الفصل العاشر

ابدأ من البداية
                                    

في وسط الحارة التي تقطنها زهرة علقت اعقاد الزينه والمكبرات الصوتية وانتصب الخشب في التحضير لحفل زفاف احدى فتيات الحارة ، كان محروس جالسًا مع احد اقارب العروس بتابع الاستعدادت حينما اتى فجأة فهمي ليلجلس بجواره يحيه :
- عم محروس ازيك ياحبيب قلبي وحشني .
- اهلًا يافهمي ماتشوفش وحش.
قال محروس على مضض امام الرجل الذي انسحب بزوق من جوارهم :
- طب عن اذنكم ياجماعة انا رايح اشوف البنات حضروا الغدا ولا لسة .
قالها الرجل وهو يذهب متهربًا من الجلسة معهم ، نظر في اثره فهمي يردد من خلفه بسماجة :
- اذنك معاك ياعم عادل ، ربنا يتمم جواز بنتكم بخير يارب.
نكزه محروس بكف يده ليسأله:
- عايز ايه يافهمي ؟ بعد ما قطعت قعدتي مع الراجل واحنا بنتفق على الفلوس اللي بقيالي عنده من جهاز بنته؟
اصدر صفيرًا بصوته فهمي يردد :
- أوعى أوعى بقى ، ورجعنا اهو لجهاز العرايس كمان، دا انت بشبشت معاك ياعم بقى وزهزهزت
- بشبشت وزهزهت ايه انت كمان ؟ دا انا عاملهم بالتقسيط ، يعني هايطلع عين امي على ما اخلص حسابي معاهم، انت جاي تقر بقى ولا ايه ،
رد فهمي ضاحكًا :
- اَقر دا بس ياعم ، دا انت الخير اللي بتحط في عبك كانه اتحط في عبي على طول ، انا وانت واحد ياابو نسب ولا انت نسيت ان انا السبب في دا كله ؟
شدد على كلماته الأخيرة فرد محروس بتوتر :
- ياعم منستش والله فلوسك ، بس اديك شايف بنفسك اللي خدتهم منك باليمين راحوا في تسديد الديون القديمة وشرا قطن وقماش اشتغل بيه ، هي الورشة اتحركت شوية ، بس بقى فايدتها عايزة صبر .
- ههههه
صدرت منه بسخرية فااكمل :
- انا مالي بالهليلة دي كلها يابرنس ، انا اديتك الفلوس على اساس انها مهر البت ، يبقى ليه التعب بقي في شرح مأساتك ؟
تعرق محروس وانعقد لسانه عن الرد بعد أن ذكره هذا الملعون باتفاقهم.
- سكت ليه يا قلبي ماترد ؟
سأله فهمي بخبث فرد محروس بتلجلج :
- يااافهمي ..مماانا قولتلك.. ان البت هي اللي رافصة
- وانا قولتلك ماليش فيه.
هتف بها بقوة اجفلت محروس وتابع رافعًا حاحبه المقطوع بنصفه:
- انا ساكت يامحروس وصابر عشان انت تميل دماغها ، مش عايز أذيك عشان عيلة عقلها طاقق ، ماتعرفش مصلحتها ولا مصلحة والدها فين ؟ دا انا قاطعت صنف النسوان ياجدع يجي من ٣ اشهر دلوقتي في انتظار البطل....
- عيب يافهمي كلامك البارد ده ، انت بتتكلم عن بنتي.
قالها محروس بمقاطعة حادة لم تؤثر في فهمي الذي اردف بسماجته :
- خلاص ياعم ماتبقاش حنبلي ، انا بس عايزك تحس بيا وتفهم؛ ان البت فارقة قوي معايا ، واخد بالك انت ، فارقة ومعششة في نفوخي .
اومأ له محروس برأسه وقد عصفت بعقله الأفكار ، بعد تورطه مع رجل كفهمي هذا.
...........................

