الفصل التاسع

Start from the beginning
                                    

في مكتب الرئيس الجديد كانت واقفة مكانها برهبة في انتظاره ، تنظر من النافذة الزجاجية الكبيرة نحو المناطق الصناعية حولها، وحركة المارة من العمال والموظفين؛ وهم يبدون كالنمل اسفل المبني الشاهق الإرتفاع، التفت رأسها فجأة على صوت الباب الجانبي الذي فُتح على اَخره ليدلف اليها هذا الرجل الذي رأته قريبًا يطول جسده الغريب، بالإضافة الى وسامة وجهه الغربية
- مساء الفل ، اتأخرت عليكي صح .
اردفت خلفه ترد التحية:
- مساء الخير يافندم، عادي ولا. ويهمك .
جلس بحماس على كرسيه يردد وهو يشير لها لتجلس امامه :
- اعملك ايه بقى ؟ ما انت لو جيتي من أول يوم، كان زمانك حاصرة معانا الإجتماع دلوقتي.
أومأت بابتسامة مجاملة:
- تتعوض يافندم ، الجيات أكتر من الريحات، المهم انا كنت عايزة اعرف فين مكتبي عشان احاول افهم النظام من دلوقتي.
اطلق ضحكة مدوية أجفلت من غرابتها قبل أن يردف لها :
- كدة عالحامي على طول ، دا صدق بقى جاسر لما قال انك زي القطر في الشغل .
لم تستجب لدعابته وقد ارتسمت الحيرة على ملامحها وجهها وهي لا تدري ان كان هذا مدح او سخرية ، انتبه هو فقال مصححًا :
- على فكرة انا مش بتريق ، انا قصدي انك بيرفكت يعني ودي حاجة ممتازة طبعًا ولا إيه ؟
اومأ غامزًا بعيناه الجريئة بنظرتها، وابتسامة ماكرة جعلتها تتوتر في حضوره ، حركت هي رأسها بموافقة مدعية الجدية كعادتها وقالت :
- تمام يافندم ممكن بقى اعرف مكتبي فين ؟
- تاني برضوا
اردف بها مطقًا ضحكة اخرى يردد معها:
- طب خدي نفسك حتى وقدريني شوية؛ تشربي معايا حاجة ساقعة أو سخنة ، مش احنا هايبقى معظم الشغل مابينا الأيام اللي جاية برضوا.
اومأت بالموافقة وقد أربكها بكلماته للمرة الثانية.
...................................

