أسيرة الظلال
يحكى أنه في بلاد بعيدة وراء جبال الصحراء العالية، واحة صارت مملكة معزولة عن الكون. يعيش أهلها على الرعي و الزراعة. كان سكانها داكني البشرة و الشعر، تتفاوت درجات ألوان عيونهم ما بين الأسود و البني، و كانت معالم جمال المرآة لديهم في قوة بنيتها، و تموج شعرها الذي كلما إزداد سواداً، برز حسنه، و كلما تباين سواد العيون مع بياضها، إزدادت المرأة جمالاً.كان لهذة المملكة ملكاً عُرف بالقوة و العدل بين رعيته، أحب ابنة عمه منذ الطفولة، و كلل قصة الحب هذه بالزواج. و كانت الملكة أجمل امرأة في المملكة. فتاة طويلة ربعة الجسد، شعرها كثيف كموج بحر ثائر حالك السواد في ليل بهيم، و عيناها واسعتان كبيرتان تجمعان الليل بالنهار، و الظلمة بالنور بحدقتين شديدتي السواد تسبحان في بياض ناصع. ملامح وجهها و جسدها جمعت كل صفات الملاحة و البهاء بمقاييس تلك المملكة. كان الملك متيماً بها، و هي أيضاً تعشق كل خصاله و ملامحه. لما لا؟ فهو شديد الطول قوي البنيان شديد الوسامة، ذو قلب حنون و عقل راجح.
بعد الزواج تمنى كل منهما أن يهبهما الله أطفالاً يحملون نفس بهائهما، و جمال قسماتهما. مرت الشهور، و حملت الملكة. و ظل الرعية ينتظرون ميلاد المولود السعيد الذي لا شك أنه سيكون آية في البهاء و الحسن، فالأم و الأب أجمل مخلوقين في المملكة. تمر الشهور، و تشعر الأم بحركة في أحشائها، فيمتلئ قلبها بالسعادة و الفرح، فالجنين مرح يتمتع بالصحة، تكاد تود لو أن الوقت يمر بسرعة البرق فتحتضنه بين زراعيها.. تلك الثمرة التي طرحتها شجرة الحب التي نبتت بينها و بين زوجها.
قالت الملكة يوماً و هي تتكئ على صدر زوجها،" أود أن أحمل طفلك بين يدي بسرعة، و لكن الأيام تمر ببطئ شديد حين ينتظر القلب شيئاً بفارغ الصبر."
"زوجتي الحبيبة كم أتمنى فتاة تشبهك..."
"لا بل صبي يحمل قسماتك، و يصبح ولياً للعرش..."
"كلا فتاة تشبه أمها في الحسن، و ..."
"و تفتن كل شباب المملكة و يتبعونها في كل مكان تذهب إليه، و تشتد غيرة أبيها كما كان يغير على أمها، و ..."
"حسناً.. حسناً، فهمت وجهة نظرك. إحممم!! مهما كان نوع الطفل فهو قطعة منك و مني."
تبسمت الملكة، و إحتضنت زوجها، و هي لا تصدق السعادة التي تعيشها مع ابن عمها، و زوجها، و حبيبها، و والد طفلها المنتظر. وضعت يدها على مكان الجنين في أحشائها، و هي تتساءل ترى من سيشبه منهما؟في ليلة أمطرت فيها السماء بشدة، بعد سنين من الجفاف، يسمع فيها صراخ الملكة من خلف نوافذ القصر. لفد مرت ساعات، و لم تلد الملكة بعد، و الملك يزرع ممرات القصر مجيئاً و ذهاباً أمام جناح الملكة. كلما خرجت خادمة من الغرفة تحمل إناءاً مليئاً بماء مخلوط بدم أحمر قاني، تدخل أخرى بإناء محمل بماء نظيف ساخن. إستمر الوضع لساعات، و صوت الملكة صار كقيثارة تقطعت معظم أوتارها.
إستوقف الملك إحدى الخادمات ليسألها "ما الذي يحدث؟ لقد إستمر هذا الوضع لساعات! هل زوجتي في خطر؟"
"إن الولادة متعثرة، و الملكة تنزف كثيراً. أرجو من الله أن يعينها. أستمحيك عذراً يا مولاي."
كاد الملك يفقد صوابه، أيمكن أن يحدث شيء لزوجته؟ لا يتخيل حياته بدونها! و طفله القادم، هل سيعيش؟ 'يا الله! إحفظهما برعايتك!'
أنت تقرأ
أسيرة الظل
Spiritualهل هي هدية من السماء، أم ابنة للشيطان كما قالوا عنها؟ حكاية فتاة سُجنت خلف قضبان الجهل.. فتاة تهرب دوماً من ضوء الشمس و نظرات القسوة في عيون الأخرين، لتلتحف بنور القمر..