أسيرة الظل Salwa M 13

2.7K 191 51
                                    


أسيرة الظل

الفصل الثالث عشر

مرت السنوات، لتتحول خلالها لُجين من طفلة جميلة لشابة يافعة باهرة الحسن في الخامسة عشر. كانت تقضي وقتها بمساعدة جوليا في الحقل منذ الساعات الأولى للصباح، لتتركها مع المزارعين الأخرين و تذهب للبيت عند إنتصاف النهار، كي تعد الطعام، و أيضاً هرباً من شمس الظهيرة الحارقة. 

كانت الأيام تمر على وتيرة واحدة، أما الأمسيات فكانت شيئاً أخر، ففي فصلي الربيع و الصيف، كانت تذهب مع جوليا لقضاء ليالي السمر و الغناء مع فتيات و فتيان الغجر في حفلاتهم الراقصة، و في الخريف و الشتاء عندما ترتحل قبائل الغجر لمكان أكثر دفئاً، كانت تستمع لحكايات جوليا عن موطنها، و عادات قومها. كانت تحكي هي الأخرى عن والدها، و طرائفها معه.

في أغلب الأحيان كانت الدموع تغلب حواجز أهدابها و تفر منحدرة على خدها الأسيل، فتأخذها جوليا لأحضانها، واعدة إياها أنها لن تترك فيليبو يبيعها أبداً، فقد صارت إبنة لها.. ساعتها تبتسم لُجين، و تقبل يد جوليا مخبرة إياها أنها الوحيدة التي منحتها حنان الأم الذي لم تحسه منذ ولادتها.

ذات يوم، أخبرتها جوليا أنها بحاجة لتعلم دروس في عزف البيانو، فكل بنات الطبقة الراقية يتقنون العزف عليه. تعجبت لُجين من قولها، فما شأنها و فتيات الطبقة الراقية، لم تعد أميرة ذات حاشية ترفل في ثياب فخمة و تسكن القصور.. إنها الآن فلاحة صغيرة لها صداقات كثيرة مع الغجر و المزارعين، فما بال جوليا تصر على أن تعلمها آداب الطاولة و الرقص، و تطلب منها قراءة كتب أدباء و فلاسفة فرنسا و أسبانيا..؟! بل وصل بها الأمر أن تدعو أحد الرهبان للبيت كي يعلمها قواعد الفرنسية الفصحى و اللغة الأنجليزية. 

إستطاعت لُجين تعلم الفرنسية العامية و الإسبانية من جوليا، و تعلمت البرتغالية و الرومانية من قبائل الغجر إضافة إلى العربية و الأمازيغية* التي تعلمتهما في وطنها الأم. كما برعت في العزف على الرق و الجيتار، و صار غنائها كشدو البلابل.

كانت لُجين ترى ألا طائل* من كل ذلك، لكنها كانت تلبي كل أمر يصدر عن جوليا ،رغبة منها في إرضائها، و إسعاد قلبها الحنون. كانت تعلم أنها تعاملها كابنة حقيقية لها، فما كان للشابة الجميلة سوى أن تلبي تلك الأمنيات كابنة مطيعة. و بفضل ذكائها، و براعة معلميها، صارت أكثر مما توقع الجميع لها.

أما عن الحاضر الغائب فيليبو، فقد زارهم مرة واحدة خلال تلك السنوات الماضية، جالباً معه أحدث الأقمشة، و مجموعة من المجوهرات هدية لجوليا، التي قامت بدورها بإعطائها للُجين، مما أثار غضب فيليبو، فما كان من جوليا إلا أن أذاقته مرارة ألم إرتطام مقلاتها برأسه، مؤنبة* إيّاه بأن الجواهر قد صارت ملكاً لها بعد أن أهداها إليها، و بالتالي لها حرية التصرف فيما تفعل بها.

أسيرة الظلDove le storie prendono vita. Scoprilo ora