانت بتعمل معايا كدة ليه ؟.
هدر فهمي وهو يجز على اسنانه بعد أن أوقع السيجارة من فمه ، وأصبحت أنفه تنفث دخانا يلفح بشرة محروس :
- بعمل كدة عشان انت جبان، خيخة ، اعتبرتك راجل لما اديتك الفلوس مهر البت عشان تجوزهاني وفي الاَخر خدت انا على قفايا ، خطيبة المحروس اتفقت مع اخوها الظابط وعملوا عليا رباطية عشان يدخلوني السجن وماخرجش منه تاني ، لكن لا ياحبيبي ، العيال هي اللي شالت الليلة عشان انا صفحتي بيضا والبوليس فتشني وملقاش في هدومي حاجة .
- طططب ماهو دا كويس يافهمي ، مدام ربنا نصرك عليهم وخدت براءة
قال محروس بتلجلج من الخوف ، جز الاَخر على أسنانه أكثر في قوله :
- لا مش كويس ياعنيا ، عشان الزفت اخو المحروسة حطني في دماغه وحلف انه هايسود عيشتي لو قربت من الكونتيسا بنتك ، يعني لبست غضب الحكومة بسببك .
دافع محروس يومئ بكفه نحو صدره :
- أنا يافهمي؟! وانا ذنبي ايه بس في الليلة دي ؟
شدد فهمي من قبضته على تلابيب قميص محروس يهزهزه بعنف هادرًا :
- ماهو انت لو راجل وبتعرف تحكم اهل بيتك ، مكانش أي حاجة من دي حصلت ، اسمع اما اقولك ياض ، قدامك فرصة اسبوع بالكتير ، ياتردلي الفلوس اللي اخدتها على داير مليم، والكيف اللي كنت بتبلبعه على حسابي ، ياتجوزني البت وبرضاها تمنع الرباطية دول عني. فاهم ياخيخة .
صمت محروس بصدمة فدفعه فهمي للخلف بقوة حتى اصطدم ظهره بالحائط حتى اَلمه بشدة
- ومن غير سلام .
اردف بكلماته الاَخيرة وهو ينهض بعنف عن كرسيه الذي ارتمي على الأرض ، تاركًا محروس يلتقط أنفاسه بصعوبة وهو يشتكي من اَلام ظهره ، مصعوقًا مما حدث وما ينتظره من أيام سوداء بعد تهديد فهمي الصريح له.
.................................
YOU ARE READING
نعيمي وجحيمها
ChickLitفتاة متواضعة الحال لا تملك في الحياة سوى برائتها وأحلام وردية قد تكون عادية لكل الفتيات ولكن بالنسبة لها وبالنظر لظروف معيشتها الصعبة بعيدة المنال؛ وجدت نفسها فجأة محاصرة من متجبر يملك السلطة والقدرة اخضاع الغير، مع المال الذي يشتري به كل شئ، اذا ما...
الفصل الثاني عشر
Start from the beginning