الفصل الرابع
"لا اتزوج إلا عندما التقي بشخص يُلائم حياتي . "
تلك الجمله سخرت منها كثيرًا عندما سمعتها من رجل ما ، لا يتقبل إلا قناعاته العقيمة ، لذا تحفظت بالجواب لنفسي بدلًا من الخوض في أحاديث فارغة ؛ ( لا يوجد شخص يلائمك تمامًا، يوجد شخص يتنازل من أجلك و تتنازل من أجله لأنكما ترغبان بالبقاء معًا.) أما المعادلات الموزونة تلك تتم بمعمل الكيمياء لست بمعامل اختيار شريك الحياه .****
مكالمة واحدة حولت الرؤية أمامه لسواد حالك جعل خطواته السريعة هائمة رغم صلابة بُنيته الخارجية إلا أن التصدع بروحه تلك المرة ، ليس هناك ما يؤلم الإنسان أكثر من كونه يعيش حالة حزن خامدة معلقة بروح غائب حتى البوح عاجزًا عنه فلا يُريد سواها ليشكو لها عن مرار غيابها ، كانت له وطن عندما غربت أصبح لاجئًا بلا مأوى ، اقتحم غرفة المكتب الخاصة بالطبيب واندفع قائلًا
-يعني إيه اللي سمعته ، مين الناس دول وازاي تسمحوا لهم يقربوا منها !
ثم كور قبضته متحاولا تمالك غضبه وهو يضغط على فكيه
-وأنت اصلا ازاي سايبها وقاعد هنا في مكتبك !! دانا هخلي سنينك سودة .
نهض الطبيب المرتدي سترته البيضاء بهدوء وقال
-اهدى يا هشام وتعالي اقعد !
هدوءه أدى إلى انفعال هشام أكثر ونهره
-أنت لسه هتقول لي أقعد ! مراتي فين بقولك ؟ وإلا هقفلكم المستشفى دي .
حينها دخل مجدي ثم تابعته رهف وسعاد ، فاقترب منه الأول وربت على كتفه
-استنى يا هشام نفهم ..
اندفعت سعاد ناحية الطبيب
-ما تطمن قلبي يا بني وقول لي حصل إيه للغلبانة دي ، وسابت أوضتها وراحت فين بس !
لم يعط هشام فرصة للطبيب أن يتفوه وسرعان ما قبض على ياقته ورجه بعنفوان
-أنت شايفنا هنموت من القلق وواقف تتفرج .
زرع مجدي نفسه بينهم ليفك قبضة يد هشام الممسكة بالطبيب بعناء
-اعقل يا هشام وحكم عقلك يا اخي .
شرع الطبيب في هندمة ملابسه ولا زال محافظًا على هدوءه وقال
-فجر فاقت يا هشام !
شهقة قوية اندلعت من جوف الجميع وبعدها صمتت الألسن وتفجرت برك الأعين ، تلقى خبر إفاقتها كتلقي جمرة نار البُعاد بمياه النيل ، صعقه الخبر ، ألف سناريو دار برأسه ، لهفته شوقها الكثير لبريقها ولمعة حضورها ، كرباج خطأه مر على جروحه مرة آخرى وبات نزيفها خوفًا تلك المرة من فُقدانها الحتمي ، صدح صوت الشوق بقلبه معلنًا برغبته القوية بأنه يفتقدها.. ولكن صوت الندم لجمه صارخًا بأن ذلك لم يعُد كافيًا لتغفر ، لان بعض الأخطاء غير قابلة للتبرير .. تبريرها الوحيد اعتذار، وأي شيء آخر سيزيدها سوء.
حروبه الداخلية عزلته عن أحاديث من حوله ، لبس معطف القوة فوق رداء الحب ونطق قائلًا
-هي فين ، عايز اشوفها .
تحرك الطبيب أمامه صوب مقعد مكتبه وقال
-اللي حصل كالاتي ، في حد اقتحم غرفة المدام ورفع كل الاجهزة عنها ، وفي نفس الوقت كان فيه استف كامل من الدكاترة الأجانب بيسألوا عنها تحت ومعاهم أمر برعايتها .. وكمان مش بس كده وو
اندفع هشام بقوته
-أنا مش عايزه اسمع حاجه قبل ما اشوفها هي فين ؟
أومأ الطبيب متفهمًا ثم ضغط على الجرس اقصى يمينه ، أتت الممرضة الي الغرفه فأمرها الطبيب
-وصلي هشام بيه لغرفة مراته .
اندفع هشام نحوها بحماس ولكن اوقفه نداء الطبيب قائلًا
-خلي بالك يا هشام لانها مش هتكون فاكراك أصلا ..
شهقت سعاد بحرقة وانهارت في البُكاء
-البت جرالها ايه يا دكتور.
شحب وجه هشام وتصلبت قدميه مكانهما أرخى الشغف سدوله وتحول إلي صدمة
-إيه !!
همَ الجميع كي يلحقون بهشام ولكن أوقفهما نداء الطبيب قائلاً
-لو سمحتوا ، سيبوا هشام يقابلها لوحده .
ثم جلس على مقعده واكمل
-مجدى بيه في تفاصيل كتير لازم تعرفها لان هشام مش في وعيه عشان يسمع حاجه .
****
-مسافر ؟! إيه التهريج ده ؟!
كنت تلك الجُملة الاخيرة التي تفوهت بها عايده كرد فعل منها على خبر سفر ابنها ، سعل منير بوهن ثم قال بصوت يكسوه التعب
-استني يا عايده نفهم !
-استنى ايه ؟ بسمة أنت موافقة على الجنان ده !
انفعل زياد بنفاذ صبر
-وأنا طالع اتفسح يا ماما ! دي منحة ألف غيري يتمناها .
-بس الألف دول فيهم اللي محتاجها ! لكن أنت ناقصك إيه ؟
تدخلت بسمة آنذاك وقالت
-ده مستقبله يا خالتو !
-يعني أنت مسافره معاه ؟
سألتها عايدة بنبرة لامعه ببريق الأمل أن تتلقى الاجابه والموافقة ولكن سرعان من طمستها بسمة بالنفي وقالت بتردد
-ماينفعش .
فأعلنت عايدة بتحدٍ
-زي ما ينفعش كدا تسافر من غير مراتك ، ولو جاي تاخد رأيي يا زياد فأنا مش موافقة ولا موافقة تغيب عني كل ده ! احنا هنلم شمل العيلة دي أمتى ؟! هنعيش متفرقين لأمتى !
فهم زياد ما تشير إليه أمه بصورة غير مباشرة فأنها تخشي أن ينقلب حاله ويعود لأيام طيشه الذي سيخسره حياته الفعلية تلك المرة وحينها سيصبح غير جديرا بالعفو ، ساد الصمت بينهم وتركت الأعين أسهم الشكوك تتبادل بينهم ، تنهد زياد بعجز المُجبر ، السفر في ذلك الوقت تحديدًا أفسد عليه حياته الجديدة ولكن ما باليد حيلة ، الجميع مجبر على السير في طرق لا ينتمى إليها ولكن رغم عنه يخطوها لأن أحلامه معلقة بنهاية الطريق مهما كلفت الرحلة ، الوضع بات أشبه بحفلة سخيفة مهما انعدمت رغبتنا فيها ما أن وصلنا إليها سنغني ونتراقص .
رن هاتف منزل بسمة فغادرت مجلسهم لتحضره وما هى إلا لحظات وعادت إليهم وهى تتحدث مع رهف بلهفة مردده
-إيه فجر فاقت !! معقولة ! لالا أنا جيالكم حالًا مع زياد .
صُعقت عايدة بالخبر الذي قضى على ما تبقى منها وقالت بضيق
-فاقت !
أيدت بسمة كلمتها بفرحة
-ااه يا خالتو فاقت فاقت ، يلا يازياد نروح لهم .
