أسيرة الظل

By salwa_mohamedelsayed

96.4K 6.2K 1.1K

هل هي هدية من السماء، أم ابنة للشيطان كما قالوا عنها؟ حكاية فتاة سُجنت خلف قضبان الجهل.. فتاة تهرب دوماً من ض... More

أسيرة الظل 1
أسيرة الظل 2 Salwa M
أسيرة الظل 3 Salwa M
أسيرة الظل 4 Salwa M
أسيرة الظل SalwaM 5
أسيرة الظل SalwaM 6
أسيرة الظل Salwa M 7
أسيرة الظل 8 Salwa M
أسيرة الظل9 SalwaM
اسيرة الظل 10 Salwa M
Salwa M 11 أسيرة الظل
أسيرة الظل Salwa M 13
أسيرة الظل Salwa M 14
أسيرة الظل Salwa M 15
أسيرة الظل Salwa M 16
أسيرة الظل Salwa M 17
أسيرة الظل Salwa M 18
أسيرة الظل Salwa M 19
أسيرة الظل Salwa M 20
أسيرة الظل Salwa M 21
أسيرة الظل Salwa M 22
أسيرة الظل Salwa M 23
أسيرة الظل Salwa M 24
أسيرة الظل Salwa M 25
أسيرة الظل Salwa M 26

أسيرة الظل 12 Salwa M

2.9K 189 37
By salwa_mohamedelsayed

أسيرة الظل
الفصل الثاني عشر

بعدما وصله خبر موت ابنته غرقاً في البحر على يد القراصنة، تلاطمت به المشاعر، فصار كورقة شجر حملتها الرياح لتلقي بها في أحضان موج بحر هائج.. الغضب لإنه أرسلها بعيداً عنه.. الحزن لإنه لن يرآها ثانية، و لأنها لم تشعر في حياتها القصيرة سوى بالحزن و النبذ من كل من عرفوها، حتى هو نفسه.. اليأس لإنه صار وحيداً في هذه الدنيا، كمأفون سقط تحت رحمة لعنة شريرة.. الخوف.. نعم الخوف.. الخوف من أن تتكرر مآساته إن تزوج مرة أخرى، أن يجلب للدنيا طفلاً تعيساً أخر، لا يجد الحب الذي يحتاجه.

مرت بضعة سنوات، أهمل فيها نفسه، و زهد الدنيا، لتسقط مملكته في أيدي الطامعين من حاشيته، إلى أن جآء يوم تغير فيه كل شيء عندما دخلت تلك الفتاة الشابة إلى القصر، و سمعها تصيح في حراسه بأنها تريد مقابلة الملك، و أنها لن تغادر إلا بعد مقابلته. فتح نافذته، فرأى حراسه يدفعونها بقسوة على الأرض في محاولة لإرهابها، كي تغادر، إلا أن ذلك زاد من إصرارها على موقفها، و علو صوتها، فصاحت:
"أتدفعون امرأة جاءت في مظلمة للملك بهذه القسوة يا حماة الحمى؟!!! لإن لم يقابلني الملك، لأشتكيه لمن هو أقوى منه و منكم!"
"و من هو ذاك، يا امرأة؟!"
"ملك الملوك القوي الجبار، الذي خلقني و إياكم!"
"حسناً.. إذهبي من هنا، و إلا زججنا بكِ إلى السجن حتى يوم الحساب!"
هنا لم يتمالك الملك نفسه من الغضب، فصاح:
"أيها الحراس! تعالوا جميعاً إلى قاعة الملك، و أحضروا هذه المرأة معكم! فوراً!!! أسمعتم؟!!!"
"السمع و الطاعة، يا مولاي!"

وصل إلى قاعة الحكم، لينظر في شأن المرأة الشابة، و في شأن حراسه، خاطب حراسه أولاً فقال لهم:
"تخبركم تلك المرأة بأنها ستتظلم للذي خلقها و إيّانا، فتسخرون منها؟!!! تباً لكم!! من أمر بمنع الناس عني؟ تكلموا، و إلا أصدرت أمراً ببتر* أعناقكم* في التو و الحال!!!"
" إنها أوامر الوزير يا مولاي... لاذنب لنا!"
"فليرسل أحد لطلب الوزير، و لتجمع أفراد الحاشية جميعاً الآن! هيا!!!!"

وسط الهرج و المرج الذي حدث، بسبب غضب الملك، الذي كان يزأر بأوامره كأسد إستيقظ من سباته*، كان كل من الملك، و الشابة الواقفة، يتمعن في الأخر.. كلما أدارا أعينهما عن بعضهما، عادت النظرات من تلقاء نفسها، فصار الانجذاب بينهما  كزهرة تلفت بعطرها الفواح إنتباه الفراشات. لتدور هذه الأفكار في عقل كل منهما..
'إنها تشبه زوجتى الراحلة كثيراً، ليست بمثل حسنها، و لكن روحها، و هيئتها.. إن لها نفس شجاعتها أيضاً.. بل أشجع، فشجاعة زوجتي كانت مشبعة بسلطتها كونها من بيت ملكي و زوجة ملك، أما هذه الفتاة الرثة* الثياب، فتبدو من بيت فقير، و مع ذلك تقف كملكة لا تهاب* إلا الله.'
'كم يبدو وسيماً! لا أظنه ظالم كما يقول العامة، فا هو ذا يهبُ لنجدتي من بطش*الحراس، و لم يكن يدري شيئاً عن أن الوزير يمنع العامة من التظلم له. لولا الحزن الذي يملأ عينيه الآسرتين، لبدا أكثر وسامة و أصغر سناً.'

إعتلت الحمرة وجنتيها عندما أدركت أن الملك يخاطبها، و هي شاردة في وسامة ملامحه، و حاولت أن تركز في أسئلته لها.
" مممعذرة، يا مولاي، لم أسمع ما قلته.."
تبسم الملك و عاود سؤاله، " سألتك عن مظلمتك، يا امرأة."
"إحمم.. إن الوزير قد أرسل في جمع الضرائب لبيت المال، و محصول والدي لم يأتي بثماره هذا العام، فلم يتمكن من دفع الضريبة التي تزيد كل عام أضعافاً مضاعفة، لقد بعنا كل شيء نملكه، فلم يتبقى لنا سوى الكوخ الذي أصبح فارغاً من أساسه، و قطعة الأرض الصغيرة التي نملكها. كل النقود التي كانت بحوذتنا قمنا بدفعها، لكنها لم تكن كافية، فأمر الوزير بأن تُصادر قطعة الأرض لصالحه، و أن يُسجن أبي لعدم سداده المبلغ كاملاً. ليس والدي الوحيد الذي عانى من ذلك، ففي سجونك يا مولاي، العديد من الأبرياء.."

توقفت لأنها رأت السعير المشتعل في عينيه.. في قبضتيه القويتين.. في ملامح وجه التي صارت جامدة كتمثال حجري لمحارب على وشك بدء قتاله ضد العدو، لكنه لم يقل شيئاً.. فقط أدار عينيه لوزيره الذي حضر مهرولاً، يرتجف كفرع متدلي لشجرة صفصاف في مهب الريح. تحت قوة هذه النظرة، ركع الوزير يطلب الرحمة، فقد علم الأخير أن سُبات الأسد الجريح، الذي إنزوى* بعيداً عن أعين الناس ليلعق* جراحه، قد إنتهى. لا شفقة الآن به، لكن ذلك لم يمنعه من المحاولة.
"الرحمة يا مولاي!!"
"تطلب شيئاً منعته عن المساكين و الأبرياء! من ساندك في ذلك، يا وزيري العزيز؟"
"الأمير شمس الدين، و الأمير زُهير، و الأمير جمجوم، و مسئول بيت المال، و رئيس الحرس..."

كلما نطق اسماً، ركع صاحبه أمام الملك يطلب الرحمة، فنظر الملك لكاتبه الذي يسجل الأسماء في مكتوب، و طلب منه أن ينسخ منشوراً يوزع في أرجاء مملكته بحكمه بأن تُقطع فيه أيدي كل من ظلم العامة، و أن يجلد كل منهم مائة جلدة أمام أعين الناس و أسماعهم، أما الجلادون، فسيكونوا نفس الأبرياء الذين سجنوا باطلاً، و ستصادر أملاك كل السارقين لصالح الفقراء و المساكين، لتوزع بالقسط بينهم، و سيُفرج عن كل من سجن قهراً و ترد لهم أموالهم من بيت المال، و أن تخفض قيمة الضرائب لما كانت عليه سابقاً قبل تولي الوزير جمعها بالباطل."
" أما أنت، يا امرأة، فهل تقبلين الزواج بي؟ فمن لها مثل شجاعتك، هي خير امرأة تصلح لتكون ملكة لهذه البلاد.. أم أنك تخشين أن تصيبك اللعنة أنت أيضاً."
"بل أقبل حتى و إن أنجبت لك الشيطان نفسه."
تعجب كل منهما للكلمات التي خرجت من بين شفاههما، فقد أذهل نفسه لطلبه الزواج منها، و هي الأخرى تفاجأت بقبولها السريع دون تفكير، لكن ذلك لم يمنعهما من تبادل الإبتسامات.

