أسيرة الظل Salwa M 21

2.9K 215 62
                                    

أسيرة الظل
الفصل الحادي العشرون
"حينما تولدين و في فمك ملعقة من ذهب، يصبح كل شيء من المسلمات. منذ ولادتي، و الكل يعلم مكانتي كوليٍّ لعرش أبي. كل طلباتي مجابه.. أي أمنية ينطق بها لساني تلبى في الحال، بل وصل الأمر أحياناً أن يفهمها من يقوم على خدمتي بدون أن أعطي الآمر لذلك. كانت مجرد النظرة تكفي.

و لإن والدتي قد ماتت أثناء ولادة أخي الأصغر، قام أبي بتدليلنا لدرجة الفساد، و نفس الشيء حدث مع زوجاته اللاتي كن يحاولن كسب حبنا إرضاءاً لأبي. كنت شاباً جامحاً، أعشق النزال و ركوب الخيل و النساء، ما من امرأة إشتهتها نفسي إلا و ملكتها، مهما كانت الموانع و الصعاب. كنَّ بالنسبة لي كالدمى و الزهور التي نتسلى بها ثم نلقيها بعد أن نملَّ منها.

أما أخي الأصغر، رستم، فكان مثالأ للشاب الوديع الذي رغم التدليل، كان الأرجح عقلاً، و الأكثر نضجاً. كانت الكتب بالنسبة له عشقاً لا يضاهيه شيء سوى حبه لأوزلام..."
"ماذا؟ أتعني أن أخاك الأصغر يحب تلك الأفعى؟!"
"بل مولع بها! و كنت أنا من الخسة و الدناءة لدرجة أنني كنت أغويها كي تقع في شباكي."
"شباكك..! أرى أنك و أخاك كنتما كفأرين يرقصان أمام قط خبيث يحرككما تبعاً لأهوائه. إن جلّ ما تريده تلك الشمطاء هو أن تجلس على كرسي العرش بأي منكما أو بدونكما."
"لقد كانت شديدة البراءة.. بارعة الجمال. لم توجد امرأة على وجه البسيطة تضاهيها جمالاً."

كانت الغيرة وحشاً ينهش في قلب لُجين و هي تسمع إفتتان زوجها بامرأة غيرها. آهٍ! كم تود لو تنزع لسانه من فمه كي يتوقف، لكنه أكمل حكايته، و كأنه كان ينتظر من يعطه فرصة للكلام ليخرج ما كان حبيس في داخل روحه.

"و كنت أنا متيم بالجمال، عشقت ملامحها، و ظننت نفسي غارقاً في حبها، رغم معرفتي بأن أخي قد سبقني غرقاً في بحر بهائها. كانت ابنة عمنا الراحل و تربت معنا، عشقها رستم منذ كنا صغاراً، أما أنا، فانجذبت لها بعد أن بلغت و أستدار جسدها، و لإن رستم كان دوماً خجولاً، فلم يتمكن من جذب إنتباهها لمشاعره.. هذه كانت نقطة ضعفه و مصدر قوتي. تمكنت من جعلها تقع في غرامي، بإختلاس النظرات و اللمسات و القبلات كلما حانت لي الفرصة. حتى جاء ذلك اليوم..."
"أيُ يوم؟!"
"اليوم الذي قرر أبي أن يشن حرباً على إحدى الإمارات التي حاولت الإستقلال عن السلطنة. و ذهبت معه، و بقى أخي هنا فأنا رجل الحرب، و هو صاحب الحكمة. حاولت أوزلام إثنائي عن الذهاب مع أبي، و أن يذهب رستم بدلاً مني. قالت أنها رأت حلماً مفزعاً في الليلة السابقة، و أنها تخشى أن مكروهاً سيحدث لي. ضحكت ساعتها و سخرت من تفكيرها، لكنها أرتني سواراً كنت قد أهديتها إيِّاه يوم صارحتها برغبتي في الزواج منها، و قد إنكسر لنصفين. شعرت بسخف تفكيرها، و وبختها تاركاً إياها و مغادراً القصر لألحق بركب الحرب المرتحل، و كانت هذه هي آخر مرة تقع عيناي على ملامحها الجميلة."

أسيرة الظلWhere stories live. Discover now