اخذت تتبسم في هدوء عجيب مناقض لمجرى الأحداث
-وأنا اللي افتكرت ربنا عمل كده عشان يوعي هشام ، أهي رجعت وبوظت كل اللي مخططاله .
حدجها منير بعتب
-البنت غلبانه يا عايدة ، حرام عليكي .
-غلبانه وطيبة معاك ، لكن متناسبناش يا منير ! الواحد عايز عيلة يتسند عليها هو وولاده بعدين ، الحب مش بيمشي مصالح في الدنيا دي .
-بس بيمشي الحياة ويوقفها ، من غير حب مش هنعرف نعيش ، ولا ايه رأيك ! البنت مش ذنبها أنها فقيرة ولا ده شيء يعيبها .
اخجلها حديث منير المُقنع فقالت بارتباك
-بس متشرفنيش .
تدارك منير فقر التفاهم بينهم فقرر أن يرمي كرته في ملعبها بمهارة
-وأنتِ تشرفي بلد كامله يا كوين هانم مش محتاجة حد يقلل ولا يزود منك ، أنت تكفي .
سرت قشعريرة تقبل الأمر مجبرة بجوفها بابتسامه بدت على ملامحها وهى تغير مسار الحديث بينهم
-أنت بقيت أحسن دلوقت! أجيبلك تاكل .
****
في الحب واجب عليك أن تدفع الثمن مرتين ، مرة للحصول عليه وآخرى للتخلص منه ، ولكن ما سيكون الثمن الذي سيدفعه هشام !
تحولت خطواته السريعة التى تأكل خطاوي الأرض إلي خطوات سُلحفيه أمام أعتاب غُرفتها ، طالعته الممرضة بهدوء وأشارت
-دي غُرفتها الجديدة ، أهم حاجة الوضع النفسي بتاعها مش هوصيك.
انصرفت الممرضة عقب جملتها الأخيرة فتوقف هشام حائرا أمام الباب يواجه جيش الاسئلة التي انهالت فوق رأسه ، كيف سيتعامل مع من انتظر عودتها لأشهر وعندما عادت إليه كان ساقطًا من ذاكرتها ، هل جزاء التوق في لهب الحب النسيان ولا ربما تكمن الحكم في الابتلاءات وشاء القدر أن يمنحهما صفحة بيضاء من جديد ! كيف سيقتحم حياتها من جديد وهو بهذا الكم الهائل من الشوق إليها الذي لا يرويه إلا عناق طويل !
لامست أنامله مقبض الباب ولكنه توقف حائرًا ؛ ماذا سيكون رده عندما تسأله عما أدي بها إلى هنا ! سيكذب عليها ويبدأ صفحتهما بنقطة سوداء أم سيصارحها بالحقيقة التي ستطمس الورقة بأكملها ! صدح الشوق بصدره وحاصرته براثين الخوف والقلق ، ماذا ستكون النسخة الجديدة منها ؟ القديمة أرهقته في حُبها كثيرًا ، إذن فالجديدة ستسطر خاتمته بسحرها !
لا يعلم هذا من حسن حظه ولا من سوءه أن يقع في غرام إمرأة تشبه البحر ، ولكن الفارق العملاق بينهما أن الغرق فيها نجاة ، أخذ نفس عميق قطع به ثوب مخاوفه ورفع عيناه متمنيًا ( أرجوك تدلني على موطئ أقدامي بدون توهان ، ألا يمّر بنا العمر في طرق لا تنتهي من محاولاتٍ يتبعها تعثّر.)
أنت تقرأ
الحرب لاجلك سلام
Romanceاذا مست فتاة كبرياء رجل اما ان يقتلها او يقُتل فيها عشقا .. انتصرت صمت عيونها على مسدسه الكاتم للصوت .. امامها قرر أن يخلع عباءة الشرقي المكونه من خيوط التهديد والتوعد الى متيم لا ملجأ له الا إليها .. ♥️ #الرائد_هشام_السيوفى & فجر♥️ الحرب لاجلك سلا...