و هكذا عاد العدل لمملكته، و منحه الله الزوجة الصالحة القوية، و كأرض خصبة أنبتت فور أن جرت بين حناياها المياة، حملت الملكة، لكن هذا الخبر كان مرعباً للملك الذي تعلق بزوجته حباً كان أشد قوة من حبه لزوجته الأولى. فقد كانت مرحة ذكية شجاعة حنوناً، لا تخشى مواجهته إذا قصر في حق رعيته، و لأنها كانت تعلم ما به دون أن تخرج كلمة من فمه، فقد فهمت ما يدور داخل عقله، لذا أخبرته يوماً:
" هاك قبلة على جبين زوجي الحبيب، كي لا يتجعد من العبوس* بسبب كثرة التفكير، و قبلة على وجنته كي يبتسم، و قبلة على كل كف له كي لا تتحطم عظام راحتيه من الإنقباض. دع الأمر لله، يا زوجي، و لا تخشى شيئاً، فزوجتك قوية كالثور."
"بل في رقة الفراشة، و رشاقة الغزال."
سخرت ضاحكة، " تقصد الفيل، أُنظر إلى حجم بطني! يا إلهي أشعر أنني أحمل طفلين و ليس طفلاً واحداً.. أظن أنني سألد مصارعاً. يا إلهي! لما تبكي الأن يا رجل؟!"
"أخشى أن أخسرك أنت أيضاً."
"ضع ثقتك بالله، و لا تخشى شيئاً، حتى و إن غادرت الدنيا، سأطاردك كشبح مرعب.. ههههههههههه!"
حاول الإبتسام لأجل خاطرها، لكن الخوف لازمهُ، و ظل يطارده حتى موعد الولادة. عندما سمع أنينها، و صراخها الذي صار عويلاً، لم يستطع المكوث في مكانه، ركب حصانه في الليل البهيم* مطارداً القمر الذي صار بدراً، فرأى فيه وجه ابنته. كانت الدموع تنهمر من عينيه، كطفل صغير ضعيف بلا حول و لا قوة. أوقف حصانه، و هبط متضرعاً* لله.
"ياااااا رب! إما أن تنزع محبتها من قلبي، و لا تجعلني متعلقاً بها، و إما تتركها معي في هذه الدنيا أو تقبض روحي قبلها. يااااا رب! أرضني بقضائك مهما كان يا أرحم الراحمين!"

ظل يبكي بشدة، إلى أن ألهمه الله السكينة، فعاود ركوب جواده، و رجع ببطئ إلى قصره. كان يؤخر الخُطا، كي يؤجل مواجهته لسوء ظنه، حينا وصل لباب غرفة زوجته، سمع بكاء الصغير. كل شيء يتكرر مرة أخرى.. كل شيء. إلا أنه فور دخوله، رأى زوجته باسمة على فراشها حاملة رضيعها تلقمه* ثديها. نظر للرضيع الذي لم يظهر منه شيء سوى شعره الأسود.. شعره الأسود!!! وثب على الفراش ينظر للصغير الحنطي* البشرة، ثم لزوجته التى ملأ الجزل عينيها الجميلة الواسعة الكثيفة الرموش، ثم تبادلا الضحكات و الدموع. أخذ يقبلها و الصغير حتى صاحت به زوجته ضاحكة:
"يا إلهي لم تقتلني الولادة و لا مخاضها، و لا حجم ولدك الضخم، و لكنك ستخنقني و إياه من كثرة الضحك و القبلات!"
"آسف عزيزتي! يا إلهي! الحمد لك يا الله! الحمد لك يا ربي! فلتقام الولائم و لتوزع العطايا على رعاياي إحتفالاً بمجيء بدر.. الأمير بدر."
"حسناً، يا زوجي الحبيب. فلنسمه بدراً."

و لأول مرة منذ زمن بعيد، يعاود السرور التغلغل لقلب الملك، الذي منحه الله فرصة ثانية ليلحق بركب السعادة، لكنه ظل محتفظاً بمكان في قلبه لزهرة مسكينة لم تعش طويلاً معه اسمها لُجين. لم يكن يدري أنها حية في مكان ما على هذه البسيطة*، و أنها كانت نائمة، و لأول مرة  في حلم، ترى والدها بوجهٍ باسم سعيد غير باكٍ.

*بتر: قطع
*أعناق: رقاب
*سبات: نوم
*تهاب: تخشى، تخاف بشدة
*رثة: مهترئة، بالية
*بطش: عنف، فتك
*إنزوى: إبتعد، نأى
*يلعق: يلحس بلسانه
*العبوس: التكشير
*متضرعاً: راجياً
*البهيم: المظلم، الحالك السواد
*الحنطي: له لون الحِنطة، و الحنطة هي القمح.. أي لون بشرته ليس بأشقر و لا بأسود
*البسيطة: الأرض

Continue Reading

You'll Also Like

344K 14.1K 162
جمان الفريد
77.7K 1.9K 35
الانثى... لاتستحق ان يقسى عليها 💔الا في عناقها 💗
8.6K 25 1
سوي متابعه وانتظر كل جديد
10K 716 35
وطن