- ادخل .
اردف بها مقتضبة وهو منكفئ بتركيز على مجموعة من العقود أمامه ، دلفت اليه لتضع الملفات التي أمرها بها على سطح المكتب أمامه قائلة بعملية :
- الملفات يافندم اللي انت أمرت بيها .
تناولها وقبل ان ينظر بهم، رفع رأسه اليها فقطب يسألها :
- انت معيطة ؟
نفت تهز برأسها بقوة وكذب مفضوح:
- لا حضرتك انا مكنتش بعيط .
اعتلت وجهه ابتسامة وقد ترك من يده كل الاوراق وفرغ اليها قائلًا بتسلية :
- ولما انت مش معيطة، شكل وشك بقى كدة ليه ؟
- مالي وشي يافندم ؟
ردت بدفاعية جعلته ينهض ليقف مقابلها ، مقربًا المسافة بينهم ليشرح :
- عنيكِ دبلانة اوي عكس ما شوفتها من شوية، الحمار اللي انتشر في بعض مناطق وشك بزيادة ، دا غير كمان مناخيرك اللي بقى شكلها يضحك .
- انا شكلي يضحك ؟
سألته تومئ بسبابتها نحوها فردد هو :
- انا بقول مناخيرك .
اخفضت عيناها صامتة بتوتر من وقوفه بهذا القرب أمامها، وهو يدقق بوجهها وكأنه يحفظها، فقالت بجدية:
- طب انا أمشي دلوقتي يافندم ولا استنى حضرتك على ما تمضي على الأوراق ؟
تحمحم يعود لرشده بعد اندماجه في تفاصيلها ، وعاد لمقعده يتصنع الجمود :
- على العموم تمام يعني لو مش عايزة تعترفي ، بس المهم دلوقتِ بقى انا عايز انبه عليكِ ان في تأخير النهاردة عشان في اجتماع لرؤساء المجموعة ومديري الأقسام ، يعني تعملي حسابك .
- اعمل حسابي ازاي يافندم ؟ هو انتوا هاتتأخروا لإمتى بالظبط؟
سالته فمط شفتيه قائلًا بهدوء :
- مقدرش احدد بالظبط امتى، بس احنا اجتماعتنا بتبقى بالساعات يعني ممكن نجر لبعد تسعة كمان.
- نهار اسود ازاي بقى؟ دا كدة ستي ممكن تطين عيشتي .
دلفت بكلماتها بعفوية اثارت بداخله ابتسامة مستترة، جاهد لعدم إظهارها، فقال متصنعًا الحزم:
- الأمور العائلية دي مش في الشغل يازهرة، خلي بالك من كلامك، واتفضلي بقى عشان انا هاراجع في الملفات قبل ما امضي .
اتم جملته ودنى برأسه ليعود لعمله وينشغل عنها، تحركت هي بتردد ثم استدارت عائدة اليه تهتف بتصميم :
- يافندم معلش بقى حتى لو هاتقولي امور عائلية ، بس انا ماينفعش اتأخر النهاردة بالذات .
التفت اليها يسألها بحدة واهتمام :
- ليه بقى ياست زهرة ماينفعش النهاردة بالذات ؟
فركت أمامه بكفيها وأجابت بتوتر :
- بصراحة بقى النهاردة عندنا فرح في الحارة، ودا بيبقى فيه شرب وحاجات كدة ، وانا اخاف اعدي عالشباب هناك وهما بحالتهم دي، انا مضمنش الظروف.
- وانتِ عرفتي منين انهم بيشربوا؟
سألها مضيقًا عيناه ، اجابته على الفور دون تفكير:
- خالي خالد هو اللي كان بيقولي كدة ، وكان بيمنعني اروح اي فرح غير وانا معاه ، وهو دلوقتِ مش موجود يبقى انا اخلي بالي من نفسي بقى.
ظل صامتًا يحدق بها بغموض ، فسألته هي بنفاذ صبر :
- قولت ايه يافندم بقى ؟ اروح على ميعادي ؟
نفى برأسه قائلًا بإصرار :
- لا يازهرة مش هاتروحي على ميعادك .
اصابها الإحباط فهمت تجادل ولكنه أوقفهًا مردفًا:
- بس انا هاتصرف واخلي السواق والحارس بتاعي يوصلوكي لحد باب البيت، مبسوطة كدة؟
اومأت برأسها صامتة بجمود قبل أن تنصرف من أمامه ، بداخلها تود الصراخ بوجهه والرفض بشكل قاطع ، ولكنه لا يترك لها فرصة بجبروته، ومن الناحية الأخرى وصله اعتراضها مرتسمًا على ملامح وجهها المتجهمة ، التي تفضح مابداخلها حتى لو هي اظهرت العكس ، كم ود لو يطيل حديثه معها فتفصح أكثر عن عائلتها وعن حياتها، تنهد بثقل وهو يهز برأسه ليتسفيق الى عمله ، والذي ما ان اتجه اليه تذكرها ، فرفع رأسه يتمتم بداخله:
- عايزالك دارسة لوحدك يازهرة .
...............................

نعيمي وجحيمهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن