أسيرة الظل Salwa M 18

2.7K 233 52
                                    

أسيرة الظل
الفصل الثامن عشر

ظلت تترقب عابري الطريق العائدين من الصلاة، فقد ظل ضميرها يؤنبها على ما قالت. كان يجب أن تعتذر عن السوء الذي فعلته بذلك الرجل. كانت لا تزال ترتدي ملابس السفر، و تغطي ملامحها بالوشاح الحريري الشفاف محاولة إخفاء وجهها الخجل عن المارة. حين لمحته قادماً، عللت دقات قلبها المتسارعة لإرتباكها. هل تعتذر مباشرة؟ هل تبرر سبب فعلتها؟ هل يجب أن تعرفه بنفسها؟ ربما ظنها امرأة مجنونة تتدخل فيما لا شأن لها به. تنهدت و هي منتظرة حتى يأتي نحوها، و في أثناء ذلك كانت تراقبه بتمعن.

كان على عنده يسير وحده، و من خلفه على بعد خطوات، يسير خادمه متتبعاً إياه. ماذا كان اسم الخادم؟ لقد ناده ببهلول. يبدو أن ذلك الخادم يحب سيده بشدة، فقد كان يسرع نحوه، كلما ظن أنه سيتعثر في طريقه، إلا أنه يتوقف فجأة دون أن يعرض مساعدته، حينما يستعيد سيده توازنه و يكمل سيره. تسآءلت لجين عن سبب عدم إمساك ذلك الرجل بعصا أو كلب صغير يدله على الطريق، كما رأت أحد فاقدي البصر في فرنسا يفعل. ربما لأن ذلك الرجل شديد الكبرياء.

نعم لابد و أن السبب كبرياءه.. طويلاً عريض المنكبين كمارد تحيط به هالة من القوة و السلطة، و كأنه ملك يسير بين أفراد حاشيته، و ليس مجرد ضرير يسير في الطرقات بين العامة. كان الناس يلقون إلية بالتحية، و يحنون رؤوسهم له، فظنت في باديء الأمر أنها مجرد شفقة، لكنها تعجبت حينما رأت الإحترام الجلل الذي يحييونه به. يا ويلها! يبدو أنها قد أسأت لأحد الشخصيات البارزة في هذه المدينة حتى قبل أن يرتاح جسدها على الفراش. يجب عليها أن تلجم لسانها السليط هذا.

حين إقترب منها كادت تعتذر، لولا أن سبقها بالكلام قائلاً،
" هل قررت إكمال إهاناتك لي، فنزلتي للطريق كي أسمعها جيداً؟"
فغرت فاهها لبرهة، و ظلت تلتفت وراءها و حولها، ظناً منها أنه يكلم شخصاً آخر.
" هل أكلت القطة لسانك؟ عجيب أمرك، لم تكن لديك أي مشكلة في الصراخ من نافذة غرفتك بالفندق!"
تنحنحت لُجين، و فمها كفم السمكة التي تحاول التنفس بعد إخراجها من الماء.
"كيف عرفت بأنني نفس الشخص؟ أولست ضريراً؟"
" أرى أنك لم تفقدي لسانك، فحمداً لله على ذلك." و ضحك الرجل ساخراً، و أكمل، " رائحة عطرك يا امرأة مميزة، يبدو أنك لست من هذه البلاد، تتحدثين العربية بطلاقة، رغم أن عطرك ليس عربياً." إقترب منها قليلاً يشم رائحتها، فزادت دقات قلبها جنوناً، و رجعت خطوة للخلف، مما جعله يبتسم. " إن عطرك مستخلص من الزهور، أما عطور العربيات فمستخلص من الأعشاب و الأخشاب العطرة. كما أن تلك الجرأة و الوقاحة في الحديث مع رجل غريب، ليست من شيم نساء العرب. لذا يحيرني أصلك. أما عن موضعك فأنا أحفظ هذا الطريق عن ظهر قلب، فأعرف كل شبر فيه. نحن الآن أمام باب النزل، و صوت صياحك يشير إلى أنك كنت في الطابق الأول العلوي، أليس كذلك يا حامية الفضيلة؟!"
" لا داعي للسخرية يا هذا! لقد كنت أنوي الإعتذار لك عن الطريقة التي تحدثت بها معك، رغم أنني لا أرى أنني قد أخطأت في المبدأ و لا المضمون. حين لا تكون غير قادر على فعل شيء، يجب عليك الإمتنان لمن يعرضون عليك المساعدة."

أسيرة الظلNơi câu chuyện tồn tại. Hãy khám phá bây giờ