أسيرة الظل 1

11.7K 410 71
                                    

أسيرة الظلال
يحكى أنه في بلاد بعيدة وراء جبال الصحراء العالية، واحة صارت مملكة معزولة عن الكون. يعيش أهلها على الرعي و الزراعة. كان سكانها داكني البشرة و الشعر، تتفاوت درجات ألوان عيونهم ما بين الأسود و البني، و كانت معالم جمال المرآة لديهم في قوة بنيتها، و تموج شعرها الذي كلما إزداد سواداً، برز حسنه، و كلما تباين سواد العيون مع بياضها، إزدادت المرأة جمالاً.

كان لهذة المملكة ملكاً عُرف بالقوة و العدل بين رعيته، أحب ابنة عمه منذ الطفولة، و كلل قصة الحب هذه بالزواج. و كانت الملكة أجمل امرأة في المملكة. فتاة طويلة ربعة الجسد، شعرها كثيف كموج بحر ثائر حالك السواد في ليل بهيم، و عيناها واسعتان كبيرتان تجمعان الليل بالنهار، و الظلمة بالنور بحدقتين شديدتي السواد تسبحان في بياض ناصع. ملامح وجهها و جسدها جمعت كل صفات الملاحة و البهاء بمقاييس تلك المملكة. كان الملك متيماً بها، و هي أيضاً تعشق كل خصاله و ملامحه. لما لا؟ فهو شديد الطول قوي البنيان شديد الوسامة، ذو قلب حنون و عقل راجح.

بعد الزواج تمنى كل منهما أن يهبهما الله أطفالاً يحملون نفس بهائهما، و جمال قسماتهما. مرت الشهور، و حملت الملكة. و ظل الرعية ينتظرون ميلاد المولود السعيد الذي لا شك أنه سيكون آية في البهاء و الحسن، فالأم و الأب أجمل مخلوقين في المملكة. تمر الشهور، و تشعر الأم بحركة في أحشائها، فيمتلئ قلبها بالسعادة و الفرح، فالجنين مرح يتمتع بالصحة، تكاد تود لو أن الوقت يمر بسرعة البرق فتحتضنه بين زراعيها.. تلك الثمرة التي طرحتها شجرة الحب التي نبتت بينها و بين زوجها.

قالت الملكة يوماً و هي تتكئ على صدر زوجها،" أود أن أحمل طفلك بين يدي بسرعة، و لكن الأيام تمر ببطئ شديد حين ينتظر القلب شيئاً بفارغ الصبر."
"زوجتي الحبيبة كم أتمنى فتاة تشبهك..."
"لا بل صبي يحمل قسماتك، و يصبح ولياً للعرش..."
"كلا فتاة تشبه أمها في الحسن، و ..."
"و تفتن كل شباب المملكة و يتبعونها في كل مكان تذهب إليه، و تشتد غيرة أبيها كما كان يغير على أمها، و ..."
"حسناً.. حسناً، فهمت وجهة نظرك. إحممم!! مهما كان نوع الطفل فهو قطعة منك و مني."
تبسمت الملكة، و إحتضنت زوجها، و هي لا تصدق السعادة التي تعيشها مع ابن عمها، و زوجها، و حبيبها، و والد طفلها المنتظر. وضعت يدها على مكان الجنين في أحشائها، و هي تتساءل ترى من سيشبه منهما؟

في ليلة أمطرت فيها السماء بشدة، بعد سنين من الجفاف، يسمع فيها صراخ الملكة من خلف نوافذ القصر. لفد مرت ساعات، و لم تلد الملكة بعد، و الملك يزرع ممرات القصر مجيئاً و ذهاباً أمام جناح الملكة. كلما خرجت خادمة من الغرفة تحمل إناءاً مليئاً بماء مخلوط بدم أحمر قاني، تدخل أخرى بإناء محمل بماء نظيف ساخن. إستمر الوضع لساعات، و صوت الملكة صار كقيثارة تقطعت معظم أوتارها.

إستوقف الملك إحدى الخادمات ليسألها "ما الذي يحدث؟ لقد إستمر هذا الوضع لساعات! هل زوجتي في خطر؟"
"إن الولادة متعثرة، و الملكة تنزف كثيراً.  أرجو من الله أن يعينها. أستمحيك عذراً يا مولاي."
كاد الملك يفقد صوابه، أيمكن أن يحدث شيء لزوجته؟ لا يتخيل حياته بدونها! و طفله القادم، هل سيعيش؟ 'يا الله! إحفظهما برعايتك!'

أسيرة الظلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن