الفصل الثالث

Start from the beginning
                                    

على الأرض الباردة كانت ماتزال داخل أحضان جدتها رغم توقفها عن البكاء منذ فترة، مستمتعة بدفء حنانها، مغمورة بإحساس الأمان الذي تستمده منها؛ رغم ضعفها، ورقية مشدد عليها بذراع والأخرى تلمس على شعرها وظهرها حتى شعرت بارتخائها فقال متصنعة الحزم:
- ايه يابت انتِ هاتنامي ولا إيه؟ لا اصحي كدة يااختي انا مش حملك.
اهتز جسد زهرة، تردف ضاحكة:
- مش حملي ازاي بس؟ دا انتِ خوفتي ابويا ذات نفسه، جيبتي الشدة دا منين يارقية؟
انتفشت رقية قائلة باعتزاز:
- ايوة امال ايه، عشان يتأكد ان وراكي ناس في ضهرك، وما يظنش ان بسفر خالد ابني هيلاقي فرصته بقى عليكي، انا مكسحة اه، لكن عندي حنجرة صوت توصل لمدينة العلمين، هو فاكريني هاينه ولا إيه؟
اهتز جسد زهرة بالضحك مرة اخرى مرددة
- للعلمين! دا انتِ جامدة أوي بقى يارقية.
- اوي اوي.
تمتمت بها رقية وهي تقبل رأس حفيدتها التي انتفضت فجأة منتزعة نفسها منها وسألت :
- صحيح هو ابويا عرف منين اني قبضت النهاردة؟
لوت رقية شفتها بزاوية قائلة بحنق:
- تفتكري هايكون مين يعني ياام العريف، أكيد من إحسان اللي بنتها شغالة معاكي .
استوعبت قليلًا قبل أن تتنهد قائلة بإحباط:
- عندك حق، بس انا هالوم على غادة ليه؟ ماهو اكيد طلب فلوس من عمتي وهي قالتله بحسن نية
رددت خلفها رقية باستهجان:
- بحسن نية! والنبي دا انتٍ اللي طيبة وعلى نيانك .
اومأت زهرة ترمي رأسها لتسلتقي بحجر جدتها:
- طيبة ولا وحشة، هو اصلًا كان يوم غريب من أوله النهاردة، كله عياط وحرقة دم ، رغم الخروجة الحلوة مع البنات.
- ليه يابت؟ هو ايه اللي حصل؟
سألت رقية بفضول فجاوبتها زهرة:
- هاحكيلك ياستي، بس احنا مش المفروض نقوم بقى؟
الأرض باردة عليكِ .
ردت رقية بلهفة أثارت ابتسامة بوجه زهرة:
- ياختي ولا برد ولا حاجة، احكي الأول وبعد كدة نقوم.
....................................
وفي مكانٍ اَخر
بداخل منزل كبير تحاوطه الأشجار الكبيرة بكثافة، تدلت اغصانها على السور الخارجي، الذي انتشر جمع من الحراس الأشداء على أطرافه، فلا يجرؤ أحد غير معلوم للقرب منه إلا بإذن مسبق.
كان بصالة الألعاب الرياضية الكبيرة أسفل المنزل، يتساقط العرق على جبهته وصدره بكثافة وهو يركض بسرعة على جهاز الممشى وكأنه في حلبة سباق ويريد الفوز، صوت انفاسه الهادرة كانت مسموعة، توشك أن تنقطع من فرط اصراره في افراغ طاقة الغضب المستعرة كحمم البركان بداخله، لا يدري متى تنطفئ؟  وقد تعقدت فرص الحل؛ حتى اصبح الخلاص هو المعجزة بحد ذاتها!
أجفل فجأة على صرخة نسائيه دوت بمحيط صالة الألعاب هاتفة بإسمه:
- كفاية بقى باجاسر، هاتموت نفسك.
وكأنه لم يستمع، مستمر بركضه وعيناه نحوها لم تحيد حتى صرخت بصوتٍ أعلى .
- بقولك كفاية بقى، انت مابتسمعش؟
اذعن اخيرًا يبطء من سرعة الجهاز حتى اوقفه، ثم حرك جسده يبتعد بصعوبة وصوت لهاث انفاسه يصدر بحدة .
رفع رأسه اخيرًا ليواجه بأعّين خضراء قاتمة بلونها، تبرق بالغضب وهي تتقدم نحوه حتى لكزته بقبضتها على كتفه العاري :
- انت مجنون، مش خايف لا قلبك يقف وتموت فيها؟ ايه يابني؟ هي دي برضوا عمايل ناس عاقلين ؟
استقام بجسده يتناول المنشفة يجفف بها العرق المتساقط منه، تجاهلها بصمت، وما ان تحرك ليذهب ، استوقفته تجذبه من ذراعه هاتفة بغضب:
- سايبني وماشي على طول من غير كلام، هو انا مش بكلمك يابني انتِ؟
تبسم قائلًا بهدوء، عكس العاصفة الهوجاء الدائرة بداخله
- نعم ياماما، عايزة إيه؟
- عايزة اعرف الغضب اللي جواك دا من إيه؟ اتكلم وقول خليني اسمع منك، بدل الحيرة اللي تاعب قلبي فيها دي.
سألت والدته، فتصنع هو التفكير مضيقًا عيناها بتركيز :
- عايزة تعرفي إيه سبب الغضب اللي جوايا؟ أممم يكونش يعني عشان بنت اخوكي بتسافر وتخرج مع اصحابها رجالة وستات من غير ماتقولي، ولا يمكن عشان دايرة على حل شعرها في السهر مع ناس تعرفها وناس ماتعرفهاش من غير ماتراعي هي بنت مين ولا مرات مين؟
شدد على كلماته الاَخيرة، سألته هي:
- طب ولما انت مضايق اوي من عمايلها كدة، ماتوقفها وتواجها، بدال ماانت وهي كدة كل واحد في عالم لوحده ولا اكنكم متجوزين.
ضيق عيناه سائلًت هو الاَخر:
- اقولها إيه؟
- قولها عاللي مضايقك، حلو مشاكلكم دي مع بعض، بلاش حالة الجمود اللي مسيطرة على علاقتكم دي
اهتزت كتفاه ومط شفتيه مردفًا بعدم اكتراث:
- بس انا مش مهتم اتكلم معاها ولا هاممني حتى حالة الجمود اللي بتقولي عليها دي.
تسمرت تنظر اليه بعدم فهم فتحرك هو مغادرًا ولكنه توقف على ندائها فجأة:
- طب ولما انت مش هامك التفاهم ولا الصلح معاها، شحنة الغضب اللي جواك دي بقى، سببها إيه؟
استدار اليها بملامح قاتمة، ضاغطًا بقبضة يده، يجز على أسنانه ليجيبها بعنف:
- انها على زمتي؟!١
...............................

نعيمي وجحيمهاWhere stories live. Discover now