الجُزء الثالِث والثَلاثين|صِراعات وِجدانيّة

18.7K 1K 1.1K
                                    

الجُزء الثالِث والثَلاثين| " أنت الذي أغويت قلبي
‏بالوصل حتى نلتهُ
‏ فأتاك مؤمناً لايسأل
‏ ثمّ بعد الدلال فجعتهُ
‏ وجعلتهُ عظةً لمن لايعقلُ
‏ أتذكر العهد الذي لي قلتهُ
‏ الغدر بين قلوبنا لايُقبل
‏ها أنت أهملتَ الفؤاد وخُنتهُ
‏ للهِ ذنبُك
أمثل قلبي يُهملُ؟.."
* * *

القوّة الحَقيقيّة لا تَكمَن في النِسيان
بَل في التَخطي، في تَجاوز كُل الأشياء المؤذيّة، في تَجاوز الألَم الناتِج عَن الذِكرى، أن تَمُر ذِكرى الجَرح دون أن تُثير أي شُعور، هُنا يَكمَن الإنتِصار الحَقيقي، ومَع مرور الزَمن يُدرِك المَرء أن الأذيّة لَيسَت بِالضرورَة لِلحُزن، بَل لِتَجعلنا أقوى وأنضَج مِن السابِق، لِأن في مَرحلَةً ما عَلينا الإرتِجال والخروج عَن النَص، لِلعب الدور الحَقيقي الذي يُناسِبنا، لِنكتَشِف الجوهَر الداخِلي الذي نَمتَلِكَهُ، لِنُدرِك أن لَيس مِن المُهِم وجود الناس فَقط لِألّا نَعيش وَحيدين، فَحينَها لَن يُشكِّل الأمر فارِقًا، لا بَأس بِالوحدَة طالَما لا وجود لِمَن يُناسِب أرواحَنا وَعقولَنا، فَبِكلتا الحالَتين سنكون وحيدين مَع مَن لا يَفهمنا، تكمَن القوّة الحَقيقيّة في قُدرَة المَرء على الإستِناد على نَفسَهُ، حَتى يُصبِح وجود الناس حولَهُ شَيء ثانوي، غيابَهُم لا يؤذي، لِأن القيمَة التي عَلينا إعطاءَها قَبل كُل شَيء هي لِأنفُسنا، ثُم يأتي أيًا كان بَعد ذٰلِك..

* * *

نَظرَت يولاند لَهُ وهي تَشعُر بِأن كُل ما حولَها توقّف عَن الحَركَة، كُل ما كانَت تراهُ هو عَيناه التي تتأمّلَها مَع لويس أنطوان، رُبما داهَمها شعور بِالخوف مِمّا سيفعلَهُ حينذاك، ولٰكِنّهُ كان مُتَّزِنًا كَعادَتَهُ، لا شَيء بِإمكانَهُ إثارَة داخِلَهُ، حتى هي، كانَت دائِمًا تُفكِّر بِكَيف تَجاهَلت كُل شَيء، وتشبّثَت بِه، بِالرُغم مِن وضوح ما كان أمامَها، بِالرُغم مِن كُل ما سَمِعتَهُ مِنه، هو لَم يَكذِب أبدًا، حينَما أخبرَها بِأنّهُ قاسٍ مُتخلٍ ولا يُطالِب أحدَهُم بِالبَقاء، حتى وإن تخطّاها هي لَن تَفعل، لِأنّهُ كان دائِمًا لَديهِ ذٰلِك الطابِع صَعب النِسيان، ولِأن مَن يَصنعون فارِقًا كَبيرًا في شخصيّة المَرء لا يعبرون كَأي عابِر، لِهٰذا كانَت رؤيتَهُ دائِمًا تُثير في داخِلَها إضطِرابًا مُزعِجًا، أمّا الرَجُل الذي يَجلِس بِجانِبَها فَكان واضِحًا وصريحًا مَعَها، في نيتّهُ الحقيقيّة تِجهاها، كان مُصمِمًا على مُطارَدَتها، وكان مُزعِجًا بِشكلٍ يُثير غَضبَها، لا تَعلَم لِماذا حظّها العاثِر يَجعلَها تتعثر بِرسامين مُختلّين عَقليًا، أخذَت كأسَها وَقبل أن تَقِف قَررت أن تُجيب لويس الذي كان ينتظر سَماع إجابَتها، بِنَبرَة هادِئَة وهي لا تَنظُر لَهُ..

أســود II |إكتِشاف المجهول ☔︎ ✓حيث تعيش القصص. اكتشف الآن