وعودة الى زهرة التي كانت منكفئة على الملفات المكدسة أمامها بتركيزٍ قد اوشك على النفاذ منها؛ بعد قضاءها عدة ساعات في العمل بها ، وهي لم تنهي نصفها بعد حتى ، رفعت رأسها عنهم بتأفف وقد اشتد اللألم في رقبتها وظهرها،
- روح ياجاسر ياريان الهي ما توعى تبربش بعنيك ياشيخ .
تمتمت بها بغيظ وهي تتناول هاتفها تتصل على جدتها :
- الوو... ايوة ياستي عاملة ايه دلوقت؟............. البت صفية مرعياكي ولا سابتك ؟............... طب كويس أوي ، اتغدتيتي بقى ولا لسة ............ ليه بس ياستي ماانا قايلالك من الأول اني هاتأخر............ والنبي ياشيخة ماتتعبي قلبي ، انا قولتلك اني هاتأخر يبقى خلاص بقى ........ لا مااضمنش هارجع الساعة كام؟ ..............تمام ياقلبي ولا يهمك بس ماتنسيش تدعيلي والنبي ........ ياروح قلبي، حاضر من عيوني هاجيبلك بسبوسة تحلي بقك بيها ، انت تؤمر ياقمر .
أنهت المكالمة بابتسامة كالعادة، تدخلها عليها رقية بخقة ظلها الدائمة ، ولكنها اختفت فور ان اصطدمت عيناها به، واقفًا بجوار باب مكتبه المفتوح ، واضعًا كفيه بجيبي بنطاله، وكأنه يراقبها!
قطبت تنهض عن كرسيها بامتعاض وقالت على مضض:
- حضرتك عايز حاجة يافندم ؟
تقدم بخطواته ليصل اليها قبل ان يرد بسؤال .
- كنتِ بتكلمي مين ؟
- نعم !
قالتها باستنكار ، فقال مبررًا :
- انا اقصد طبعًا، عشان الشغل اللي سيباه وراكي متكوم ده.
قال وهو يومئ بعيناه نحو الملفات ، ردت هي تجاهد للتحكم في غضبها :
- يافندم ما انا شغالة اهو ومابطلتش دقيقة ، جات يعني على اتصال صغير اطمن بيه على ستي؟ دا انا حتى ماخدتش البريك بتاعي ، ولا ريحت نهائي .
- صمت يحدق بها قليلًا بملامحه الصارمة ثم أومأ بعيناه نحو المكتب قائلًا :
- ماهي السندوتشات قدامك اهي ، ما اكلتيش ليه انتِ بقى؟
رمقت زهرة الشطائر التي وضعها عامل الكافتيريا أمامها على سطح المكتب منذ ساعات في خطوة غريبة، جعلتها تسأل العامل عنها فاأجابها ، بأنه أتى بأمر مباشر من رئيسها؛ رئيس الشركة.
- ما بتروديش ليه ؟ انا بكلمك .
سألها بصوته الأجش ، ردت زهرة كاذبة:
- متشكرة يافندم ، انا مش باكل حاجة برة البيت .
مال برأسه ساخرًا يقول:.
- غرببة يعني، مع ان اول مرة شوفتك فيها هنا في المكتب؛ وكان السندوتش في إيدك ساعتها!
احتدت عيناها وازداد توترها، لتذكيرها بها اللقاء الكارثي مع تذكره لتفصيلة صغيرة كهذه ، فقالت باعتزاز
- بتحصل يافندم، بس لما ابقى جعانة بقى ؛ لكن انا دلوقتِ مش جعانة ولا ليا نفس نهائي .
صمت مرة أخرى يعاود التحديق بها وهي واقفة بتملل، من سهام نظراته المصوبة نحوها ، ثم مالبث ان يرد بلهجة غامضة :
- تمام يازهرة ، روحي انتِ دلوقتِ وكملي بقى بكرة .
رفعت عيناها اليه تسأله بعدم تصديق :
- صح يافندم، يعني انا ممكن اروح دلوقتِ ؟
انتظرته قليلًا قبل أن يجيبها بتمهل وهو يضغط على كلماته :
- كام مرة هاقولك اني مبكررش كلامي يازهرة.
- تمااام .
اردفت بها مقتضبة وهي تومي برأسها بتفهم وعيناها تخفضها عن النظر نحوه، أجفلها بسؤاله :
- هاتروحي مع مين دلوقتِ وكاميليا مش موجودة؟
- هاتروح معايا انا ياجاسر باشا .
صدرت بغتة من الخلف جعلتهم ينتبهون على دلوفها اليهم ، وتابعت:
- انا غادة بنت عمتها ياجاسر ياباشا ، هو انت مش فاكرني؟
اكتفى بأن يلوح لها بكفه وهو يرتد عائدًا الى مكتبه دون ان يرد عليها ، تسمرت غادة قليلًا تتابعه حتى اختفى داخل مكتبه ، تغمغم بانبهار :
- القميص الابيض هاياكل منه حته وهو متقسم مظبوط على العضلات والجسم المفرود ، يخرررب بيت حلاوتك .
بعد انتهائها التفت لزهرة وجدتها جالسة ووجنتها مستريحة على قبضتها المستندة بها على سطح المكتب، تحدق بها مضيقة عيناها .
- ننعم !! بتبصيلي كدة ليه بقى؟
تجاهلت زهرة السؤال وردت بسؤال من عندها :
- انتِ برضوا لحقتي تظبطي مكياجك ؟ لا وتغيريه بالكامل كمان، لهو انتِ بتقضي يومك كله في الحمام يابنتي ؟
تبسمت غادة باستخفاف وهي تجلس أمامها :
- مافيش داعي اني اشرحلك واتعب نفسي ، عشان دي حاجات صعب عليكِ تتعلميها ياروحي ، ياللا بقى خلصينا عشان نعرف نروح ، عشان كمان تعرفي اني بعمل بأصلي رغم خستك وندالتك معايا، انت والمحروسة كاميليا ، لكني جيتلك اهو عشان اخدك تروحي معايا.
ردت زهرة بابتسامة ساخرة:
- كتر خيرك ياست غادة، اخجلتيني بتواضعك حقيقي يعني ، على العموم انا خمس دقايق كدة وهاخلص الملف اللي في إيدي، مش هاخليكي تتأخري أكتر كتير يعني.
- مطت شفتيها وهي تومئ لها بعيناها بعدم اكتراث، ومن داخلها تمتم :
- اصبر نفسي معلش وماله، مش يمكن يطلع من وراها المصلحة ولا الشبكة تلقط بسببها! ويجي الخير اللي بحلم بيه !

..... يتبع
قبل اي شئ حابة اشكر كل اللي بتفاعلوا ويشجعوا برأيهم ، حقيقي الحاجات دي بتفرق جدًا مع الكاتب غشان يقدر يبدع ومايتصابش بالاحباط .
ويالا بقى ماتنسوش ميعادنا على المدونة ، عشان تدعموا الفصل بالمشاهدة والنقر على الاعلان .
#امل_نصر
#بنت_الجنوب

نعيمي وجحيمهاWhere stories live. Discover now