الجُزء الثاني والثَلاثين|الحَنين لِما مَضى

17.8K 1K 1.3K
                                    

الجُزء الثاني والثَلاثين| " جفاءُ البُعدِ قد بَانا
‏ولم أنساك أحيانا
‏فليس سواك يسكنني
‏بما يأتي وما كانَ
‏ملاكٌ في سِماك أرى
‏ولو حسِبوك إنسانا
‏فَمَن قال الجوى وهمٌ
‏كفى بالدّمع برهانا
‏صبرت كصبْر يَعقوب
‏فأينَ قميصُكَ الآنا؟.."
* * *

كَم هي صَعبَة فِكرَة أن تَرى كُل ما حولَك يستَمِر بالعَيش دون أن يَقِف شيء ليُعزي حُزنَك، وَحدَك مَع ذاتَك في ليالي الوِحدَة القاسيَة تُفكِّر بِكُل الأشخاص الّذين غادروك، وحَدك تعد خيباتَك وتعُض على قلبَك ندمًا، بِسَبب عطاءكَ المُتَكرِر والذي لَم يُثمِر إلّا خيبَة وألَم، وحدَك تَنتَظِر أحدَهُم ليقول لَك بِأنّها خُدعَة، وأن من تُحِب لايزال واقِفًا بِالجوار ينتَظِرَك لِتُكمِل الطَريق بِرِفقتَهُ، ولٰكِن أيًا مِن هٰذا لا يَحدُث، تبقى الأُمنيات مُستحيلَة، وكُل مَن ذَهب لا يُعيدَهُ شَيء، لا الدموع، لا الكَلِمات ولا حَتى الرَجاء..

هل يَقسو المرء بَعد لينَهُ!
هٰذا ما يَحدُث دائِمًا، حتى لا يتبقّى مَن يُسرِف بِمشاعِرَهُ لِحد التهور، حتى يُصبِح كُل مَن على الأرض قاسيًا مُتمردًا، ينفُر مِن أي شعور بِالأُلفَة، وحدَها الخيبات العَظيمَة بِأكثر مَن كُنّا مُتمسكين بِهُم، تُعلِّمنا أن لا وجود على هٰذِه الأرض مَن يستَحِق التضحيَة سِوى النَفس، وأن السقوط عِشقًا قد يكون مؤلِمًا لِلحد الذي يَجعلَك تُلقي بِنفسَك تذلُلًا، وحدَهُم الّذين أعطيناهُم بِسخاء، مَن يَجعلونا نَبخَل على أي أحد قَد يقتَرِب مُستقبلًا، ومَن يَسلبون مِنّا براءة الشعور، وعفويّة التصرُّف، لِنعود بعد ذٰلِك حَذرين وكأننا نَمشي على طَريق مليئَة بالشوك، والألغام، هُناك شَخص واحِد يُعلِّمَك كُل هٰذا، وكُل الزوّار بَعدَهُ ضحاياه..

* * *

نَظرَة عَيناه تِلك لَم تتغيّر، كُل ما تغيَّر فيهِ هو أن الشَعر الأبيض أصبَح طاغيًا، وبِالرُغم مِن ذٰلِك كان لايزال يَبدو وسيمًا وأنيقًا كَعادَتَهُ، نَظرَت ليدَهُ المُمتَدّة نَحوَها، لا تَستَطيع تَصديق رؤيتَهُ أمامَها، وتصرُّفَهُ العادي مَعَها وكَأنّهُ لَم يَحدُث مُسبقًا بينَهُم حَرب، لاتزال تَشعُر بِالحِقد تِجاهَهُ، لا تَنسى ما جَعلها تَعيشَهُ، وكُل المَشاعِر السيئة التي جرّبتَها بِسبَبَهُ، لِذا بِنفور واضِح أردَفت والرَفض جليًا في عَينيها السوداء..

" لا أُريد الرَقص.."

كانَت تُريد أن تَمضي في طَريقَها، وَلٰكِنّهُ مَنعَها بِجسدَهُ الطَويل، واقِفًا أمامَها، أخذ كأس الشمبانيا مِن يدَها، وأعادَهُ لِأحد العامِلين الّذين كانوا مُنتَشرين في كُل مَكان، كانَت مصدومَة مِن تَصرُّفَهُ، وكَيف كان دكتاتوري وهو يمنَعَها مِن المرور، وقَبل أن تَعتَرِض، جَذبَها مِن يدَها نَحوَهُ وهو يُخاطِبَها بِإبتِسامَة مُتلاعِبَة لا يتخلّى عَنها..

أســود II |إكتِشاف المجهول ☔︎ ✓حيث تعيش القصص. اكتشف الآن